أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

بسام ابو شريف يكتب – في ذكرى استشهاد القائد ياسر عرفات

بسام ابو شريف

لم يخش الموت يوما ، انما كان حذرا باستمرار ما كان يخشى القتال يوما انما كان حريصا على الاعداد والاستعداد ما كان فظا في حياته… انما كان جادا وحريصا على الاستقامة ما كان وحيدا في أي لحظة … فقد كان الشعب عائلته
وبعد …………
كان سريع البديهة، وقادا ولاذعا عندما يستدعي الموقف لذاعة، كان حنونا على الأطفال وله من الأطفال آلاف … هم أبناء وبنات الشهداء
في أيام الأعياد كنت أرافقه لتناول الغداء مع أولاد وبنات الشهداء ….
ما كان يتذوق لقمة الا ليشجع طفلا على الأكل وتناول الطعام، وما كان يتناول الحلوى الا ليشجع الأطفال على تناولها بفرح وابتسام، كان يربي أجيالا وكله أمل بأن يعيدهم معه الى دولتهم المستقلة، كان حلمه الذي تحول الى هدف شده وقولب كل خططه لتحقيقه.
أراد لشعبه دولة مستقلة، واستخدم العدو حلمه للضغط عليه وجره الى كمائنهم.
ياسر عرفات المقاتل الحذر كان يقرأ ما يجول في عقل العدو.
ليلة اغتيال القائد ابو جهاد
كنا نرافق “الختيار”، في جولة عربية في محاولة لمنع تفجر الأوضاع في المنطقة وصلنا الى قطر التي كانت محطة الوفد قبل التوجه للسعودية، جلسنا في غرفة الاستقبال في جناح ياسر عرفات (ياسر عرفات وصلاح خلف وأنا وآخرون)، ثم خلت الغرفة الا من القائد ابو عمار والقائد ابو اياد وأنا، وكان قد طلب من مرافقيه الاتصال بالقائد ابو جهاد “خليل الوزير” كان قلقا على ابو جهاد وتحدث معه هاتفيا وهو يمسك بتقرير “سري جدا”، يحذر فيه كاتبه من عملية لاغتيال القائد ابو جهاد، وقد أحاط الرئيس ابو عمار اسم ابو جهاد بدائرة بقلم أحمر، وسمعناه يصرخ بابو جهاد بغضب شديد ويعاتبه لعدم مغادرته تونس (طلبت منك مغادرة تونس، وكان عليك أن تغادرأمس لماذا لم تغادر يا ابو جهاد ) ، أجابه ابو جهاد بهدوء ان “الشباب أرادوا يوما لقضائه مع عائلاتهم ، فقد مضت فترة طويلة لم يشاهدوا خلالها أطفالهم”، وتابع ابو عمار بغضب شديد تأنيب ابو جهاد لبقائه في تونس، وأبلغه ابو جهاد بأنه سيغادر فجرا.
لم أر ياسر عرفات من قبل بمثل هذه الحالة من التوتر، رافقته للطابق العلوي حيث غرفة نومه محاولا تهدئته، فنظر الي بحنان الأب وقال: “أنا خايف عليه يخططون لاغتياله وصلتني معلومات مؤكدة ” ، عدت لغرفة الاستقبال وألقيت تحية وقلت لابو اياد: “سوف آخذ قسطا من الراحة سأكون في غرفتي”، وتوجهت لغرفتي وألقيت بجسمي المنهك على السرير لأغط فورا في نوم عميق من الارهاق، استيقظت على صوت طرق على باب غرفتي …. طرق متتابع وملح فسألت : من هناك فأجاب أحد المرافقين قائلا: الأخ ابو اياد يريدك فورا فتحت الباب وتوجهت معه فورا، كنت قد نمت بثيابي وحذائي ولم أكن بحاجة لوقت لأهيء نفسي … دخلت غرفة الاستقبال لأجد ابو اياد مطرقا ، وقد بلل الدمع عينيه وقفت مشدوها … قال لي بصوت يكاد لايسمع: “استشهد ابو جهاد، وأنا لاأستطيع أن أبلغ ابو عمار أنت الوحيد القادر على ايقاظه وابلاغه بالكارثة”، ترددت أنا لاأحب ابلاغ الأخبار الكارثية لكن الظروف صعبة، ولابد من ايقاظ الرئيس وابلاغه.
صعدت للطابق العلوي ببطء، ثم طرقت الباب فلم يرد في بادئ الأمر، فكررت الطرق واذا بصوته يعلو سائلا: “مين بخبط؟”، كان ايقاظ ياسر عرفات من نومه مكروها لديه كان يحب الاستغراق في النوم ولو لساعة واحدة، قلت: هذا أنا
سأل: بسام
قلت: أجل، وفتح الباب ببطء ونظر الى وجهي قائلا : ابو جهاد أليس كذلك؟ هززت رأسي
قال: اهبط للصالة سوف ألحق بك.
دقائق مرت قبل أن يظهر بيننا، وقد جفت دموعه بعد أن تركت آثارها، وتصرف كقائد معركة وراح يوجه التعليمات: بسام ابدأ بكتابة بيان سياسي وميداني، وأمر باجراء اتصال مع مرافق ابو جهاد وسأله ابو عمار: “الشنطة فين؟”، أجابه معي سيدي الرئيس فرد عليه  “روحك والحقيبة اياك يجب أن تسلمها لي أنا فقط”.
(كانت حقيبة ابو جهاد الخاصة تحتوي على لوائح الأعضاء والمقاتلين داخل الأرض المحتلة)
ثم تحدث مع ام جهاد… وقرر أن نتابع جولتنا كما كانت مقررة.
كانت تلك أكبر الضربات التي وجهها العدو لقيادة الثورة ، ولياسر عرفات … لقد اغتالوا ابو جهاد الذراع الضارب للعدو على أرض فلسطين.
قال ابو عمار ونحن في طريق العودة: “اسرائيل تشن حربا شاملة، وستحاول تصفية القيادة فردا فردا بعد هزيمتهم وفشلهم في بيروت .. اخترقوا تونس ولديهم حلفاء في المتوسط وعلينا الحذر” ، ونظر الى ابو اياد محدقا: الحذر.. الحذر.
منذ أن عدنا من تلك الرحلة كان ابو عمار يرسل مرافقا من مرافقيه في آخر الليل ليصحبني الى مقر من مقراته السرية لأقضي الليل حماية لي.
حاولوا اغتيال ياسر عرفات عشرات المرات (منذ 1967)، وحاولت أن أدون هذا في كتابي الذي سيصدر قريبا في بيروت عن ارهاب الصهيونية فكرة وحركة ودولة، واستبعد الجميع بعد عودة ابو عمار اثر اتفاقيات اوسلو وواشنطن أن يحاول الصهاينة اغتياله، وبقي هذا الانطباع قائما حتى عندما أبلغته بالمعلومات حول خططهم لاغتياله بالسم، لكنهم اغتالوه وهاجموا مقره بالطائرات والدبابات والمدفعية، وحاصروه في أمتار مربعة قليلة .. انهم ارهابيون…. انها دولة تمارس الارهاب الدموي ضد شعب وقادته ، والمهم انهم لايفهمون ولايعرفون أن شعبنا سوف يقاوم، وسنصل الى نقطة التلاحم مع بعدنا القومي، وسننتصر عندها نضع حدا حاسما للغزوة الصهيونية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى