ترجمات أجنبية

برنار دي مونفيران : لاستقلال أوروبي استراتيجي في المستويين الاقتصادي والدفاعي

برنار دي مونفيران، لوفيغارو، 26/6/2018،

لا ترتجى فائدة من توجيه سهام النقد إلى سياسة «أميركا أولاً» وإهمال مسائل فعلية تشغل الرأي العام، ومدارها على الأمن والهجرة والقلق الاقتصادي. والحق يقال يذكرنا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأساسيات السياسة. ففي عالم متعاظم العولمة لا يسع بلداً من البلدان التعويل على غير نفسه، في المرتبة الأولى. ولكن لا غنى عن التعاون ومبادرات متعددة القطب بين شركاء مقدامين ومستقلين. ودعا ديغول إلى «الاستقلال الوطني»، ورأى أنه شرط الانفتاح على العالم انفتاحاً محسوباً. لذا، كان شاغله حيازة السلاح الذري وإعداد جيش حديث، وعتق فرنسا من عبء العجز المالي والديون، إثر تقويم خلل الموازنة. وسعى إلى تقليص هيمنة الدولار وامتيازاته، وإلى حيازة وسائل خاصة ببلاده في القطاعات الاستراتيجية البارزة. ووسعه دعم التحالف الأطلسي في وجه دعوات المهادنة التي كانت تعلو حين تندلع أزمات في برلين.

وقد يقول قائل أن مثل هذه الدعوة إلى الاستقلال الاستراتيجي بائتة في عالم تغير وجهه. ولكن، لماذا لا نجبه أميركا ترامب بتولينا زمام مصيرنا من جديد؟ لا يسعنا الدفاع عن مجتمع دولي مستقر أمنياً من دون سداد ثمن الاستقرار هذا. والثمن هذا هو الاستقلال الذي يطلق يدنا في معالجة المسائل كلها من دون خشية أي سلطان نافذ. والنزاع الفعلي أمام الأوروبيين والفرنسيين تحديداً ليس مع ترامب، بل مع النفس. وحري بنا استعادة استقلالنا الذاتي، ليسعنا دعم ما ندعو إلى حمايته: التعددية القطبية. وحري بنا الحفاظ على التحالف الغربي البالغ الأهمية في ميزان السلام العالمي، والاعتبار بما يقول الرئيس الأميركي واقتراح تجديد التحالف من طريق رفع الإنفاق على الدفاع، وعلى التحالف تالياً. واليوم، ننفق 740 بليون يورو على التقديمات الاجتماعية و34.2 بليون يورو على الدفاع، أي 1.8 في المئة من ثرواتنا. وعلينا زيادة الإنفاق العسكري للنهضة بالجيش وتجديد عتاده البائت. والحلفاء الأوروبيون سيحتذون على خطانا ويمضون قدماً في درب الاستقلال الاستراتيجي. فهذا سبيل يتيم إلى الحفاظ على حرية حركتنا وتفادي الابتزاز المهين والتلويح بطي المظلة الأمنية الأميركية.

وما يصح في المسائل الأمنية يصح في الاقتصاد. فثمن الاستقلال هو موازنات غير مختلة، وديون غير متضخمة وتحفيز التنافسية وبعثها. ولكننا أبعد ما نكون اليوم من مثل هذه الحال. وفي مثل هذه الظروف ما وسائل تمويل استقلالنا؟ الرأي العام سيتفهم مساعي حيازة مقتضيات الاستقلال الاستراتيجي إذا ما قدمنا شرحاً يدحض ما يذاع ومفاده أن الإدارة الحسنة هي صنو تقشف يفاقم التفاوت الاجتماعي…

وعلى المستوى الدولي، تمس الحاجة إلى جبه القومية الأميركية في السياسة الخارجية. والتذمر غير ناجع وغير كاف، وحري بالأوروبيين صوغ استراتيجية استقلال عن الأميركيين من طريق توسيع اللجوء إلى اليورو في معاملات الشركات الأوروبية في الخارج – وتتصدر الأولويات الدفع بالعملة الموحدة مقابل النفط. والأوروبيون مدعوون إلى إرساء أواليات بديلة من غرفة المقاصة الأميركية «سويفت»، وهي تخضع المعاملات بالدولار للقوانين الأميركية. وحبذا لو يرسخ التعامل بالمثل بين الشركات الأوروبية والأميركية في المجالات الضريبية ويكرس حظر الاحتكار والحق في التنافس. وأمام الخواء الاستراتيجي في الإطار الدولي، وهو يترافق مع زعزعة الاستقرار، يجب إدراج هذه المبادرات في سياق التفاوض على حوكمة اقتصادية أمثل، وتحديداً في مجال نظم العلاقة بين العملات الأجنبية الرئيسية، ودور الصين راجح في هذا المجال. وأدعو إلى المبادرة إلى دعوة روسيا إلى التفاوض على اتفاق استقرار أمني أوروبي، وإلى تطوير استراتيجية فعالة ومعطاءة إزاء أفريقيا. وما تقدم هو برنامج طارئ اقترحه على الاتحاد الأوروبي ومسؤولي منطقة اليورو أو على من هو عازم على جبه التحديات.

* سفير فرنسا السابق في ألمانيا، 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى