براين كاتيوليس: الضربة الإسرائيلية في قطر… نتنياهو “يختبر” حدوده مع ترمب

براين كاتيوليس 14-9-2025: الضربة الإسرائيلية في قطر… نتنياهو “يختبر” حدوده مع ترمب
كانت الضربة الإسرائيلية المفاجئة ضد قادة “حماس” في قطر هذا الأسبوع أحدث مؤشر على أن إدارة ترمب الثانية فشلت إلى حد بعيد في تحقيق تطلعاتها في إنهاء حرب غزة.
وفي حديثه بعد ظهر يوم الخميس، بعد أكثر من ثلاثة أيام على الضربة، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن أمل ضبابي في حل دبلوماسي: “آمل أن لا يؤثر الهجوم الإسرائيلي في قطر على مفاوضات إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة. نريد إطلاق سراح الرهائن، ونريد أن يحدث هذا قريبا”.
أحد أكثر الجوانب غرابة في النهج الذي تتبعه إدارة ترمب الثانية تجاه الشرق الأوسط هو السلبية اللافتة في مقاربتها لحرب غزة. مع أن كلمة “السلبية” هي أبعد ما تكون عن ترمب بنظر الكثيرين، ويعود ذلك جزئيا إلى الوتيرة المحمومة للأقوال والأفعال القادمة من البيت الأبيض في أي يوم.
يبدي ترمب ولعا خاصا بالإدلاء بتصريحات استفزازية تأسر انتباه العالم، مثل فكرته عن سيطرة أميركا الكاملة على قطاع غزة وإقامة “ريفييرا غزة” الخلابة. ومن جهة ثانية يُقدم ترمب في معظم الأوقات على إجراءات استعراضية مثل الإعلانات الموجهة، كالهجوم الخاطف الذي استهدف في ليلة واحدة إيران في يونيو/حزيران، والضربة التي شنها هذا الشهر ضد تجار مخدرات مشتبه بهم من فنزويلا. لكن لا ينبغي لنا أن نخطئ فهم هذه التحركات باعتبارها تقارب نهجا استراتيجيا متماسكا يفضي إلى نتائج دائمة في أي من هذه الملفات.
وعلى الجبهة الإسرائيلية-الفلسطينية، رفع ترمب سقف الحديث حول إعادة الرهائن إلى ديارهم وإنهاء الصراع. إلا أنه سمح لإسرائيل بالتصرف كما يحلو لها على أرض الواقع، رغم أن أفعالها غير المتوقعة زعزعت استقرار المنطقة. إن أفعال إسرائيل في غزة وسائر أرجاء المنطقة تقف حائلا دون تحقيق ترمب لأحد أكبر طموحاته، وهو نيل جائزة نوبل للسلام وعن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، الذي يطمح إليه بشغف لا مثيل له. ولكن حتى الآن، ثمة غياب لأي تحول استراتيجي في السياسة الأميركية تجاه القضية العربية-الإسرائيلية.
صوت مرتفع وعصا صغيرة
في تناقض مباشر مع مبدأ السياسة الخارجية لثيودور روزفلت الذي يمكن اختصاره بمقولته الشهيرة: “تحدث بهدوء واحمل عصا كبيرة”، يُظهر الهجوم غير المسبوق الذي شنته إسرائيل في 9 سبتمبر/أيلول على شخصيات من “حماس” داخل قطر، الحليف الرئيس للولايات المتحدة من خارج مجموعة حلف “الناتو”، والتي تضم أكبر قاعدة جوية عسكرية أميركية في المنطقة، يظهر مدى تأثير أطراف فاعلة في المنطقة، وفي مقدمتها إسرائيل، على ديناميات هذه المنطقة، حيث تقف إدارة ترمب الثانية، في نواح عديدة، موقف المتفرج.
على الرغم من بداية مسيرة ترمب القوية عند عودته إلى منصبه في يناير/كانون الثاني، مع توصله إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، إلا أنه فقد تركيزه منذ ذلك الحين. إن مقطع الفيديو الغريب المولّد بالذكاء الاصطناعي الذي نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يظهر مسترخيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على شاطئ غزة المتخيل، أثار حيرة وقلق الكثيرين، خاصة وأنه لم يمارس، في الوقت نفسه، ضغطا كافيا لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه قبل تنصيبه.
في مارس/آذار، تمخضت خطة مفصلة عن القمة العربية التي عقدت في القاهرة ضمت التزامات بإعادة إعمار غزة وتنميتها على المدى الطويل، وتأكيدا على الالتزام بإقامة دولة فلسطينية. إلا أن فريق ترمب تجاهل تلك الأفكار وفشل في التفاعل معها بأي طريقة ذات مغزى. ووضعت إسرائيل نهاية لوقف إطلاق النار في مارس باستئناف حملتها العسكرية وفرض حصار خانق على غزة، شمل قطع المساعدات الإنسانية، في محاولة للضغط على “حماس” في المفاوضات.
ومع تفاقم خطورة الوضع الإنساني في قطاع غزة، أنشأت إدارة ترمب مؤسسة غزة الإنسانية، وهي آلية إغاثة معيبة لم ترق إلى تلبية احتياجات الفلسطينيين، بل أدت إلى مقتل ما لا يقل عن ألف من طالبي المساعدة، وربما أكثر من ذلك بكثير. وطيلة ذلك الوقت، كان ترمب يدلي بتصريحات عرضية بأن فريقه سيتوصل إلى وقف إطلاق نار جديد واتفاق لإطلاق سراح الرهائن. حتى إنه اتخذ خطوة غير تقليدية حيث اجتمع مع “حماس” بشكل مباشر وليس من خلال وسطاء مثل قطر ومصر.
غير أن كل هذه التحركات فشلت في التوصل إلى وقف إطلاق نار. وفي غياب إطار دبلوماسي متماسك لإنهاء هذا الصراع بشكل مستدام، فالحملة العسكرية الإسرائيلية ستستمر. ومن نواح عديدة، ثمة أوجه تشابه بين فشل ترمب في التوصل إلى اتفاق سلام في حرب روسيا ضد أوكرانيا، على الرغم من وعوده بأنه قادر على تحقيق ذلك في يوم واحد. وكما يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاهل جهود ترمب لإنهاء الحرب، يفعل نتنياهو الشيء نفسه، ويختبر حدود ترمب وإلى أي مدى يمكنه دفعها أثناء ذلك، كما اتضح من قراره بضرب “حماس” داخل قطر. وفي الكثير من ملفات السياسة الخارجية المهمة، عادت دبلوماسية ترمب غير المتوقعة والمشتتة للانتباه خالية الوفاض.
المكونات المفقودة
ثمة مكونان أساسيان مفقودان قد يسهمان في تحقيق نتائج أفضل على هذه الجبهة وهما: أولا، العودة إلى القيادة الدبلوماسية الأميركية التي تسعى إلى وضع صيغة ورؤية موثوقة لوقف إطلاق نار دائم يفضي إلى السلام. وهذا يتطلب تركيزا استراتيجيا أكثر ثباتا وفريقا كاملا داخل الإدارة الأميركية يهتم بهذه القضايا ويعمل عليها، ويبدو أن أيا منهما لا يلوح في الأفق.
أما المكون الثاني فهو العمل بشكل أوثق مع الشركاء العرب، وخاصة الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، التي تربطها جميعا علاقات رسمية مع إسرائيل، فضلا عن دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر وسلطنة عمان، التي يمكنها أن تقدم الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والأمني للفلسطينيين بطريقة تمنح إسرائيل الطمأنينة التي تحتاجها.
وفي ظل غياب هذين المكونين: القيادة القوية والتعاون الوثيق مع الشركاء، يبدو أن إسرائيل سوف تستمر على المسار الذي تسير عليه حاليا، وستظل إدارة ترمب بعيدة عن تحقيق تطلعاتها إلى السلام في الشرق الأوسط.