#شؤون فلسطينية

انطلاقة حركة فتح فكر ومسيرة

ورقة من اعداد لجنة التعبئة الفكرية في حركة فتح

أولا: حركة فتح الانطلاقة

 مقدمة[1] . . .

          تدخل ثورتنا الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني- “فتح” أعتاب ميلادها المتجدد وإنطلاقتها المجيدة كل عام لتطوي صفحة إثر صفحة وأعواما من النضال والكفاح الوطني المحفوف بالمخاطر والمجازفات والانتصارات دفاعا عن الحقوق والثوابت الوطنية وبهدف التحرر والتخلص من الاحتلال الاسرائيلي الغاشم واستعادة الارض المسلوبة وسعيا لنيل الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

وفي معركتها السياسية والدبلوماسية الضارية في مواجهة الصلف والاستعمار والاحتلال والتنكر الاسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني وتهرب الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من اتفاقيات السلام المبرمة برعاية دولية، نجحت حركة “فتح”وقيادتها في فضح الاساليب الاسرائيلية الوحشية والقمعية خلال الانتفاضات وهبات القدس وعبرالمقاومة الشعبية، والنضال القانوني والدبلوماسي.  

 وفي حصار الرئيس الرمز ياسر عرفات في مقر المقاطة برام الله، هذا الحصار الممزوج بصمود اسطوري لبطل الحصارات الفتحاوي الاسمر الذي علا نجمه في سماء الشرف والكبرياء مثبتا للعالم كله أن دولة الاحتلال الاسرائيلي هي العدو الفعلي لكل قيم ومبادئ السلام والأمن الدوليين.

 وكان الصمود الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات ثم خلفه أبومازن، وهذا الشعب العملاق في غزة والضفة وكل أماكن الاشتباك وسط هذه الهجمة الاسرائيلية أكبر وأقوى دليل على مصداقية حركة “فتح” في حماية الكرامة الانسانية والدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.

وبعد هذه المقدمة نتعرض لانطلاقة حركة فتح المتجددة.

يمثل العام 1957 وأوائل العام 1958 منشأة حركة فتح التي أتت في الحقيقة من تلاقي الأفكار الثورية لعدد من البؤر التنظيمية المنتشرة منذ عام 1948 على امتداد الساحات .

 هذه الأفكار التي مثلت لدى أعضاء هذه البؤر ردا على النكبة وعلى العدوان الثلاثي 1956، وعلى فقدان مصداقية الأحزاب السياسية التي كانت منتشرة في الساحة آنذاك ، وعلى الرغبة في استقلالية العمل الوطني الفلسطيني خاصة بعد تجميد عمليات الفدائيين من قبل السلطات المصرية عام 1957 .              

 الاجتماع التأسيسي:

  يشار دوما في أدبيات حركة “فتح” إلى أواخر العام 1957 كبداية لتأسيس الحركة، حيث عقد لقاء ضم مجموعات من الشبان الفلسطينيين الذين عاشوا النكبة في صباهم واكتسبوا بعض الخبرات التنظيمية في اتحادات ورابطات الطلاب الفلسطينيين أو في أحزاب قومية عربية، وكان بعضهم اكتسب خبرات عسكرية ترجع إلى العمل الفدائي في قطاع غزة في عام 1953 وهم: الشهيد الراحل ياسر عرفات، وخليل الوزير وعادل عبد الكريم، ويوسف عميرة، وتوفيق شديد، حيث اعتبر هذا اللقاء بمثابة اللقاء التأسيسي الأول لحركة “فتح”،[2] رغم انقطاع شديد من الاجتماع الثاني، ثم انقطاع عميرة عن التواصل.  

          وصاغ المؤسسون ما سمي “هيكل البناء الثوري” و”بيان حركتنا”، واتفقوا على اسم الحركة للأحرف الأولى للتنظيم مقلوبة من “حتوف” ثم “حتف” إلى “فتح”، وتم التأكيد على

ثلاثة مبادئ في أدبيات الحركة هي:

تحرير فلسطين،

وحرب الشعب هي أسلوب التحرير،

وكذلك الاستقلالية التنظيمية عن أي نظام عربي أو دولي

 وتبع ذلك انضمام أعضاء جدد منذ 1959 كان أبرزهم صلاح خلف وخالد الحسن، وعبد الفتاح حمود، وكمال عدوان، ومحمد يوسف النجار.

العمل المسلح والعمل النقابي:

          يشار بقوة إلى دور رابطة الطلبة الفلسطينية في الجامعات المصرية، وخاصةً منذ تسلم ياسر عرفات رئاسة الرابطة (1952 – 1956 ) والدور العربي والعالمي، الذي لعبته في بعث القضية الفلسطينية، وحتى تأسيس الاتحاد (الاتحاد العام لطلبة فلسطين)عام 1959.

منذ العام 1954 ابتدأ خليل الوزير “أبو جهاد”، أحد أبرز مؤسسي حركة “فتح” العمل المسلح ضمن مجموعات فدائية صغيرة، وفي يوليو 1957 كتب مذكرة لقيادة جماعة الأخوان المسلمين في غزة، يحثهم فيها على تأسيس تنظيم خاص يرفع شعار تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح، ورفضت الجماعة دعوته، لتنضم لاحقاً أعداد كبيرة من الكوادر لتنظيم “فتح” الناشئ، أمثال: سليم الزعنون، وصلاح خلف، وأسعد الصفطاوي، وأبو علي أياد ، وسعيد المزين، وغالب الوزير من قطاع غزة، ومحمد غنيم، ومحمد أبو سردانة من الضفة الغربية.

       كانت البؤر التنظيمية منتشرة على امتداد الوطن العربي وخارجه ففي سوريا نشطت عدد من البؤر مثل تلك التي أنشأها الأخ محمود عباس أبومازن في الجامعة بدمشق في الخمسينات ثم  حملها معه والأخوة كمال عدوان وأبويوسف النجار في قطر، وتلك التي أنشأها هايل عبد الحميد وهاني الحسن في سوريا ثم في ألمانيا مع ألأخوة حمدان عاشور ومروان عبد الحميد ، وتلك في السعودية والأخرى في الأردن، وفي غزة ومصر، بالإضافة إلى المفكر الكبير خالد الحسن وبؤرته الثورية.

       لتنضم أعداد كبيرة من القيادات  لتنظيم (فتح ) الناشئ  أمثال (سليم الزعنون ومحمود عباس وصلاح خلف وأسعد الصفطاوي ، وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار وسعيد المزين وغالب الوزير، وممدوح صيدم، وعبدالله الدنان ومحمودمسودة ، ومحمد غنيم ومحمد أبو سردانة، منير سويد، محمود الخالدي، حسام الخطيب، محمود فلاحة، الحاج مطلق وغيرهم…).

مجلة فلسطيننا :

في العام 1959 ظهرت “فتح” من خلال منبرها الإعلامي الأول مجلة “فلسطيننا – نداء الحياة”، التي صدرت في بيروت منذ شهر تشرين ثاني –نوفمبر، والتي أدارها توفيق خوري، وهو نفس العام الذي شهد اندماج معظم البؤر التنظيمية الثورية المنتشرة المتشابهة الأهداف، والتي حققت أوسع استقطاب حينها شمل ما يزيد على 500 عضو.

وقامت مجلة “فلسطيننا” بمهمة التعريف بحركة “فتح” ونشر فكرها ما بين 1959 – 1964 واستقطبت من خلالها عديد المجموعات التنظيمية الثورية الأخرى، فانضم تلك الفترة كل من: عبد الفتاح حمود، وماجد أبو شرار، وأحمد قريع، وفاروق قدومي، وصخر حبش، وهاني الحسن، وهايل عبد الحميد، ومحمود عباس، ويحيى عاشور، وزكريا عبد الحميد، وسميح أبو كويك، وعباس زكي وغيرهم الكثير إلى صفوف الحركة الناشئة.

تطور العلاقات العربية:

          في العام 1962 حضرت حركة “فتح” احتفالات استقلال الجزائر، ثم افتتحت مكتبها في العاصمة الجزائرية عام 1963 برئاسة خليل الوزير، و في العام 1963 أصبحت سوريا محطة مهمة لحركة “فتح”، بعد قرار حزب البعث السوري السماح لها التواجد على الساحة السورية.

وفي العام 1964 شارك 20 ممثلا عنحركة “فتح”، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني رغم اعتراضات “فتح”، العلنية على منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها أداة للدول العربية أقيمت لاستباق صحوة الشعب الفلسطيني، إلا أنها بالمقابل اعتبرتها “إطار رسمي يحوز على شرعية عربية لا بد من الاحتفاظ به”، كما يقول خليل الوزير، ثم يتم تثويره.

قرار الانطلاقة:

          في العام 1963 انتقل ياسر عرفات من الكويت إلى دمشق ليعمل على تطوير التنظيم على خط المواجهة في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، خاصة في ظل الدعم السوري الواضح آنذاك لحركة “فتح”، وبعد لقاءات طويلة وحوارات واستعدادات واستقالات نتيجة خلاف بين تيار “فتح” الرافض للانطلاقة المسلحة ممن سموا بالعقلانيين رغبة بتأجيلها لحين الجهوزية، وبين من سموا بـ”تيار المجانين” الذي مثله ياسر عرفات، قررت قيادة “فتح” الموسعة بدء الكفاح المسلح في 31/12/1964 باسم قوات “العاصفة” بالعملية الشهيرة، التي تم فيها تفجير شبكة مياه إسرائيلية تحت اسم عملية “نفق عيلبون”.

          ثم تواصلت عمليات حركة “فتح” تتصاعد منذ العام 1965 مسببة انزعاجا شديداً ل”إسرائيل” والدول العربية، التي لم تجد معظمها مناصا فيما بعد من الاعتراف بها.

 وكان البيان السياسي الأول صدر في 28/1/1965 موضحا أن المخططات السياسية والعسكرية لحركة “فتح” لا تتعارض مع المخططات الرسمية الفلسطينية والعربية، وأكدت الحركة لاحقاً على ضرورة التعبئة العسكرية والتوريط الواعي للجماهير العربية.

مجلس الطوارئ :

شكلت الحركة (مجلس الطوارئ) عام 1965 برئاسة ياسر عرفات في دمشق مما زاد شقة الخلاف مع أعضاء اللجنة المركزية في الكويت الذين رفضوا الانطلاقة، وكان الكثير من قيادات حزب البعث في سوريا قد أيدوا حركة “فتح”، آملاً في استيعابها ثم السيطرة عليها، وأيدوا عملياتها بعيدا عن الحدود السورية، بينما كان حافظ الأسد قائد سلاح الجو آنذاك من أشد المعادين للحركة الذي استغل حادثة قتل أحمد عرابي ومحمد حشمة عام 1966 على أثر صراع النفوذ في “فتح”، ليوطد مواقعه في حزب البعث، ويتم اعتقال القيادة الفلسطينية في دمشق التي لم تخرج من المعتقل إلا بعد وساطات عدة .

 

ميلاد حركة “فتح”:

ولدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وهي ترفع شعارات المرحلة وكان عليها أن تواجه كل تساؤلات التشكيك… والاتهام التي ارتفعت في وجهها وتحيط بها من كل الجهات.

ظلت “فتح” يومها صامدة تصنع المرحلة الجديدة وتجيب على كل تساؤلاتها الحائرة… ماذا… وكيف…؟ وبمن…؟ ومن أين…؟ ومتى..؟ واستطاعت في عناد أن تشق الطريق وتقيم أول تنظيم فلسطيني يتصدى بنفسه ليستعيد زمام المبادرة في القضية الفلسطينية.

زمام المبادرة بيد حركة “فتح”:

 مرت أعوام[3] كانت فيهما شعارآت المرحلة الجديدة من خلال حركة “فتح” لقاء فلسطيني عريض في وحدة وطنية قوية من أجل ثورة مسلحة تحرر الأرض وقد بدأت تغوص إلى أعماق الشعب الفلسطيني بدرجة اكبر واقرب إلى التصور.

الا أنه وبعد انتصار ثورة الجزائر[4]وانفصام الوحدة بين مصر وسوريا في سنة 1961 أصبح هناك إجماع فلسطيني على سلامة الخط الذي اختارته حركة “فتح”، حيث تعددت بعدها التنظيمات وأخذت تنادي بما نادت به الحركة، حتى من قبل اؤلئك الذين هاجموها وشككوا فيها بالأمس.

وتابعت “فتح” بناء تنظيمها على طريق الثورة، وكانت ترى بنواياها الحسنة أن كل خطوة على هذا الطريق وكل تجمع فلسطيني على هذا التفكير، مهما تعددت واختلفت مصادره ونواياه، سيكون فيه عودة بالولاء الفلسطيني إلى قواعده الحقيقية، تشده إلى أهداف شعبنا في العودة والتحرير بدلا من البعثرة والضياع الذي عاشه شعبنا موزع الولاء في أكثر من اتجاه ووراء أكثر من هدف، سيما بعد النكبة حيث كان ينتهي دائما إلى سراب.

إلا أن عناصر خارجية قد أخذت تتدخل ولعبت دوراً كبيراً في خلق ومضاعفة إعداد التنظيمات الفلسطينية بشكل لم يعد يبرره أي غرض خير، وأصبح تعدد هذه التنظيمات يبدو وكأنه محاولة لتمييع الحركة الوطنية وتفككها وعودة بالولاء الفلسطيني إلى البعثرة بعيداً عن الأهداف الحقيقية لشعبنا وتراجعا إلى المواقع الخارجية التي كانت تشد أرادة الأحزاب العقائدية في بلدنا إلى خارج الحدود.

إزاء هذا الخطر الذي بدأ يزحف على الجبهة الفلسطينية ويغرقها في حوار جدلي عقيم أوشك أن يفرغها من محتواها رأت حركة “فتح” أن تتولى زمام المبادرة من جديد لتخرج بالحركة الوطنية من طريقها المسدود ولتدفع بالأمور في اتجاه الأهداف الفلسطينية قبل أن يقع الانحراف، وعلى هذا الأساس اختارت:

أولاً: أن تركز جهدا اكبر في تكثيف قواعدها العسكرية على الأرض الحقيقية للثورة حتى تصبح قادرة على بدء عملياتها في وقت اقصر بما قد يضع حداً لنقاشات السفسطة التي بدأت تغرق الجو الفلسطيني.

ثانياً: أن تطرح التجربة في محاولة لتجميع الحركات الفلسطينية في تنظيم فلسطيني واحد يعيد تركيز الوحدة الوطنية ويحفظ للشخصية الفلسطينية استقلالها بفكرها وتخطيطها وولائها للأهداف الفلسطينية حتى يظل زمام المبادرة كما تريده بيد الشعب الفلسطيني نفسه.

وهنا.. ومن أجل هذا الغرض ذهبت إلى مؤتمر القدس (المؤتمر الاول الذي أسس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964) وهي تتطلع إلى ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية، كمحاولة للخروج بالكفاح الفلسطيني من القوقعة التي أملتها حياة السراديب… إلى عالم مكشوف يستطيع أن يستقطب قواعد أوسع بإمكانيات للعمل أكثر. وألقت “فتح” بثقلها مع فكرة منظمة التحرير الفلسطينية لتعطيها دفعاً قوياً تقف به صلبة في مواجهة استحقاقات المرحلة الجديدة.

اللقاء فوق أرض المعركة:

          مرة أخرى ارتفعت أصوات كثيرة تشكك وتتهم.. والمقاتلون من رجال “العاصفة” يقطعون الأرض طولا وعرضا في صقيع يناير القاسي.[5]

اخذ أبناء “فتح” يواجهون المطاردة والملاحقة والاعتقال في كل مكان من الأرض العربية، وبعد عامين من المواجهة المنفردة بين حركة فتح والعدو المحتل.. ورغم شراسة المعركة التي واجهتها على الأرض العربية بالتشكيك والاتهام والحصار والحجز والمطاردة بغرض خنق الثورة… استطاعت “فتح” من خلال قتالها اليومي أن تحطم التساؤلات الحائرة والعاجزة والمشككة… وتقفز عنها… وتثبت أن العمل داخل الأرض المحتلة ممكن… وان أسطورة المناعة الإسرائيلية ما هي إلا خرافة تتحطم تحت ضربات العزم الفلسطيني. وأصبح التمرد المسلح الفلسطيني واقعاً اكبر من أن يحجز عليه.

استطاعت حركة فتح بعملها الدؤوب اقناع المترددين والعاجزين من شعبنا، وفي الفترة التي بدأت فيها “فتح” تعد لطرح تصورها وتخطيطها للثورة وتختط مسيرتها على طريقها بثقة وصلابة وعزم.. في هذه الفترة بالذات بدأت ماسمي بـ”حملة الإغراق” وذلك في أعقاب انتصار ثورة الجزائر، حيث جرت محاولة اغراق المنظمة، بالمنظمات الفلسطينية لارباك الساحة.  

هنا كان على “فتح” أن تراجع موقفها في طرحها المبكر لبرنامج الثورة إزاء هذا الإغراق المفاجئ وغير الجاد للساحة الفلسطينية بما يربكها، لاسيما وان أحد الشروط الأولى لانتصار الثورة، كما تراها فتح أن الوحدة في أداء الثورة يتطلب شمولا جماهيريا… وولاءً موحداً لها، ومن أجل هذا وجدت فتح نفسها ملزمة بان تأخذ زمام المبادرة فتطرح شعارها: اللقاء فوق أرض المعركة كنداء لهذه القوى ترى فيه السبيل الوحيد لفرز القوى الجادة والقادرة على الحركة والعطاء… ومدى استعدادها رغم ما تتعرض له من مضايقات ومطاردات وحجز وحصار يفرضه الواقع السياسي في دول الطوق المحيطة بالأرض المحتلة.

وهكذا أثبتت التجربة على طول مرحلتي التنظيم والعمل المسلح أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” قد تجاوزت محاولة التشكيك والاتهام (التاءات الثلاث: توريط توقيت تفتيت).

 كانت حركة فتح في المرحلتين رائدة وصاحبة مبادرة خرجت بالحركة الوطنية الفلسطينية من عالم الضياع في أعقاب النكبة (عام 1948) لتضعه في أعقاب عالم متحرك مقاتل رغم ما كان يحيط بها من ظروف قاسية وصعبة.

ضرورة الثورة والحصاد:

كان البعض يرى في الثورة نوعا من المغامرة ولا يستطيع أن يتصور دور هذه الثورة في معركة التحرير… وما هي إمكانياتها… وهل هي فعلا قادرة على تصفية هذا الاحتلال.. وكيف…؟

          نقطة البداية كما رأتها “فتح” هي أن موضوع الثورة يشكل منطلقا لا خيار لأحد فيه فهي طريق يفرضها منطق الحوادث والتاريخ… والذي سًير جيوش الاحتلال والغزو في الماضي لابد ون يتوقع بعدها وبالضرورة انتفاضات الثوار المتكررة، وهذا ما يؤكد انه لا بد أن يكون في بلدنا ثورة… تأتي لتصحح هذا الوضع الشاذ مهما تأخرت عن موعدها.

هذا أمر طبيعي يفرض نفسه كحقيقة تاريخية مصيرية لا تقبل حتى أن تناقش.. ولا تبرر لنا أن نستسلم لمزيد من الوقت بعد هذه الفترة من الاستسلام… كما تملي علينا أن نتحمل مسؤولياتنا كشعب يتطلع إلى حياة أفضل… وكما كانت ثورات الأحرار في آسيا وإفريقيا… ستكون ثورتنا قوية ثابتة تفرض وجودها علينا وعلى العالم معنا كما هو التطور الطبيعي للتاريخ… ولا نملك بعد ذلك إلا أن نستجيب لإرادة الإله التي يعبر عنها هذا التاريخ.

          حتى يمكن أن نتصور العدو الحقيقي للثورة في معركة التحرير وتصفية الاحتلال يلزم أن نتصور الحقائق الأساسية للمعركة كما استطاعت أن تصنعها “إسرائيل” على مدى العشرين عاما الماضية من خلال تحركين: سياسي وعسكري. أو كما كان يردد هاني الحسن العمل العسطري يزرع والعمل السياسي يحصد ومجنون من يزرع ولا يحصد.

 التحرك السياسي والعسكري:

          على المستوى العالمي استطاع العدو أن يحرك القضية الفلسطينية أمام الرأي العام ويقدمها من خلال مجموعة من القضايا الفرعية جداً كقضية لاجئين وقضية حدود وقضية مياه وروافد بين دولة مستضعفة صغيرة وثلاث عشر دولة مسعورة تنكر عليها حقها في الوجود والحياة[6]… بين مليوني مشرد من عذاب النازي الالماني يبحثون عن ملجأ للحياة في هدوء واستقرار… ومائة مليون عربي متمرد[7] وغير قانع بخيرات وثروات الأرض الواسعة التي يملكونها ويعيشون عليها… ويريدون أن يقذفوا بها في البحر كما قذف بهم النازي في المحرقة (الهولوكوست) ومعسكرات الفناء[8]

 لكن الحنكة السياسية التي تمتع بهاقيادات حركة فتح والذين كان لهم الدور الأبرز في منظمة التحرير استطاعوا ان يرسلو للعالم اجمع رسائل مفادها ان على هذه الارض ما يستحق الحياة والعيش بكرامة، والتي بدأها الراحل ياسر عرفات وأكملها الرئيس محمود عباس بتحقيق عضوية دولة فلسطين للأمم المتحد في نهايات عام 2012 .

الأهداف الخبيثة للاحتلال على أرض فلسطين تمثلت من خلال ثلاث محاور:

1) تركيز بشري من خلال هجرة جماعية غربية تزحف من وراء البحار.

2) إستراتيجية هجومية قادرة على نقل المعركة بما يتوفر لها من طيران وطرق مواصلات وآليات إلى الأرض العربية خارج حدود الأرض المحتلة، وهذا التجميع البشري الغريب.

3) سباق مجنون من التسلح تفرضه على المنطقة… يستنزف قدرات وثروات وكل إمكانيات العالم العربي بغرض خلق جو من الاستسلام والذعر يجعل المنطقة العربية تعيش في مجال الإستراتيجية الإسرائيلية وتحت تأثيرها بما يكرس أسطورة الوجود الإسرائيلي أو استحالة زحزحته.

ومن هنا انطلقت حركة فتح بالعمل العسكري بكثافة طوال الأعوام التي تلت الانطلاقة الاولى عام 1965 لتصل لآلاف العمليات الموجعة، والتي نظرت للنكسة عام 1967 نظرة تحفيز للاستمرار بالاشتباك ما جعل الرئيس جمال عبدالناصر يلتفت لهذه الحركة ويقدم لها الدعم بعد أن كان يتجنبها فكان اللقاء الذي أعاد اطلاق الثورة مجددا عام 1967

 دخل ياسر عرفات الى فلسطين منظما لخلايا العمل المسلح التي أثبت قدرات متراكمة على احداث الخسائر في العدو منذ هذه الانطلاقة الثانية، والتي تعد فيها  معركة الكرامة كمؤشر لفعالية الانطلاق الثانية عام 1968.

في معركة الكرامة انتصرت إرادة الثورة الفلسطينية والجيش الأردني على العدوان الاسرائيلي فلقنته درسا مازال يمثل علامة فارقة في تاريخ الثورة التي تمكنت عبر هذا الانتصار من التوسع بالعضوية وبالعمليات العسكرية.

 شخصية الثورة (وطنية مستقلة وعربية منفتحة):

حتى تكون هذه الثورة المسلحة قادرة على أن تفرض نفسها على خارطة قوى الثورة العالمية من أجل العدل والحرية والسلام.. كان يجب حسب منظور الأدبيات عام 1965: “أن نؤكد على فلسطينية الثورة في أرضها وقيادتها وتخطيطها، وبهذه الشخصية الفلسطينية لها نستطيع أن نسترد للقضية في المجال الدولي، وجهها العادل كصراع من أجل الحرية والعدالة… وحجمها الحقيقي بين مليون فلسطيني مشرد[9] كانوا يملكون الأرض.. ويعيشون عليها وهم اليوم بلا وطن بلا أرض ولا مأوى ولا مستقبل ولا أمل، وبين اثني عشر مليون صهيوني[10] يملكون المال والسلطة والنفوذ في أمريكا وأوروبا ينظمون بها زحفاً بشرياً مهووساً وحاقداً متعطشاً للدم يتوافد على الأرض المقدسة يزاحم أهلها فيها ويقوم بالمذابح وينشر الفزع والرعب والإرهاب.

من أجل هؤلاء المظلومين الذين فقدواً الأرض والأمل… تفرض الثورة الفلسطينية المسلحة نفسها بلا خيار لتطرح على العالم شخصية المقاتل الفلسطيني الذي يعود بعد سنين من الظلم والقسوة والضياع ليقاتل من أجل حقه في الحياة على أرضه كما يحياها الآخرون على أرضهم.. بعد أن عجز العالم بكل مؤسساته الدولية أن يحافظ على هذا الحق… أو أن يرفع عنه هذا الظلم وهذه القسوة… لتطرح على الدنيا شخصية المقاتل الفلسطيني العنيد الصلب الذي لا يساوم ولا يستسلم من قبل أن يعيد إلى أرض السلام (فلسطين) كل مثاليات العدل والمساواة… ومن أجل هذا تصر الحركة على أن تحتفظ الثورة بشخصية الشعب الفلسطيني بارزة إلى أن تنتهي من معركة التحرير.

هذا التركيز على الشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة للثورة لا يمكن أن ينفي عنها شخصيتها العربية، ففتح تؤمن أن معركة التحرير في فلسطين هي قضية عربية مصيرية يقوم فيها الفلسطينيون بدور الطليعة، إلا أن هذا التركيز في نظر الحركة ضروريا لأسباب رئيسية:

1- كإستراتيجية يمكن بها التصدي لمحاولات التضليل والخداع التي يضعها التحرك الإسرائيلي في المجال الدولي لينفي عن هذه الحركة وجهها العادل.

2- كوسيلة لتحديد المسؤولية وتحديد الاختصاص في تنظيم يؤمن بالثورة ويتفاعل معها يبدأها ويحميها ويتابع الاستمرار فيها… تنظيم له من الارتباط بالأرض وبالمصير ما يعطيه وضعا خاصا.

ولا يعني هذا التحديد بالاختصاص والمسؤولية في الثورة أي نوع من الانفراد بها أو أي إعفاء للجماهير والقيادات العربية من مسؤوليتها نحو هذه المعركة ولكنه تحديد للمسؤولية الدولية والجماهيرية في قيادة الثورة وتوجيهها أو الاستمرار بها إلى أهدافها، وهو ما تفرضه طبيعة الوضع السياسي في الوطن العربي ومنطق الحوادث الذي لا يتيح لنا أن نطالب الأمة العربية بواجباتها من قبل أن نلقي نحن بإمكانياتنا وقدراتنا وحشدنا، كما لا يتيح لنا أن نطالب المواطن العربي بان يعيش الثورة في أرضنا وشبابنا يعيش حياة الترف والاسترخاء واللامسؤولية، يجمع الثروة في أرضهم.

          إضافة إلى أن ترك المسؤولية تمييع للقضية وضياع لها بين أطراف تلتقي مرة وتتناقض عشرات، بما يجعلها موضوعا لمزايدة ذات وزن قادرة على رفع شعاراًت يحتمي البعض وراءها لتغطية العجز على الأرض الفلسطينية.

3- فلسطينية الثورة هي مدخل قادر على تجميع واستقطاب الجماهير الفلسطينية التي تتناثر في أطراف الدنيا بلا رابط يجمعها أو يشدها إلى الأرض والقضية والمستقبل، وهي الوسيلة الوحيدة لتنقية الوسط الفلسطيني من جو السفسطة والتعقيد من خلال التعدد في الولاء والاتكالية، التي صنعتها السنوات الطويلة من الضياع.

فتح و أثواب[11] النضال

        من الكفاح المسلح كطريق حتمي ووحيد إلى كافة أشكال النضال استطاعت حركة فتح ان تطور من فكرها السياسي استنادا لفهم واعي لتقاطعات المصالح الاقليمية و الدولية و لقراءة واعية لمتغيرات العالم

من المطالبة بتحرير فلسطين كاملة إلى المطالبة (المرحلية) باي جزء من الوطن وصولا (للثوابت) التي استقرت كدولة فلسطينية بعاصمتها القدس على حدود 1967 وذلك منذ اعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر عام 1988 استطاعت فتح ان تلبس ثوب العسكر و الثوب السياسي وثوب المناضل بالاعلام والمناضل المجتمعي، فبنت وعمرت وأنجزت مع الدخول للوطن عام 1994 .

       أطلقت حركة فتح القدرة على اكتشاف المخارج ضمن معادلة الثورة فكانت العاصفة ثوب العنف الثوري لحركة فتح منذ الانطلاقة، ثم أثواب أخرى مثلت اجتهادات ومبادرات تحكم عليها انجازاتها مثل صقور الفتح والفهد الاسود ثم كتائب شهداء الاقصى،  ثم المقاومة الشعبية بأثوابها المتعددة من1 انطلاقها العام 2005 لتمثل في حركة فتح أثوابا تلبسها جماعات في الحركة و تقدم خطوات إلى الامام ثم لا تلبث ان تعود إلى حضن الحركة الأم التي تضم (المبادرات) وتطلق الأحداث وترسم الحقيقة واقعا يسعى.

 المجتمع الفلسطيني والتنظيم المتوازن:

       إن الشعب الفلسطيني شعب بسيط مرح غير معقد رغم المآسي التي تلاحقه ولا تمل من التسلط عليه، وهو شعب يحب الفرح رغم الوديان السحيقة التي تفصله عنه و رغم تكاثر الجراح ، وشعب يفهم اللمسة الحانية المحبة ويميزها بسهولة، ويعي أهمية البسمة والوجه الطلق ولحظات السعادة لافتقاده الكثير من الأحبة شهداء وجرحى وأسرى، لذلك فهو شعب وسطي لا إفراط ولا تفريط ، لا تشدد ولا تهاون.لديه.

        وكذلك كانت فتح وسطية المجتمع أو واقعية الفكر والأداة، وسطية أو واقعية الفهم والوعي الجمعي الشعبي، جمعت الأطياف الشعبية والمختلفين في نطاق السعي المشترك للنضال بأشكال متعددة ضمن هدف التحرير والعودة.

       إن فتح فكر الوطنية و الواقعية في الحضارة العربية الإسلامية لا تقبل التزمت والتشدد ولا تقبل تقسيم الشعب الى مؤمن وغير مؤمن الى وطني وغير وطني، الى أحباب ألله وأعداء الله الى أناس مستقيمين وآخرين معوجين، فالكل فلسطيني والكل وطني وذاك هو الأصل والكل يسعى لتحقيق صيغة معادلة الحق والنضال فلا تشدد ولا تطرف ولا تهاون ولا إسفاف.

       إن فتح المجتمع الوسطي في ظل تنظيمات الايديولوجيه صعب عليها كثيرا أن نتنافس المنظرين المؤدلجين كلاميا، ولكنها كانت دوما تنافسهم في الشارع في العمل في خدمة الشعب كل الشعب وفي استلهام متطلبات الجماهير وقراءة وعيهم وطموحاتهم الكبيرة و الصغيرة فلم تهمل السعي للوصول لكافة فئات الشعب من نجارين وحدادين وعمال وأطباء ومعلمين ومرأة وطلاب وأطفال وعلماء وإعلاميين وفنانين،  دون تمييز لمن هو منتمي لحركة فتح أو غير المنتمي لها في تلمس الحاجات وبلوغ المراد.

[1] النسخة الاولى من هذه المادة من اعداد مركز الاعلام عن انطلاقة حركة فتح عام 2014، وتم التنقيح والتعديل والإضافة من قبل لجنة التعبئة الفكرية لحركة فتح عام 2018 مع الإضافة من مادة حركة فتح: حركة فتح الانطلاقة والمسيرة من اعداد لجنة التدريب في التعبئة والتنظيم عام 2011. 

[2] من الممكن الرجوع لكتاب محمود الناطور فتح البداية والفصائل الاخرى-التأسيس والانشقاقات،دار الشروق،عمان ط1، 2013 وكان العشرات ممن يمكن أن نعدهم من المؤسسين أو الرواد الاوائل: امثال سعيد المسحال وكمال عدوان وأبويوسف النجار وأبومازن وصلاح خلف وخالد الحسن وأبوماهر غنيم والشيخ محمد أبوسردانة…الخ للرجوع للكتاب المذكور من ص76-78.

[3] المقصود منذ النشاة عام 1957 حتى تاريخه ضمن السرد أي عام 1961.

[4] الثورة الجزائرية منذ العام 1954-1962 حيث انتصرت على الاحتلال الفرنسي ومستعمريه.

[5] اطلقت حركة فتح على جناحها العسكري أسم العاصفة.

[6] هي الدول العربية المستقلة آنذاك بعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948.

[7] الآن الأمة العربية تفوق الأعداد فيها 350 مليون.

[8] تحتج الدولة العبرية بمذابح الألمان النازيين ليهود اوربا للانتقال لبلادنا فلسطين واستعمارها في ربط شاذ.

[9] الآن عدد اللاجئين الفلسطينيين حسب احصاء العام 2018 هو 6 ملايين لاجيء.

[10] بلغ عدد اليهود في العالم عام 2018 حسب الاحصائيات الاسرائيلية يقارب 15 مليونا، منهم 6 ملايين ونصف يعيشون في أرضنا فلسطين، و6 ملايين تقريبا في الولايات المتحدة الامريكية.

[11] يسميها بعض القادة في فتح مناهج النضال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى