انتخابات العراق ٢٠١٨: ما بين صراع الزعامات وإعادة تشكيل المشهد السياسي
شيرين شمس الدين – بوابة الشروق ٨-٥-٢٠١٨م
تكتظ الشوارع والساحات العامة العراقية بلافتات الدعاية الانتخابية قبل أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في ١٢ مايو ٢٠١٨ لاختيار ٣٢٩ نائباً. تتعدد الوجوه والشعارات الانتخابية الرنانة وألوان اللافتات الجذابة التي تتنوع بالأساس بين الأزرق، الأخضر والبرتقالي لما تحمله تلك الألوان من معان ودلالات تتأرجح بين الثقة والوفاء بالعهد، الأمل والنمو، الحيوية والتجديد. وتعكس فوضى الدعاية والملصقات الانتخابية تشرذم المشهد السياسي العراقي وتعقيداته من ناحية، وتجدده وتغير توازنات القوى به من ناحية أخرى. فحلفاء الأمس هم خصوم اليوم، فنحن بصدد تفتت التحالفات الحزبية التقليدية وظهور قوى جديدة وكيانات حزبية حديثة العهد، نعرف عنها وعن زعاماتها أقل القليل. حيث يتنافس أكثر من ٧ آلاف مرشح، ينتمون لما يزيد عن ١٨٠ حزب، ينضوون في ٢٧ تحالف انتخابي، يتزعم كل منهم أحد الوجوه البارزة في الساحة السياسية العراقية.
خريطة التحالفات الانتخابية
بإلقاء نظرة سريعة على أهم التحالفات الانتخابية، نلحظ تشتت الأحزاب الشيعية والسنية والكردية في عدة تحالفات وغياب العديد من الأحزاب التقليدية عن الساحة الانتخابية أو مشاركة بعضها بمسميات حزبية أخرى أو في اطار تحالفات غير مألوفة. ليست هذه التحالفات الجديدة بالضرورة عابرة للطوائف والمكونات، كما نادى البعض مراراً بغية إصلاح العملية السياسية العراقية، ولكنها تُعبر بالأحرى عن الانقسامات وصراع الزعامات داخل كل فصيل. كما تعكس انحسار شعبية الكيانات الحزبية القديمة التي بحثت عن ثوب جديد باتخاذ اسماً جديداً وبالانفصال عن كيانات باتت مرتبطة بالفساد وضعف الأداء.
فلأول مرة منذ عام ٢٠٠٥ يغيب حزب الدعوة الشيعي (المسيطر على الحكم منذ ذلك الحين) عن الساحة الانتخابية نظراً لاحتدام الصراع بين زعيميه رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي (٢٠١٤ ـ ٢٠١٨) ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (٢٠٠٦ ـ ٢٠١٤). ففضّل الحزب عدم المشاركة حفاظاً على الوحدة التنظيمية وفوض زعيميه المشاركة بذواتهم الشخصية. فشكل العبادي « ائتلاف النصر » و احتفظ المالكي باسم « دولة القانون » لتحالفه الانتخابي على غرار انتخابات ٢٠١٤. وقد دخل منافساً شيعياً آخر على الساحة، عندما أعلن هادي العامري تشكيل « تحالف الفتح » الذي يضم بعض فصائل الحشد الشعبي ولكن بمسميات مختلفة عن كياناتهم العسكرية المسلحة، تحايلاً على قانون الأحزاب العراقية لعام ٢٠١٥ الذي يحظر مشاركة الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة. العامري هو رجل ايران بامتياز (التي قضى بها أكثر من عشرين عام) وأحد أبرز قادة الحشد الشعبي الذي شارك مع القوات العراقية في محاربة تنظيم داعش وبات بفصائله كياناً منضوياً تحت قيادة القوات المسلحة العراقية. تقدم ايران كل الدعم لدخول الحشد الشعبي كقوة سياسية برلمانية. هذا ويعول كل من « تحالف الفتح » للعامري و « ائتلاف النصر » للعبادي على دحر داعش لكسب الأصوات الانتخابية. أخيراً، استوقفنا تحالف « سائرون »، الذي يأتلف فيه التيار الصدري (بزعامة مقتدى الصدر) مع التيار المدني العلماني (بشقه الأيديولوجي الذي يمثله الحزب الشيوعي العراقي)، المنبثق عن الحراك الشعبي العراقي (٢٠١٥ ـ ٢٠١٧) الداعي لإصلاح العملية السياسية ومحاربة الفساد. يدخل الصدر الصراع الانتخابي عن طريق حزب الاستقامة (تأسس في ديسمبر ٢٠١٧) المدعوم من التيار الصدري والذي يدّعي قادته أنه حزب « ولد من رحم ساحات الاحتجاج » وأنه يشكل كتلة وطنية عابرة للطوائف. اعتبر البعض هذا التحالف نكسة للتيار المدني العلماني، وعده الآخرون خيار براجماتي للاستفادة من قدرة التيار الصدري على التنظيم والحشد خاصة وسط بسطاء الشيعة. مما لاشك فيه، سيخدم تحالف « سائرون » الصدر أكثر من حلفائه العلمانيين، حيث ستذوب مطالبهم الإصلاحية ومكتسبات الحركة الاحتجاجية العراقية في أجندة الصدر وصراعه مع القوى السياسية المدعومة من ايران .
على الجانب السنى، انقسم اللاعبون على ٧ تحالفات رئيسية، لعل أبرزها « تحالف القرار العراقي » الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي ورجل الأعمال خميس الخنجر، وتحالف « ديالى التحدي » لرئيس البرلمان سليم الجبوري، القريب من جماعة الاخوان المسلمين. وأخيراً على الجانب الكردي، شكلت الأحزاب الكلاسيكية (الاتحاد الوطني، الحزب الديمقراطي، والحزب الشيوعي الكردستاني) « قائمة السلام الكردستانية »، وينافسها قرابة ٣ تحالفات كردية من القوى الحزبية الجديدة والمعارضة، في ظل ضعف الأحزاب الكلاسيكية بعد الاستفتاء حول انفصال كردستان (سبتمبر ٢٠١٧).
المُجَرب لا ُيجَرب
هي في الأصل عبارة لآية الله السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق للتعليق علي تشكيل الحكومة العراقية عام ٢٠١٤، في إشارة منه لعدم اعطاء مناصب حكومية لمن لم تثبت كفاءتهم في السابق. ولكن العبارة تحولت إلى رمز انتخابي رفعته الأحزاب العراقية الجديدة في انتخابات ٢٠١٨ للحض على عدم انتخاب السياسيين السابقين وانتخاب وجوه جديدة. وترقب الجميع خطبة الجمعة الأخيرة (٤ مايو) للسيستاني علي لسان ممثله والتي كان من المتوقع أن يقدم من خلالها توجيهات حول الانتخابات المقبلة وخاصة موقفه من استغلال بعض الفصائل المسلحة اسم الحشد الشعبي ـ الذي يرجع تأسيسه لفتوى الجهاد الكفائي للسيستاني لمحاربة داعش ـ في الدعاية الانتخابية.
على الرغم أن المرجعية ترفض رسمياً التدخل مباشرة في الشأن السياسي، وبالرغم أنها تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من كافة القوائم الانتخابية، إلا أن الخطبة الأخيرة للسيستاني رجحت كافة التحالفات والقوى الحزبية الجديدة ولم تكن في صالح القوي الشيعية المقربة من ايران ومن ضمنها الحشد الشعبي أو « تحالف الفتح ». فقد رفض في خطابه استغلال أي كيان للمرجعية الدينية أو « عنوان آخر » يحظى بمكانة خاصة في نفوس العراقيين لتحقيق المكاسب الانتخابية، في إشارة للحشد الشعبي. كذلك حث الناخبين على الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين خاصة من كان منهم في موقع مسؤولية سابقاً لتفادي الوقوع في يد الفاشلين والفاسدين، في إشارة لإخفاقات القوى السياسية في الحكومات السابقة. فالملاحظ أن السيستاني في السنوات الأخيرة يدعم صعود كل من العبادي والصدر علي حساب القوى الشيعية المقربة من ايران، إلى أن تثبت الأيام القادمة العكس.
حتى الآن تقتصر التدخلات الخارجية في العملية الانتخابية بالأساس علي الدعم المالي حيث يفوق ما يصرف من أموال في الدعاية الانتخابية قدرة تمويل أي حزب أو مرشح. ولكن ستلعب التدخلات الخارجية (الإقليمية والدولية) دوراً محورياً في تحالفات ما بعد الانتخابات، حيث تكلف الكتلة البرلمانية الأكبر (وليست الحاصلة على أكبر عدد من المقاعد) بتشكيل الحكومة.