أقلام وأراء

بايدن وترامب .. لا فرق

عاطف أبو سيف – 12/4/2021

ربما بات يقينياً عند الكثيرين أن الرئيس جو بايدن ليس أحسن كثيراً من سابقه دونالد ترامب. ومع أن أشهراً قليلة غير كفيلة بإعطاء قراءة دقيقة عن طبيعة سياسات ومواقف الرئيس الجديد، إلا أن المؤكد أن الأمر حين يتعلق بالصراع الأكثر شراسة في الأزمان المعاصرة وفي المنطقة الأكثر حساسية وسخونة، فإن بضع ثوانٍ تكفي حتى يضطر المرء للتعبير عن موقف جوهري من مجريات ما يدور في المنطقة. ولسان حال الكثيرين الآن أن إدارة بايدن لا تختلف كثيراً عن إدارة ترامب. ومع كياسة ولباقة أكثر، فإن الإدارة الجديدة تتبني كل مواقف وسياسات الإدارة السابقة دون أن تصرح بذلك، ودون أن تسعى للاشتباك مع الفلسطينيين كما كان يفعل ترامب.

هكذا يمكن تلخيص الأمر في سياق آخر. ما ميّز إدارة ترامب إلى جانب مواقفها الحادة والمعادية للفلسطينيين، هو نزعتها للاشتباك مع الفلسطينيين واستعدائهم. بمعني أنه صحيح أن مواقف ترامب لا يمكن أن يتم القبول بها فلسطينيين ولا يمكن تخيل أنه كان سينجح في أي مسعى لإرضاء الفلسطينيين، لكنه أيضاً لم يفعل أي جهد من أجل إرضائهم أو تبرير مواقفه أو تقديم تصورات متوازنة. لا شيء. كان الشعور الوحيد أن ترامب يفكر كيف يمكن له أن يغضب الفلسطينيين أكثر. حتى يوم اعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال اختار يوم النكبة ليعلن مواقفه المناهضة للقانون الدولي. صحيح أن دولة الاحتلال تعتبره يوم قيامها أو مع كل التحفظ على اللغة (استقلالها)، إلا أن ترامب لم يقرر فقط أن يقف من رواية الصراع، بل قرر أن يشارك في تزوير رواية الآخرين. من هنا فإن إدارة ترامب اعتبرت نفسها جزءاً من المعركة ضد الفلسطينيين.

لكن بنظرة خاطفة، فإن ترامب لم يبتدع العجلة، هو فقط تعامل بوقاحة مع تنفيذ سياسات الإدارة الأميركية. فثمة قرارات في الكونغرس كان يقوم الرئيس الأميركي ونظراً للمصلحة العامة بتأجيل تنفيذها، وكلها في الأساس لصالح إسرائيل. وكان يؤجل البعض منها من أجل حماية الموقف الأميركي أمام العرب. من هذه المواقف كان نقل السفارة للقدس. ومنها أيضاً اعتبار منظمة التحرير إرهابية ومنها ما يتعلق بالمساعدات لدول مختلفة. وهذه جزء من عملية التوازن في اتخاذ القرارات في السياسة الأميركية، التوازن الذي فرضته طبيعة نظام «الإدارة» كما تراكمت خبراتها منذ دستور فيلادلفيا حتى اللحظة.

أنا لا أقول هنا: إن ترامب لم يبتدع المزيد من تلك السياسات.. بل ما اقترحه أن ما قام به إنما عبّر بصلافة ووضوح ووقاحة عن حقيقة المواقف الأميركية بإدارات البيت الأبيض المختلفة من الديمقراطيين والجمهوريين تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية. قرر ألا يقف خلف ستائر الدبلوماسية بل أمام عربة القتال. وقرر أنه لم يفعل ذلك بحياء بل جهاراً، وقرر أنه لن يحسب حساباً للفلسطينيين أو للعرب، وهذا ما فعله تحديداً، ولما تُرك الفلسطينيون وحيدين استهواه الأمر.

بالمقابل، فإن بايدن يبدو أن الأمر بالنسبة له لن يكون مختلفاً كثيراً عدا أنه لا يحبذ المواجهة مع الفلسطينيين. وفي الحقيقة لا يرى منها فائدة. فهو في أول المطاف وفي نهايته سيواصل سياسات ترامب دون أن يقول إنه سيتراجع عنها. لاحظوا: تبقى السفارة في القدس ونفتح قنصلية في القدس الشرقية. بكلمة أخرى السعي وراء مقايضات أو مبادلات سياسة تخفف من أثر اللكمة على الوجه.

فإدارة بايدن لم تقدم أي موقف مختلف كثيراً عن مواقف الإدارة السابقة، ولا هي عملت على تصويب المواقف التي تطرفت إدارة ترامب في تبنيها. حتى اللحظة لا يوجد موقف آخر من العلاقة مع الفلسطينيين. صحيح أن اقتراح الإدارة بتقديم مساعدات للفلسطينيين شيء جديد لكنه أيضاً لم يشكل إضافة حقيقة، حيث إن السلطة هي في الأساس من أوقفت العلاقة مع واشنطن بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. وعليه فإن الحماسة تجاه ما اقترحته الإدارة الجديدة يجب أن يكون محسوباً وفي سياقه.

وبالعودة للنقاش السابق، فإن بايدن سيعتبر أن ما أقدم عليه ترامب بات جزءاً من السياسة الأميركية، وأن كل ما يمكن له أن يفعله هو أن يلطف الجو قليلاً. لكنه في المقابل لن يجهد نفسه كثيراً بالتفكير في سبل حل الصراع. لاحظوا سابقاً كان يشار إلى مواقف قادة دولة الاحتلال المختلفة من التعامل مع الصراع. من حل الصراع إلى إدارة الصراع إلى الإبقاء عليه. يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة أيضاً لا تؤمن بفرص حل الصراع وعليه تكتفي بإدارة علاقاتها مع أطراف الصراع. وعليه ستسعي دون ضغوطات سياسية إلى تلطيف العلاقة معنا من أجل إعادة الحد الأدنى من التوازن في عملية إدارة الصراع.

تخيلوا أن وضع بايدن أكثر راحة من ترامب فيما لو قرر تجاهل الفلسطينيين. فحتى العرب باتوا واضحين في مواقفهم المساندة لإسرائيل. لم يعودوا يخجلون أو يتوارون خلف ستائر التردد في طلب ود تل أبيب. صار بعضهم يعمل أجيراً بلا مقابل من أجل الضغط على الآخرين للاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها. بايدن ليس بحاجة لأي تدخل في شيء كما فعل ترامب. كان يمكن لنا أن نتخيل أن وقاحة البعض كانت بسبب وجود ترامب واتقاءً لشره، ولكن تخيلوا أنهم تمادوا بعد رحيله. وعليه فإنه لا يوجد سبب واحد يجعل بايدن ينظر بعمق للصراع ويحاول أن يتدخل لحله. على هذه الصفحة أشرت مرة إلى الانكماش الأميركي، وأظن أن الأمر يتحقق، ولكن يظل السؤال: هل سنظل ندفع فاتورة كل تغيرات في الإقليم وفي السياسة الدولية! سؤال برسم التعجب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى