بسام ابو شريف : بين الاستراتيجية الدولية والاستراتيجية الاقليمية ماهي استراتيجية محور المقاومة بعد العدوان الثلاثي على سورية؟
بقلم : بسام ابو شريف ١٨-٤-٢٠١٨م
الكتابة حول هذا الموضوع الهام ، لا بل الأهم بالنسبة للأمة العربية، يحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى وظرف خلا الى قاموس بارد الأعصاب ، ولا أقول هادىء الأعصاب .
وهذا القاموس لايحتوي على مفردات الحلم ” الذي لابد منه ” ، والأمل ” الضروري ” والشعور الصادق والايمان القاطع ، قاموس بارد برودة السلاح الصامت ،
ففي هذا العالم لاتتحرك الأمور الا من خلال التناقض والصراع (يمكن لنا أن نستعير كلمة تنافس للتعبير عن ذلك ) .
التنافس للاستحواذ على أكبر كمية من المقدرات والمواد اللازمة للصناعة والسيطرة على أوسع مساحة ممكنة من الأسواق للبضاعة المصنعة والمنتجات الزراعية والصناعية ، وهو ما يسميه رأسماليو الغرب ، كما عرفها الاقتصادي. SAMUELSON Maximization of profit
وهذا يعني أن النظام الاقتصادي الرأسمالي يسعى لبلوغ أعلى قمة في تراكم الأرباح ، لكن لايحدد صمويلسون لمن تذهب هذه الأرباح ، في مجتمعه تذهب الأرباح للاحتكارات التي تستغل مقدرات الشعوب والعمال فيبلادها والعمال المستوردين من أجل تحقيق قمة الربح .
والمنافس أو المصارع لهذا القطب الرأسمالي يسعى ايضا للوصول الى قمة الربح والاستحواذ على أوسع الأسواق ، وأكبر كمية ممكنة من المواد اللازمة للصناعة والتطور ، ولكن بطريقة أقل احتكارا ووحشية، لا بل يذهب الطرف الذي يقود هذا النهج الى حد الشراكة مع الشعوب وتبادل السلع وتقليل نسبة الربح المضاف لأسعار المنتجات ، لكنه يبقى في اطار الصراع والتنافس الدوليين ، الطرف الذي يسعى للفوز بالحصص الأكبر من مصادر الطاقة والمواد الأولية والأسواق .
ويتنافس القطبان في الارتقاء بقوتهما العسكرية حماية لمصالحهما ولوضع خطوط حمراء للمدى الذي يمكن تحمله في الصراع والتنافس ، وهذا مايسمى سباق التسلح ، ويزود القطبان حلفائهما – سواء ضمن نظام التبعية والنهب الذي يتبعه القطب الأول ( وتقوده الولايات المتحدة ) ، أو الشركاء حسب نظام القطب الثاني لحماية بلادهم والدفاع عنها ، ومنع القطب الأول من الهيمنة عليها ( بقيادة روسيا والصين ) .
المعارك التي دارت وتدور على أرض سوريا هي نموذج كامل لهذه العملية ، فقد اصطف القائد الأميركي ومعه حلفاؤه وأتباعه ومرتزقته للهيمنة على سوريا بعد أن احتل ودمر العراق وجيشه العربي بينما تصدت دمشق مع حلفائها وقائد المعسكر المنافس ” روسيا ” ، للعدوان وخاضت المعارك المعقدة والمتشابكة ، ولا شك أن معارك الطرفين على الأرض السورية هي الأعقد في تاريخ الصراع والتنافس العالميين ، وسنذكر هنا بعض الأمثلة لندلل على مانقول ، في أول زيارة خارجية لرئيس الولايات المتحدة الأميركية جمع من الجزيرة والخليج أكثر من تريليون من الدولارات ثمنا لأسلحة واستثمارات في البنية التحتية للولايات المتحدة ، ومليارات لاستثمارها في مؤسسات تطوير الأسلحة ، وأوحى لأتباعه الذين يسيطرون على ثروات شعوبهم بانفاق مئة وخمسين مليار دولار لشراء أسلحة من دول اوروبية تدور في فلكه .
ظن الكثيرون على ضوء ما تناقلته وسائل الاعلام ان روسيا زودت الجيش العربي السوري بنظام دفاعي جوي جديد ، بعد غارة الكروز اثر مسرحية خان شيخون ، لكن الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية الأخيرة أثبتت ان اس 500 لم يسلم للجيش العربي السوري . وأنه يواجه ترسانة الامبريالية الحديثة ( بعضها يجرب لأول مرة في تاريخ صناعاتهم الحربية ) بأسلحة قديمة وفاقدة للعدو بعد سلسلة غارات اسرائيلية على موقع دفاع جوي يعود تاريخه لثلاثين سنة خلت .
نظام اس 300 مكلف وصاروخه مكلف وسوريا لاتملك خزائن الجزيرة العربية ، وروسيا لاتستطيع استنزاف موازنتها ، لكن روسيا باعت للملك سلمان نظام اس 400 بمبلغ 15 مليار دولار ، وباعته لايران ببئر نفط وقع تحت تصرف روسيا لتسدد به ومن انتاجه ثمن المنظومة .
لقد وصلت وقاحة الامبريالين في معركتهم للهيمنة على سوريا الى حد شن حرب مباشرة على الجيش العربي السوري بعد أن فشلت جيوش المرتزقة التي مولتها خزائن الجزيرة والخليج .
ويمكننا أن نقول ( استنادا لمعلومات دقيقة ) ، ان محمد بن سلمان دفع ثمن الغارة التي أطلق الغرب فيها 120 صاروخا كلفتها مئتي مليون دولار – ناهيك عن فاتورة الاستثمار والابحار والتهيئة والاستعداد لقد دفع محمد بن سلمان في واشنطن وباريس ولندن الفاتورة ، ومن المضحك المبكي أن ترامب لم يتمالك نفسه عندما طلب منه محمد بن سلمان عدم سحب القوات الأميركيةمن سوريا ، فقد قال ترامب ليتراجع عن قرارسحب قواته : ” اذا طلب منا السعوديون عدم سحب قواتنا فلن ننسحب ” ، هل لاحظ أحد أنهأثناء قوله هذا الكلام كانت يده اليمنى تتحرك تلقائيا كأنها تعد الدولارات ؟!!! ، ارجعوا للصورة أو الفيديو .
مايهمنا هنا قوله أنه رغم ذلك فان لروسيا مصالح ، فقد رمت بثقلها في سوريا في اللحظة التي وقعت فيها دمشق وموسكو اتفاق منح روسيا احتكارا للتنقيب واستخراج النفط والغاز من الساحل السوري ، لكن قوات الولايات المتحدة وعملائها جاثمة على آبار نفط وغاز سوريا في شمال شرق سوريا ، وارتكبت واشنطن مجازر الرقة التي مازال أهلها مدفونون تحت الرماد حتى الآن لتسيطر على مناطق النفط والغاز ، وهذه ورقة مساومة كبيرة .
وفرنسا تضرب ليكون لها حصة ، ولتدخل نادي الحل السياسي ، وبريطانيا كذلك ، ولاننسى ” اسرائيل ” ، التي ترى أن تطويع الموقف السوري سيأتي من خلال دورها في الحل السياسي في سوريا .
بين قوى التنافس والصراع تدور الآن معركة مساومات على فاتورة اعادة اعمار سوريا ؟!!! ، فرنسا قلقة لأنها تريد حصة ، لذلك تشارك في العدوان وتتصل بموسكو لتشرح نواياها بالمشاركة في الحل ” أي حصتها من الغلة ” ، وكذلك بريطانيا ، ولا شك اننا سنشهد تبادلا بين صراخ الدعوة للحل السياسي وبين أصوات المدافع الى أن تصل المفاوضات المعلنة وغير المعلنة الى معادلة ما !!! ، هذا من جانب الحصص والأرباح وجني نتائج الاستثمارات .
هل ينهي هذا صراعا قام لاهداف أبعد من الحصص في الساحة السورية ، فالمخطط وضع أساسا لتطويع سوريا ودفعها من خلال “المعارضة ” ، التي تخيلوا هم في بادىء الأمر أنها ستربح المعركة لابرام اتفاق سلام تعترف بموجبه باسرائيل وثم الاتفاق على شراكة في الجولان ( الجولان غني بالنفط ) ، الشركة الاسرائيلية التي تنقب عن النفط في الجولان ، هي الشركة الوحيدة التي أصر روتشيلد على أن يكون في مجلس ادارتها ( راجع غوغل ) ،المخطط كان بهدف أساسي هو شطب قضية فلسطين ، وحسم أمر اسرائيل وتمددها على كامل الأرض الفلسطينية وأن تكون القدس عاصمتها ، وأن يوطن الفلسطينيون ( حسبمشروع كوشنر ومحمد بن سلمان ) في الدول المحيطة ، وفي أرض تمتد من “رفح للعريش” !! .
ضمن هذا استراتيجيا كيف تفكر قوى المقاومة التي رفعت شعارات مواجهة ولواء التحرر ودحر العدوان وتحرير فلسطين ؟
لقد اتخذ محور المقاومة الى جانب مشاركته الفاعلة في اسناد الجيش العربي السوري مواقف واضحة أهمها :-
رفض مخطط ترامب
رفض موقف ترامب من القدس
الاصرار على مقاومة الاحتلال الصهيوني
تحرير فلسطين
مثل هذه المواقف الصائبة في ظل صراع وتنافس استراتيجي دولي ” شرحنا باختصار حدوده ” ، تحتاج الى رسم استراتيجية تمكن محور المقاومة من الاستفادة من ظروف وفرص الصراع والتنافس الدوليين ، الاطار الواسع لهذه الاستراتيجية يبرز من خلال الحرب التي بدأت اسرائيل بشنها على ايران ، فرد اسرائيل على الموقف الاستراتيجي الايراني الرافض للاحتلال الاسرائيلي والمؤيد للحق الفلسطيني ، هو اعلان الحرب على ايران بدءا بقواعدها ومجموعاتها وخبرائها الموجودين على الأراضي السورية ( والدلائل ظاهرة رغم أن نشاط اسرائيل العدواني بقي خارج اطار الضوء في معظمه ) ، اذا كانت اسرائيل قد بدأت بترجمة استراتيجيتها الخاصة بالحرب على ايران وهي تعلم مدى توافق وانسجام ذلك مع استراتيجية الامبرياليين وعملائهم في المنطقة فان من واجب محور المقاومة رسم استراتيجية للهجوم الدفاعي مستندين الى تناغم ذلك مع الحرب ضد الارهابيين والارهاب ، فاسرائيل هي أكبر قوة ارهابية على وجه الأرض ، وليس ايران – ( فالاستراتيجية الأميركية الاسرائيلية والسعودية وعملائهم يحاولون شن الحرب على ايران تحت تهمة الارهاب ، فحري بالمقاومة أن تصحح الصورة عمليا بالتصدي لأكبر قوى ارهابية – اسرائيل ، فلسطين هي الدليل الأكبر على ارهاب اسرائيل ، وهو معلن ولا داعي لفرق تفتيش وتحقيق ) .
قضية فلسطين التي تحاول اسرائيل وادارة ترامب تصفيتها وانهاءها أعقد كثيرا من أن يتمكنوا من تنفيذ مآربهم بصصدها ـ واذا كان الاتفاق السابق بين الغرب والشرق على ابقاء اسرائيل متفوقة عسكريا على كل الدول العربية من خلال تزويدها بتسليح هجومي مدمر ، ومن خلال عدم تزويد أي دولة عربية بأنظمة دفاعية قادرة على منع اسرائيل من تدمير الدول المحيطة بها ، أو الدول المعادية لها ، فالولايات المتحدة التي تزود اسرائيل على سبيل المثال لطائرات ف35 ، التي لا تلتقط على شاشات الرادارات تبقي اسرائيل متفوقة الا في حالة واحدة ، هي أن تقوم روسيا بتزويد دول عربية حليفة بالسلاح المضاد المناسب فتفقد اسرائيل تفوقها .
وفي هذه الأيام يهيمن القلق على الحكومة الاسرائيلية من ناحيتين : ناحية تزويد روسيا للجيش العربي السوري بنظام دفاعي يبطل مفعول التفوق الجوي الاسرائيلي ، ويقضي على نسبة لا بأس بها من صواريخها الذكية ، والناحية الثانية التي تقلق اسرائيل هي مواقف ترامب ” الذي حسب تحليلهم ” ، ان الضربات التي وجهها العدوان الثلاثي على سوريا قد حققت الهدف المنشود من وراء الحرب التي شنت على سوريا ، وان اتفاقا سياسيا يجب أن يتلو ذلك ، فاسرائيل تعتبر استمرار الحرب على أرض سوريا أمر ضروري لاستنزاف سوريا وابقائها غارقة في بحر من دماء ابنائها ، وبذلك لن تتمكن من توجيه أي جهد ضد اسرائيل ، قاعدة الامبريالية وهي تسعى لتحويلها الى ساحة حرب مع ايران ، ويخشى الاسرائيليون مما يمكن أن تتوصل اليه واشنطن وموسكو من اتفاق على حل في الساحة السورية يضمن مصالح الدولتين دون اشراك اسرائيل كطرف في هذا الحل . فترة القلق هذه ضبابية الرؤية لاسرائيل ولواشنطن ايضا .
فالرئيس ترامب غريق في محيط الفضائح والاتهامات الموجهة له ، وأخطرها تلك التي وجهها لهكومي رئيس الأف بي آي، الذي طرده ترامب من وظيفته قبل فترة قصيرة ، فاتهامات كومي قد تضع ترامب في قفص اتهام ” تعطيل أو عرقلة العدالة ” ، وهذا يقلق اسرائيل ، حيثما برز أمر يقلق اسرائيل تنشغل دوائر تل أبيب في هذا الأمر ، وفي هذه الفترة تغرق الحكومة الاسرائيلية في تقييم الضربة الجوية الثلاثية ونتائجها السياسية ، وتغرق في قلق احتمال تزويد روسيا لسوريا بنظام الدفاع الجوي اس 300 ، وقلق تنامي قوة محور المقاومة .
( ومن التجربة نستطيع أن نتوقع أن تخطط اسرائيل وتنفذ ضربات للمؤسسة العسكرية السورية لتظهر الفارق بين ضرباتها وضربات الغرب ، ولتتابع حربها ضد ايران ، وقد تشهد الأيام القريبة القادمة هذه الهجمات التي قد يشار الى الطائرات التي نفذتها بصفة ” مجهولة الهوية ” ) .
وهنا تبرز ايضا الفرصة لمحور المقاومة للبدء بتنفيذ استراتيجي الهجوم الدفاعي ، وستنقلب كثير من المعادلات السابقة أمام ذلك .