ترجمات عبرية

الون بن دافيد / ثورة أمنية – اقتصادية

معاريف – بقلم  الون بن دافيد – 17/8/2018

في هذه الايام العكرة بالذات لا يمكن ان يقع علينا وباء رمزي اكثر من وباء  الفئران، الذي  تسلل الى مصادر مياهنا. وقبل ذلك نجح في أن يلوث الشبكة الاجتماعية، حيث تستشري وتزدهر في الاسابيع الاخيرة جراثيم الكراهية واوبئة التحريض.

ولكن من تحت المساعي لتلويث اجراء تعيين رئيس الاركان ايضا، والذي اشغلنا هذا الاسبوع، عرض رئيس الوزراء خطة دراماتيكية بكثير من شخصية رئيس الاركان التالي.

على مدى السنين اعتدنا على الاعتقاد بان الامن هو شر مريض ينبغي المواظبة على قصقصته. اجيال من المحللين الاقتصاديين يكررون لنا صبح مساء بان الانفاق على الامن هو العائق في  وجه ازدهار الاقتصاد الاسرائيلي. وها هو الاقتصاد الاسرائيلي  ينمو بثبات منذ 15 سنة، وذلك الى جانب الحروب والحملات العسكرية.

ما عرضه بنيامين نتنياهو لا يقل عن ثورة في مفهوم الامن والانفاق عليه: ليس بعد اليوم حجر رحى على رقبة الاقتصاد الاسرائيلي بل أداة حيوية لمواصلة الازدهار. فرغم ان اسرائيل تنمو بسرعة اكبر واستقرار اكبر من معظم اقتصادات الغرب ورغم أن  مؤشراتنا الاقتصادية ينبغي أن تكسبنا منذ الان الحد الاقصى من التصنيف الائتماني – فهذا لم يحصل.

والسبب الاساس هو عدم الاستقرار الامني حولنا. نتنياهو، الذي لا يمكن الاشتباه به بعدم الفهم الاقتصادي، يفهم بان زيادة النفقات على الامن من شأنها أن تمس ايضا بالتصنيف الائتماني الذي سبق أن وصلنا اليه، ولكن حتى بلا هذا الاستثمار فان كل معركة سنجر اليها ستدهور الاقتصاد الاسرائيلي.

خطة “مفهوم الامن 2030” التي عرضها نتنياهو تمثل انعطافة هامة لحاملة الطائرات الاسرائيلية. فعلى مدى عشرات السنين تنخفض ميزانية الدفاع (الامن  الاسرائيلية) بالنسبة للناتج القومي الذي يزداد. صحيح أن استثمارنا في الامن (بالنسبة للناتج) اعلى من اي دولة غربية اخرى، ولكن لا توجد ايضا اي دولة غربية اخرى تواجه ما نواجهه.

لم تعد ميزانية الامن منذ زمن بعيد تعكس الغلاء الذي حل في العقود الاخيرة على اسعار المنظومات القتالية والمقدرات البشرية. فهي تتقرر في الغالب من خلال انزال الايدي غير الموضوعي بين وزارة المالية ووزارة الدفاع، ورئيس الوزراء يدعى دوما أخيرا كي يعلن عن  المنتصر. اما هذه المرة فرئيس الوزراء هو الذي يأخذ المبادرة ويعلن مسبقا: الرفع التدريجي لميزانية الدفاع الى 6 في المئة من  الناتج. بالارقام:  رفع 4 مليار شيكل في السنة على مدى عقد. من 80 مليار شيكل اليوم الى نحو 120 مليار شيكل بعد عقد (والمقصود ميزانية الجيش الاسرائيلي، الموساد والشاباك معا). كقاعدة، في دولة كدولتنا، يجدر بميزانية الامن ان تبقى ثابتة كنسبة معينة من الناتج القومي.

من اين سيأتي المال لهذه العلاوة؟ ليته كان ممكنا الامل في تقليص المخصصات للقطاعات غير الانتاجية ومؤسسات التعليم التي لا تعلم أي شيء مجد. هذه على ما يبدو لن يحصل. وبالتالي فان هذه العلاوة ستأتي على ما يبدو عبر زيادة العجز. اضافة الى ذلك، ثمة أمل في نجاعة الجيش الاسرائيلي بـ 1.5 مليار شيكل لسنتين. اشك أن يتمكن الجيش الاسرائيلي من أجل يحقق هذه النجاعة بمثل هذه الارقام، ليس لانه بلا دهون سمينة بل لان مثل هذه النجاعة تأتي اساسا من تقليص القوى البشرية، وسيكون من  الصعب جدا تقليص الجيش الاسرائيلي الذي بات نحيفا بالاف من رجال الخدمة الدائمة في السنوات الاخيرة.  المهم هو ان هذه العلاوة ستكون المادة البروتينية لبناء العضلات وليس مجرد مزيد من السكر الذي يوسع حزام السمنة.

يفترض بالمال ان يذهب  قبل كل شيء لاستكمال مشروع الحدود: انهاء احاطة اسرائيل بالجدران العالية وبالوسائل الالكترونية على نمط جدار الحدود مع مصر. وهو سيستثمر في  تطوير القدرات الهجومية للجيش الاسرائيلي انطلاقا من  الفهم باننا في غضون عقد من  الزمان قد نجد أنفسنا امام تهديد غير تقليدي.

بهذا المال سيكون ممكنا جعل اسرائيل متساوية القيمة مع أربع قوى عظمى السايبر العالمية. فقد أصبحت قدرات السايبر أداة يمكنها أن تحسم المعارك. ومن يعرف كيف يطفيء تماما الكهرباء في الدولة الخصم هو الذي سينتصر في الحرب.

عندنا لا يزالون يتعاطون مع السايبر كأداة للحملات الخاصة والمبادرات العرضية. وهو لا يدار كأداة في  المعركة.  اسرائيل ملزمة بان  تبني ذراع سايبر واحد يعمل في الهجوم وفي الدفاع. وخير فعل وزير الدفاع إذ عرض هذا السؤال على كل المرشحين الاربعة على منصب رئيس الاركان.

مجال آخر سيكون الدفاع متعدد الطبقات ضد الصواريخ، ويجدر بان يصادر التسلح به من يد الجيش وينتقل الى مسؤولية القيادة السياسية. يعرف قادة الجيش بان أداءهم يخاص في العمليات خلف الحدود وليس في الدفاع. وعليه فكل رئيس اركان سيفضل ابدا مزيدا من القدرات الهجومية على القدرات الدفاعية. فلو كان هذا منوطا بالجيش لكنا دخلنا الجرف الصامد مع أقل بكثير من صواريخ اعتراض القبة الحديدية. فقدرات الدفاع ضد الصواريخ حرجة للاقتصاد الاسرائيلي.  وعليها ان تكون جزء من الجهود لتحصين الجبهة الداخلية.

المجال الاخير والذي لا يقل اهمية هو الاستثمار في الجيش البري، الذي  يعيش أزمة مستمرة رغم أن القيادة العسكرية تنفي ذلك.  على الورق، يحظى الجيش البري اليوم بمقدرات غير مسبوقة. ولكن خليطا من نموذج الخدمة الجديدة الدائمة، التي لا تسمح بضمان الافق للضباط الشبان، وبين تقليص الخدمة الالزامية، الى جانب عدم ثقة القيادة العسكرية العليا للقدرات البرية، كل هذه خلقت شرخا عميقا في الوحدات الميدانية. فالعتاد موجود بوفرة، ولكن الدافعية والاحساس بالقدرة يعيشان نقصا خطيرا.

جزء من المشكلة يكمن في مبنى الجيش: على مدى 36 سنة لوجود قيادة الذراع البري، المسؤولة ليس فقط عن بناء القوة لكن ليس عن استخدامها، تثبت بان هذه الفكرة ببساطة غير ناجحة. فالقوة يجب أن يبنيها ايضا من يستخدمها في الحرب بعد ذلك. ومن تحمل المسؤولية عن اداء فاشل للجيش البري في حرب لبنان الثانية كانت قيادة المنطقة الشمالية، وليس قيادة الذراع البري، كان يفترض بها أن تعده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى