امير تيفون وعاموس هرئيل / ترامب عالق في عائق رام الله
هآرتس – بقلم امير تيفون وعاموس هرئيل – 9/8/2018
الصفات الطنانة التي الصقتها ادارة ترامب بخطة السلام التي وضعتها والتي يعملون عليها في البيت الابيض منذ سنة ونصف، لا تنفد. ستكون خطة تاريخية، ستكون الصفقة الكاملة، ستكون الاولى التي سترد اسرائيل عليها بالايجاب ودول بارزة في العالم العربي – دون صلة برد الفلسطينيين. حتى وقت متأخر اعتقدوا في الادارة الامريكية أنه يمكنهم تحقيق هذا الهدف، لكن المعارضة الشديدة للخطة من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تبين أنها تحد اكثر اهمية مما قدروا في واشنطن منذ البداية.
في الاسابيع الاخيرة تحدثت “هآرتس” مع مصادر مختلفة في الادارة الامريكية واسرائيل ودول اخرى في المنطقة عن مسيرة التطورات للخطة وعن الخطوات القادمة للادارة. من هذه المحادثات التي تظهر تفاصيل ما يجري من خلف الكواليس لبلورة هذه الخطة، يتبين أنهم في البيت الابيض وجدت في ايديهم وثيقة مكتملة من عشرات الصفحات وفقط بعض عمليات الصقل الاخيرة. مضمون الوثيقة، قال مصدر كبير في البيت الابيض، من المتوقع أن يتسبب “بعدم الرضى”، سواء في الجانب الفلسطيني أو الاسرائيلي.
ولكن موعد النشر النهائي للوثيقة ما زال غير معروف، في الادارة ما زالوا ينتظرون في الاساس بسبب مخاوفهم من تداعياتها. هذه المخاوف عبر عنها زعماء دول عربية امام غارد كوشنر، صهر الرئيس، وجيسون غرينبلاط، المبعوث الخاص في جولتهما الاخيرة في الشرق الاوسط قبل شهر ونصف. ولكن قبل التأخير يجب العودة الى البداية، الى شهر آذار 2017. في حينه بدأت الخطة في التبلور. في تلك الفترة قام غرينبلاط بزيارته الاولى في المنطقة بصفته المبعوث الخاص في المنطقة. حسب مصادر تحدثت لهآرتس، في نهاية الزيارة وصل المبعوث الخاص الى استنتاج بأن الولايات المتحدة “ورثت” فرصة نادرة للربط بين اسرائيل والدول العربية على اساس التقاء مصالح الاطراف في موضوع ايران.
“من الواضح للجميع أن المنطقة تغيرت في السنوات الاخيرة”، أوضح هذا الاسبوع مصدر كبير في البيت الابيض، “العالم العربي واسرائيل يتقاسمون الكثير من المصالح والاهداف المشتركة، وبالطبع تهديدات مشتركة تنبع من نشاط ايران الضار في الشرق الاوسط”.
منذ تلك الزيارة بدأ غرينبلاط وكوشنر وسفير الولايات المتحدة في اسرائيل دافيد فريدمان في تركيز محاولاتهم على استغلال هذا اللقاء في المصالح الاسرائيلية – العربية بهدف تسويق خطة السلام. التفاهم في واشنطن كان كبيرا، قالت مصادر من خارج الادارة للصحيفة. في البيت الابيض اعتقدوا حقا أنهم سينجحون في التوصل الى خطة تلقى الايجاب، سواء في الرياض أو في القدس. هذه المشاعر تحولت الى ملموسة اكثر بعد أن نشرت في تشرين الثاني الماضي تقارير عن “محادثة توبيخ” اجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الفلسطيني عباس بسبب معارضته لجزء من تفاصيل الخطة الاميركية.
ولكن في حينه جاء شهر كانون الاول ومعه الاعلان عن نقل السفارة الامريكية الى القدس. حسب اقوال مصادر كبيرة في اسرائيل وفي العالم العربي فان البيت الابيض لم يقدر بشكل صحيح تأثير قرار ترامب حول القدس على جهود الوصول الى ردود ايجابية من الدول العربية بخصوص خطة السلام. عباس، قالوا، استخدم الاعتراف بالقدس من اجل التصعيب على الزعماء العرب التعبير عن دعم خطة ترامب، والاساءة الى صورة طاقم السلام الامريكي في العالم العربي.
ويشهد على الثقة الذاتية لزعماء طاقم السلام الحقيقة التالية: عندما قرر البيت الابيض في شهر كانون الاول الماضي الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل، قال كوشنر وغرينبلاط في تصريحاتهما لوسائل الاعلان بأنهما يعتقدان أنه خلال اشهر معدودة سيخف الغضب وخطتهم ستخرج قوية. عمليا، مرت تسعة اشهر وعباس ما زال يقاطع الادارة الامريكية، في حين أن زعماء العالم العربي يظهرون مقاربة مترددة حول خطة السلام.
معضلة من معضلات الادارة في السياق العربي، كما وصف ذلك مصدر دبلوماسي مطلع على الاتصالات بهذا الشأن، هي هل يجدر تجنيد دعم زعماء عرب للخطة اذا كان هناك احتمال بأن يشكل دعمهم خطر عليهم في جبهتهم الداخلية، وايضا يمكن ايران من مهاجمتهم وعرضهم على أنهم متعاونين مع اسرائيل. حسب اقوال المصدر فان الخطة يجب أن تجد “النقطة المحددة” التي تستطيع فيها اسرائيل والانظمة العربية قبولها – بدون أن تكون مكشوفة لانتقاد خطير جدا في الداخل وفي المنطقة. الانتقاد الشديد للفلسطينيين على الخطة ومقاطعتهم لادارة ترامب تصعب على هذه الخطة.
هذه ليست العقبة الوحيدة. احدى مشكلات الادارة هي أنها طالما لا تنشر اي تفاصيل عن الخطة فان صورة الخطة سترتكز على التسريبات وعمليات نشر مختلفة ينفيها البيت الابيض، لكنه يجد صعوبة في صدها.
ذات مرة سئل غرينبلاط في محادثات مغلقة عن عدة تقارير في وسائل الاعلام الاسرائيلية والعربية التي اشارت الى نية الادارة في اقامة دولة فلسطينية في سيناء. غرينبلاط حسب اقوال مصادر مطلعة على المحادثات قالت إن هذه التقارير غير صحيحة، وأكثر من ذلك، الحديث يدور عن “نظرية مؤامرة”.
إن جوهر خطة السلام، حسب اقوال مصادر من خارج الادارة تحدثت الى الصحيفة، يجب أن يكون في الضفة الغربية وقطاع غزة. الادارة تحاول بجدية الترويج لمشاريع اقتصادية في شمال سيناء بحيث تخدم قطاع غزة في مجالات مثل الطاقة والزراعة والتجارة. ولكن هذه المشاريع لا تشير الى تغيير واسع في السياسة. في البيت الابيض يعتقدون أن جهات معنية بفشل الخطة تقوم باغراق وسائل الاعلام في المنطقة بنظريات مختلفة بهدف المس باحتمالات نجاحها.
كخطوة مسبقة لاستئناف محادثات السلام، حاولوا في الادارة خلال السنة الاخيرة ترويج مبادرات لتحسين الوضع على الارض. المنطق الذي يقف من خلف هذه المحاولات هو أن عرض تقدم “على الارض” سيخلق زخم ايجابي. عدد من هذه الخطوات نجح مثل اتفاق المياه بين اسرائيل والفلسطينيين الذي وقع في السنة الماضية وحظي بالثناء من جانب البيت الابيض. ولكن معظمها انتهت بالفشل بسبب صعوبات سياسية في اسرائيل وفي السلطة الفلسطينية.
على سبيل المثال، في الادارة الامريكية رأوا بايجاب “خطة قلقيلية” التي طرحها في السنة الماضي وزير الدفاع ليبرمان وضباط كبار في الجيش الاسرائيلي. الخطة كان تقضي بتوسيع مساحة المدينة والتمكين من بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة. رأي البيت الابيض هو أنها كانت ستشكل دليل على أنه يمكن أن تكون تطورات ايجابية على الارض. ولكن المبادرة تم احباطها في الكابنت السياسي الامني، لا سيما بسبب ضغط البيت اليهودي واجزاء من الليكود.
في الجانب الفلسطيني ايضا تم اشباع الامريكيون بخيبة الامل. مثلا رفض عباس تغيير سياسة دفع الرواتب للاسرى الذين تمت ادانتهم بتنفيذ عمليات ارهابية. ترامب ايضا عبر عن غضبه على عباس بعد أن عرض نتنياهو عليه فيلم قصير يوثق تحريض في وسائل الاعلام الرسمية في السلطة.
في المرحلة الحالية، الامل الوحيد للادارة الامريكية لخلق زخم ايجابي قبل طرح خطة السلام هو “تسوية” سياسية في قطاع غزة. قبل عدة اشهر عقد غرينبلاط وكوشنر مؤتمر دولي حول قطاع غزة في البيت الابيض، شارك فيه ممثلون من اسرائيل وعدد من الدول العربية. ولكن ليس من السلطة الفلسطينية. بشكل عام رام الله تشكل تهديدا جوهريا بالنسبة للادارة حتى بصورة خاصة في مسألة غزة. من جهة، كل تقدم في القطاع يحتاج تدخل السلطة. ومن جهة اخرى، حتى الآن عباس يرفض التباحث مع الادارة حتى في هذا الموضوع ويضع عقبات امام جهود مصر للتوصل الى اتفاق في هذا الشأن.
طمأنينة قصيرة
في الاسبوع الماضي كان يمكن رؤية، للمرة الاولى منذ اشهر، تطور ايجابي في شبكة العلاقات بين الادارة الامريكية والسلطة. البيت الابيض قرر نقل عشرات ملايين الدولارات لصالح قوات الامن الفلسطينية. وهي اموال تم تجميدها منذ بداية السنة في اطار “اعادة فحص المساعدات المقدمة للفلسطينيين”. مصدر كبير في الادارة قال للصحيفة إن الاموال نقلت للسلطة من اجل دعم استمرار التنسيق الامني بينها وبين اسرائيل الذي ينقذ الحياة ويمنع العمليات الارهابية.
ولكن هذه الطمأنينة لم تستمر لفترة طويلة. فبعد يومين فقط من تحويل الاموال عادت الادارة والسلطة الى الاحتكاك فيما بينهما لأن كوشنر حاول العمل على الغاء مكانة لاجيء لملايين الفلسطينيين في الاردن. عباس اتهم البيت الابيض بمؤامرة استهدفت “شطب” القضية الفلسطينية، في حينه أنهم في الادارة أكدوا على أنه لا مناص من تغيير تفويض الاونروا، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واحفادهم.
رغم تبادل اللكمات في نهاية الاسبوع، إلا أنهم في البيت الابيض يحاولون بث أن الامور تسير كالعادة. نحن نريد أن تتحدث خطتنا عن نفسها. فسر مصدر كبير تحدث للصحيفة. وحسب اقوال هذا المصدر “هناك اشخاص في الطرفين سيدركون أن وضعهم سيكون افضل بعد الاتفاق مقارنة بالوضع الآن. نحن نعتقد أن الاشخاص المشاركين في العملية يريدون مستقبل افضل لاولادهم. خطتنا ستعطي الطرفين فرص كبيرة لتحقيق ذلك”.
في الادارة أكدوا ايضا أن خطتهم ستتناول “ليس فقط المعايير الواسعة التي لم تؤد في السابق الى حل”، بل ايضا ستتناول مسائل عملية ستؤكد للطرفين “كيف أن حياتهم يمكن أن تتحسن”. هكذا، الى جانب الانشغال بـ “المسائل الاساسية” في النزاع، فان الوثيقة الامريكية يتوقع أن تبحث بتعمق ايضا مشاريع اقتصادية لتحسين الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبطرق لربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي. “الهدف”، لخص المصدر، ” هو عرض طريق حقيقية على الطرفين لانهاء النزاع. نحن لا نريد مواصلة البحث في ادعاءات قديمة غير مجدية”.