الون بن دافيد / كل شيء يشتعل
معاريف – بقلم الون بن دافيد – 22/6/2018
قبل لحظة من سيرنا بسرور نحو حرب الطائرات الورقية الاولى لنا، يجدر بنا ان نتوقف للحظة لنفكر كيف وصلنا الى هنا واذا كان هذا مجديا حقا. فالانجازات العسكرية للجرف الصامد، التي جلبت ثلاث سنوات ونصف من الهدوء في غلاف غزة، اضاعتها الحكومة بانعدام الفعل السياسي. اما الان فقد بتنا في آلية تؤدي بنا الى المواجهة. وبالتالي قبل أن نقصر حياة عشرات الشبان الذين سنبعث بهم للهجوم على مخزونات البالونات في غزة، من أجلهم ومن اجل عشرات العائلات التي سيخرب عالمها عليها، فاننا ملزمون بان نفحص هنا اذا كان ثمة خيار آخر.
وزير الدفاع افيغدور ليبرمان لا يخفي رأيه في أن المواجهة في غزة الان هي ضرورية. “لا مفر”، يقول في احاديث مغلقة، “مرة كل بضع سنوات يجب أن نضرب حماس كي لا ترفع الرأس”. وينضم اليه بعض وزراء الكابنت وكل صباح يحاولون الظهور بمظهر الرجال حين يعلنون “حكم الطائرة الورقية – كحكم الصاروخ”. إذن هذا هو، ليس حقا. الحرائق في غلاف غزة، مقلقة حقا. والقلب يتفطر لمشهد الحقول السوداء. ولكن الطائرات الورقية لا تقتل – ولكن الصواريخ نعم. من يوصي يقتل مطلقي الطائرات الورقية ملزم بان يأخذ بالحسبان بان بدلا منها ستأتي صواريخ، وهذه ستقتل في طرفنا ايضا.
حرب الجرف الصامد، رغم ادارتها الفاشلة، جلبت لنا 42 شهرا من الهدوء في غلاف غزة. حماس، التي تلقت ضربة شديدة، كفت عن اطلاق النار نحو اسرائيل بل وعملت بتصميم على منع اطلاق النار من منظمات الارهاب. واتاح هذا الوقت لبلدات الغلاف بالازدهار: الاف الاسرائيليين صوتوا باقدامهم حين اشتروا الشقق الجديدة في هذه البلدات. جيل جديد من الاطفال بلا صدمة نما هناك دون أن يبول في السرير.
ولكن كل انجاز عسكري يكون عديم المعنى بغياب فعل سياسي يأتي بعده. لقد صاغ دافيد بن غوريون المفهوم الامني الذي يقول ان مهمة الجيش هي ابعاد الجولات الحربية التالية. وبالتالي فقد حافظ الجيش الاسرائيلي على سياسة ملجومة حول القطاع وحاول ان يعرض على القيادة السياسية الحاجة الى تسوية ما تعطي افقا لسكان القطاع. ولكن هذه المحاولة وقعت على اذان صماء.
عشرات المداولات في الكابنت حول غزة لم تحاول حتى صياغة ما هي السياسة الاسرائيلية تجاه غزة، بحيث تتجاوز الادارة المتواصلة للنزاع. والاقتراحات للتسوية التي عرضها الجيش، اجهزة المخابرات وحتى وزراء في الكابنت – رفضت كلها رفضا باتا. فرئيس الوزراء ووزير الدفاع منعوا كل بحث في رؤيا مستقبلية لعلاقات اسرائيل مع الكيان الذي يضم مليوني نسمة يسكنون بجوارنا.
لقد عرض الجيش الاسرائيلي ومنسق شؤون المناطق بثبات معطيات الضائقة المتعاظمة في غزة. ولكن قيادتنا لم تتأثر. لعلها آمنت باننا اذا منعنا عن مليونين من الناس الرزق، الماء، الكهرباء وحق الحركة – فلن يكون لهم مفر غير التبني في نهاية المطاف للرؤيا الصهيونية. وعندها بدأنا التعاون مع ابو مازن الذي كل رغبته كانت التنكيل بسكان القطاع ليرانا نحن وحماس ننزف في مواجهة اخرى.
حماس، التي يأست من التجاهل الاسرائيلي لتوجهاتها لوقف النار توجهت الى المواجهات على طول الجدار. ولما لم تنجح هذه – اكتشفت الاثر الهدام للطائرات الورقية، والتي اعتبرتها سلاحا شرعيا وغير فتاك. قيادة حماس، التي اثبتت براغماتية في السنوات الاخيرة لا ترغب في مواجهة واسعة مع اسرائيل، ولكن في ازمتها مستعدة لان تأخذ بالمخاطرة.
لقد كان التوجيه السياسي للجيش الاسرائيلي هو تصعيد الردود العسكرية على الطائرات الورقية: بداية بنار التحذير بقرب الخلايا، بعد ذلك بالهجوم على سيارات مطلقي الطائرات الورقية، ومن هذا الاسبوع لمهاجمة البنى التحتية لحماس. من الجهة الاخرى، حماس ايضا غيرت المعادلة، ومن الان تعتزم الرد بنار الصواريخ على كل هجوم اسرائيلي، وهكذا نكون صعدنا الى المسار المضمون للمواجهة. بضع ليال اخرى من النار مثل ليلة يوم الثلاثاء واذا بنا في معركة جديدة مع غزة.
لا يوجد سبب يجعلنا نخاف من بائسي غزة: فهم لن يهزمونا. لن يحتلونا وكل مواجهة ستؤلمهم ايضا. ولكن ما الذي سنكسبه من مثل هذه المواجهة. المواجهة التالية هي الاخرى، مهما كانت ناجحة، ستعيدنا في اقصى الاحوال الى النقطة التي كنا فيها في شهر اذار الماضي. حتى لو تبنينا طريقة افيغدور ليبرمان في ان المواجهة مع حماس ضرورية كل بضع سنوات، أليس من الافضل أن نبدأها في مرحلة نكون قد انهينا فيها من بناء العائق التحت ارضي؟ معروف لاسرائيل انه لا يزال هناك عدد لا بأس به من الانفاق التي لم تكتشف بعد. وسيكون من الحكمة أكثر ان ننتظر الى أن يعطل هذا التهديد تماما قبل أن نقفز رأسها الى حرب اخرى في غزة.