ترجمات عبرية

الون بن دافيد / صفقة غزة

معاريف – بقلم  الون بن دافيد  – 25/5/2018

نشر مسودة التسوية المقتربة لدونالد ترامب، الصراع الذي بدأ فقط لابعاد ايران عن سوريا وربما ايضا الثقة الذاتية المتعاظمة لاسرائيل، كل هذا يقربها أخيرا من الخطوة اللازمة منذ 12 سنة: تهدئة الجنوب والانقسام بين قطاع غزة وبين الضفة. فالاتصالات للاعلان عن “هدنة” مع غزة تبدو هذه الايام جدية اكثر من اي وقت مضى، ولاول مرة هناك ايضا تقدير متفائل في الجانب الاسرائيلي بان يتفق على وقف نار طويل المدى حقا.

ان رغبة حماس الشديدة في وقف النار ليست جديدة: فمنذ حملة الجرف الصامد تطلق قيادة حماس اشارات على أنه ستسعدها تسوية في غزة ووقف نار طويل المدى. وحتى “استعراض العودة” في  الشهرين الاخيرين كان جزءا من هذه الاشارات، وفشلها المطلق لاقتحام الحدود الى اسرائيل عظم لديها فقط اليأس والاستعداد للمساومة. ما تغير هو جدية الوسطاء والفهم في الجانب الاسرائيلي بان استمرار الوضع القائم سيؤدي بيقين الى المواجهة.

منذ زمن بعيد والقطريون يسعون للتقرب من اسرائيل، على أمل أن يؤدي هذا الى اعادة بناء علاقاتهم مع واشنطن، القاهرة والرياض. ووفرت مظاهرات الاسبوع الماضي لهم الفرصة للاثبات بانهم يعرفون كيف يعملواايضا. فقد توسطوا في مفاوضات سريعة في نهايتها طوت حماس دفعة واحدة خيام المظاهرات والغت الذروة التي خططتها ليوم النكبة.

المصريون، الذين عملوا لفترة طويلة على خلق شرخ بين حماس في غزة ورجال داعش في سيناء، يرون مؤخرا بركة في عملهم. فهذا يسمح لهم للنظر الى حماس في غزة بمقت اقل بقليل، واليوم هم ايضا مستعدون للمساهمة في نصيبهم لمساعدة القطاع.  

هم وكذا القطريون تقدموا باقتراحات وقف النار بشكل منفصل. وفي الايام الاخيرة دارت اتصالات مكثفة في المنطقة على المسودات. لا يمكن التبليغ عنها جميعها. فهذه المرة يوجد دور امريكي في الاتصالات. ففي ادارة ترامب ايضا يفهمون بان تحقيق هدوء في غزة وفصل بين القطاع والضفة كفيلين بمساعدتهما على تحقيق رؤيا الصفقة الاسرائيلية – الفلسطينية. تسوية تتحقق برعاية ترامب ستوفر فرصة لاثابته، ولا سيما الان حين تفشل الخطوة مع كوريا الشمالية وعلى الطريق يعزز العلاقة مع الوسيط الذي سيختار من بين الاثنين.

الجيش الاسرائيلي الذي يحاول منذ اشهر اقناع القيادة السياسية بخطورة الازمة في غزة وبآثارها الخطيرة بدا مؤخرا يلقى آذانا صاغية اكثر. ففي  الاتصالات التي دارت الاسبوع الماضي تراجعت اسرائيل عن طلب تجريد القطاع كشرط لكل توافق، وكذا عن مطلب لا يقل خيالية لاعادة السيطرة في غزة الى السلطة الفلسطينية.

يبدو أبو مازن كمن يجد صعوبة في هذه الايام ان يحتذي بقواه الذاتية حذاءه البيتي. والاحتمال في أن يعود الى مكانة الحاكم  في قطاع غزة يبدو تقريبا كاحتمال أن يشارك في ميراثون القدس. لقد أيدت اسرائيل اتفاق المصالحة الوهمي الذي عقده مع غزة، والذي لم يستهدف الا تعذيب  حماس وسكان القطاع ولكن يبدو أن اخيرا انكشفت لدينا ايضا الحقيقة: ليس لنا اي مصلحة في تعزيز الربط بين غزة والضفة – بل العكس.

في اتصالات الايام الاخيرة طرحت اسرائيل مطالب واقعية: فرض هدوء مطلق من القطاع – وقف نار الصواريخ من كل المنظمات، وقف حفر الانفاق الهجومية، اعادة مفعول “المجال الامني” – المنطقة النظيفة غربي الجدار، وحل مسألة الاسرى والمفقودين في غزة. للقطريين توجد مصلحة اخرى في  تحقيق صفقة أسرى: لهم ايضا يوجد عدد غير قليل من السجناء المحتجزين في مصر ويمكن أن تشملهم صفقة أوسع.

وبالمقابل فان اسرائيل مستعدة لان تمنح تسهيلات ذات مغزى في المعابر الى القطاع: سواء في دخول مشاريع لتحسين البنى التحتية أم في عبور البضائع، على الا تستخدم لتعاظم حماس. اما المصريون من جهتهم فمستعدون لتسهيلات اشمل في معبر رفح. مثلما في الماضي، هذه المرة ايضا لا يدور الحديث  عن اتفاق مباشر بين حماس واسرائيل، بل اتفاق يوقع من خلال الوسطاء. هذا ليس سلاما، ليس اعترافا وليس تسوية – هذا وقف للنار يخدم الطرفين. ولكن اذا تحقق – سيكون فيه اعتراف اسرائيلي بحكم الامر الواقع بالكيان المنفصل الذي نشأ في غزة.

تراث ابو مازن

في اي وضع يضع هذا السلطة الفلسطينية؟ ستغرق في الفترة القريبة القادمة في صراعات إرث ابو مازن. هناك الكثيرون ممن يدعون  التاج. ولكن منهم يبرز اسمان: رئيس الوزراء رامي الحمدالله، بروفيسور في علم اللغة، ومحمود العالول، محافظ نابلس سابقا، نائب رئيس فتح.  

كلاهما ترعرعا في المناطق، يعرفان اسرائيل جيدا ويمثلا جيل الاستمرار لفتح. اي منهما لا يتمتع بشعبية خاصة، ولكن للعالول تفوق في السيطرة في مؤسسات فتح، ولكن حمدالله يتمتع بشرعية اوسع – واحد من القلائل من كبار رجالات فتح الذي لا يزال يدعى لزيارة غزة. ماجد فرج، رئيس المخابرات، هو رجل أساس سيسمح لمن يحكم بالسيطرة على الأرض.

يوشك أبو مازن على النزول من المسرح بصفته زعيما فاشلا لم يحقق شيئا لابناء شعبه، ولكنه يترك بالفعل وراءه تراثا. لقد انشغلنا في الأشهر الأخيرة في سلوكه الغبي: من خطاب “يخرب بيتك” لترامب وحتى تصريحاته اللاسامية. ولكن أبو مازن نفسه ، بهدوء تام، منح في الشهرين الأخيرين وسامين لاثنين من افراد الشرطة الفلسطينية انقذا من عملية فتك الوكيل العسكري والمجندة اللذين علقا في جنين في شهر شباط. في إسرائيل ينتظرون الان رد حماس على اقتراحات وقف النار، ولكن عندنا أيضا لا يوجد توافق في الرأي بالنسبة للفكرة. فبينما القيادة الأمنية تؤيدها – وزير الدفاع يعارض ويواصل الإصرار على مبدأ التجريد. اما رئيس  الوزراء نتنياهو الذي سمح بالاتصالات، فلم يقل بعد كلمته الأخيرة. يحتمل أن يكون ينتظر ما يخرج من فم أناه الأعلى، نفتالي بينيت، قبل  أن يحسم. ولكن بينيت، اكثر من معظم وزراء الحكومة، يفهم المزايا الكامنة في فصل المسألة الفلسطينية بين غزة وبين الضفة.

تحتاج اسرائيل لان تركز في الفترة القريبة القادمة على الصراع ضد تثبيت وجود ايران في حدودنا. توجد كل المعطيات التي تسمح لنا بطرد الإيرانيين من سوريا: ضغط امريكي غير مسبوق على الإيرانيين وتأييد هاديء من الروس للخطوة – فحتى في رؤياهم فان ايران تنصرف من سوريا. لا يمكن اخراج الإيرانيين فقط بالتلميح بمتملصتنا امام ناظر  الجميع. هذا يتطلب اعمالا عسكرية متواصلة، سترافقها جهود وتنسيق سياسي. ان الانشغال المتواصل في غزة، والذي يشل القوات والانتباه له، يحرفنا فقط عن الجهد الأساس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى