ايغور كريوتشكوف : السبعة الكبار ونافذة روسيا على أوروبا

ايغور كريوتشكوف، غازيتا. رو» الروسية ١٠-٦-٢٠١٨م
انــتهت قمة مجموعة السبع في كندا إلى انقسام. إذ رفض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التوقيع على البيان الختامي واتهم شركاءه بمحاولة استغلال قطاع الأعمال الأميركي. وقالت ألمانيا وفرنسا إنهما ملتزمتان بالبيان الختامي مهما كان موقف ترامب. ويرى الخبراء أنّ انقسام الغرب يصب في مصلحة روسيا. ووراء انفراط عقد الغرب هو الرئيس الأميركي. فمواقفه الحادة وغير المتوقعة في القمة، تركت زملاءه في ارتباك تام. فهو طالب بإلغاء جميع الرسوم التجارية بين الدول، فتنتفي الحاجة إلى اتهام الآخر بفرض التدابير الحمائية، ووصف تصريحات رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو- والأخير اعتبر إجراءات الجمارك الأميركية الجديدة مهينة- بالكاذبة.
وفيما يخص روسيا، تشير هذه الوقائع إلى تغير سريع في الوضع، فهي استُبعدت من مجموعة الدول الثماني بعد انضمام القرم إلى روسيا واندلاع نزاع الدونباس في 2014. ومع ذلك، فإن الخلاف داخل «مجموعة السبع» يشرع أبواب فرص سانحة أمام موسكو للتأثير في توازن القوى في أوروبا. ويعتبر كيريل كوكتيش، الأستاذ المشارك في قسم النظرية السياسية في معهد موسكو للعلاقات الدولية، أنّ موسكو لا ترى عودتها إلى مجموعة السبع من الأولويات السياسية، لكن الكرملين يرى الوضع «مثيراً للاهتمام». ويرى كوكتيش أنّ التغييرات الإيجابية في العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي احتمال لا يمكن استبعاده. فموسكو تعتبر أن أي شقاق في مجموعة «السبع» يرسخ «سيادة أوروبا»، ويقوض نفوذ أميركا في المنطقة، ويرجح احتمال تمدد النفوذ الروسي فيها. وبدأت المحادثات الفعلية لإعادة روسيا إلى مجموعة السبع، لا بل أن هذا العرض اقترحه دونالد ترامب بنفسه، ورداً على أسئلة الصحافيين، قال إنه «يحب بلاده ويدرك أنّه صار كابوساً في روسيا ولكن عليها أن تشارك في هذه المفاوضات». وأعلنت إيطاليا، وهي عضو في المجموعة هذه، تضامنها مع ترامب في هذه المسألة في تغريدة كتبها رئيس وزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، على حسابه في التويتر، وأيدت عودة روسيا إلى مجموعة السبع. وتضمن البيان الختامي للقمة، فصلاً عن روسيا، ينص على أن «مجموعة السبع» ستستمر في ممارسة الضغط على موسكو للتأثير في موقفها من القضية الأوكرانية. وعلى خلاف أميركا، تؤيد برلين وباريس، هذه الوثيقة. ولكن كوكتيش يرى أن التأييد هذا فاتر، وأن الأمور هي خلاف ذلك. فالاتحاد الأوروبي يلوّح بأنه، إذا تفاقمت الخلافات مع واشنطن، سيوجه وجهه إلى روسيا.
ومن المؤشرات الواضحة إلى هذا الاتجاه هو بيان ألمانيا الداعم لمشروع التيّار الشمالي 2 (نورد ستريم 2). ووفقاً لوسائل الإعلام الأميركية، يبحث ترامب في فرض عقوبات على الأوروبيين ممن هم شركاء في هذا المشروع الروسي. وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مصادر في البيت الأبيض أن ترامب أبلغ المستشارة الألمانية إنذاراً نهائياً: حظر «نورد ستريم 2» في مقابل تسوية الرسوم الجمركية على الصادرات والواردات. ويرى كوكتيش أنّ علاقة ألمانيا وفرنسا بروسيا في الوقت الحالي تدور في المقام الأول على مساومة الولايات المتحدة. ومن المبكر توقع مآل الأمور إذا لم تنته هذه الصفقات إلى شيء. وإلى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل- موعد إجراء انتخابات الكونغرس- لن يتغير أسلوب ترامب وموافقه. لذا، فالأشهر الخمسة المقبلة هي فرصة للتقارب بين روسيا وأوروبا.
من جهته، يرى ، بافيل تيموفيف، الباحث في قسم الدراسات السياسية الأوروبية في أكاديمية العلوم الروسية، أنّ البلدان الأوروبية ليست مستعدة لرص الصفوف والانتصاب جبهةً موحدة في وجه الولايات المتحدة. ولكن، مع ذلك، ففي وسع موسكو الاستفادة من هذا الشقاق ولو لم يبلغ مبلغ المواجهة. وإلى «نورد ستريم – 2»، يعتقد تيموفيف أن «الصفقة النووية» الإيرانية، هي مسألة أخرى يُنتظر أن يحصل فيها تقارب بين المواقف الروسية والأوروبية. وأوضحت روسيا والاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً أن خروج الولايات المتّحدة من الاتفاق وفرض العقوبات الأميركية الجديدة، التي توعد بها ترامب طهران، قد يؤديا إلى تفاقم التوتر في الشرق الأوسط وبعث سباق التسلح النووي. وكانت المفوضية الأوروبية أكدت في وقت سابق أنها بدأت بالفعل في تحديث قانون قديم يحظر على الشركات الأوروبية الالتزام بالعقوبات الأميركية.
ويرى كوكتيش أنّ حصول تقارب فرنسي وألماني مع روسيا محتمل في المسألة الأوكرانية، ويعتقد أن صيغة النورماندي (المفاوضات بين ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا حول أزمة الدونباس) هي أبرز المنصات وأكثرها ملاءمة لمثل التقارب هذا. وتدور محادثات دونباس، اليوم، على احتمال نشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في منطقة النزاع. غير أن الخلاف الرئيسي هو صلاحيات قوات السلام هذه. ويرى الكرملين أن عمل هذه القوات يجب أن يقتصر على ضمان أمن موظفي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بيد أن كييف تتمسك بنشر القوات الأممية هذه في منطقة الدونباس كلها حتى الحدود مع روسيا.
ويرى الخبير هذا أن فرنسا وألمانيا راغبتان في تطبيع النزاع، وربما يمكنهما تقديم بعض الأفكار الجديدة. لكن من الصعب القول اليوم إذا ستقيض الحياة لهذه الأفكار فتتحول إلى مقترحات حقيقية لها حظوظ نجاح. وفي الأحوال كلها يقول كوكتيش إن تعميق التناقضات بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن يزيد من فرصة «دعم اتفاقات مينسك بشروط معقولة، وليس بتلك الشروط التي تضعها كييف وواشنطن».