أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بكرأبوبكر يكتب – النظام السياسي التركي والتوازن!

بكرأبوبكر 29/7/2020

في حوار صاخب دار عن دور النظام الإيراني والنظام التركي كل في بلده، ودور كل منهما تجاه الأمة العربية، وتجاه البوصلة الحقيقية لتقييمنا نحن أي تجاه فلسطين، تعددت الآراء وتنوعت. ولأننا نقدر ونحترم الديمقراطية والحوار وحسن التفهم، مع ثبات المرجعية، استمعنا وتحدثنا واختلفنا واتفقنا، ومما دار وقلناه.

بشأن الزعيم الأول أو الزعيم الثاني أو النظام السياسي، ومنه بشأن الرئيس والنظام التركي محور الحديث الأساسي قلنايمكنك مدحه أو ذمّه فهذا شأنك من زواية النظر لما فعل في بلده، ثورة أو غير ثورة، تغيير أم تدمير، تقدم أم تراجع بتوازن، أم بمبالغة، وما أكثر الناظرين بمبالغة إيجابية حين الرضا وبمبالغة سلبية حين الغضب.

وكثيرًا ما يُغمض المادحون العين عن المساوئ، ولو كانت بحجم جبل أحد، ويظهرون المحاسن ولو كانت إبرة في كومة قش! وبارك الله فيمن استطاع أن يوازن.

النظام السياسي التركي من الداخل

في ظل إسراف إحد المتكلمين في مديح النظام التركي قال أحد الأخوة الحاضرين: يمكنك مدح أو ذم أي نظام سياسيأو رأسه كممثل للنظام،أو الحزب أوكشخصية منفصلة ولكلّ طريقته أو زاويته،ولكن بمعنىآخر يمكنك النظر للنظام التركي الحالي -محور الحديث الرئيسي– برئاسة أردوغان أيضا من زاوية تقييدهللحريات وسجن عشرات الآلاف من المعارضين وانفضاض أقرب المقربين عنه من حزبهلسبباستبدادهوديكتاتوريته-كما أشاروا جميعا- ومنهم الرئيس السابق عبدالله غول، ووزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو منظّر التغييرالحقيقي في تركيا، والذيأدان تصرفات الرئيس و”مجموعة البجع”!وإذا كان الرئيس أردوغان قد أحدث انقلابًا جيدًا (كما قال أوكتب البعض) أو سيئًا (كما ترى المعارضة من حزبه ذاته، أو من الأحزاب الأخرى)في تركيا، فهذا يحكمه نظرة الشعب له، بعيدا عن استغلال الدين في كل موضع وتحرك،فداء للهوى الشخصي وعبادة الفرد.

يحكم النظر الحقيقيللحزب أو الرئيس في أي بلد ديمقراطي مستوى تطبيق الديمقراطية، ومنطق احترام الحريات، والقوانين، ورأي المعارضة وأصدقاؤه القدامى،والأكراد المضطهدين حتى في لغتهم على عكس العراق مثلا.

يمكنك السؤال عن الرئيس أردوغان من وجهة نظر معلّمه فتح الله كولن صاحب النظرة الصوفية والفكر الاسلامي المستنير،أو من زاوية النظرةالاتهامية من معلمه الأسبق نجم الدين أربكان.

عمومًا فإن المنصف لا ينكر لمجموع قيادة حزب العدالة والتنمية التركي (الإخواني الجذور)أنه طوّر البلد لمصلحة البلد أولا، وليس بالطبع لا لمصلحة العرب ولا لمصلحة فلسطين. أي شعاره تركيا أولًا وتمددها بالمحيط.

لنقل بدقة أنه لم تكن النظرة الحاكمة للحزب أو النظام الحالي في تركيا مصلحة الأمة مثلا أو القيم الاسلامية! تلك القيم التي يتلاعب فيها اليوم عديد الدول والأحزاب والشخصيات الاستبدادية عبر شعارات شعبوية لا ترسخ إلا القلق الجماهيري والتشتت، والإستغباء السياسي، والنظر بعين عوراء، وعبادة الفرد.

دعني أقول لك: لنترك تقييم الحكم السياسي التركي للأتراك أنفسهم، ونحترم التعددية بالنظرة مع وضد، أما بشأننا نحن أي العرب ثم فلسطين فالنظرة قد تختلف كليًا.

من وجهة نظر العرب

من وجهة نظر العروبة التي تجمعنا وإخواننا في كل الدول العربية بالجغرافيا والتاريخ والنسب والأرض واللسان العربي والدين (عرب وأمازيغ وكورد) ومسيحيين ومسلمين عرب، قد نختلف مع التحليل الداخلي للموقف التركي، وقد لايهمنا كل ما سبق باعتباره شأن داخلي تركي، لأن الاهتمام بدائرتنا العربية هو الأولى والأهم.

نحن كعرب (وكل دول العالم فيما بينها) ما يهمنا هو من يتعامل معنا، خاصة من جيراننا الإقليميين، بالقواعد الثلاثة الرئيسة لعلاقات الدول أي:

بالاحترام المتبادل.

وحُسن الجوار، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للآخر.

والتبادل الاقتصادي العادل.

أظن أن هذه نظرة واقعية عادلة، ولكن للأسف الشديد فان النظام التركي-وللحق ما قبل نظام حزب أردوغان- قد اقتطع لواء الاسكندرون من سوريا (الى اليوم)،وإن قلنا أن هذا قديم؟ فما بالنا نطالببالجزرالاماراتية المحتلة من إيران؟ وسبتة ومليلية في المغرب؟أفهذا أيضا قديم!؟ بمعنى عفا عليه الزمن؟!

وماذا عن فلسطين؟

حرب الماء ضد العرب

لنفكر معا! وإن وضعنا لواء الاسكندرون المحتلمن قبل تركيا جانبا (الذي تقترب مساحته من مساحة الضفة الغربية)، فكيف نفهم حصار النظام التركي الظالم للعراق وسوريا بالماء من منابع نهري دجلة والفراتعندها، رغم الاتفاقيات الدولية والاتفاقيات مع العرب

إنه الحصار المائي الذي أوصل الحالة اليوم لانقطاع الماء العذب والكهرباء عن بلدينا العربيين واللذان كان لهما موقف منذ عهد صدام والأسد ضد الاحتكار المائي التركي،والذي يتقاطع بقوة حاليا مع الحصار الأثيوبي المائي لأم الدنيا مصر.

يتواصل الحصار المائي للعرب بواقعية انتهازية مناهضة للمثالية (القيم والدين والضمير) عبر إحكامأشد،خاصة فترة أردوغان بسياسة تتوافق مع استضعاف الأمة العربية بحصارها المائي (مصر وسوريا والعراق) وابتزاز نفطها وغازها (ليبيا) فهل نعتبر ذلك من مظاهر احترام حسن الجوار، والمصالح الاقتصادية المتبادلة؟!

هذه الحالة العدائية مع العرب بالاحتلال وحصار الماء، ودعم المتطرفين الاسلامويين، وعمق العلاقة التركية الإسرائيلية القديمة والحديثة كان المؤمل أن تختلف كليَا بمجيء أردوغان وحزبه الاسلاموي المعنون (العدالة والتنمية) الذي رفع بالبداية شعار صفر مشاكل مع الجميع ليتحول بعد انفضاض أعمدة الحزب عنه وبقاء أردوغان فقط، الى أم المشاكل مع العرب، وليس مع اسرائيل” أو ايران اللاعبين الاقليميين الأخرين في المنطقة العربية.(مع فارق لا تخطئه العين أن التناقض الرئيسي لدينا هو الاحتلال الصهيوني، فلا مقارنة معه).

كيف نفهم السيطرة (أم نقول الاحتلال) التركي لشمال سوريا لمساحة تقترب من 9000 كم2 (أكبر من لواء الاسكندرون)، ودعمه للمتطرفين الاسلامويينهناك ونقلهم الى ليبيا؟! واعتداءاته وسيطرته على شمال العراق، والاعتداء المتكرر على شعبي البلدين؟ ومحاصرة أكراد البلدين؟ ورعاية القوى الارهابية في إدلب ومحيطها؟

قد يقول قائل من الفاشلين الساخرين بآلام شعبنا السوري،أن كل سوريا مقسّمة ومحتلة من الأمريكان والروس والإيرانيين؟ فلماذا الحديث فقط عن الأتراك؟ وهل أحتلال الأول يبرر الاحتلال الثاني! فكله احتلال وكله يجب أن يطرد من سوريا الى غير رجعة، كما من الدول العربية الأخرى، وبالطبع من فلسطين.

شتم مقابل شتم!

طيب الله يلعن أبوالعرب! (كما أشار أحدهم بالحوار غاضبًا! وهو بالحقيقة يشتم نفسه وإن قصد الدول العربية) مضيفًا أنهم: لا ينظرون لنا في فلسطين كقضية مركزية؟ فلِمَنتبنى الفكر العربي؟ والنظرة العربية الشمولية كأننا جزء منها؟ ولِمَ نتبنى قضاياهم؟

لنقول له ولأمثاله وهل مركزية القضية أن نطلب دعم الأمة العربية، ونحن لا ندعمهم بالمثل حين الشدة والاعتداء الخارجي؟!

نحن نطالب بمركزية القضية من العرب (وهذا حق) منذ العام 1936 على الأقل فصاعدا، حيث قدموا ما قدموا وتراخوا ما تراخوا وقصروا ما قصروا، واستشهدوا معنا وجرحوا، وتخاذلوا وثاروا وتباطئوا…الخ، ولكل مرحلة تقييمها، ولكنهم مازالوا يقدمون!وإن بتفاوت أحيانا وتمنّع أحيانًا أخرى.

هل نواصل طلب الدعم ونشتم ونخوّن ونتهم! ونتساوق مع الشتامين العرب الآخرين بالمقابل على وسائل التدمير الاجتماعي؟ ونتخلى عنهم حين أي اعتداء خارجي على أي من بلدانهم، بلداننا العربية،أن هذا تفكير لا يستقيم؟

لنترك العرب أو الأنظمة العربية جانبا، وتنظيراتهم أو تنظيراتنا الفارغة بحقهم! كما قد يقول قائل ممن يحتقر أمته ولسانه،فهم –أي نحن العرب- غير موحدين ومتقاتلين،وبالتالي لا يستطيعون أن يرفعوا لواء الوحدة أو التضامن باستثناء قرارت القمة العربية الضعيفة والتي لا تسوى الحبر الذي كتبت به!

لذا ليس لنا إلا الارتباط بالاسلام العظيم وليس العرب وكأننا كعرب دول ومؤسسات وجماعات ومجتمعاتما نحن إلا كفار وزنادقة أو مجتمعات جاهلية! ولم يبق بالأمة من يمثل الإسلام أو يرفع راية الاسلام سوى الاخوان المسلمين” وداعميهم من دول مثل النظام التركي الحالي،أو جماعة الولي الفقيه في الاتجاه المخالف؟

ركّز على فلسطين.

قال: دعك من هذا كله، وركّز على فلسطين المفترض أنها قضية الأمة المركزية، وانظر لعظمة الرئيس أردوغان وعدم مصافحته باليد مع “شمعون بيريز”الرئيس الإسرائيليوذلك في مؤتمر دافوس عام 2014ثم مغادرته القاعة.

وأنظر لتهديداته الكثيرة ضد الإسرائيلي،وتابع علوّ صوته ورايته الخفاقة لأجل القدس، وانتصاره على “إسرائيل”بمقاضاتهابشأن سفينة مرمرة وغيرها،أفلا يكفيكم ذلك؟ ولا تقل لي أن الأمة العربية حائطنا، وظهرنا ودائرتنا الأولى! فهم كما تركيا تمامًا لهم علاقات مع اسرائيل؟ فلا فرق!

وإن اعتبرت أن الطرفين مسلمون، فعلاقات تركيا مع الاسرائيليين بالعلن واضحة وهذه ميّزة، وليست مخفية كدول الخليج العربي! فبالتالي لا فرق بين الطرفين لا بالاسلام كشعارات،أو بالحقيقة المطبّقة على الأرض،والى ذلك هما يتفقان في التعامل/التطبيع مع اليهود من فوق الطاولة أو تحت الطاولة؟

قال وقلت وقال غيرنا: قد تجد مثل هذه التحليلات الكثير، سواء تلك التي تدافع عن غزو إيران للعرب، في 4 عواصم رئيسة كما قالت إيران ذاتها،أو غزو تركيا للأمة في 4 بلدان مماثلة أو مختلفة، وقد تجد من يسجّل نقاطًا لهذه الدولة (أوزعيمها)أو تلك من زاوية نظر أيديولوجية أو(انبهارية مثالية) مرتبطة بنظرة الرجل العظيم الـتأليهية الساقطة من زمن قديم،وهي النظرة التي تتساوق مع المخطط التصفوي الأمريكيالاسرائيلي لتقسيم المنطقة، وكسر رقبة العرب (بما أنه لا قيمة لهم، والمطلوب فقط ثرواتهم) حيث ضرورة اشتعال حرب المحاور (الشيعة=ايران، والسنة=تركيا) ، وإذكاء فتنة الصفوي مقابل العثماني! في استدعاء لقديم غابر، وصراعات يحكم عليها من هذه الزاوية الطائفية المقيتة بالتأبيد؟

نحن الفلسطينيون جزء من الحضارة العربية الاسلامية وبالاسهامات المسيحية في بلادنا، وبالفهم التقبّلي التعددي المدني المتسامح، ونحن أولًا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية،كما هي الحقيقة التاريخية والحضارية، وكما علمنا ياسر عرفات وخالد الحسن وصلاح خلف وجمال عبدالناصر، وهواري بومدين والشيخ عبدالله السالم الصباح،والشيخ زايد وغيرهم الكثير،لذا فمركبنا لاتسير للتحرير إلا بهم، أي بإخواننا.

فنحن منهم وهم منّا شاء من شاء وأبى من أبى، ومن يغضب على عائلته حتى وأن كان محقًا في غضبته لا يُطلق عليها النار أبدا، إلا من انتمى لقطاع الطرق.

وإن من يركب معنا المركب على قاعدة الاحترام المتبادل وحُسن الجوار والتخلي عن الاحتلال، ودعم فلسطين،وعلى قاعدة الإنصاف والتوازن من أخواننا في الأنظمة السياسية عامة أو قياداتها من أحزاب، وخاصةتركيا أو إيران المجاورتين فاهلًا بهما دومًا، فالمركب يتسع لكل الأحرار.

لكن ما لا نتقبله كعرب فلسطينيين من جيراننا الإقليميين وإخواننا العرب-مهما اختلفنا بالتحليل والنظرات-أمور ثلاثة

أولا: لا نقبل أن تكون فلسطين كرة يتقاذفونها فداءً لمصالحم، أي هذه الدولة أوتلك، أو فداءً لهذا الزعيم (او الحزب) أوذاك.

وثانيا:لا نقبل أن يبيعوننا شعارات عظيمة، ولكنهم يفتحون شريان الاقتصاد بالمليارات مع التناقض الرئيسي أي الاسرائيلي! فلا حرب ولا سلام ولا سياسة تتناقض مع الاقتصاد واتجاهاته مطلقا، وإنما تتكاملان معًا ضد التناقض الرئيسي، وهما معًا جزء من الصراع، وإلا لكنا قد اتخذنا من الغباء السياسي دينًا لنا.

أما ثالثا: فلا نقبل، ولا نفهم معنى استغلال الدين من أي دولة أو أي طائفة بالمنطقة، أو من أي قائد أوحزب أوسياسي، والثروات تتراكم هنا وهناك والشعارات الاسلاموية المثاليةتطيح بالمساكين من الإمعات الذين لطالما خُدعوا وما يزالون يُخدعون بالشعارات ليصفقوا لهذا أو ذاك دون أن يزيلوا الغشاوة من على عيونهم.

نحن كعرب فلسطينيين وبغض النظر عمن يناقضنا أو يختلف معنا فهذا شأنه ونحترمه في إطاره، فلن نصفق لا لهذا النظام السياسي ولا ذاك مطلقًا، فعيوننا فقط على فلسطين، ومن يريد أن يركب مركب التحرير بشروط المركب من الإيمان والتضحية،فأهلا وسهلا به ، وإلا دعوهم ينظّرون ويصفقون لهذا النظام الاقليمي أو ذاك النظام العربي كما يشاؤون، إنها فتنة وهي منتنة.

تموز/يوليو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى