برهوم جرايسي يكتب – إخراج الأونروا من القدس
برهوم جرايسي – 20/10/2018
يخطط الاحتلال الإسرائيلي إلى “طرد”، وكالة غوث اللاجئين “الأونروا”، من كامل منطقة نفوذ القدس المحتلة منذ العام 1967، بحسب توسيع الاحتلال للمنطقة، ما يعني من جنوب رام الله، وحتى مشارف بيت لحم. وإذا كان الحديث يصدر حاليا عن رئيس بلدية الاحتلال، فإن هذا يتحول تدريجيا إلى موقف رسمي، وقد يكون تنفيذه قريبا. وهذا ضمن مؤامرة صهيونية عامة ضد الوكالة، ولكن في القدس سيكون لها انعكاسات أخطر، تضيف أزمات على المدينة المنكوبة اقتصاديا واجتماعيا.
فقد أعلن رئيس بلدية الاحتلال نير بركات، مخططه في الأسابيع القليلة الماضية؛ ولأنه سيترك منصبه في الشهر المقبل، فإنه دعا جميع المرشحين لرئاسة البلدية، في الانتخابات التي ستجرى يوم 30 الشهر الجاري، إلى الالتزام بهذا المخطط، وقد التزموا جميعا، بأن يعملوا على إخراج كافة المؤسسات التابعة للأونروا من مجال مدينة القدس. وهذا يعني إخراجها من مخيمات اللاجئين، ومن أحياء أخرى. وللأونروا مؤسسات عديدة، كما هو في كافة مناطق اللجوء، وبضمنها شبكة المدارس.
وبركات ذاته، سيكون مرشحا قويا في حزب “الليكود” في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وليس من المستبعد أن يكون من أوائل وزراء الحزب في حكومة نتنياهو. وما دعا له بخصوص الأونروا، بدأ التداول به في الكنيست، فقد خصصت لجنة الداخلية البرلمانية قبل أيام قليلة، جلسة لبحث مطلب بركات.
وقد حذرت جهات إسرائيلية من هذا المخطط، من نقطة أنه سيكون على سلطات الاحتلال سد الفراغ الذي ستحدثه هذه الخطوة العدوانية، مع تركيز خاص على شبكة المدارس. وحسب احصائيات، منها صادرة عن مؤسسات حقوقية وسلامية إسرائيلية، فإن في القدس نقصا لألفي غرفة تعليمية في جهاز التعليم، بسبب سياسات الاحتلال، الذي يمنع بناء مدارس، وتوسيعمدارس أخرى.
وهذا ما يؤدي إلى أزمة في جهاز التعليم، إذ تقول التقارير إن تسرّب التلاميذ المقدسيين من جهاز التعليم في المرحلتين الابتدائية والاعدادية، وصل إلى 13%. وهذه نسبة خطيرة جدا، إذ تؤدي إلى ظهور قسم من الأجيال الناشئة في دوائر الأمية والجهل، وعدم تطوير الذات للانخراط بشكل صحيح في الحياة لاحقا.
المؤامرة على الأونروا في القدس هدفها الأساس مزدوج، سياسي، واقتصادي اجتماعي. لأن الهدف هو توجيه ضربات أكثر لأهالي القدس المحتلة، الذين يعانون من نسب عالية جدا، من الفقر والبطالة، وعدم الاستقرار في العمل، وتدني مداخيل. وأيضا تفشي الجريمة والمخدرات، وآفات اجتماعية خطيرة أخرى.
فالأوضاع الاجتماعية في القدس، تندرج ضمن التقارير الإسرائيلية بشكل عام، بفعل قانون الضم الاحتلالي؛ ومعروف أن الفقر بين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت ما يسمى “السيادة الإسرائيلية، بمعنى فلسطينيي 48 وفلسطينيي القدس، يتجاوز نسبة 52%. ونستطيع القول جازمين، إن نسبة الفقر في مدينة القدس وحدها، أعلى من هذه النسبة، وقد تكون قريبة لنسبة الفقر في صحراء النقب، التي تلامس 60%، وبين الأطفال وحدهم هناك، في حدود 75%.
ومدينة القدس المحتلة منذ العام 1967، تواجه حالة حصار اقتصادي خانق، بفعل فصل المدينة عن امتدادها الجغرافي في الضفة المحتلة، من الجهات الثلاث، شمال وشرق وجنوب. وهذا التواصل كان يضمن للمدينة وضعية اقتصادية أفضل، مقارنة مع سائر أنحاء الضفة، لكونها مدينة كبرى، ومدينة حجيج ديني إسلامي مسيحي لسائر الفلسطينيين، الذين لا يمكنهم التواصل الحر مع المدينة. ويزيد على هذا، تقطيع المدينة وفصل أحياء ضخمة عن مركز المدينة، بجدار داخلي يتجاوز طوله 47 كيلومترا.
ولهذا، فإنك ترى هذه المدينة التي تضم ما يزيد عن 330 ألف فلسطيني، مراكزها التجارية، تتحول بعد مغيب الشمس إلى “مدن اشباح”. وللأسف الشديد، فإن التجوال في أحياء شبه مظلمة، في ساعات المساء ليس آمنا لدرجة ليست قليلة.
إن اخراج مؤسسات الأونروا من القدس المحتلة، سيكون جريمة جديدة يرتكبها الاحتلال، وهي مؤامرة تحتاج لمواجهة فلسطينية وعربية، ودول العالم المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني. فالقدس منهكة من كافة النواحي، وهي بحاجة، وتستحق وقفة عالمية، تصديا لمخططات الاحتلال وجرائمه.