ترجمات عبرية

الون بن دافيد – اسرائيل بعد ذلك

معاريف – بقلم  الون بن دافيد  – 21/12/2018

هذا الاسبوع اصطدمنا لاول مرة بحدود التحالف الذي بين دونالد ترامب وبين اسرائيل، ولم يكن هذا لطيفا. فهو لا يزال الرئيس الاكثر ودا الذي كان لنا في البيت الابيض، ولكن في لحظة الحقيقة فضل ان يلقي بالمصلحة الاسرائيلية وبدلا منها أن يمنح الشعب الامريكي هدية عيد ميلاد متواضعة، ولنفسه، يومين من الصحافة التي لا تعنى بالتحقيقات ضده. الدرس بالنسبة لنا هو أن لدى ترامب “امريكا اولا” ليس مجرد شعار انتخابي – بل سياسة، وحتى لو علقنا بازمة مع ايران في السنة القادمة – ينبغي الافتراض بان هكذا كفيل بان يبدو الدعم الامريكي.

نهجه واضح: الولايات المتحدة لن تدفع ثمنا، الا بالمال ولا بالقوة العسكرية، في خدمة مصالح الاخرين – والاخرين، كما يتبين، هذا يتضمنه. وفي اقصى الاحوال مستعد لان يستخدم جيشا من 325 مليون مستهلك، والذي هو قوة اقتصادية متينة. لا توجد الكثير من الاقتصادات القادرة على ان تقف في وجه قوة هذا الجيش، ولا يزال: هذا ليس كافيا دوما.

لم تكن حاجة الى قدرة تحليل معمقة كي نفهم من سيخرج راضيا من  الخطوة. فالابتسامات التي امتدت من طهران حتى موسكو وانقرة قالت كل شيء. فقد منح ترامب انتصارا آخر للمحور الراديكالي، وعلى الطريق ايضا سحق ثقة حلفائه. واضح للشرق الاوسط اليوم بان الولايات المتحدة لن تكون مستعدة لان تستخدم القوة – أكثر من العقوبات – لتحقيق مصالح اقليمية، وأن ليس لها مشكلة في أن تثبت مكانة روسيا كقوة عظمى رائدة في المنطقة.

تقول النكتة القديمة ان الصلح في الشرق الاوسط يتم عندما يذبح الطرفان كرديا. هذا بالضبط ما فعله بترامب. ضحى بشركائه الاكراد، الذين قاتلوا معه كتفا بكتف، وتركهم مكشوفين لسوط رجب طيب اردوغان. لم يقاتل اي طرف في الشرق الاوسط بمثل هذه الشجاعة امام داعش، ولكن هذا لم  يسجل في صالح الاكراد. فقد باعهم ترامب بثمن بخس قدر بـ 3.5 مليار دولار، قيمة صفقة صواريخ الباتريوت التي ستشتريها  تركيا.

مشكوك أن يكون الاتراد سينتظرون حتى الربع قبل ان يعلنوا  عن بدء موسم صيد الاكراد. عندما يكون الاقتصاد التركي غارقا في الركود، فليس هناك من شيء يفرح اردوغان اكثر من حملة عسكرية اخرى ترص صفوف الشعب ضد الاكراد. والمنطقة التي كانت تتواجد فيها القوات المؤيدة للامريكيين هي الزاوية الشمالية – الشرقية لسوريا، التي تبقى فيها بضعة آبار نفط. الروس هم الاخرون يتطلعون الى هذه الغنيمة، ويتعين على تركيا أن تتقاسم معهم حدود المنطقة قبل ان تبعث بجيشها لاجتياح ارض سورية أخرى.

النقطة الاهم التي سيخليها الامريكيون هي دائرة طنف، قاعدة جوية تقع قرب المثلث الحدودي بين سوريا والاردن والعراق، على طريق بغداد – دمشق. والتواجد الامريكي هناك سد حتى اليوم محور توريد حرج للايرانيين من العراق الى سوريا والى لبنان. والان سيفتح، وسيتمكن الايرانيون من ضخ ميليشيات شيعية وارساليات سلاح الى سوريا كما يشاءون. اسرائيل وحدها ستقف في وجههم.

حجم الرهان

لقد كان التواجد الامريكي في سوريا هاما لاسرائيل أساسا من الناحية الاستراتيجية والتصريحية، وبقدر اقل من الناحية العسكرية. فالجنود الالفان المرابطان هناك لم يحموا اسرائيل ولم يقاتلوا ضد التواجد الايراني، ولكن تواجدهم في هاتين المنطقتين كان كالشوكة في حلق الروس والايرانيين، منعت بشار الاسد من استكمال السيطرة على الاراضي السورية.

ليس لاسرائيل قدرة على اقتلاع الايرانيين من سوريا بهجمات جوية. واعترف نائب رئيس الاركان السابق يئير غولان منذ زمن غير بعيد بان تأثير الهجمات على التواجد الايراني ليس هاما. والوحيدون الذين يمكنهم ان يطردوهم هم الروس، وورقة المساومة الوحيدة التي كانت لنا قبالتهم هي التواجد الامريكي. لقد حاولت كل القيادة الامنية في واشنطن أن تشرح هذا لترامب، ولكنه اصر على  التخلي عن الورقة.

الضرر لاسرائيل هو ايضا على المستوى السياسي الواسع: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تمتع حتى هذا الاسبوع من صورة من واشنطن تنسق معه تماما حول السياسة الشرق أوسطية. واعتبر نتنياهو في نظر الكثيرين في المنطقة، وكذا في نظر بوتين كمن له تأثير حاسم على الجالس في البيت الابيض. هذه ميزة ضاعت هي الاخرى.

باقي حلفاء الامريكيين في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية، تعلموا هم ايضا الدرس عن مدى الاستعداد الامريكي للوقوف الى جانب الحليف. وعلل ترامب الموقف المتسامح الذي اظهره على قتل الصحافي جمال خاشقجي بمراعاة احتياجات اسرائيل. اما الان، وهو ينسحب من سوريا، مشكوك أن يتواصل تحسين العلاقات بين الرياض والقدس. ويميل السعوديون الان الى الانغلاق، ونحن اصبنا بوصمة التدخل في صالح السعوديين ولن ننال أيضا ثمار هذا التدخل.

في السنة القادمة ستبقى اسرائيل وحدها في صراعها لدحر الايرانيين عن سوريا، حتى وان كانت النتائج جزئية. ولكن ينبغي اساسا ان يقلقنا  هو آثار الخطوة الامريكية على ايران. فالمعتقد السائد كان أن استمرار العقوبات على ايران سينزل الجمهورية الاسلامية على ركبتيها الى أن تطلب اعادة صياغة الاتفاق النووي. ولكن ماذا اذا صمدت ايران في وجه الضغط ولم تنكسر؟ ماذا اذا قررت انها ستعود الى النشاط النووي.

ان العقوبات الاقتصادية هي أداة شديدة القوة، ولكنها ملزمة بان تكون مسنودة ايضا بتهديد مصداق من القوة العسكرية. ايران ترى امامها امريكا خائفة من استخدام جيشها، حتى عندما لا يدور الحديث الا عن الفي جندي. واستنتاجها كفيل بان يكون ان هذا هو الوقت المناسب لرفع مستوى الرهان والعودة الى تطوير القنبلة ، سواء علنا أم سرا.

اسرائيل ملزمة بان تفترض بان من شأنها ان تجد نفسها وحدها امام مثل هذه الخطوة. فعودة “التهديد الايراني” الى مركز الساحة يمكنه أن يعيد ايضا الحُمرة الى وجنتي نتنياهو، ولا سيما اذا ما تمت قبل الانتخابات. ولكن في رحلته الجوية الطويلة الى ريو هذا الاسبوع من المهم ان يفكر كيف سيواجه مثل هذا التهديد بينما كل ما تعرضه الولايات المتحدة علينا هو السلاح والعطف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى