شؤون إسرائيلية

برهوم جرايسي يكتب – تقرير دولي : إسرائيل من أغلى الدول وموجة غلاء أخرى ستداهم الأسواق قريباً !

برهوم جرايسي *- 20/10/2020

أظهرت تقارير جديدة أن السوق الإسرائيلية مقبلة على موجة غلاء في أسعار المواد الغذائية، لتنضم إلى ارتفاع طرأ على أسعار الخضراوات والفواكه في الشهر الماضي. إلا أن هذا الغلاء لا ينعكس بصورة حقيقية في تقارير التضخم المالي الذي تراجع في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بنسبة 0.7%. في حين دلت تقارير على أن الجمهور الإسرائيلي قلق من المستقبل، وبات يفضل تكديس الأموال في البنوك على صرفها. وفي المقابل، قال تقرير جديد لوزارة المالية إن شهر أيلول الماضي، أظهر تراجعا في عدد متلقي الرواتب بنحو 100 ألف شخص، وهؤلاء يشكلون قرابة 2.5% من القوة العاملة في إسرائيل.

فقد قال التقرير الدوري لمكتب الإحصاء المركزي في نهاية الأسبوع الماضي، إن التضخم المالي في شهر أيلول الماضي، سجل تراجعا بنسبة 0.1%، ومنذ مطلع العام الجاري تراجع التضخم بنسبة 0.7%، وفي الأشهر الـ 12 الأخيرة، تراجع التضخم بالنسبة ذاتها بنسبة 0.7%.

وكان تراجع التضخم في الشهر الماضي، أيلول، مفاجئا نوعا ما، رغم أنه لا يخرج عن وتيرة التضخم الغالبة في العام الجاري، بفعل تراجع حركة السوق. ولكن شهر أيلول الماضي شهد غالبية موسم الأعياد العبرية، وبالأساس التحضير لها، وكان من المفروض أن يشهدا ارتفاعا ولو طفيفا في الأسعار، إلا أن التضخم تراجع.

وقال مكتب الاحصاء في تقريره، إن الإغلاق الذي طال الأسبوعين الأخيرين في الشهر الماضي ذروة الأعياد اليهودية، أدى إلى تراجع في حركة السوق، ووقف قطاعات استهلاكية كليا. ورغم هذا، فقد سجلت أسعار الخضراوات والفواكه الطازجة ارتفاعا حادا بنسبة 7.2%، في حين أن المواد الغذائية الأساسية الأخرى، سجلت تراجعا طفيفا يقل عن 1% (0.6%).

وقد سبق تقرير مكتب الإحصاء تقرير آخر، قال إنه في فترة الأعياد العبرية، سجلت المواد الاستهلاكية الأساسية ارتفاعا بأسعارها، بحجج مختلفة، ولكن الارتفاع الأكبر كان في أسعار الخضراوات والفواكه، بنسبة مئوية عالية، تراوحت ما بين 26% في أدناها، وحتى 76% كما في حالة الخيار، والبندورة- 59%.

وفي سياق متصل قال تقرير جديد إن المواد الغذائية التي تعتمد القمح والذرة والصويا، مرشحة لارتفاع أسعارها في الأشهر القليلة المقبلة، على ضوء ارتفاع أسعارها عالميا، بحجة تراجع المحاصيل في الأسواق العالمية بنسبة 11%. ونجم عن هذا التراجع، ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية بنسبة 17%، والصويا بنسبة 16%، والذرة بنسبة 12%.

وتراجع التضخم في شهر أيلول بنسبة 0.1%، ومنذ مطلع العام بنسبة 0.7%، يقرّب تحقيق تقديرات بنك إسرائيل الصادرة في ربيع العام الجاري، بأن التضخم المالي سيسجل هذا العام تراجعا غير مسبوق في إسرائيل، بنسبة 1.2%، إذ أن أعلى نسبة تراجع كانت في العام 2015، بنسبة 1%.
ويعكس هذا التراجع حالة ضعف الحركة التجارية، وتوقف قطاعات استهلاك وصرف كليا تقريبا منذ ما بات يقارب 7 أشهر، مثل قطاع السياحة والنقل الجوي. ففي الربع الثاني من العام الجاري تراجع الاستهلاك بنسبة 50% وفق تقرير لمكتب الإحصاء المركزي، وكان التراجع في كافة جوانب الاستهلاك، وحتى المواد والبضائع الاستهلاكية الأساسية، ما يعكس عدم ثقة الجمهور بالمستقبل من جهة، وأيضا تراجع
القوة الشرائية، مع ارتفاع البطالة بأربعة أضعاف عما كانت عليه في نهاية العام الماضي، من 3.4%، إلى 14% اليوم.

ومن مؤشرات تراجع استهلاك الجمهور، عدا تراجع القوة الشرائية بفعل اتساع البطالة، هو ما أشار اليه تقرير لبنك إسرائيل صدر في الأسبوع الماضي، قال فيه إن أموال الجمهور في الحسابات البنكية الجارية، ارتفعت بنسبة 20%، من 348 مليار شيكل في مطلع العام، إلى 415 مليار شيكل (122 مليار دولار) في نهاية أيلول الماضي.

وقد أجرت صحيفة “كالكاليست” مقارنة مع أزمات اقتصادية سابقة، ووجدت أن ارتفاعا بنسبة 20% في الأموال في الحسابات الجارية، في أوج الأزمة الحالية، مقابل ارتفاع بنسبة 4% في ذات الفترة من العام الماضي، هي نسب مشابهة لأزمات اقتصادية سابقة في العقدين الأخيرين، مثل أزمة 2001- 2002 وأزمة 2008- 2009. إلا أن الفارق الآن هو في حجم الأموال، ففي حين كان حجم الأموال في الحسابات الجارية في العام 2010، حوالي 70 مليار شيكل، فإن الحديث يدور اليوم عن 415 مليار شيكل، أي أكثر بستة اضعاف.

وقالت الصحيفة إن المديرين العامين لكبرى البنوك اجتمعوا في الشهر الماضي مع وزير المالية يسرائيل كاتس، وحذروه من أن ظاهرة تكديس الأموال في الحسابات الجارية، التي لا تحصل على فوائد بنكية، سيؤدي إلى تعميق الركود الاقتصادي، وتراجع الإنتاج، وبالتالي تعميق الأزمة الاقتصادية أكثر.

الدولة الأغلى

تحت عنوان “الدولة الأغلى” نشر المحلل الاقتصادي البارز سيفر بلوتسكر مقالا في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، استعرض فيه نتائج مسح عالمي يجريه البنك الدولي، مرّة كل بضع سنوات، تبين فيه أن مستوى الأسعار، مقارنة بمستويات الدخل في إسرائيل، هي من الأعلى في العالم، ففي حين كانت إسرائيل أغلى بنسبة 42% من معدل الأسعار في العالم، في العام 2011، الذي شهد في صيفه حملة احتجاجات شعبية، ضد ارتفاع كلفة المعيشة، فإن التقرير الأخير الذي صدرت نتائجه في الأيام الأخيرة عن العام 2017، بيّن أن معدل الأسعار في إسرائيل كان أعلى بنسبة 68% من معدل الأسعار في العالم.

ويشير بلوتسكر إلى أن أسعار البيوت وحدها، التي كانت من أبرز عناوين حملة الاحتجاجات الشعبية، ارتفعت بنسبة 120%. ويقول في مقاله إنه “في شهر أيلول 2011، انتهت حملة الاحتجاجات، تراجعت، تفرقت، تم تفريقها. فهل حققت أهدافها؟ وبكلمات سياسية أكثر، هل حكومات إسرائيل منذ ذلك الحين أوفت بوعودها، لخفض كلفة المعيشة؟ الجواب: كلا وكلا. فمنذ العام 2011 ابتعدت إسرائيل أكثر، عن مستوى الأسعار القائم في الدول الغربية المتطورة، وباتت كلفة المعيشة أكثر بكثير كلفة وغلاء. ومعلومات المقارنة هذه، والتي نعتمد عليها كما ذكر، يزودنا إياها تقرير جديد للبنك الدولي، الذي يعرض معطيات مقارنة دولية، وشاملة حول مستويات الأسعار، في 176 دولة، تشارك في مبادرة البنك الدولي التي انطلقت لأول مرة في سنوات السبعين من القرن الماضي”.

ويقول بلوتسكر إن المقارنة السابقة كانت تتعلق بالعام 2011، وكان معدل الأسعار في إسرائيل أعلى بنسبة 42% من معدل الأسعار العالمي. ولكن إسرائيل لم تكن وحيدة، في ذلك العام، في ارتفاع كلفة المعيشة في الدول الأوروبية الغربية، ولا الدول النامية. فمثلا في ألمانيا وإيطاليا كانت الأسعار في ذلك العام أعلى مما هي في إسرائيل. كما أن معدل الأسعار في النمسا وبلجيكا وفرنسا كان أعلى من مستوى الأسعار في إسرائيل بنسبة 4.5%، وفي هولندا وبريطانيا أكثر بنسبة 7.5%، وفي فنلندا أعلى بنسبة 16%، وفي الدانمارك أعلى بنسبة 16%، وفي السويد بنسبة 26%. أما في الولايات المتحدة الأميركية فإن معدل الأسعار كان أقل بنسبة 11% مما هو في إسرائيل.

ويستذكر بلوتسكر كيف أنه في أعقاب حملة الاحتجاجات الشعبية، أقام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لجنة لفحص كلفة المعيشة في إسرائيل، وقدمت اللجنة العديد من التوصيات لخفض كلفة المعيشة في العديد من الجوانب. ولكن النتيجة جاءت عكسية، ففي نظرة إلى مستوى الأسعار الذي كان في العام 2017، سنجد أن مستوى الأسعار في إسرائيل بات أعلى بنسبة 68% من معدل الأسعار العالمي. في حين أن دولا تم ذكرها هنا وكان معدل الأسعار فيها أعلى من إسرائيل، باتت أقل كلفة.

وحسب التقارير فإن معدل الأسعار في النمسا وبلجيكا أقل بنسبة 18% مما هو في إسرائيل، وفي هولندا وفرنسا أقل بنسبة 22%، وفي بريطانيا أقل بنسبة 14%، وفي فنلندا أقل بنسبة 11%، وفي السويد أيضا معدل الأسعار بات أقل من المعدل في إسرائيل بنسبة 2.5%. ففي كل هذه الدول كان معدل الأسعار في العام 2011 أعلى مما كان في إسرائيل، وفي 2017 انقلبت المعادلة، لتصبح إسرائيل من أكثر الدول غلاء، وكلفة المعيشة فيها من الأعلى.

اتساع البطالة

في هذا الأسبوع تبدأ إجراءات تخفيف الإغلاق الذي استمر أكثر من 4 أسابيع، على ضوء التراجع المستمر في عدد حالات الإصابة النشطة بفيروس كورونا، من أكثر بقليل من 70 ألف حالة في الرابع من تشرين الأول الجاري، إلى محيط 32 ألف حالة نشطة في مطلع الأسبوع الجاري، ما يعني انخفاضا بنسبة تتجاوز 55% في غضون أسبوعين. ولكن القلق ما زال قائما من الموجة الثالثة التي قد تداهم إسرائيل قريبا مع التوغل أكثر في فصل الخريف وفتح جميع القطاعات، وعودة فتح المدارس، ولو جزئيا.

إلا أن المشكلة التي ستبقى ملتهبة لوقت أكبر بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، هي اتساع البطالة، فقد قال تقرير صادر عن وزارة المالية الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي، إن عدد متلقي الرواتب تراجع في شهر أيلول الماضي بنحو 100 ألف شخص، وهذا يساند تقديرات مكتب الإحصاء ودائرة التشغيل، بأن البطالة في نهاية أيلول ارتفعت إلى 14%، بعد أن كانت قد تراجعت في نهاية تموز إلى 9.7%، بدلا من 21% وأكثر، في فترة الاغلاق الأول في الربيع الماضي.

والغالبية الساحقة جدا من هؤلاء هم من تم إخراجهم إلى إجازات ليست مدفوعة الأجر، وبفعل أنظمة الطوارئ، التي تم سنها قبل 7 أشهر، فإن جميع هؤلاء يستحقون مخصصات بطالة، تتراوح ما بين 70% وحتى 40% من رواتبهم.

إلا أنه خلافا للإغلاق الذي كان في ربيع العام الجاري، فإن الإغلاق الثاني تسبب في ارتفاع نسبة حالات الإفلاس، وحسب تقديرات أولية فإن 11% من المصالح التي فرض عليها الإغلاق ثانية، مهددة بعدم فتح أبوابها ثانية، بعد رفع الإغلاق كليا. إذ أنها عانت من الإغلاق الأول، وحاولت أن تنهض بعد رفعه، حتى جاءها الإغلاق الثاني.

ومن أكثر القطاعات تضررا في هذا المجال هو قطاع المطاعم، ومرافق الطعام، التي تستوعب ما يزيد عن 160 ألف مكان عمل، فهذه المرافق قالت إنه بعد عودتها للعمل من الإغلاق الأول تراجعت مداخيلها بنسبة 66%، ما أثقل على أصحاب المحال، ومنهم من اختار إغلاق مصلحته كليا، كي يسعى للحصول على مخصصات ضمان دخل شحيحة.

وفي حين أن المعطّلين عن العمل يعانون من شح مخصصات البطالة، فإن ذوي المهن الحرّة وأصحاب المصالح الصغيرة، الذين يطلق عليهم أيضا مصطلح “المستقلين”، يشكون من أنهم لا يحصلون على الدعم المالي الكافي من الحكومة.

وقد عرضت وزارة المالية في الأسبوع الماضي على “المستقلين” أن يسحبوا 33% من مدخراتهم من صناديق التقاعد، على أن تعفيهم الوزارة من الضريبة التي يفرضها القانون، لمن يسحب مدخرات التقاعد قبل سن التقاعد، إلا أن هذا الاقتراح لاقى اعتراضا واسعا، كونه يعني أن يكون المستقلون مستقبلا، وفي جيل الشيخوخة، مع مخصصات تقاعد هزيلة، بعد أن أخذوا قسما منهم لضمان معيشتهم حاليا، بدلا من تلقي مخصصات بطالة أسوة بباقي الأجيرين المعطّلين عن العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى