أقلام وأراء

برهوم جرايسي يكتب – نتنياهو "المنتصر" الواهم

برهوم جرايسي – 12/5/2018
يرى المحللون وصنّاع الرأي الإسرائيليون، أن بنيامين نتنياهو يسجل حاليا “ذروة” في حياته السياسية. فهو يحقق ما أسموها “إنجازات”؛ مصدرها كلها في البيت الأبيض، بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم، الذي كل سياساته تجاه إسرائيل أو المتعلقة بها، مطابقة كليا لسياسة اليمين الاستيطاني بقيادة نتنياهو. وبالإمكان التخمين أن نتنياهو سينتهز الفرصة للانقضاض على خيار الانتخابات البرلمانية المبكرة، ليوطد حكمه وسياساته أكثر. إلا أن هذه “الانتصارات” ما هي إلا وريقات خضراء على غصن يابس، سينهار فجأة، رغم ما تبدو الصورة قاتمة في هذه الأيام.
فقد نسبت الأوساط الإسرائيلية قرار ترامب، بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، إلى نتنياهو واللوبي الصهيوني اليميني المتطرف المتغلغل في أروقة البيت الأبيض. ففي هذا القرار تقاطع مصالح بين اليمين الأيديولوجي الصهيوني المتطرف، وطائفة الأنفجليين الأميركان- المسيحيون المتصهينون- ومعها، وأولها، المصالح الاقتصادية الأميركية في الشرق الأوسط.
فالقرار بشأن إيران، ينضم إلى سلسلة قرارات وسياسات أميركية في “عهد ترامب”، على وجه التحديد. بدأت بالقبول بالاستيطان في المناطق المحتلة منذ العام 1967، وإجراءات عقابية ضد الشعب الفلسطيني، منها وقف المساعدات، وتقليص ميزانية الأونروا، وصولا إلى قرار نقل السفارة إلى القدس، ومساعدة إسرائيل في الضغط على دول فقيرة، لاتخاذ الخطوة ذاتها.
وواضح أن إدارة ترامب، ليس فقط أنها تعبر عن توجهاتها السياسية، وإنما تعمل ايضا لصالح نتنياهو شخصيا. بمعنى أن ترامب الذي تلقى كل الدعم المادي والإعلامي من اللوبي الصهيوني اليميني المتطرف، بقيادة نتنياهو شخصيا، يعمل الآن على تسديد الحساب.
فحينما صدر القرار بشأن السفارة، في مطلع كانون الأول 2017، قيل في حينه إن السفارة لن تنقل قبل نهاية العام 2019، على الأقل. وتوقعت جهات إسرائيلية أن تستمر عملية النقل سنوات، بسبب احتياجات تهيئة المبنى والمرافق التابعة.
إلا أنه بعد ذلك الإعلان بشهرين، صدرت توصيات الشرطة الإسرائيلية بتقديم نتنياهو للمحاكمة بقضايا فساد. وحينها بات نتنياهو بحاجة إلى دعم سياسي آخر، فجاء القرار الأميركي “المفاجئ”، بالاستعجال بنقل السفارة، ليكون بتزامن وقح، مع الذكرى الـ 70 لنكبة الشعب الفلسطيني، وهو ما اعتبره نتنياهو أيضا، نصرا له.
ولم تتأخر ماكينة استطلاعات الرأي الإسرائيلية المسيّسة، التي تُظهر نتائج لا يتقبلها العقل الإنساني الطبيعي؛ فمسؤول غارق بالفساد، توصي الشرطة بمحاكمته، يتمتع بشعبية غير مسبوقة، وقوته البرلمانية ترتفع باستمرار في تلك الاستطلاعات، وبالذات على حساب شركائه في الائتلاف، وطبعا بعد أن يقضم حصة من المعارضة الصهيونية الوهمية له.
وعلى الرغم من عدم المنطقية في نتائج تلك الاستطلاعات، إلا أنها تبقى احتمالا بالإمكان التعاطي معه، فهذا نتاج صناعة رأي صهيونية تراكمية على مر السنين، ترتكز على الترهيب على أساس: “كل العالم ضدنا، ونحن في خطر وجودي”، وهذا ما يجعلهم يتمسكون بعنوان القوة العسكرية، وحاليا نتنياهو، ويتغاضون عن فساده.
ولكن هذا كله أشبه بالبرج الورقي، قد ينهار بلحظة، بالتعبير المجازي، لأنه لا توجد قوة عسكرية مطلقة، وهذا ما يحذر منه طيلة الوقت، محللون عسكريون إسرائيليون، خاصة في أجواء مسيرات المقاومة الشعبية في قطاع غزة والضفة، فهذه مقاومة في حال استمرت، أو تم استنهاضها لاحقا، ستضع إسرائيل أمام معادلات أخرى، تظهر فيها ضعيفة أمام المد الجماهيري.
أضف إلى هذا، أنه على الرغم من أن السياسات الأميركية السابقة كانت متواطئة مع إسرائيل، إلا أنها كانت “أخف وطأة” إن جاز التعبير، مقارنة مع إدارة ترامب. فالحزب الجمهوري مرشح لتلقي ضربة، في الانتخابات النصفية في الخريف المقبل، قد تفقده الأغلبية المطلقة في الكونغرس ومجلس الشيوخ، في حين أن المؤشرات الظاهرة، لا توحي بأن ترامب سينجح في البقاء في منصبه لدورة أخرى.
وتبقى هذه سيناريوهات محتملة، ولكن الأهم، أن سياسات نتنياهو الأخرى، تراكم أزمات على المستوى الإسرائيلي الداخلي، في عدة اتجاهات. وأولها، زيادة سطوة المتدينين على الحياة العامة، وتصعيد نهج الاكراه الديني. وهذه أزمات ستتفجر بقوة في القريب، فإنجازات نتنياهو سيتلاشى بريقها في غضون فترة، وحينها سيتفرغ الشارع الإسرائيلي لقضاياه.
قد يقطع نتنياهو شوط الانتخابات المقبلة بنجاح، ولكن هناك شك كبير في ما إذا سيكون باستطاعته أن ينهي ولاية كاملة أخرى في منصبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى