بسام ابو شريف يكتب – القرار الروسي بنشر “اس 300” في سوريا هو بداية تعديل ميزان القوى الاستراتيجي في الشرق الأوسط
بسام ابو شريف – 27/9/2018
الموقف الاسرائيلي جاء في رد فعل بنيامين نتنياهو حينما قال: “سوف نستمر في توجيه ضرباتنا للوجود العسكري الايراني في سوريا ، ولقد اتفق على الاستمرار في الالتزام بالاتفاق السابق مع روسيا لابلاغها حول ضرباتنا والأعراف التي نحددها” .
جاء موقف اسرائيل هذا بعد أن رفض وزير الأمن ، ورفض الجيش الاسرائيلي نتائج التحقيق الروسي وهذا يعني الاقرار بالكمين الذي نصبته اسرائيل للطائرة الروسية ، والذي أدى الى اسقاطها ومقتل 15 ضابطا روسيا .
مايهمنا من الموقف الاسرائيلي هو قراءة معانيه وأبعاده ، فالقرار يعني الاستمرار في شن الغارات الصاروخية للمواقع التي ترى اسرائيل أنها ايرانيةعلى الأرض السورية ، وأن اسرائيل سوف تبلغ روسيا حول هذه الضربات !!! ، وهذا يعني أن اسرائيل سوف تنال ضوءا أخضر ” حسب الاتفاق ” ، طالما أن الأمر لايمس الجيش العربي السوري والجيش الروسي أو ان لدى اسرائيل مايمكنها من استخدام ممرات محددة ضمن شبكة الحماية الروسية الجديدة على الأرض السورية لتوجيه تلك الضربات ، لكن الأمور لن تسير – حسب اعتقادي – كما يريد نتنياهو اذ أن قرار بوتين بنشر كتائب من منظومة اس 300 ، ونشر شبكة التشويش على الأرض السورية ضد الطيران المعادي يتناقض مع استخدام المفتاح الالكتروني الخاص بالتعريف على الطائرات الروسية ، وهذا يجعل قدرات اسرائيل محدودة جدا اذا استخدمت ممرات خاصة ، ويعني بذلك اما من خلال أجواء السعودية أو من خلال الفجوات بين دوائر اشعاعات الرادار .
مايهمنا هنا هو ان اسرائيل على لسان نتنياهو وليبرمان مصرة على الاستمرار في توجيه الضربات لأهداف على الأرض السورية منتهكة بذلك السيادة السورية ، ومتحدية روسيا والأمم المتحدة ، لكن علينا أن نضع ذلك في اطاره الاستراتيجي لنعرف العمق السياسي للقرار الروسي .
هذه هي أول مرة تتخذ فيها روسيا قرارا بتزويد نوعية من الأسلحة الدفاعية – الهجومية لدولة عربية منذ اعترافها بدولة اسرائيل عبر موقف الاتحاد السوفيتي في العام 1948 ، فقد رافق الاعتراف باسرائيل عام 1948 اتفاق بين الدول الكبرى ” ولم تكن الصين حينها معترف بها كدولة كبرى ” ، على حماية اسرائيل عبر تسليحها بشكل يبقي ميزان القوى لصالحها في مواجهة كل الدول العربية خاصة تلك التي ” دافعت جيوشها عن فلسطين ” ، ووقعت اتفاق الهدنة مع اسرائيل ، ولم يتخل الاتحاد السوفيتي عن هذا الاتفاق حتى في أحلك الظروف ، وأهمها ظروف معركتين كبيرتين أو حربين : عام 1956 عندما غزت بريطانيا وفرنسا واسرائيل غزة وسيناء وصولا الى قناة السويس ” ردا على قرار جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس ” ، وحرب 1967 وكانت مصر حينها من أهم حلفاء الاتحاد السوفيتي في المنطقة ودعمت جمال عبدالناصر بمعركة بناء السد العالي حتى جمال عبدالناصر الذي كان يقود الأمة العربية لم يسلحه الاتحاد السوفيتي الا بطائرات متخلفة درجات عن الطائرات الاسرائيلية ، وعندما قرر السوفييت نصب صواريخ دفاعية متواضعة القوة شنت اسرائيل حرب استنزاف لمنع السوفييت من نصب هذه الصواريخ على ضفة قناة السويس .
المرة الأولى التي تقرر فيها روسيا تزويد بلد عربي مجاور لاسرائيل بنظام دفاعي صاروخي هام وقادر الى حد كبير على حماية السيادة السورية في وجه الاعتداءات الاسرائيلية ، ورغم أن هذه الأنظمة الجديدة لاتخلق ميزان قوى متعادل بل تبقي اليد الطولى لاسرائيل في هذا الميزان ، رغم ذلك فان القرار الروسي يشكل رسالة خطيرة وهامة لكل من اسرائيل وللتحالف الغربي ” اميركا ، بريطانيا ، فرنسا ” ، فهي انذار لايسري مفعوله على يوميات الحرب الراهنة على ايران فقط بل يسري مفعوله على ما أعلنه ويعلنه المسؤولون الروس من أن لاحل في المنطقة سوى حل الدولتين ، ورفض اعلان ترامب حول القدس .
ميزان القوى الجديد يمكن روسيا من تصعيد مطالبتها الخافتة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية بكلام آخر يمكننا القول ان روسيا بقرارها تزويد سوريا بمنظومة اس 300 وجهاز التشويش حققت قفزة كبيرة في ميزان القوى الدولي الذي يتعاطى مع قضية السلام في الشرق الأوسط ، وأعادت بذلك نسبيا لروسيا دورها الذي كان قائما عشية انعقاد مؤتمر مدريد تحت اشراف الولايات المتحدة والاتحاد الروسي استنادا للقرارين 242 و338 المتصلين بانسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 ، وبكلام آخر شكل هذا القرار ضربة قاسية مباشرة ” لصفقة القرن ” ، التي يحاول ترامب والسعودية واسرائيل والسيسي فرضها على الفلسطينيين .
ومن ناحيتنا نؤكد أن شعبنا سيقاوم بكل ما أوتي من قوة الاحتلال ومشاريع اسرائيل التي ينفذها دونالد ترامب ، لقد أصبح طريق البيت الأبيض لايمر الا من خلال مكتب بنيامين نتنياهو والحركة الصهيونية ، وبهذا يكون ترامب قد وضع طاقات وامكانات الشعب الاميركي تحت تصرف حفنة من الارهابيين العنصريين في اسرائيل.