شوؤن عربية

بغداد الميدان الحاسم في معركة انتخابية بين قوى شيعية وسنية مشتتة

العرب ٦-٥-٢٠١٨م
يقف العراق بعد هزيمة تنظيم داعش، على مفترق طرق الانتخابات البرلمانية المقبلة في 12 مايو 2018. وعند هذا المفترق، يحاول العراق التغلّب على مجموعة من التحديات من أجل منع حدوث انحدار آخر إلى حالة من عدم الاستقرار وتقوية شوكة الإرهاب والطائفية.
وحاولت الميليشيات الشيعية، التي يوالي أغلبها إيران، ترجمة النجاح الذي تحقق في الحرب ضد تنظيم داعش إلى رأسمال انتخابي من أجل الاندماج في المشهد السياسي، ومن المتوقع أن يحافظ المعسكر الشيعي على قوته في البرلمان.
ويعكس العدد الكبير من الآلاف من المرشحين والكيانات السياسية في العاصمة بغداد لوحدها، حجم المعركة الانتخابية الشرسة التي تخوضها الأحزاب للحصول على مقاعد بغداد البرلمانية، والتي تعادل مقاعد ست محافظات بأكملها.
والانتخابات البرلمانية 2018 هي ثاني انتخابات عراقية منذ الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011، كما أنها رابع انتخابات منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، والتي ستجري لانتخاب 328 عضوا في مجلس النواب (البرلمان) الذي بدوره ينتخب رئيسي الوزراء والجمهورية.
ويتنافس 2188 مرشحا في بغداد لوحدها، ضمن 41 تحالفا وحزبا سياسيا لشغل 71 مقعدا نيابيا هي حصة بغداد، وفقا لعدد سكانها، بينها 17 مقعدا تخصص للنساء، وهناك مقعدان اثنان مخصصان لكوتا الأقليات من المسيحيين والصابئة.
وتمتاز بغداد التي يسكنها نحو سبعة ملايين ونصف المليون شخص عن غيرها من المحافظات باختلاطها الديني والعرقي والقومي، ولهذا فإن جميع الأحزاب الدينية والعلمانية والقومية لها فرصة للمنافسة على نحو ربع مقاعد البرلمان، لكن المنافسة الأكبر ستكون بين الأحزاب السنية والشيعية.
ويشير مصطفى حبيب، الصحافي في موقع نقاش، في تقرير يرصد حيثيات المعركة الانتخابية الشرسة والاختبارات القاسية التي ستمر بها القوى السياسية التي تخوض هذه الانتخابات وسط انقسامات حادة.
تعيش الأحزاب الشيعية على وقع خلافات عميقة بين مكوناتها، وبعدما كانت تدخل في الانتخابات موحدة في تحالف واحد، أو عبر تحالفات عدة لكنها متوافقة على التوحد بعد الانتخابات، إلا أن الخلافات الحالية تبدو واسعة.
فحزب الدعوة الذي يمتلك منصب رئاسة الحكومة وهو المنصب الأقوى في البلاد انقسم إلى جناحين، هما تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وتجاوز التيار الصدري كل التوقعات بإعلانه التحالف مع أحزاب يسارية ومدنية في الانتخابات، وفجّر مفاجأة بالذهاب بعيدا نحو التحالف مع الحزب الشيوعي.
وللمرة الأولى يشارك تحالف شيعي جديد هو تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وهو عبارة عن تحالف ميليشيات الحشد الشعبي القريبة من إيران، التي تسعى إلى استثمار شعبيتها التي حققتها في المعارك ضد تنظيم داعش، وأيضا نفوذها داخل الأحياء والمناطق عبر مكاتب تابعة لها داخل الأحياء الشيعية والسنية.
ويعد تحالف النصر وائتلاف دولة القانون وتحالف سائرون نحو الإصلاح بزعامة مقتدى الصدر وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، القوى الشيعية التقليدية المتنافسة على أصوات السكان الشيعية. وقدم كل حزب من هذه القوى الشيعية 137 مرشحا في إشارة إلى التنافس المحتدم بينها على مقاعد العاصمة.
ودعا ممثل المرجعية الدينية الشيعية الأعلى في العراق الشيخ عبد المهدي الكربلائي إلى عدم “الوقوع في شباك المخادعين” وإعادة انتخاب “الفاشلين والفاسدين”، قبل أسبوع من الانتخابات المقررة في 12 مايو.
تحالفات السنة
على مستوى المنافسة السنية في بغداد فإنها تتركز حول تحالف القرار، بزعامة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، وائتلاف الوطنية، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي تحالفت معه أحزاب سنية بينها الحزب الإسلامي العراقي بزعامة رئيس البرلمان سليم الجبوري، وائتلاف العربية بزعامة السياسي صالح المطلك.
وبرزت إلى جانب القوى السنية التقليدية، تحالفات جديدة تسعى للمنافسة في الأحياء السنية وأبرزها تحالف تضامن، بزعامة الشخصية العشائرية المعروفة، وضاح الصديد. وقدم كل منها قوائم بـ37 مرشحا.
وبعد أن كانت موحدة في الانتخابات السابقة، تعرضت قوى وأحزاب علمانية ومدنية إلى الانقسام في الانتخابات المقبلة، وكان الخلاف الكبير بين حركة تمدن بزعامة النائب فائق الشيخ علي وبين الحزب الشيوعي.
ويعود الخلاف إلى تحالف الحزب الشيوعي مع التيار الصدري (الإسلامي) في ظاهرة فريدة في المشهد السياسي العراقي، فيما قرر التحالف المدني الديمقراطي بزعامة غسان العطية المشاركة بشكل مستقل.
ودفع تنامي الانتقادات الشعبية ضد الأحزاب الإسلامية، وصعود شعبية القوى والتيارات المدينة والعلمانية بعد التظاهرات الشعبية التي قادتها ضد السلطة منذ صيف العام 2015، قوى وأحزابا إسلامية إلى تغيير أسمائها نحو عناوين جديدة تحمل اسم المدنية. ومثلا فإن الحزب المدني الذي يشارك في الانتخابات بقوة عبر حملته الانتخابية الواسعة بزعامة حمد الموسوي، هو في الواقع حليف معروف لائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.
الأكراد ينافسون في بغداد
برغم الخلافات العميقة بين الأحزاب الكردية وتراجع شعبيتها في بغداد وباقي المحافظات بعد تنظيم استفتاء الاستقلال على الانفصال في سبتمبر العام الماضي، إلا أنها قررت المنافسة أيضا في بغداد. ويشارك الاتحاد الوطني الكردستاني بـ10 مرشحين، فيما تشارك النائبة الكردية البارزة آلاء طالباني في انتخابات العاصمة ضمن تحالف بغداد.
وتخوض حركة الجيل الجديد بزعامة رجل الأعمال ساشوار عبدالواحد والمعروف بمعارضته للأحزاب الكردية الرئيسية في إقليم كردستان، أيضا المنافسة في بغداد. وتشارك عبر 27 مرشحا للحصول على أصوات السكان الأكراد في العاصمة العراقية وأيضا يعوّل على أصوات ناخبي العاصمة من السنة والشيعة الراغبين باختيار أحزاب وقوى جديدة وليست قديمة.
أما المسيحيون فيخوضون الانتخابات في بغداد عبر ستة كيانات سياسية للمنافسة على مقعد واحد مخصص لهم وفق نظام الكوتا، وهذه القوى هي المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري واتحاد بيث نهرين الوطني وحركة تجمع السريان وائتلاف الكلدان وائتلاف الرافدين وحركة بابليون المدعومة من قبل فصائل الحشد الشعبي.
والشيء نفسه مع الأقلية الدينية الصابئية التي تمتلك مقعدا واحدا في بغداد وفق نظام الكوتا وتتنافس عليه ست شخصيات من أبناء هذه الديانة، وبعض هذه الشخصيات مدعوم من أحزاب كبيرة طمعا في نيل هذا المقعد.
ويحق لـ24 مليون عراقي الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات من أصل 37 مليون نسمة. وسيواجه الفائز في الانتخابات مهمة شاقة تتمثل في إعادة بناء البلد الذي دمرته الحرب وخوض معركة ضد الفساد المستشري الذي يأتي على إيرادات البلاد من النفط. وتقول بغداد إنها ستحتاج مئة مليار دولار على الأقل لإعادة بناء المنازل والأعمال التجارية والبنية التحتية التي دمرتها الحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى