اوري افنيري : رابين لم يكن رجل ضعيف لكنه تردد

هآرتس – بقلم اوري افنيري – 20/6/2018
بعد تطرقي هنا الى معظم اجزاء سلسلة “المسؤولين” لرفيف دروكر في القناة 10، يجب علي العودة الى الفصل الذي لم أرد عليه حتى الآن: فصل عن اسحق رابين.
يجب علي الاعتراف منذ البداية: أحببت الرجل. لقد كان شخص لطيف، مستقيم، منطقي دون أخطاء. كنت ادخل الى غرفته وكان يصب لي كأس من الويسكي ويجلسني ويطرح سؤال يجعلك تصل مباشرة الى الموضوع.
كم هو منعش مقارنة مع السياسيين الآخرين، لكن رابين لم يكن على الاطلاق سياسي، لقد كان جندي بكل معنى الكلمة، وكان الشخص القادر على تغيير تاريخ دولة اسرائيل. الحقيقة الاساسية في حياته هي أنه غير تماما رؤيته في جيل السبعين.
هو لم يولد كرجل سلام. اسحق رابين كان صهيوني عنيد، حارب في كل حروب اسرائيل، العادلة وغير العادلة، دون أن يطرح الاسئلة. بعض افعاله كانت عنيفة وبعضها كانت عنيفة جدا. في الانتفاضة الاولى طلب من الجنود تكسير عظام الايدي والارجل. وكان هناك من اعتبروا هذا أمر صريح وتصرفوا وفقا لذلك.
ولكن كيف حدث واعترف هذا الرجل بالشعب الفلسطيني وأجرى مفاوضات مع رئيس المخربين وتوصل الى اتفاق اوسلو؟ لقد حالفني الحظ وكنت الرجل الوحيد الذي سمع من البطلين الاساسيين عن عملية اوسلو وكيف توصلا الى نقطة التحول هذه في حياتهما وفي حياة شعبيهما. كلاهما تحدث معي على حدة، في مناسبات مختلفة بالطبع.
قصة رابين كانت كالتالي: بعد حرب الايام الستة أيدت مثل الجميع “الخيار الاردني” لأن أحدا لم يعتقد أنهم سيتركونا نحتفظ بالمناطق التي قمنا باحتلالها. أردنا اعادتها للملك حسين شريطة أن يبقي لنا شرقي القدس.
ذات يوم اعلن الملك أنه قطع علاقاته مع الضفة الغربية. هكذا تلاشى هذا الخيار. احد الخبراء لدينا عرض علينا اقامة “روابط القرى” وأن نجري معها المفاوضات. لكن هذه الروابط انهارت.
في العام 1993 عقد في مدريد مؤتمر سلام اسرائيلي – عربي. ولأن اسرائيل لم تعترف بالفلسطينيين فقد تم ضم الوفد الفلسطيني من المناطق المحتلة للوفد الاردني. ولكن في كل مرة وصل فيها النقاش الى المواضيع الفلسطينية كان الاردنيون يغادرون الغرفة. الوفد الاسرائيلي وجد نفسه يجلس وحيدا مع الفلسطينيين.
في كل مساء قال الفلسطينيون للاسرائيليين: الآن سنقوم بمهاتفة تونس وسنحصل على تعليمات من ياسر عرفات. هذا كان مضحكا. لذلك عندما رجعت وتم تعييني رئيسا للحكومة قررت أنه من الافضل لنا التحدث مباشرة مع ياسر عرفات. حتى الآن قصة رابين.
قصة عرفات كانت مشابهة جدا: بدأنا بالنضال المسلح، لم ننتصر على اسرائيل، جعلنا الدول العربية تقوم بمهاجمة اسرائيل. في حرب يوم الغفران حقق العرب انتصارا كبيرا في البداية، لكن بعد ذلك خسروا الحرب. فهمت أنه لا يمكننا الانتصار على اسرائيل، عندها قررت السير في طريق السلام. هكذا قال عرفات.
في الفصل عن رابين يصور دروكر صورة هي بحسبي غير دقيقة. هو يصف رابين كرجل ضعيف تم جره الى اوسلو تقريبا من شعره من قبل شمعون بيرس الذي كان في حينه وزير الخارجية. وكشاهد يجب علي أن أشهد بأن الامور لم تكن هكذا.
التقيت مع رابين للمرة الاولى في بركة السباحة “امواج السعادة” في رمات غان. تحدثت مع عيزر وايزمن الذي كان في حينه قائد سلاح الجو والذي اغضب بن غوريون بعدد من النكات المسممة. رابين ظهر وهو يرتدي ملابس البحر مثلنا، تجاهلني وتوجه مباشرة الى وايزمن: “هل تنقصك المشكلات كي تتحدث علنا مع اوري افنيري؟”.
في المرة التالية قابلته في 1969 عندما كان يتولى منصب سفير اسرائيل في واشنطن. كان لدينا حديث مطول، حاولت اقناعه بأن الطريق الوحيد لضمان مستقبل اسرائيل هو صنع السلام مع الشعب الفلسطيني برئاسة عرفات. رابين عارض ذلك بشدة.
منذ ذلك الحين التقينا مرات كثيرة. وقد كان لصديقتي النحاتة ايلانا غور استحواذ لمقابلتي مع رابين لاجراء محادثات ودية. لقد اقامت حفلات في الاستوديو الخاص بها في يافا حيث كان هدفها الحقيقي هو الربط بيننا. بشكل عام التقينا قرب البار، وبعد مغادرة كل الضيوف الآخرين جلسنا وتحدثنا. واحيانا انضم الينا ايضا اريئيل شارون. عن ماذا تحدثنا؟ عن الموضوع الفلسطيني بالطبع.
عندما بدأت بمحادثاتي السرية مع مندوبي عرفات (بداية مع سعيد حمامي وبعد ذلك مع عصام سرطاوي)، ذهبت بموافقة منهم للاعلان عن ذلك لرابين. في نهاية المحادثة قال لي رابين جملة نموذجية “أنا اعارض ما تقوم به ولكني لا امنعك من الالتقاء معهما، اذا سمعت خلال هذه المحادثات شيء حسب وجهة نظرك ترى أن على رئيس حكومة اسرائيل معرفته، فبابي مفتوح”.
بعد ذلك احضرت له في كل مرة اقتراحات عرفات، ورفضها جميعها. لقد تضمنت مبادرات صغيرة، في الاساس في الامم المتحدة، لكن رابين قال لي “اذا بدأنا بالسير في هذه الطريق فستقودنا بالضرورة الى اقامة دولة فلسطينية وهذا ما لا اريده”. عرفات اراد الوصول للاتصال مع رابين. أنا اعتقد أن هذا كان هدفه الحقيقي عندما استقبلني في بيروت الغربية المحاصرة (كما هو معروف كان ذلك اللقاء الاول لعرفات مع اسرائيلي).
لست أنا من اقنع رابين بأن يغير تماما مقاربته والتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين، بل من اقنع رابين هو رابين نفسه.
خطأ رابين التاريخي هو أنه بعد أن حقق انعطافة في اوسلو، لم يندفع قدما ويصنع السلام. لقد كان بطيء جدا وحذر جدا. وقد قارنته بقائد عسكري اجتاز خطوط العدو وبدل أن يسرع الى القاء كل قوته عبر الثغرة توقف وتردد. هذا كلفه حياته. أعتقد أنه بمقاربته البطيئة والحذرة، كان رابين سيوقع في النهاية على اتفاق سلام مع القيادة الفلسطينية ويساعد في اقامة دولة فلسطين.
الموضوع الرئيسي في هذا الفصل من سلسلة دروكر كان الخصومة بين رابين وشمعون بيرس. الكراهية التي لا سبب لها. الاثنان كره احدهما الآخر، لكنهما لم يستطيعا التخلي عن بعضهما. هذا بدأ حقا منذ البداية: رابين تنازل عن التعليم العالي (الزراعة) وتطوع للبلماخ. في حرب 1948 كان قائد ميداني، في حين أن بيرس لم يتجند مطلقا. بن غوريون ارسله الى الخارج لشراء السلاح – وظيفة هامة جدا لكن يمكن لابن ستين سنة أن يقوم بها. بيرس كان في جيل الـ 24 (اكبر مني باسبوعين).
منذ ذلك الحين كل جيلي كرهه. هذه الوصمة لم تزل عنه. كان ذلك احد الاسباب أن بيرس لم يفز في أي يوم في الانتخابات، لكنه كان ملك المؤامرات. رابين بلسانه الحاد الصق به صفة المتآمر المناوب.
نقطة الخلاف النهائية كانت الاختراقة في اوسلو. بيرس كوزير للخارجية طالب بالفضل لنفسه.
كانت لي في حينه تجربة غريبة. قالوا لي إن بيرس يريد رؤيتي. عندما وصلت اليه اعطاني محاضرة لمدة ساعة، اخبرني فيها لماذا من المهم صنع السلام مع الفلسطينيين. لأن هذا كان الموضوع الرئيسي في حياتي لعشرات السنين، في حين أنه عارضه بشدة فقد كان ذلك حقا موقف سريالي. اصغيت بهدوء وسألت ما الامر.
فيما بعد عندما نشر موضوع اوسلو فهمت الموقف: كان ذلك جزء من جهود بيرس في أن يطلب لنفسه فضل اوسلو.
لكن رئيس الحكومة رابين هو الذي اتخذ القرار الحاسم وهو الذي تحمل المسؤولية.
المشهد الاخير في الدراما: القاتل وقف في اسفل الدرج وفي يده المسدس. انتظر الى أن ينزل رابين الدرج، لكن بيرس نزل أولا والقاتل سمح له بالمرور دون المس به. كانت تلك هي الاهانة الاخيرة.