أقلام وأراء

بسام ابو شريف يكتب- دروس من التجربة الطويلة.. تسليح حركة القوميين العرب

بسام ابو شريف – 1/5/2020

في العام 1963 ، التحقت بالجامعة الاميركية في بيروت ، وفي الوقت ذاته أرسلت رسالة من اقليم الاردن الى اقليم لبنان تبلغ فيها عن انتقال عدد من أعضاء الحركة الى بيروت للدراسة الجامعية ، كان تنظيم حركة القوميين العرب تنظيما منضبطا تنظيميا ، ويحافظ الى حد كبير على السرية حينما يقتضي الأمر، ويبرز وجوها نقابية علنية عندما يقتضي الأمر.

وكانت مجلة الحرية حتى لحظة التحاقنا بالجامعة تعبر عن وجهة نظر حركة القوميين العرب وبذلك كانت تشكل نوعا من الدليل السياسي الاسبوعي لأعضاء الحلقات والحلايا والروابط والشعب بالرغم من النقاشات الفكرية الحادة التي بدأت تتسرب في صفوف الحركة في تلك الفترة لم يعل صوت ” يشمل الجميع ” ، على صوت المطالبة بالتدريب والسلاح والشروع في حرب شعبية ضد اسرائيل .

كان ذلك مطلبا عربيا عاما ، وسيطر على عقول كافة أعضاء حركة القوميين العرب من المحيط الى الخليج ، كان الانفصال بين سوريا ومصر وانتهاء دولة الوحدة قد أحدث زلزالا سلبيا ، كانت هزيمة هزت الجميع وزاد هذا من حدة المطالبة بالتدريب والسلاح لخوض الحرب الشعبية لتحرير فلسطين ، وكانت حركة القوميين العرب قد بدأت بتدريب أعضائها وكوادرها بعد قيام دولة الوحدة بين مصر وسوريا ، تلك الوحدة التي ألهبت الجماهير العربية وأحيت أملها بالوحدة وبالتحرير وبالنهوض والتقدم .

في بداية الوحدة التقى وفد من حركة القوميين العرب بالرئيس جمال عبدالناصر في دمشق وفاتحه في مشروع الكفاح الشعبي المسلح ، كان ذلك في العام 1959 ، وكان جمال عبدالناصر صريحا وواضحا ، فقد أوضح موقفه الصارم من أن تحرير فلسطين يجب أن يتم وأن هذا يحتاج لاعداد وبناء جيش قادر على الحاق الهزيمة باسرائيل ، وشرح للوفد كيف يدعم الغرب ( اوروبا والولايات المتحدة ) ، اسرائيل بالسلاح والمال وخلص الى القول ان اسرائيل ستستغل أي عمل عسكري لتبالغ في خطره لتبرير توسعها ، واعترف بأن وحدة مصر وسوريا زادت من قوتنا لكن هذه القدرة يجب أن تتوثق كثيرا حتى تتمكن من مواجهة اسرائيل ، ولكن عبدالناصر لم يهمش أبدا فكرة التدريب والاعداد التدريب على حرب العصابات ، والاعداد لهذه الحرب وما تتطلبه من معلومات عن العدو وأسلحته ومواقعه وقررت حركة القوميين العرب الانطلاق في هذا الاتجاه ، أي التدريب والاعداد دون شن العمليات وأطلق على هذا حينذاك ” فوق الصفر ، تحت التوريط ” ، وافتتح أول معسكر للتريب في حرستا قرب دمشق ، وكانت الحركة قد اختارت من بين أعضائها الأشداء أثناء الوحدة مجموعة كبيرة من الشباب دربته  وأطلق عليها لقب كتيبة الفدائيين وكان على رأسها الشهيد البطل ابو حسين ، وقد حاولت هذه الكتيبة التصدي للانفصاليين الا أنها لم تنجح وانفرط عقدها ، وأقام قادتها في مصر ( درب وقاد الكتيبة الضابط الشجاع أكرم صفدي الذي أصبح لاحقا قائد حرس الرئيس جمال عبدالناصر ثم التحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد هزيمة 1967 ) .

واستمر اللهيب داخل صفوف حركة اقوميين العرب لشن الكفاح المسلح ، وأصبح الطلب القاعدي ملحا ، وفي العام 1964 ، عقدت اللجنة التعبوية للحركة اجتماعا تاريخيا في بيروت حضره قادة الأقاليم ، وتم طرح مشروعين للشروع في الكفاح المسلح : أحدهما من اقليم اليمن وكان يمثله قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف ، ومشروع الكفاح المسلح في فلسطين وطرحه الدكتور وديع حداد ، نوقش المشروعان وتعرقل القرار بشأن فلسطين بسبب الخشية من توريط مصر في حرب قبل الأوان ، واتخذ القرار بصب جهود وامكانات حركة القوميين العرب في كفاح مسلح في اليمن الجنوبي ضد الاستعمار البريطاني والسلاطين .

حارث والشهيد خالد

لم يخفف الجهد المبذول لدعم الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن من المطلب المتنامي داخل صفوف حركة القوميين العرب للبدء بالكفاح المسلح في فلسطين ، وبناء على ضغط الأعضاء والتصميم على عدم توريط مصر في حرب لم تكن مستعدة لها انطلقت عمليات تدريب عسكري واسعة ، وعمليات استطلاع داخل فلسطين المحتلة ، وبناء علاقات استراتيجية مع تنظيم الداخل السري ، لكن هذا المستوى من التهيئة والعمل لم يمنع وقوع صدام غير مخطط له مع الدوريات الحدودية الاسرائيلية ، فسقط أول شهيد قي شمال فلسطين هو الشهيد خالد الذي أصبح عنوانا لدعم الجهد المبذول للتحضير للكفاح المسلح ، وسقط بعده شهداء منهم الأخ الأصغر للقائد ابو ماهر اليماني ، وذلك في العام 1964 وكان ابو ماهر معتقلا لدى المخابرات اللبنانية ، وعندما أحضروه للتعرف على جثمان الشهيد انهمرت دموعه وارتفع صوته ينشد للوطن .

كان التصميم الأكيد والارادة الحديدية وراء اصرار شباب حركة القوميين العرب على الانخراط في الكفاح المسلح ، واندفع الجميع نحو التدريب وكان ذلك يبدأ بخطوات بسيطة في منازل الأخوة المدربين ، وأذكر بشكل واضح جدا أول درس تدريبي تناولته في غرفة صغيرة في مخيم برج البراجنة في بيروت .

كان المدرب شابا اسمه ” حارث ” ، وجهه مرسوم بدقة ولايوحي الا بالجدية والتصميم والقوة لوحت وجهه الشمس ، فبدا كاعلان الاستعداد لخوض معركة ، أصابعه طويلة كان الدرس الاول” المسدس ” ، تفكيك وتدريب مرة ومرتين و…. عشر مرات .

كان حارث يقول لنا : يجب اتقان ذلك بحيث يمكنك تفكيك وتركيب المسدس وأنت مغمض العينين ، وكان الدرس الثاني رشاش صغير ” بور سعيد ” ، وهو صناعة مصرية لرشيش  “كار غوستاف ” ، وبنفس الاسلوب كان حارث يصر على الاتقان ثم السرعة وتتابعت الدروس حتى صيف عام 1964 ، عندما قامت القوات الخاصة المصرية ( الصاعقة ) بتدريب أول دفعة كبيرة في انشاص بمصر .

وفي العام 1964 ، أطلق الرئيس جمال عبدالناصر مبادرته العربية لانشاء منظمة التحرير الفلسطينية ، وجاءت تركيبة قيادتها الاولى نتيجة اتفاق عربي كان لابد منه لأخذ القرار باجماع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ، وتسلم المرحوم أحمد الشقيري رئاستها ، وكان البند المعقد ، والذي استهلك وقتا طويلا للنقاش هو انشاء جيش التحرير الفلسطيني فقد كانت الدول تخشى من انشاء مثل هذا الجيش ورفضت قي البداية ، لكن اصرار جمال عبدالناصر المستند لاصرار الفلسطينيين أخرج القرار بصيغة تضمن للدول التي ستستضيف جيش التحرير ( قواته ) ، السيطرة على قرار الحرب والسلم والتحرك فكان القرار انشاء الجيش مكونا من لواء في مصر ولواء في سوريا ولواء في العراق ولواء في الاردن .

وكانت هذه هي الفرصة الاولى التي تتاح للفلسطينيين منذ 1948، انشاء قوات عسكرية مدربة مهنيا وأكاديميا ، فقد كانت فرصة ليلتحق عدد من الشباب الفلسطيني في الكليات العسكرية المصرية والسورية والعراقية ، والانخراط في دورات عسكرية تخصصية في البلدان الاشتراكية وأهمها الصين والاتحاد السوقيتي ، أنشئت هذه القوات لتشكل جيش التحرير الفلسطيني رغم عدم رضا عدد من الدول العربية .

هذه الفترة بالذات شهدت نتائج التصميم والاصرار على التدريب والتسليح وشن الكفاح المسلح ( وهذا درس كبير لابد من التمعن فيه في هذا الزمن المغاير ) ، كانت تلك اللحظات فرصة للتنظيمات التي لاتحكمها قرارات جامعة الدول العربية بأن تستفيد وتستثمر القرار بانشاء جيش التحرير ، فانخرط عدد كبير من شبابها في الكليات العسكرية العربية تحت اسم جيش التحرير الفلسطيني ، وصدرت التعليمات داخل حركة القوميين العرب بتوجه الشباب للدراسات العسكرية ، فكان من أوائل الشباب الشهيد فيصل الحسيني وشاب اسمه باسم مبارك التحقا بكلية حلب العسكرية.

والتحق عدد من شباب غزة بالكليات المصرية ، وكذلك عدد من شباب العراق والاردن استثمار الفرص للتدريب ، ورفع مستوى الاتقان العسكري كان درسا هاما من الدروس التي أفرزتها التجربة في ذلك الوقت ، فقد ظهرت الفائدة الكبيرة والنتائج الايجابية لهذا الاستثمار بعد عام 1967 ، حيت التحق هؤلاء الضباط بتنظيمات تمارس الكفاح المسلح ضد العدو فجلبت علمها وتدريبها وقدراتها معها .

الارادة والتصميم والتدريب وتحصيل العلوم العسكرية والسعي للاتقان ، هي دروس تلك المرحلة ، فقد شكلت معينا لابأس به عند انطلاقة مرحلة مابعد حزيران 1967 ، وكانت أهم الاستثمارات السياسية في هذه الفترة ” فترة انشاء جيش التحرير الفلسطيني ( تكمن في فرز أعضاء من حركة القوميين العرب تحت أسماء اخرى لتنمو عسكريا – تدريبا وتخصصا وتفرغا ) ، في ظل جيش التحرير الفلسطيني .

وأنشأت حركة القوميين العرب تنظيما أطلق عليه اسم ” شباب الثأر ” ، وتنظيم أطلق عليه اسم ” أبطال العودة ” ، وذلك في العام 1965 ، وكان هذان التظيمان مكلفان بالقيام بعمليات ضد العدو دون أي اشارة لعلاقتهما بحركة القوميين العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى