ترجمات عبرية

انشل بابر – ترامب ربما يكون متقلبا : لكن سياسته العسكرية لا تختلف عن سياسة اوباما

هآرتس – بقلم  انشل بابر  – 21/12/2018

من الصعب التعود على ذلك في العصر الذي نعيش فيه، لكن ليست كل خطوة للادارة الامريكية مرتبطة بدونالد ترامب. صحيح أن التوقيت المفاجيء للانسحاب الامريكي من سوريا هو قرار للرئيس المتقلب، خلافا لرأي مستشاري الامن القومي، لكنه يتوافق تماما مع السياسة الامريكية الموجودة منذ عقد، وهو يتوافق ايضا مع مزاج الشعب الامريكي السائد حاليا.

في الانتخابات الثلاثة الرئاسية الاخيرة كان هناك مرشحون أيدوا سياسة التدخل العالمي – جون مكين محارب الحرب الباردة في 2008، ميت روماني الذي سبق عصره عندما حذر في المواجهة الرئاسية من عودة روسيا الى الساحة الدولية في 2012، هيلاري كلينتون التي أيدت تحديد منطقة محظورة الطيران في سماء سوريا في 2016. في كل مرة تم انتخاب المرشح الذي عارض المغامرات العسكرية: براك اوباما مرتين وترامب حتى الآن مرة واحدة.

لا يوجد رئيسان مختلفان اكثر من اوباما وترامب، ولكن في كل ما يتعلق بالتدخل العسكري العالمي، سياستهما متشابهة. الدوافع مختلفة. اوباما أيد الدبلوماسية والتعاون مع الامم المتحدة والمجتمع الدولي، وهو لم يرغب في الحديث عن “الخصوصية الاستثنائية” لامريكا. ترامب يرى امريكا اخرى تماما، لكن النتيجة واحدة. تدخل مباشر أقل في ما يجري بعيدا عن حدود الولايات المتحدة، وعدد أقل من الاحذية العسكرية على الارض.

هناك الكثير جدا من التقديرات الاخلاقية، الجيوسياسية والتاريخية كي تفعل الدولة العظمى، الاغنى والاكثر نجاحا في التاريخ الانساني من اجل سلامة العالم، لكن ترامب شعر بالرغبة الكبيرة الموجودة لدى الاغلبية الساحقة من الأمة التي منذ فترة طويلة لا تفهم ما الذي يريد الجنود الامريكيون تحقيقه في افغانستان والعراق وكوريا الجنوبية والآن في سوريا. كما توجد صفة مشتركة اخرى بين اوباما وترامب – يحتقران مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن: آلاف الخبراء، الدبلوماسيين، الاكاديميين، كبار الضباط والصحافيين الموجودين في الادارة والبنتاغون وفي مراكز الابحاث. لا يهم اذا كان في البيت الابيض يجلس رئيس جمهوري أو ديمقراطي، فان هؤلاء يواصلون الدفع نحو خط يدعو للمسؤولية الامريكية تجاه النظام العالمي. اوباما في اللحظة الحاسمة التي قرر فيها عدم الرد بهجوم عسكري على استخدام السلاح الكيميائي ضد المواطنين في الغوطة – الضاحية الشرقية لدمشق – حيث قتل هناك نظام الاسد مئات الاشخاص في آب 2013، خرق كل مسلمات المؤسسة. وترامب الذي في بداية ولايته قصف قاعدة لسلاح الجو السوري ردا على استخدام السلاح الكيميائي، يستخف بالمؤسسة طوال فترة ولايته.

واوباما وترامب ايضا استوعبا ما يصعب على الخبراء هضمه، وهو أن الشعب الامريكي غير معني بأن يقوم اليوم بدور الشرطي العالمي. هذا لا يعني أن الادارة الامريكية توقف تدخلها تماما وراء البحار. في سنوات ولاية اوباما ازداد بصورة متواصلة استخدام الولايات المتحدة للطائرات بدون طيار لمهاجمة وتدمير متهمين بالارهاب الاسلامي. تصفيات محددة يمكنها ربما تصفية تهديدات محددة، لكنها لا تؤثر على الواقع على الارض.

في اسرائيل يبالغون قليلا في اهمية سحب القوات الامريكية من شمال شرق سوريا. هو يؤثر في الاساس في المستوى المحلي على علاقات القوى بين الاكراد والاتراك ونظام الاسد. التداعيات بشأن تأثير ايران سيكون بالامكان قياسها فقط فيما بعد. ايضا الحديث عن انتصار كبير لروسيا هو أمر مدحوض. فلادمير بوتين منذ فترة هو المنتصر الاكبر في سوريا، والقاعدة الامريكية لم تغير ذلك بصورة جوهرية. منذ اللحظة التي اختار فيها استغلال الفراغ الذي تركه اوباما وزعماء الغرب في سوريا، وارسل في 2015 قواته الى سوريا لمنع انهيار النظام، حول نفسه الى صاحب القول الفصل في الساحة.

الانتقاد الذي يُسمع من جهات سياسية في اسرائيل تجاه بنيامين نتنياهو لأنه اعتمد اكثر من اللازم على حليفه ترامب، هو انتقاد مرفوض ايضا. نتنياهو هو آخر من سمح بالادعاء تجاهه بأنه تأخر في تشخيص ضعف مكانة امريكا في سوريا، وأنه لم يفعل الكثير من اجل محاولة توطيد علاقته الشخصية مع بوتين والعلاقات الاستراتيجية بين الجيش الاسرائيلي والقوات الروسية هناك. من الواضح أنه كانت لاسرائيل مصلحة في أن يبقى الامريكيون في المنطقة من اجل موازنة النفوذ الروسي والمساعدة على صد التمدد الايراني. ولكن من البداية، آلاف الجنود الامريكيين لم يأتوا للدفاع عن اسرائيل، بل لدعم الاكراد والمساعدة في الحرب ضد داعش. ترامب لم يخف في أي مرحلة بأنه سيكون مسرورا من سحب قواته من هناك، وحقيقة أن القوات بقيت هناك حتى الآن هي دليل على تأثير البنتاغون على السياسة، وهو تأثير يقل حسب الظاهر.  

الخوف الاكبر ليس من انهاء الوجود الامريكي الضئيل في سوريا، بل مما يمكن لترامب القيام به في الساحة الدولية. يوجد لديه كراهية عميقة وغير واضحة تماما لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين في اوروبا، اعضاء الناتو. ترامب مقتنع أن اعضاء الناتو وآخرين يستغلون الولايات المتحدة في أنهم لا ينفقون ما يكفي من الموارد على جيوشهم، وبهذا يلقون على امريكا عبء الدفاع عن اوروبا من روسيا. بعد أن الغى المناورات المشتركة مع جيش كوريا الجنوبية، في اعقاب القمة مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، التي لم يتم فيها تحقيق أي شيء رغم ادعاءات ترامب الكاذبة عن تجميد تطوير الصواريخ والذرة، والآن بعد أن أنهى بصورة مفاجئة الانتشار الامريكي في سوريا، ليس بالامكان استبعاد احتمالية أن ترامب سيخرب في حلف الناتو. احتمالية كهذه يجب تقض مضاجع زعماء الغرب وأن تقلق جدا زعماء اسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى