شؤون إسرائيلية

امتحان الحكومة الإسرائيلية في تمديد قانون الحرمان من لمّ الشمل مؤشر إلى مدى تماسكها!

برهوم جرايسي 5/7/2021

تواصل الحكومة الإسرائيلية مع انتهاء أسبوعها الثالث، منذ حصولها على الثقة، معركتها لضمان ثبات الائتلاف الحاكم، الذي يجمع عدة تناقضات على المستوى الإسرائيلي الداخلي، وبشراكة كتلة الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، إن كان على مستوى عدم نشوب خلافات الداخلية في الائتلاف، أو على مستوى مواجهة المعارضة اليمينية الاستيطانية، بقيادة الليكود، التي باتت على استعداد لنقض بديهيات سهولة سن القوانين العنصرية، من أجل إنهاء عمر الحكومة، وجعله أقصر ما يكون، وهذا ما يظهر جليا في المعركة على تمديد سريان قانون الحرمان من لم الشمل، ومطلبها بسن “قانون الهجرة” الجديد، الذي يطرحه الليكود، ومن شأنه أن يفجر خلافات داخل الائتلاف الحاكم.

فيوم الأحد الرابع من تموز الجاري، انتهى سريان القانون المؤقت الذي يحرم العائلات الفلسطينية، التي أحد الوالدين فيها من الضفة الغربية وقطاع غزة أو من دول عربية، من لم الشمل. وهو القانون الذي سنّه الكنيست لأول مرة في العام 2003، كقانون مؤقت لعام واحد، ومنذ ذلك العام يتم تمديده سنويا، في بحر شهر حزيران، لعام إضافي.

من المفترض أن يصوّت الكنيست هذا الأسبوع على تمديد القانون، إلا أن احتمال تأجيل التصويت يبقى قائما، إذا لم تضمن الحكومة أغلبية واضحة، وهذه أغلبية لم تكن قائمة حتى مطلع الأسبوع. ويُعد هذا القانون من أشرس القوانين العنصرية التي دخلت إلى كتاب القوانين الإسرائيلي في العقدين الأخيرين. وتعرف إسرائيل الرسمية وأحزابها مدى العنصرية والاستبداد في هذا القانون، الذي يتناقض مع أبسط حقوق الإنسان، والمواثيق الدولية، بأن يختار الإنسان شريكة حياته، أو شريك حياتها، ولهذا فإنه على الرغم من وجود أغلبية فورية مطلقة لهذا القانون، في كل واحدة من الولايات البرلمانية، وفي ظل كل الحكومات في السنوات الـ 18 الأخيرة، من أضعفها إلى أقواها، فإن إسرائيل لا تجرؤ على سن القانون بشكل ثابت.

ولربما لم يخطر ببال الائتلاف الحكومي الجديد أن يكون هذا القانون مصدرخلاف في الكنيست بين الائتلاف والمعارضة، إذ إنه في كل الولايات البرلمانية تلاقت المعارضة المركزية المنافسة على الحكم، مع الحكومة، في تمرير هذا القانون. إلا أن الائتلاف اصطدم بواقعين اثنين: المعارضة من اليمين الاستيطاني، بقيادة الليكود، والذي اختار أن يجعل القانون ورقة مماحكة حزبية برلمانية، وثانيا ظهور معارضة في داخل الائتلاف.

المعارضة داخل الائتلاف

يجمع الائتلاف الحاكم، كما هو معروف، كتلا من اليمين الاستيطاني المتطرف، وكتلا من تلك التي تحسب حسب التعريفات الإسرائيلية على ما يسمى “اليسار الصهيوني”، وخاصة كتلة ميرتس، وإلى حد ما كتلة حزب العمل، إضافة إلى كتلة القائمة العربية الموحدة، ذراع الحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي.

وخلال الأيام الأخيرة، صدرت أصوات عدة من داخل الائتلاف تعارض تمديد مفعول القانون. فقد أعلن نواب في القائمة العربية الموحدة رفضهم لتأييد القانون، رغم كونهم جزءا من الائتلاف الحاكم. ولكن لاحقا، أعلنت القائمة أنها تجري مفاوضات “لتحسين القانون”، وجعله أخف وطأة. وهذا الموقف تم طرحه في الجلسة الدورية للجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل، يوم الخميس الماضي، فجاء رفض الأحزاب تبني موقف المفاوضة، لأن مفاوضات بشأنه تعني قبولا بشرعيته.

خلال الأيام الماضية، أعلن عدد من أعضاء الكنيست من كتلة ميرتس رفضهم لتمديد القانون، إلى أن صدر موقف رسمي من رئيس الحزب، وزير الصحة نيتسان هوروفيتس، مساء الخميس، معلنا رفض كتلته تمديد قانون الحرمان من لم الشمل، كرد على قرار رئيس حكومته تثبيت البؤرة الاستيطانية على جبل صبيح وسط الضفة الغربية، والتي أطلق عليها اسم “أفيتار”.

إلا أن هوروفيتس، الذي اتخذ ذريعة رسمية لرفض القانون، يعرف أن في كتلته نوابا يعارضون القانون كليا، أو لنقل لا يمكنهم تأييد القانون، من بينهم نائبان عربيان، ولكن من أبرز المعارضين، النائبة الجديدة المحامية غابي لاسكي، التي باتت عضو كنيست في أعقاب القانون الذي يجيز استقالة وزراء من عضوية الكنيست. ولاسكي محامية متخصصة بحقوق الإنسان وحريات التعبير والنشاط السياسي، دافعت عن ناشطين سياسيين من الحركات الإسرائيلية السلامية، وأيضا عن فلسطينيين، من أبرزهم عهد التميمي، كما دافعت عن الحق في العمل السياسي في إطار حركات المقاطعة لإسرائيل. وهي دائما على قائمة المعرّضين للهجوم السياسي من الحركات اليمينية المتطرفة. وتعرف كتلة ميرتس أن تصويتها إلى جانب القانون، سيجعلها عرضة لهجوم من أوساط من جمهور مصوتيها.

المشكلة بحجم أقل، قائمة أيضا في كتلة حزب العمل، الذي كان في حكومة أريئيل شارون، حينما تم سن القانون لأول مرة في العام 2003، ودعم القانون في كل حكومة شارك بها في السنوات الأخيرة، ولم يعترض على القانون حينما كان في صفوف المعارضة في السنوات الـ 18 الأخيرة. إلا أن الحزب بات اليوم بقيادة مختلفة من حيث الوجوه، وبشكل خاص رئيسة الحزب ميراف ميخائيلي، التي عارضت القانون مرارا منذ أن دخلت إلى الكنيست لأول مرة في العام 2013، وهي تُعد من الجناح اليساري الصهيوني في حزبها.

كذلك في حزب العمل معارضة من نواب، أبرزهم النائبة العربية ابتسام مراعنة. ما يعني أن الائتلاف الذي يرتكز على 61 نائبا لا يمكنه الارتكاز على هذه القاعدة، في التصويت على تمديد القانون الذي من المفترض أن يجري هذا الأسبوع، إذا لم تقرر الحكومة تأجيل التصويت على القانون.

كتل المُعارضة

كما ذكر، فإنه لم يكن في وارد الائتلاف أن يلقى قانون الحرمان من لم الشمل، معارضة من كتل اليمين الاستيطاني المعارضة للحكومة الحالية، إلا أن الليكود بقيادة نتنياهو، ومعه الكتل الحليفة الثلاث: “الصهيونية الدينية” الاستيطانية المتطرفة وشاس ويهدوت هتوراة، أعلنت تصويتها ضد القانون بهدف إسقاط الحكومة.

ولم تلتفت هذه الكتل لكل الديباجات التي وضعتها هي في ما مضى بشأن القانون، الذي تزعم إسرائيل أنه يمنع “حق عودة فلسطيني بشكل غير مباشر”، أو أنه “يشكل خطرا على يهودية إسرائيل”.

حتى مطلع الأسبوع الجاري، لم تظهر حلقات ضعيفة في هذا المعسكر المتماسك، مثل أن يعلن نواب أنهم سيغادرون القاعة لدى التصويت على القانون. وقد استبق رئيس كتلة يهدوت هتوراة للحريديم الأشكناز، موشيه عفني، مهددا كتلة الليكود بأن أي خرق للاتفاق على معارضة القانون، سيعني تفكيك المعسكر.

هذه ليست أول مرّة يتخذ فيها بنيامين نتنياهو موقفا كهذا. فعلى سبيل المثال، حينما كان الليكود في المعارضة (برئاسة إسحق شامير)، لحكومة إسحق رابين، في نهاية العام 1992، قرر عدم دعم اقتراح حجب الثقة الذي بادرت له كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، برئاسة توفيق زياد في حينه، الذي جاء في حينه على خلفية إبعاد 416 عضوا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إلى مرج الزهور في جنوب لبنان.

لكن بعد عامين تقريبا حينما بات الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، قرر دعم اقتراح الجبهة لحجب الثقة عن حكومة رابين، الذي جاء على خلفية بناء مستوطنة على جبل أبو غنيم، شمالي بيت لحم، واسمها حاليا “هار حوما”.

يشار هنا إلى أنه حتى لو سقط القانون هذا الأسبوع، أو اختارت الحكومة عدم تمديد سريانه، فإن هذا لن يغير واقع الحال بشيء، وسيستمر حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، لأن كل طلب بحاجة إلى موافقة وزير الداخلية، وحاليا وزيرة الداخلية هي أييلت شاكيد من حزب “يمينا” اليميني المتطرف.

تحدي قانون الهجرة

في إطار مماحكته للحكومة الجديدة، طرح الليكود شرطا على الحكومة بأنه مستعد لتمرير القانون لعام إضافي، شرط أن توافق الحكومة على مشروع قانون الليكود: “قانون أساس الهجرة”. وهو قانون يستهدف بصيغته المهاجرين بشكل مخالف للقوانين الإسرائيلية، من أفريقيا ودول أخرى، وهم حسب التسمية الإسرائيلية “متسللون”. وينص القانون على “حق إسرائيل” كونها “يهودية ديمقراطية” في أن تدافع عن هويتها، وعلى هذا الأساس يكون من حقها إما سجن أو احتجاز أو إبعاد المهاجر الأصلي إلى وطنه أو إلى أي بلد آخر.

يريد الليكود أن يكون مشروع القانون هذا قانون أساس، بمعنى قانون دستوري، وأنه لا يمكن تعديله أو إلغاؤه، إلا بأغلبية عددية لا تقل عن 80 نائبا، من أصل 120 نائبا. وهذا قانون له أغلبية فورية في الكنيست، على أساس أن غالبيته من اليمين الاستيطاني المتشدد. ولكنه يُعد قانونا خلافيا داخل الائتلاف الحاكم، لأن كتلتي العمل وميرتس تعارضان مشروع هذا القانون، الذي في بنوده ما يتعارض مع القانون الدولي. بمعنى أن الليكود يسعى لخلخلة الائتلاف الهش، من خلال هذا القانون، ولم يلق عرض الليكود ردا من الحكومة. ويشار إلى أنه حسب اتفاقيات الائتلاف، فإن أطراف الحكومة اتفقت في ما بينها على تأجيل كافة القوانين الخلافية إلى ما بعد مرور عام كامل على تشكيل الحكومة، وهذا حتى الآن ما زال قائما.

تحدي الموازنة العامة

إذا اجتازت الحكومة عقبة تمديد قانون الحرمان من لم الشمل، فإنها ستنتقل إلى امتحان لا يقل صعوبة، وهو إقرار ميزانية الدولة العامة للعامين الجاري والمقبل 2022، بعد أن انتهى العام 2020 من دون ميزانية مقررة.

وحسب الجدول الزمني الذي وضعه الائتلاف، فإن الميزانية المزدوجة يجب أن تقر حتى الخامس من تشرين الثاني المقبل، على أن يصادق عليها الكنيست بالقراءة الأولى حتى نهاية شهر آب المقبل، بمعنى خلال العطلة الصيفية للكنيست.

ومثل كل حكومة جديدة، فإن كل ائتلاف حاكم جديد، تكون الاتفاقيات فيه تعج بطلبات مالية تقدّر بمليارات الشواكل، والتي تطلب الكتل المشاركة في الحكومة صرفها على هذا المجال أو ذاك، بموجب أجندة كل منها، وتقريبا كل الاتفاقيات تنص على بنود مالية، ولكن أبرزها من حيث حجمها هي الاتفاقية المبرمة مع كتلة القائمة العربية الموحدة، فهناك الحديث عن صرف مليارات كثيرة.

إلا أن وزير المالية الجديد أفيغدور ليبرمان قال في خطاب له، في الأسبوع الماضي، إن ميزانية الدولة ستكون إشكالية، إلى درجة أنها قد لا تجد أغلبية برلمانية. وتصريح ليبرمان هو رسالة واضحة إلى كتل الائتلاف، بأن ليس كل مرادها سيتحقق، ولربما أن الميزانية الجديدة على الأقل في العامين الجاري والمقبل لن تتجاوب مع طلبات الائتلاف.

هذا لم يأت من فراغ، فليبرمان الذي دخل إلى منصبه قبل ثلاثة أسابيع، أعلن أنه لن تكون هناك ضرائب جديدة، إلا أنه اصطدم بواقع مالي صعب، سيتطلب من حكومته إجراء تقليصات، كي تقلص العجز في الموازنة العامة، الذي يحوم حول نسبة 10% من حجم الناتج العام، بدلا من نسبة يطلبها بنك إسرائيل المركزي وهي 2.5%.

كما أن على الحكومة الجديدة خفض حجم الدين العام، الذي قفز من 60% من حجم الناتج العام في نهاية العام 2019، إلى نسبة 72.4% في هذه المرحلة. وقد حذر بنك إسرائيل المركزي من أنه في حال لم يتم اتخاذ إجراءات اقتصادية في الميزانية العامة، فإن الدين العام سيواصل ارتفاعه.

ويرفض ليبرمان حتى الآن توجهات بنك إسرائيل حول التخطيط لزيادة الضرائب ابتداء من العام 2023؛ أي ما بعد العام التالي، إلا أنه سيكون على ليبرمان التعويض عن عدم رفع الضرائب، من خلال تقليصات عامة في بنود الموازنة العامة، والتي ستطال عمليا ليس فقط ميزانيات تطلبها كتل الائتلاف، وإنما ميزانيات أساسية قائمة، وخاصة في القطاع الخدماتي الاجتماعي، المستهدف أولا في كل تقليصات تُقرّ في الموازنة العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى