شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب – مع سقوط خيار “الحكومة البديلة”: هل ازدادت احتمالات الانتخابات الخامسة؟

برهوم جرايسي *- 17/5/2021

قبل أسبوعين من انتهاء فترة تكليف رئيس حزب “يوجد مستقبل” يائير لبيد بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، سقط خيار تشكيل حكومة تضم الكتل الرافضة لاستمرار حكم بنيامين نتنياهو، وتكون برئاسة تناوبية بين لبيد ورئيس حزب “يمينا” نفتالي بينيت، الذي يحل أولا في التناوب. إلا أن بينيت، على ضوء الأوضاع القائمة، عسكريا في قطاع غزة، وفي مختلف مناطق البلاد، انسحب من هذا المسار، عائدا إلى المربع الأول، داعيا لحكومة “وحدة قومية” واسعة، برئاسة نتنياهو، ولكن حسب التصريحات، فإن هذا الخيار ما زال ضعيفا، ما يعني أن اتجاه الانتخابات البرلمانية الخامسة بات أقوى. وفي المقابل، تشير الحقائق منذ عامين وحتى هذه الأيام، إلى مدى عمق علاقة نتنياهو بالمجموعات اليمينية الأشد تطرفا.

وقد أعلن نفتالي بينيت رسميا يوم الخميس، عن توقف شراكته في مسار تشكيل حكومة بديلة لحكومة نتنياهو، وقال إنه يدعو لحكومة “وحدة قومية” واسعة؛ وفي الوقت ذاته، قالت مصادر في محيطه لوسائل الإعلام إن بينيت ليس متفائلا من تجاوب حزب “أمل جديد” برئاسة جدعون ساعر، الذي سارع معلنا رفضه للانضمام لحكومة نتنياهو. وكذا بالنسبة ليائير لبيد، رئيس حزب “يوجد مستقبل”، الذي ألمح إلى أنه لم ييأس من احتمال تشكيل حكومة بديلة.

إلا أنه من دون دعم وشراكة كتلة “يمينا” بزعامة بينيت، فإنه لا احتمال لمسعى لبيد، الذي أقصى ما يمكن أن يحققه، هو أن يبقى مكلفا لأسبوعين آخرين من الآن.

في المقابل، فإن زعيم حزب “أزرق أبيض”، وزير الدفاع بيني غانتس، لم يقل كلمته بعد، بشأن احتمال قبوله بحكومة طوارئ، أو حكومة وحدة قومية، وأول التصريحات الصادرة من محيطه كانت أن تفكيره وجهده ينصبان في مكان آخر، قاصدا الحرب على قطاع غزة. وعلى ضوء الموقف الصادر عن لبيد وساعر، فإن الاحتمال شبه الأخير لتشكيل حكومة برئاسة نتنياهو، أو تناوبية مع نتنياهو، هو قبول غانتس بها، تحت ستار أدخنة الحرب الجارية. فكتلة “أزرق أبيض” لها ثمانية مقاعد، ما يعني أنها ستوفر الأغلبية المطلقة لحكومة طوارئ كهذه، وحتى لو كان شرط غانتس استبعاد كتلة “الصهيونية الدينية”، تبقى لهذه الحكومة أغلبية 61 نائبا.

وفي حال رفض غانتس، فإن ائتلاف نتنياهو سيرتكز مجددا على 59 نائبا، وهنا ستعود إلى الواجهة مسألة دعم كتلة “القائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عباس، الذي أعلن لوسائل إعلام أن نفتالي بينيت أبلغه بقراره الانسحاب من مسار حكومة لبيد- بينيت، قبل أن يعلنه رسميا أمام الجمهور. كما أن عباس لم يرفض فكرة دعم كتلته لمشروع قانون الانتخاب المباشر لرئاسة الحكومة، المعني به بنيامين نتنياهو، ليتم تطبيقه فورا، وتجاوز التوجه لانتخابات برلمانية خامسة، خلال عامين ونصف العام، منذ انتخابات نيسان 2019.

وقال عباس لوسائل الإعلام إنه مستعد للتفكير بهذا القانون، في حال تم التجاوب مع قضايا مطلبية للمجتمع العربي، على الرغم من أن هذا القانون يهدف عمليا لتثبيت نتنياهو رئيسا للحكومة لفترة أطول، كون أن لا أمل لأي منافس له، وفق الظروف القائمة، وأيضا اعتمادا على نتائج الانتخابات البرلمانية، في الجولات الأربع الأخيرة، التي بقي فيها الليكود وحلفاؤه الفوريون في المقدمة.

إلا أن دعم عباس وكتلته لحكومة ضيقة برئاسة نتنياهو، لن يحل المعضلة العالق بها الأخير، لأن عباس الذي لا يرفض هذا الخيار، وفي حال تم التجاوب مع مطالب له، فإن كتلة “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ترفض دعم الموحدة لحكومة تشارك بها، حتى بثمن التوجه لانتخابات خامسة. وبات هذا الموقف أكثر تشددا في ظل الأوضاع القائمة، خاصة وأن شخصيات في هذه الكتلة مثل بن غفي، تشجع العصابات التي تقتحم مدن الساحل، وترتكب اعتداءات منظمة على العرب.

مساء الاثنين من هذا الأسبوع ينتهي موسم الأعياد اليهودية، ما يفسح المجال أمام حراك سياسي مكثف في الأسابيع المقبلة، ولكن هذا الحراك قد يبقى وراء الكواليس، طالما استمرت الحرب على غزة. ويرى محللون أنه كلما طالت الحرب فإن الانتخابات الخامسة ستكون احتمالاتها أكبر.

في حال فشل يائير لبيد المكلف حاليا بتشكيل حكومة، ولم يظهر أيضا مسار يقود لحكومة جديدة، فإنه وفق القانون يعيد الرئيس الإسرائيلي مسألة التكليف للكنيست، لمدة ثلاثة أسابيع، وفي حال لم يكن هناك مرشح لتشكيل حكومة مع أغلبية واضحة، يتم حل الكنيست تلقائيا، والتوجه لانتخابات خامسة. ما يعني أنه ما زال أمام الولاية البرلمانية الحالية 5 أسابيع فقط، أي حتى 22 حزيران المقبل، حتى يتبين ما إذا ستكون حكومة. لكن قد تكون أغلبية قبل ذلك التاريخ لتصوت على حل الكنيست والتوجه لانتخابات برلمانية خامسة، قد تجري في نهاية أيلول أو منتصف تشرين الأول، لتتجاوز الأعياد العبرية، التي تحل في تلك الفترة.

علاقة نتنياهو بأشد المجموعات اليمينية تطرفا

وجهت أصابع اتهام عديدة، فلسطينية وأيضا إسرائيلية، لبنيامين نتنياهو، بأنه هو من أعطى الأوامر لفسح المجال أمام عصابات المستوطنين، باستقدام مجموعات من المستوطنات، ومنها مسلحة بأسلحة نارية، لتعزيز انفلات مجموعات يمينية متطرفة في المدن الفلسطينية التاريخية التي باتت ذات أغلبية يهودية، وهي مدن الساحل، عكا وحيفا ويافا واللد والرملة. وتؤكد كل التقارير الميدانية، بدءا من مدينة القدس في نهاية شهر نيسان الماضي، واستمرارا حتى هذه الأيام، أن العصابات اليمينية تنفلت في مدن الساحل دون أي رادع، وتتلقى حماية مباشرة من قوات الشرطة وقوات ما تسمى “حرس الحدود”، ما يشجعها أكثر على ارتكاب الجرائم.

في ما يلي محطات بارزة تدل على علاقة نتنياهو بمجموعات اليمين الاستيطاني المتطرف، على الأقل في العامين الأخيرين، إذ بدت العلاقة جلية أكثر، بموجب الحقائق.

– تمهيدا لانتخابات الكنيست الـ 21، التي جرت في نيسان 2019، ضغط نتنياهو على قائمة التيار الديني الصهيوني، “التكتل القومي”، بأن تضم في قائمتها ممثلين عن حركة “قوة يهودية”، المنبثقة عن حركة “كاخ” المحظورة رسميا، وليس فعليا، في القانون الإسرائيلي، ومحظورة أيضا في دول كثيرة في العالم، بينها الولايات المتحدة الأميركية.

وقد تم هذا، مقابل أن يضمن نتنياهو مقعدا لحزب “التكتل القومي” في قائمة الليكود. وفازت قائمة “التكتل القومي” في تلك الانتخابات بـ 5 مقاعد، إلا أن “قوة يهودية” لم تتمثل في الكنيست لأن المحكمة العليا، كانت قد ألغت ترشيح المتطرف ميخائيل بن آري، ممثل الحركة، الذي حلّ رابعا في القائمة، فيما كان الممثل الثاني، إيتمار بن غفير، مرشحا سابعا في القائمة.

– تمهيدا لانتخابات الكنيست الـ 22، التي جرت في أيلول 2019، التأمت من جديد قائمة “يمينا”، التي ضمت أيضا “التكتل القومي”، الذي تحرر من حركة “قوة يهودية”، التي خاضت الانتخابات منفردة، وحصلت على ما يقارب 84 ألف صوت، ولم تعبر نسبة الحسم.

– تمهيدا لانتخابات الكنيست الـ 23، التي جرت في آذار 2020، لم ينجح نتنياهو مجددا، في ضم “قوة يهودية” إلى قائمة “يمينا”، بسبب معارضة الأطراف المشاركة. فخاضت “قوة يهودية” الانتخابات منفردة مرّة أخرى، إلا أنها سجلت فشلا ذريعا في تلك الانتخابات وهبطت قوتها بنحو 77%، مقارنة بالانتخابات التي جرت قبل 6 أشهر، وحصلت على 19 ألف صوت تقريبا. وهذا يعكس حجم النواة الصلبة لهذه الحركة. 

– تمهيدا لانتخابات الكنيست الـ 24، التي جرت في آذار هذا العام 2021، وعلى ضوء تفكك تحالف “يمينا” مجددا، مارس نتنياهو الضغط على حزب “الصهيونية الدينية”، وهو الاسم الجديد لحزب “التكتل القومي”، برئاسة بتسلئيل سموتريتش، الذي رغم تطرفه، حاول رفض ضغوط نتنياهو.

ولكن هذه المرّة كانت شروط “قوة يهودية” أفضل بالنسبة لها، إذ إن ممثلها الأول إيتمار بن غفير، حلّ ثالثا في القائمة، والمكان السادس كان لممثل حركة “لهافا”، الشريكة الأساس لحركة “قوة يهودية”، وكلتاهما منبثقتان عن حركة “كاخ”. وحصلت القائمة على 6 مقاعد، إضافة الى مقعد سابع هو لحزب الصهيونية الدينية، ومُدرج في قائمة الليكود في المكان الـ 28، وقد حقق الليكود 30 مقعدا في هذه الانتخابات.

– الليكود ونتنياهو لم يكتفيا بهذا الدعم، بل عقدا اتفاقية فائض أصوات مع هذه القائمة التي تمثل المجموعات اليمينية الاستيطانية الأشد تطرفا، وتنص الاتفاقية أيضا على تمثيل القائمة في كل حكومة يشكلها نتنياهو.

– تشير سلسلة من التقارير، وحتى ما اعترفت به جهات في حزب الليكود، إلى أن الليكود وبقرار من نتنياهو، لم يدخل بمنافسة ميدانية ضد قائمة الصهيونية الدينية، وحسب تلك التقارير، فإن الليكود خسر 6 مقاعد برلمانية، منها 3 مقاعد اتجهت طواعية من الليكود لقائمة الصهيونية الدينية، ما يعني أنه لولا هذا الدعم لما عبرت قائمة الصهيونية الدينية نسبة الحسم.

– فوز “قوة يهودية” و”لهافا” بتمثيل برلماني أعطى أنصارهما جرأة أكبر للانفلات الميداني في القدس ومدن الساحل.

– في أيام مقاومة الشبان المقدسيين لقمع الاحتلال واضطهاده، برفضه لتواجدهم في ساحة باب العامود في القدس المحتلة، في ليالي رمضان، نظمت حركتا “لهافا” و”قوة يهودية” اعتداءات منظمة على مدى ثلاث ليال على الشبان المقدسيين عند باب العامود، وفي أحياء قريبة، وأيضا في الشيخ جراح، وسط غض طرف من القوات الإسرائيلية.

– تبع هذا، أن أعلن بن غفير فتح مكتب له في قلب حي الشيخ جراح، ما قاد إلى ثورة غضب، ومقاومة باسلة من المقدسيين وأهالي الحي، ما اضطر بن غفير للتراجع. وتم الإعلان عن أن سحب مكتبه من الشيخ جراح جاء بطلب من مكتب نتنياهو.

– كما ذكر هنا سابقا، فإن تدفق مجموعات المستوطنين المتطرفة والمسلحة على مدن الساحل، جاء في إطار خطة منظمة، وإن حراكهم يتم وفق خطة موضوعة بعناية. وفي نهاية الأسبوع الماضي، قالت سلسلة من وسائل الإعلام المركزية الإسرائيلية، والأكثر انتشارا، إن القائد العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي، وفي جلسة تقييم للوضع جرت في مقر شرطة مدينة اللد مساء الخميس من الأسبوع الماضي، اتهم عضو الكنيست إيتمار بن غفير، بأنه “هو المسؤول عن الانتفاضة. وأن هذا بدأ بمظاهرة حركة لهافا عند باب العامود (في نهاية نيسان الماضي)، ثم استمر بالاستفزازات في حي الشيخ جراح، والآن يتجول مع ناشطي حركة لهافا في المدن”، بحسب ما نشر على لسانه.

– وتابع شبتاي قائلا، “أمس (الأربعاء) نجحنا في تهدئة مدينة عكا، إلا أنه (بن غفير) جاء مع ناشطين بحافلة ركاب، وتسبب بقلاقل، لا توجد للشرطة أدوات لمواجهته”.

وحسب تقرير القناة التلفزيونية 12، الإسرائيلية، فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن الداخلي (الشرطة) أمير أوحانا، لم يعقبا على تصريح قائد الشرطة.

– الانطباع السائد هو أن نتنياهو لعب دورا مركزيا في تصعيد الأمور، كأداة لإفشال محاولات تشكيل حكومة بديلة لحكومته. وهناك من رأى أن حضور نتنياهو شخصيا الى عكا بعد ظهر يوم الأربعاء، وبعدها الى اللد، وإطلاق تصريحات تهديد ووعيد، وغض الطرف عن ممارسات المستوطنين في تلك المدن، كانت شارة التصعيد والانفلات الأكبر من ناحيته لهذه المجموعات اليمينية المتطرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى