شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب – نتنياهو سيستثمر اتفاقيات التطبيع في الانتخابات المقبلة لكنها لا تضيف له قوة في الاستطلاعات !

برهوم جرايسي 15/9/2020

ضمن بنيامين نتنياهو لنفسه هذا الأسبوع مشهدا في البيت الأبيض، سيكون إحدى الخلفيات الدعائية في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة، التي ما تزال مسألة وقت، وذلك بتوقيعه على اتفاقيتي التطبيع مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين. وليس من المؤكد أن هذا سيزيد إلى رصيده الانتخابي، في ظل الأزمتين الصحية والاقتصادية المتفاقمتين. ولكن هذا كما يبدو يؤجل قراره الاتجاه نحو انتخابات مبكرة؛ في حين أن البلبلة الواضحة في استطلاعات الرأي، تطرح علامات سؤال حول دقتها.

فالمفعول السياسي للاتفاق مع الإمارات ظهر مباشرة بعد الإعلان عن قرار التطبيق يوم 13 آب الماضي، وأبقت كل استطلاعات الرأي على أن الليكود سيخسر من مقاعده الـ 36، ولربما تحسن في تلك الأيام بمقعد أو اثنين، ولكن سرعان ما عاد إلى نتائج الاستطلاعات التي سبقت إعلان التطبيع.

وفي نظرة إلى الوراء، بات من الممكن الاستنتاج، أن ما دفع نتنياهو للقبول بتأجيل “خط النهاية” للائتلاف الحكم، إلى يوم 23 كانون الأول المقبل، بدلا من 25 آب الماضي، ليس فقط الضغوط عليه من كتلة الليكود، وأيضا من شركائه، في كتلتي المتدينين المتزمتين، الحريديم، وإنما لأنه كان يعلم هو بالذات، والحلقة الأضيق من حوله، مع وكلائه في البيت الأبيض، أنه في الأيام المقبلة ستكون له غنائم سياسية أخرى عدا الإمارات، كما رأينا هذا في نهاية الأسبوع الماضي، بالإعلان عن انضمام البحرين إلى مسيرة التطبيع. ولربما أن البحرين ليست الأخيرة في هذه الجولة.

وكما في الحالة مع الإمارات، ليس من المتوقع أن يحقق الاتفاق مع البحرين قوة أكثر لليكود، لأن الرأي العام الإسرائيلي لم يتفاجأ من هذه الاتفاقيات، فهو يسمع منذ سنوات عن التقارب، وعن تغلغل إسرائيل أو وكلائها من واشنطن، في أروقة حكم بعض الدول العربية، التي لا تقيم علاقات رسمية علنية مع إسرائيل.

كذلك فإن البحرين أو الإمارات ليستا من دول الجوار، ولم تشكلا في أي يوم تهديدا لإسرائيل. أما عن التعاون الاقتصادي، فكما يبدو هناك قناعة مترسخة بأن هذا التعاون القائم جزئيا من قبل، لا يهم الإسرائيلي في الشارع. ورغم ذلك فإن نتنياهو سيستثمر هذه الأوراق سياسيا في الانتخابات المقبلة، ولكن هناك شك في ما إذا هذا سيحقق له قوّة أكبر، خاصة إذا ما اندلعت فرضاً مقاومة شعبية جماهيرية جديدة في الضفة والقطاع.

الاستطلاعات وعلامة السؤال الأكبر

نظريا، وعلى وقع الأزمتين الصحية والاقتصادية المستفحلتين في إسرائيل، فإنه من المنطق أن يخسر الليكود بعضا من مقاعده البرلمانية، ولكن العنوان الظاهر في استطلاعات الرأي كبديل لهذه الخسارة، من الليكود ومن غيره من الأحزاب، ليس منطقيا، إذ أن استطلاعات الرأي تُظهر أن تحالف أحزاب المستوطنين، وللتدقيق أكثر أحزاب التيار الديني الصهيوني، والذي يتشدد دينيا في العقدين الأخيرين، عدا عن تطرفه السياسي المتعاظم، سيقفز بقوته من 6 مقاعد في انتخابات آذار 2020، إلى ما بين 14 وحتى 20 مقعدا، في الوقت الذي تتنبأ فيه الاستطلاعات بحصول الليكود على ما بين 29 إلى 31 مقعدا، بدلا من 36 مقعدا في انتخابات آذار الماضي.

فالشريحة الأكثر تضررا اقتصاديا هي الشريحة الوسطى بكل تنوعاتها، لأن الشرائح الفقيرة، التي تعتمد كثيرا على المخصصات الاجتماعية، الضرر الناشئ الجديد أقل عليها نسبيا، فهي أصلا تعيش في أسوأ الظروف الاقتصادية الاجتماعية، ولذا فإننا نسمع الصوت الأعلى في الاحتجاجات القائمة من الشرائح الوسطى، ومن المناطق التي تعد معقلا للشرائح الوسطى العليا، وغالبا هذه هي الشرائح العلمانية، أو الأقرب اليها. وعلى أساس هذه الفرضية، من الصعب رؤية أن يكون تحالف أيديولوجي متزمت دينيا وسياسيا عنوانا لهذه الشرائح، التي صوتت نسبة عالية جدا منها لأحزاب تعارض الليكود أو نتنياهو.

الأساس الثاني الذي يدفع للتشكيك في الاستطلاعات التي نراها، هوالقاعدة الأساسية لمصوتي الليكود وتحالف الأحزاب الاستيطانية، وهي قاعدة اليمين الاستيطاني. وهذا الجمهور كما تدل نتائج التصويت في كل الانتخابات البرلمانية، يشارك بنسبة أعلى من غيره في الاقتراع الفعلي، وبفجوة كبيرة عن نسب التصويت في معاقل ما يسمى “الوسط” أو “اليسار الصهيوني”، ونموذجاً لهذا نراه في نسب التصويت في المستوطنات، مقارنة مع منطقة تل أبيب الكبرى. وتضاف إلى هذا نسبة التصويت في مستوطنات وأحياء الحريديم، وأيضا في مستوطنات التيار الديني الصهيوني، لنرى أنه بعد احتساب المصوتين الذين يصوتون خارج أماكن سكناهم، تصل عندهم نسبة التصويت إلى النسبة القصوى التي يمكن لأي جمهور أن يصلها في التصويت (ما بين 88% إلى 93% من ذوي حق الاقتراع) وهذه تكسبه مقاعد إضافية في النتيجة النهائية. بمعنى أن جمهور اليمين الاستيطاني استنفد أقصى قوته الانتخابية في كل الجولات الانتخابية السابقة، وكل زيادة لقوته، ستكون عمليا من معسكرات أخرى، وهذا احتماله ضعيف، على ضوء طبيعة الشارع الإسرائيلي، وتنوعاته المجتمعية والسياسية.

ما سبق يعتمد على فحص عيني لنتائج الانتخابات في الجولات الانتخابية الخمس الأخيرة، أجريناه تباعا، منذ العام 2013 وحتى انتخابات آذار الماضي، 2020. وإلى جانب نسب التصويت، أخذنا نتيجة الليكود مع تحالف أحزاب التيار الديني الصهيوني، ككتلة واحدة، ورأينا أن نتيجته من حيث كم الأصوات، أو من حيث المقاعد الفعلية في الكنيست، تراوحت ما بين 32% إلى 34%.

ففي انتخابات 2013، خاض الليكود الانتخابات بقائمة واحدة مع حزب “إسرائيل بيتنا”، وكان تحالفا مُخسرا للحزبين، وحصلا معا على 31 مقعدا، بدلا من 42 مقعدا كانت للحزبين في 2009. وحسب التقديرات، فإن “إسرائيل بيتنا” حقق لهذا التحالف لا أكثر من 5 مقاعد، ما يعني أن قوة الليكود في صناديق الاقتراع كانت قرابة 26 مقعدا، بينما تحالف أحزاب التيار الديني الصهيوني، الذي أطلق عليه في حينه اسم “البيت اليهودي”، حصل على 12 مقعدا. بمعنى أن قوة الليكود وتحالف “البيت اليهودي، بالكاد وصلت الى 38 مقعدا.

في انتخابات 2015، حصل الليكود وحده على 30 مقعدا، بينما هبط تحالف “البيت اليهودي” إلى 8 مقاعد، ولكن في تلك الانتخابات دخل لاعب جديد، حزب “كلنا” برئاسة وزير المالية السابق موشيه كحلون، وحصل على 10 مقاعد، نصفها من اليمين الاستيطاني.

في انتخابات نيسان 2019، تفكك تحالف “البيت اليهودي”، وإحدى القائمتين لامست نسبة الحسم ولم تجتزها، ورأينا أن الليكود حصل على 35 مقعدا، بينما القائمة الأخرى من ذلك التحالف حصلت على 5 مقاعد، وفي حسابات أخرى، رأينا أن قائمتي التحالف المتفكك مع الليكود، حصلت معا على 34% من الأصوات، ما يعادل 42 مقعدا.

في انتخابات أيلول 2019، التأم تحالف اليمين الاستيطاني من جديد، وحصل على 7 مقاعد، مقابل 33 مقعدا لليكود.

في انتخابات آذار 2020 حصل الليكود على 36 مقعدا، مقابل 6 مقاعد لذلك التحالف الذي يحمل حاليا اسم “يمينا”، بمعنى بقيت القائمتان في محيط القوة البرلمانية ذاتها.

وهنا يُسأل السؤال: كيف يمكن لقوة مشتركة كهذه أن تحقق في غضون 5 أو 6 أشهر، زيادة حادة في عدد المقاعد البرلمانية؟ إذ أن استطلاعات الرأي تمنح القوة المشتركة لليكود ولتحالف اليمين الاستيطاني الديني، ما بين 47 مقعدا في أدنى نتيجة في الاستطلاعات إلى 51 مقعدا. واضح أن في هذا خللا ولم يظهر من يُفسّر هذه النتيجة. والتخبطات نراها في نتائج قوائم أخرى، مثل القائمة المشتركة التي لها 15 مقعدا حاليا، ونرى أن استطلاعات رأي تمنحها الآن 11 مقعدا، وأخرى تقفز معها الى 17 مقعدا، ولكن غالبيتها تبقيها عند 15 مقعدا.

لا يوجد مستحيل في السياسة، ولكن في ما تقدم محاولة لشرح عدم المنطقية في نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر تباعا.

تحالف يقلق نتنياهو

واضح أن تحالف الأحزاب الاستيطانية، من التيار الديني الصهيوني، هو الحليف السياسي الفوري والأقوى لليكود، الذي يتزعم كل معسكر اليمين الاستيطاني، رغم أن بنيامين نتنياهو أبقى هذا التحالف خارج الائتلاف لعدة أسباب، بينها أن دخوله للائتلاف سيكون على حساب المزيد من الحقائب الوزارية الأهم، ما لن يبقي لليكود أيا من هذه الحقائب.

وفي كل حسابات لاستطلاعات الرأي، يتم احتساب معسكر الليكود الفوري، بما يشمل هذا التحالف وقائمتي الحريديم: شاس ويهدوت هتوراة. وحسب الاستطلاعات، فإن هذا التحالف يحظى في معظم الاستطلاعات الأخيرة بأغلبية محدودة، من دون حزب “إسرائيل بيتنا”. ولكن نتنياهو ليس معنيا بحلفاء فوريين أقوياء، فتحالف التيار الديني الصهيوني، بقوة 14 مقعدا وأكثر، سيرفع سقف مطالبه على مستوى الحقائب، وحجمه في دوائر القرار، والسياسات العامة، التي في كثير من الأحيان، لا تأخذ بالحسبان احتياجات إقليمية وعالمية للحكومة الإسرائيلية، لتمرير مشاريع متشعبة، منها ما نراه الآن، علاقات دبلوماسية مع دول عربية غنية، حتى ولو على حساب تأجيل مخطط فرض ما تسمى “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية المحتلة.

ولهذا رأينا على مدى السنوات الأخيرة، كيف أن نتنياهو نجح في اختراق قواعد التيار الديني الصهيوني والأحزاب التي تمثله، واقتنص من قوتها لصالح حزب الليكود. أما الآن، فيبدو أن ما أنجزه نتنياهو سيتراجع في الانتخابات المقبلة، بسبب تأجيل فرض مشروع الضم على الضفة.

وبالإمكان القول إن نتنياهو قلق من نتائج الاستطلاعات التي تظهر تباعا، بالذات من النتائج التي تظهر في معسكره الفوري. وهذا ما قد يعيد حساباته بشأن الانتخابات المبكرة.

اهتمامات الشارع الإسرائيلي

كلما تقدمت الأيام، وتأخر نتنياهو في قراره المبيّت للتوجه لانتخابات مبكرة، فإن هذا سيدفعه لتأجيل كل الموضوع لبضعة أشهر أخرى. فالآن بعد عودته من واشنطن، سيكون عليه عرض الاتفاق مع الإمارات على الكنيست للمصادقة عليه، وهو بحسب خبراء، ليس ضرورة، ولكن نتنياهو يريد تضخيم الحديث أكثر أمام الشارع الإسرائيلي، ولربما أن الاتفاق مع البحرين ستكون له ذات المكانة. وفي كلتا الحالتين فإن لن يتجه للكنيست على رأس حكومة انتقالية وفي أجواء انتخابية.

في المقابل، فإن المشهد الصحي في إسرائيل تحت وطأة وباء كورونا يبدو وكأنه فاقد السيطرة، مع معدلات باتت من الأعلى عالميا، مقارنة مع عدد السكان، إن كان على مستوى أعداد المصابين يوميا، الذين تجاوز عددهم في نهاية الأسبوع الماضي 4 آلاف مصاب، أو على مستوى المرضى في حال الخطر. ولكن يبقى عدد الوفيات حتى الآن، أقل من المعدلات العالمية العالية.

وهذا ما استدعى الحكومة لاتخاذ قرارا بالإغلاق في فترة الأعياد العبرية، التي ستبدأ في الأسبوع المقبل، وتستمر ثلاثة أسابيع. وحينما يكون إغلاق، فهذا يعني أن التبعات الاقتصادية السلبية ستتعمق، وفي هذه الحالة فإن الانتقادات للحكومة ستتزايد، وطالما أن القرارات كلها بيد شخص بنيامين نتنياهو، فإنه هو الذي ستُوجه له السهام، ومن المشكوك فيه أن يكون معنيا بالانطلاق بحملة انتخابية في ظل ظروف كهذه، تليها بدء محاكمته بجلساتها المكثفة في الشهر الأول من العام المقبل.

ويحاول نتنياهو جاهدا إشغال الرأي العام بقضيته الشخصية، إذ يواصل حملة انتقاداته لكل أذرع تطبيق القانون، في محاولة للانتقاص من شرعية القرارات التي اتخذت ضده، فهو يريد إقناع الجمهور أو مناصريه، بأن كل المسؤولين في تلك الأجهزة خططوا للإطاحة به، رغم أن نتنياهو خاض معارك لتنصيب بعضهم، وأولهم المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، الذي كان سكرتير حكومته، والقائد العام السابق للشرطة، روني ألشيخ، الذي استحضره نتنياهو من قيادة جهاز المخابرات العامة- الشاباك.

التقديرات تقول إنه إذ لم يقرر نتنياهو حل الحكومة والكنيست، حتى اليوم الأخير من شهر أيلول الجاري، لتجري الانتخابات الرابعة في مطلع العام المقبل، وقبل بدء محاكمته بأيام، فإنه قد يكون مضطرا لتأجيل كل مشروعه بشأن الانتخابات المبكرة الى الصيف المقبل. ولكن كل هذا قد يتغير إذا ما نجح نتنياهو، لسبب كهذا أو ذاك، في أن يؤجل موعد بدء محاكمته من جديد، وكل الاحتمالات تظل واردة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى