#شوؤن دولية

الولايات المتحدة الإبراهيمية والسيطرة على “الشرق الأوسط”

د. كمال سلامة[1]

مقدمة

ما زالت كثير من المصطلحات التي تتردد من حين إلى آخر في الأوساط الإسرائيلية وبعض الجماعات الدينية اليهودية؛ وتلك المتصهينة مثل أرض الميعاد، وأرض “إسرائيل” الكبرى، ودولة من النيل إلى الفرات! ومن المحيط إلى الخليج.

 وجميع هذه المصطلحات المضللة تؤكد أهداف دولة توسعية قائمة على أساس استيطاني/استعماري.

 ومنذ سنوات بدأت “إسرائيل” باستخدام مصطلحات براقة وأكثر حداثة مثل “شرق أوسط جديد”[2] تكون فيه “إسرائيل” ركيزة أساسية وعضو طبيعي في المنطقة، ومن أجل قبولها من قبل جيرانها العرب والمسلمين وتحقيق أحلامها في السيطرة؛ ابتكرت الصهيونية وحلفائها المخلصين فكرة ]الولايات المتحدة الابراهيمية[ في سعيها المستمر إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة بشتى الطرق والوسائل؛ وأخذت بالفعل بعقد تحالفات واتفاقيات في شتى المجالات مع الدول العربية بشكل معلن وغير معلن، وتقوم “إسرائيل” بتنفيذ هذه المخططات بدعم كبير من تيار اليمين المسيحي (المسيحية الصهيونية) الذي تعاظم دوره في الادارات الامريكية ووصل ذروته في ادارة الرئيس دونالد ترامب.

بداية الفكرة

بدأت الفكرة في عام 1990 عندما قام سيد نصير المعتقل في الولايات المتحدة بتهمة اغتيال الحاخام مائير كهانا (ما زال معتقلاً لغاية الآن) بطرح فكرة الابراهيمية (أبناء سيدنا ابراهيم) لتشكل قاعدة انطلاق ]لحل القضية الفلسطينية مع “اسرائيل” وامكانية التعايش مع أبناء ابراهيم بسلام[[3]، وقد وجّه نصير عدة رسائل من داخل السجن إلى الحكومات الأمريكية المتعاقبة حتى جاءه الرد من قبل ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بأن رسالتك قد وصلت، وفي بداية التسعينات تحدث جورج بوش الأب عن نظام عالمي جديد قائم على فكرة السلام والدين! وقامت وزارة الدفاع الأمريكية بدعم برنامج دراسات الحرب والسلام والذي يعتبر أن الدين مدخل أساسي لصياغة النظام العالمي الجديد، وأن هذا المدخل ممكن أن يحقق فكرة الاتحاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وكان الهدف الحقيقي من الفكرة هو هدف سياسي، ولكن الهدف المعلن يتم تقديمه  بأنه تقارب بين الاديان وتلاقي تاريخي وثقافي بين الشعوب. [4]

الابراهيمية والدبلوماسية الروحية

قامت الحركة الصهيونية وتيار اليمين المسيحي والحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ سنوات بدعم الفكرة الابراهيمية والعمل عليها وتطويرها من خلال لجنة خاصة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، ومن خلال توفير دعم مالي لمؤسسات مختلفة ومنها مؤسسات أكاديمية؛ وكان لجامعة هارفارد دور كبير في تطوير الفكرة والتي عملت عليها لسنوات طويلة؛ وفي العام 2015 أصدرت وثيقة أرض المسار والمستندة إلى رواية العهد القديم، والمقصود بها رحلة سيدنا ابراهيم في منطقة الشرق الأوسط[5] والتي بدأت من تركيا وصولاً إلى مكة والمدينة المنورة ولمصر، وهذا المسار الذي يشكل خريطة “اسرائيل” الكبرى لغاية اليوم،[6] وفيما بعد قامت جامعة فلوريدا في صياغة الفكرة وتقديمها بشكل آخر حيث تحدثت عن الاتحاد الابراهيمي الفدرالي، وأن الإبراهيمية قاعدة لحل الخلافات القائمة اليوم بين ]أبناء[ ابراهيم[7] ودياناتهم الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام، وذلك من خلال التركيز على القضايا المشتركة في الأديان والابتعاد عن ما هو مختلف عليه!

وعلى سبيل المثال أن الإسلام يعترف بالديانات الثلاث وأن المسيحية تعترف باليهودية وبالتالي فإن المشترك بينهم هي اليهودية،[8] كما أن المشترك بين الأديان الثلاث هي احترام قدسية الاديان،[9] وأن مسار سيدنا إبراهيم والذي يصل إلى عشرة دول تقريباً يشكل تاريخ مشترك بين شعوب المنطقة، مع مراعاة الشعوب الأصلية (المقصود اليهود[10] تحديداً)، ومن أجل تعزيز فكرة ما هو مشترك يجب العمل بطريقة غير تقليدية قائمة على الدبلوماسية الروحية التي تستند على عقيدة جديدة هي ما تسمى عندهم ]العقيدة الابراهيمية[.

“مسار ابراهام الديني” ]المفترض[ والسياسة

هذا المسار يتفق مع خريطة “إسرائيل” الكبرى[11] حسبهم، ويحقق لها إزالة الحدود الموجودة حاليا والتي لم تقم “اسرائيل” بترسيمها بشكل نهائي حتى اليوم، وهذا المخطط يتفق مع تصريحات باراك أوباما عام 2013 حول ما أسماهُ أرض “إبراهام” العالمية! كما تحدث كوشنير أن الحدود السياسية ليس لها قيمة في المستقبل، وفي اتفاق التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين تم تسميتها بالمعاهدة الإبراهيمية (اتفاقية ابراهام) في دلالة واضحة لتبني هذه الفكرة، والتي عبر عنها كوشنير بأنها بداية عهد جديد، ومنذ فترة يوجد تصميم لبيت العائلة الإبراهيمي بمتحف اللوفر في أبو ظبي يجسد هذه الفكرة!

 كما تسعى الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى إنشاء نموذج عقائدي من الأديان الثلاث وبهذا تكون “إسرائيل” كيان طبيعي في هذا النموذج ]هي المركز[12] في الولايات المتحدة الإبراهيمية[المفترضة! يضمن مكانتها ]المهيمنة[ في الشرق الأوسط،[13] ومن أجل نجاح هذا النموذج يجب العمل من خلال الدبلوماسية الروحية على تغيير ثقافة الشعوب، والتركيز على ما يسمونه التاريخ المشترك بينهم[14]، والتخلص من بعض النصوص وتأويلاتها في العقائد! وتعزيز فكرة التعايش بين الشعوب على حساب المدن والأماكن المقدسة، وعلى حساب أن الاحتلال هو الاصل وليس الدين، والعمل على رفض المرجعيات الدينية العريقة واستبدالها برجال دين ليسوا بعلماء دين، ورفض السنة والأثر وصحيح البخاري ومسلم، وتوظيف سياسيين يؤمنوا بالفكرة، ومن أجل تحقيق هذه الفكرة لا بد من اتهام المرجعيات الدينية كالأزهر الشريف وغيرها من المؤسسات الدينية بالتقليدية والرجعية وممارسة التحريض والإرهاب الخ من المسميات.

وأشارت د. هبة جمال الدين استاذة العلوم السياسية أن الصهيونية العالمية تدرك أن استمرار بقاء “إسرائيل” على قيد الحياة في هذه المنطقة العربية مرهون بتغيير عميق في ثقافة شعوبها؛ والذي تعتبر الدولة الاسرائيلية كيانا غريبا ومعاديا لها، ولأن شعوب المنطقة العربية شعوبا كلاسيكية متدينة بالفطرة وتشكل فيها العقيدة الدينية والموروث الثقافي العقائدي الثقافة العامة والجمعية، فإن أى تغيير فى تلك الثقافة الجمعية هو مرهون بتغيير فى العقيدة الدينية لتلك الشعوب، وبالتالي فان إنشاء نموذج عقائدى موازي يبدو أمرا ممكنا خاصة لو كان هذا النموذج نابعا في الأساس من الأديان والمذاهب القائمة على أرض الواقع في المنطقة؛ وهى أديان ومذاهب متقاربة في كثير من المفاهيم الاخلاقية والانسانية؛ وفي أحيان أخرى المفاهيم العقائدية، وهذه الوسائل جميعها تسعى إلى تحقيق الاهداف السياسية، ولكن هذا المخطط تجاهل بالمطلق أنه في المقابل لدى العرب والمسلمين روايتهم الدينية الخاصة التي تختلف في مضمونها وأهدافها السياسية والاخلاقية والتاريخية عن روايتهم ذات الاهداف السياسية للسيطرة على المنطقة العربية وجوارها “الشرق الاوسط”.

“ارض” “اسرائيل”[15] والسلام

المخططات الصهيونية والامريكية التي تدفع باتجاه فكرة الولايات الإبراهيمية لا تهدف إلى تحقيق السلام العادل القائم على قرارات الشرعية الدولية بين “اسرائيل” والدول العربية؛ وبين “اسرائيل” والدولة الفلسطينية[16] بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس، بل تسعى إلى فكرة استعادة ما يسمونه أرض بني “إسرائيل” و”أرض الميعاد”![17] وفي كتاب العودة إلى مكة لآفي ليبكن ضابط الاستخبارات الاسرائيلي السابق أشار إلى أن ارض الجزيرة العربية يجب أن تعود للشعوب الأصلية (بني إسرائيل) حسب ما ورد في العهد القديم[18]، لذلك فالولايات المتحدة الابراهيمية لا تعترف بالحدود الحالية بين الدول، فهي تسعى إلى ضم تركيا وايران و”اسرائيل” في اتحاد فدرالي بزعامة اسرائيلية تركية في المرحلة الأولى على اعتبار أنهما دولتان تمتلكان التقدم العلمي والتقاني (التكنولوجي) والصناعي؛ ولديهما القدرة على ادارة الموارد البشرية والثروات العربية التي لم يحسن العرب استثمارها في السابق، كما أنها لا تعترف بالفكرة القومية والوطنية[19] بل أنها تدعو إلى إنشاء تحالف حول الفكرة الابراهيمية، لذلك فهي لا تعترف بفكرة الأماكن المقدسة أو المدينة المقدسة للمسلمين بل تسعى إلى الغائها، وقد حدث ذلك بالفعل عندما حاولت وكالة الغوث الدولية للاجئين منذ سنوات إحداث تغيير في المناهج الدراسية للمرحلة الاساسية في محافظة القدس واطلاق اسم المدينة الابراهيمية على القدس الشريف وقد ووجهت هذه الخطوة بغضب شعبي أدى إلى إفشال هذه المحاولة، وهناك محاولات سياسية أخرى يتم العمل عليها بصمت للترويج للفكرة الابراهيمية.

ما وراء الفكرة

أصبحت فكرة الولايات الابراهيمية تتفاعل في أروقة صناعة السياسة الامريكية والاسرائيلية منذ سنوات، ويشير مجموعة كبيرة من الباحثين إلى خطورة هذا المخطط، كما أن الحقائق على الارض تؤكد جدية “اسرائيل” والولايات المتحدة في تشكيل نظام اقليمي جديد على أساس الفكرة، وهناك بالفعل تحالف وثيق ومعقد بينهما في هذا الشأن قائم على فكرة عقائدية والتي تظهر مؤشراته في بروز تيار اليمين المسيحي الاصولي في الولايات المتحدة والذي أخذ بالظهور منذ أواسط الثمانينات في القرن الماضي، والذي يعرف بالمسيحية الصهيونية ويتم دعمه من المسيحيين المحافظين والحركة الصهيونية، وقد قال القس المسيحي الاصولي جيري فالويل وهو من ابرز قادة التيار المسيحي الامريكي ” أن من يقف ضد “اسرائيل” فهو يقف ضد الله”، واعتبر “أن دعم “اسرائيل” فرض ديني على كل مسيحي”!

خطورة الفكرة

تكمن الخطورة في محاولة القائمين على الفكرة إلى إعادة تشكيل الوعي الاسلامي والعربي والفلسطيني ليكون أكثر تقبلاً لوجود “اسرائيل” المحتلة بغطرستها، وبما يخدم تنفيذ مخططاتها؛ ويستند هؤلاء إلى شئ من المنطق في روايتهم الدينية ومن خلال إجراء مقاربات دينية وفق تصورهم المريض، كما وتظهر خطورتها في أن ملكية أرض مسار سيدنا إبراهيم في رحلته والذي حل ضيفاَ فيها على مدينة الخليل وأهلها، ليس لشعوب المنطقة وسكانها الحاليين بل هي ارض إبراهيمية عالمية! وقد أكد وليام يوري رئيس مبادرة مسار ابراهام في هذا الشأن أنه لا يوجد ولاء للحدود ويجب أن يكون الولاء للفكرة وبالتالي لا توجد ملكية للاماكن المقدسة، وعلى المستوى السياسي قامت الولايات المتحدة الامريكية من أجل تحقيق هذه الفكرة بطرح كثير من المبادرات والصفقات التي من شأنها أن تنهي قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالعرب وبالحق الفلسطيني؛ كصفقة القرن حيث صرح جاريد كوشنير في “سكاي نيوز عربية” في 28 فبراير 2019 أن هدف صفقة القرن إزالة الحدود السياسية الحالية،[20] وقد أكد الرئيس الامريكي ترامب أن صفقة القرن للمنطقة ككل، وهذا يؤكد أن صفقة القرن بالنسبة لفلسطين قد تكون البداية فقط، فخريطة -ما يسمونه- مسار ابراهيم تقطع المدن الفلسطينية من المنتصف، وهذا يعني أنه لا توجد اراضي فلسطينية وفق هذا المخطط! ومن المخاطر ايضاً تهيئة المناخ الملائم للنظام السياسي الجديد، وهذا يقتضي تحقيق فكرة التطبيع بين الانظمة العربية وشعوبها مع “اسرائيل” من أجل قبول وجود “إسرائيل” في المنطقة، وهذا ما حدث في توقيع اتفاقية ابراهام بين “اسرائيل” من جهة والامارات والبحرين من جهة أخرى.

 وتدعو الفكرة الابراهيمية إلى إعادة قراءة التاريخ وإعادة صياغته بما يضمن قبول ]الشعب اليهودي الاصيل[[21] في المنطقة وبالتالي قبول دور دولة “إسرائيل” الحالية في المنطقة، والعمل على تغيير ثقافة شعوب المنطقة إلى ثقافة جديدة إبراهيمية.

الموقف الاسلامي والعربي

لا يمكن تجاهل الثقل السياسي والديني لاكثر من 1.7 مليار مسلم في العالم، منهم اكثر من 400 مليون عربي، تربطهم عقيدة دينية واحدة وتراث اسلامي عميق وتاريخ يعتز به، وهؤلاء لهم جميعاً عقيدتهم الخاصة التي يؤمنون بها ويرفضون تجاهلها أو إعادة صياغتها وفق رواية الآخرين، فجميع المسلمين والغالبية العربية يؤمنون بسيدنا ابراهيم عليه السلام، ويؤمنون بأنه جد الأنبياء، بالاضافة إلى ايمانهم بكافة الانبياء كما جاء في القرآن الكريم فنحن نؤمن بالدين اليهودي الذي أنزل على سيدنا موسى عليه السلام، ونؤمن أيضاً بالديانة المسيحية التي أنزلت على سيدنا عيسى عليه السلام، ولكن لنا الحق أيضاً أن نقول ما قاله الله تعالى: “مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”.(سورة آل عمران، 67)، وقوله تعالى: “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ”(سورة آل عمران، 19)، والاسلام أيضا يدعونا إلى السلام والرحمة والمحبة واحترام الآخرين والعفو، قال تعالى في سورة البقرة(آية: 109) “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”  وقال تعالى: في سورة المائدة (آية:13) ” فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، والقرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ الاسلامي توجد فيه شواهد كثيرة على تسامح وعفو ورحمة الاسلام والمسلمين بالآخرين.

وفي المقابل لا نستطيع اليوم إنكار الواقع الصعب على المستوى الاسلامي وتحديداً العربي، وحالة من غياب الوعي وانحسار للفكر وتراجع للثقافة وغياب للحالة الديمقراطية البناءة، وضعف الروابط المشتركة للعروبة والمشاعر القومية والمشاعر الوطنية؛ وما تعانيه الأمة الاسلامية والأمة العربية من مؤامرات تسعى إلى تشويهها وإضعافها، وكل هذا ساهم في توليد الصراعات الطائفية[22]وحالة من التطرف لدى بعض الجماعات الاسلامية، وان حالة انعدام الرؤيا في العالم العربي ساهمت في توفير مناخ خصب لحالة من الفوضى والحروب العربية العربية والحروب الداخلية وما يسمى بثورات الربيع العربي؛ والذي من شأنه أن يخدم هذه الفكرة ذات الابعاد السياسية، حيث يصبح أكثر سهولة الترويج لها في ظل هذه البيئة الخصبة غير السوية، فهي المناخ الملائم لدعوة  في ظاهرها تدعو إلى فكرة التسامح والتعايش والتطبيع  في المنطقة؛ وفي باطنها السيطرة الكاملة على مقدرات ومصير 400 مليون عربي. [23]

فكرة الولايات المتحدة الابراهيمية تستند إلى رواية التوراة لدى صهاينة اليهود[24]، وهي رواية من وجهة نظر علم الآثار، وعلماء التاريخ الاجانب والإسرائيليين والعرب، وأيضا من عامة المسلمين محرفة ومنقوصة ولا صلة لها باحتلال فلسطين الذي هو غزو استعماري.

 ونحن المسلمون لدينا روايتنا الخاصة التي نؤمن بمصداقيتها وموضوعيتها وعدالتها والتي تعترف بجميع الأديان وكافة الرسل، وهذا الموقف القائم على الاعتراف بكافة الكتب المقدسة يشكل أساس مقبول لتبني روايتنا والاعتراف بها بوضوح، ويشكل نقطة انطلاق صحيحة للجميع فالدين الاسلامي قائم على الرحمة والتسامح والمحبة، وهذا يتطلب من المسلمين ومنظمة التعاون الاسلامي وكامل هيئاتها وجامعة الدول العربية العمل الفاعل لمواجهة هذه الفكرة الصهيونية من خلال اصدار المواقف الرسمية، وتعزيز فكرة التراث الاسلامي، وتوضيح الموقف الاسلامي من كافة الاديان، فمشكلتنا أرض محتلة وليس نزاع أديان.

 ومطلوب أيضا موقف واضح من المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف الذي يمثل مرجعية دينية عريقة للمسلمين في العالم ولما يمثله للمسلمين من مئات السنين، بالاضافة إلى مجمع البحوث الاسلامي (الهيئة العليا للبحوث الإسلامية)، والحكومات العربية والمنظمات والمؤسسات العربية، حيث أن هذه المؤسسات قادرة على توضيح الموقف الاسلامي الصحيح بعيداً عن التطرف والجماعات التكفيرية وبعيداً عن رجال الدين، وهي مطالبة بالرد على هذه المخططات، وهي مطالبة كذلك بإعطاء علماء الدين المساحة الكافية لشرح الموقف الديني من القضايا الملحة في العالم الاسلامي، والرد على الافكار المشبوهة ذات الابعاد السياسية، ومطلوب ايضاً الرد على محاولات التشكيك في التراث الاسلامي الحضاري والسنة كالمحاولات التي تظهر من وقت لآخر للتشكيك في الصحيحين، ويمكن التوصية ايضاً بتشجيع وسائل الاعلام الموثوقة في الرد على هذه المؤامرات.

 والتعريف بمفهوم الفكر الاسلامي والثقافة الاسلامية وتقديمها بطريقة تليق بها، وابراز مساهمات الحضارة العربية الاسلامية العلمية والحضارية في كافة المجالات ومساهمتها العالمية، وهذا يتطلب خطاب واحد وموقف واحد، لذلك فالمطلوب اقتراح مبادرات واقعية تظهر هويتنا العروبية وقادرة على احداث فرق يساهم في خلق حالة من الاستقرار في المنطقة، وهذا ما ينشده المسلمون والعرب عامة، ففي مقابل هذه المخططات السياسية لا بد من أفكار وخطط قائمة على تحقيق العدالة والسلام اللتين يسعى إليهما الجميع، عدا الاحتلال الصهيوني، وهذا ما نحتاجه في عالم لا يقبل حالة من الفراغ.

الموقف الفلسطيني

الفلسطينيون لا يختلف موقفهم عن الموقف الاسلامي والعربي القائم على تحقيق العدالة والسلم العالمي والاقليمي ولكافة شعوب المنطقة، بالاضافة إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي طال انتظار تطبيقها والخاصة بالقضية الفلسطينية كما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمته في دورة الامم المتحدة في 25-9-2020.

 وما زال الشعب الفلسطيني متمسك في الثوابت الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف وتفكيك المستوطنات وحق العودة والافراج عن المعتقلين تحقيقاً للسلام العادل، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية التي يقوم عليها النظام الدولي الجديد التي طالما تحدثت به الدول الكبرى، وما زال الموقف الفلسطيني ايجابيا ومتعاونا تجاه قرارات الشرعية الدولية، ولكن من الاهمية معرفة أن الفلسطينيين هم من يمتلك مفاتيح الاستقرار والسلام في المنطقة ككل.

 ولكن ما زالت الولايات المتحدة و”اسرائيل” وبعض الدول العربية –بالتطبيع-[25]تتجاهل هذه الحقيقة، ويبدو أن البعض لم يدرك بعد أن محاولات القفز عن الحقوق الفلسطينية مصيرها الفشل، وأنه لن تنجح الافكار والخطط والصفقات التي تتجاوز القضية الفلسطينية، والتي تعيش بمقدساتها وحقائقها في وجدان كافة المسلمين والعرب دينياً ووطنيا وتراثيا وتاريخياً.

على المستوى الداخلي المطلوب فلسطينيا للوقوف أمام هذه المخططات الذي تستهدف وجودنا، إجراء مراجعات وطنية جادة في كافة المجالات وعلى عدة مستويات، واتخاذ خطوات عملية من أجل رأب الصدع الفلسطيني الداخلي وإعادة بناء الثقة بين كافة التيارات الوطنية والاسلامية.

 والبداية التي لا يختلف عليها أحد تبدأ من خلال إجراء انتخابات برلمانية يشارك فيها كافة القوى الوطنية والاسلامية، علماً أن الرئيس محمود عباس دعا اليها أكثر من مرة، ولكن المطلوب إرادة جادة من القوى السياسية الفلسطينية تنطلق من قاعدة المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وليس على قاعدة تحقيق مصالح جهات وأجندات خارجية، حيث ستشكل هذه الخطوة وحدة الموقف الفلسطيني ووحدة القرار الفلسطيني المستقل، وبالتالي وحدة الخطاب الوطني الفلسطيني، كما أنه علينا اتخاذ سلسلة خطوات من شأنها تدعيم وحدة الموقف الفلسطيني الداخلي كالعمل على تفعيل القانون وانفاذ القانون، وتفعيل دور القضاء بطريقة اكبر واتخاذ خطوات أكثر جدية في مجالات الرقابة، وتحقيق التنمية وغيرها من الاجراءات التي ينتظرها الشعب الفلسطيني بفارغ الصبر، كما علينا تعزير المشاعر القومية والعروبة والوطنية ومفاهيم الانتماء والولاء.

في مواجهة “صفقة القرن”[26] ومشروع الضم[27] وفكرة الابراهيمية الصهيونية؛ علينا كفلسطينيين تفعيل العلاقات الفلسطينية العربية والاسلامية والعمل على تطويرها، وتنسيق مواقفنا مع كافة الدول الصديقة ومنها الصين وروسيا وأوروبا، كما علينا الرد على محاولات النيل من مقدساتنا الاسلامية وتحديداً في القدس والخليل، واظهار روايتنا الدينية والوطنية والسياسية، ورؤيتنا الابراهيمية الاسلامية الخاصة، وموقفنا من فكرة الشرق الأوسط الجديد، وتحديد مواقفنا بوضوح من كافة هذه المحاولات التي تستهدف إعادة صياغة تاريخنا وتراثنا.

 وفي رأيي الشخصي علينا أن نبرز روايتنا العادلة بالبعد الديني والتاريخي إلى جانب البعد السياسي والوطني والقانوني لدعم قضيتنا الفلسطينية العادلة، وهذه المسارات المتنوعة ستعمل على تعزيز موقفنا الذي ينشد السلام الحقيقي[28] في مقابل رواية دينية تضليلية مقابلة يتزعمها اليمين المسيحي والصهيونية التي وظفت دولة عظمى لتكون أسيرة التعصب في خدمة أفكارها الاستعمارية الاحتلالية التوسعية والعنصرية المناهضة للشعوب.

انتهى

[1]  د.كمال سلامة هو مدير جامعة القدس المفتوحة في أريحا. أستاذ جامعي وكاتب ومحلل سياسي ومدرّب، ومن الكوادر المتقدمة  في حركة فتح، عضو مجلس الإدارة في أكاديمية فتح الفكرية (اكاديمية الشهيد عثمان أبوغربية)، وعضو لجنة التعبئة الفكرية في حركة فتح.

 [2] مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” لشمعون بيرز، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، وهو عنوان كتابه الذي ترجمته الدار الأهلية للنشر في عمان عام 1994م. اما مصطلح الشرق الأوسط ذاته حسب الموسوعة الحرة، فإن أول استخدام له، لمصطلح الشرق الأوسط كان في خمسينيات القرن التاسع عشر في مكتب الهند البريطاني (British India ffice). إلا أن المصطلح أصبح معروفاً على نطاق واسع عندما استخدمه الخبير الاستراتيجي في البحرية الأمريكية ألفريد ثاير ماهان في عام 1902 لتمييز المنطقة الواقعة بين شبه الجزيرة العربية والهند لأهداف استعمارية.

[3]  كلّه فكر مضلّل بما فيه فكرة “أبناء ابراهيم” الفاسدة، ومحاولة امبريالية استعمارية صهيونية للخلط المتعمد خاصة لدى الجهلة في أمتنا، لإظهار أن محتلي فلسطين العربية من هؤلاء وما هم من ]أبناء ابراهيم[، ولا من بني إسرءيل (يقترح د.زياد منى رسمها بهذا الشكل إسرءيل تمييزا عن إسرائيل اليوم) القدماء المندثرين، لا عرقيا ولا وراثيا-جينيا ولا قوميا. بل أن محتلي بلادنا فلسطين اليوم هم من قبائل ثم شعوب وقوميات متعددة اعتنقت اليهودية كديانة أكبرها من القومية الخزرية وسط آسيا والاوربية. لذا لا علاقة للنبي يعقوب، ولا علاقة لقبيلة إسرءيل القديمة بمحتلي فلسطين اليوم. اما الانتساب الروحي-الديني لتراث ما فلا يؤهل بتاتا للاحتلال أو ادعاء ملكية مكان حصول هذه الحدث التراثي أو ذاك. فكما لا يحق للماليزي المسلم او الصيني المسلم المطالبة بمكة والمدينة او الانتساب لقريش، لا يحق لمعتنق الديانة اليهودية من أي قومية كان الادعاء بامتلاك ذرة رمل من فلسطين. أوغيرها. او الانتساب القبلي الوراثي القومي للنبي يعقوب أو القبيلة المندثرة.

[4]  فكرة التقارب الديني بين الديانات الثلاث بالعمق الاستعماري المهيمن جاءت في ظل تعميق الخلاف الديني بين الشيعة والسنة في منطقتنا العربية الاسلامية، بشكل أقحم المذهب في كل تفاصيل الصراع بدلا من أن يكون ذو وجهة بعدو واحد وواضح هو العدو الصهيوني الذي هو من يكرّس العداء للامة ليس للبناء الديني للمحتلين، بأنهم يهود، وإنما بكل وضوح وبلا لبس لمنطق الاحتلال والاستعمار والعنصرية مضافا اليه السعي ضمن الفكر التوسعي الاستعماري للهيمنة والسيطرة والتمدد. (ل.ت.ف)

[5]  نلاحظ استخدامهم لمصطلح “الشرق الأوسط” على تاريخ قديم! لم يكن فيه مثل هذا المصطلح بتاتا، وانما كانت المنطقة واضحة أنها منطقة عربية، وفي سياق المصطلحات التاريخية المعتمدة القديمة، لذا يجيء عكس مصطلح جديد على سياق قديم لتصوير أنه ما كان عربيا حتى بالزمن القديم.

[6]  طبعا هذا المسار التوراتي الخرافي المفترض لابراهيم التوراة، لا صلة له بالحقيقة العلمية التاريخية الآثارية، فلم يثبت البتة، كما لم يثبت من خرافات التوراة بما يسمى “الوعد” الذي يسحبونه على أنفسهم اليوم!؟ وكأن المولى عز وجل تاجر أراضي او عقارات وطابو، جل وعلا. وإنما ورد ذكر هذا المسار المشكوك فيه جغرافيا فقط في التوراة التي لم تعد ذات قيمة ككتاب تاريخ. عدا عن أن الانتساب الروحي لإبراهيم ابوالانبياء عليه السلام أي كانت جغرافيا جولته لا يعطي لأحد حق باحتلال فلسطين، عوضا عن ان ابراهيم عليه السلام كان مسلما حنيفيا.

[7]  مصطلح تضليلي كليا (أبناء ابراهيم!؟)، فلا أحد يعرف حقيقة الانتساب هذا علميا، أما الانتساب الروحي لأي كان فلا صلة له بحقائق الأرض: هناك احتلال يجب أن يزول.

[8]  المقصود هذا افتراضهم، وهو افتراض غير صحيح، فالديانة اليهودية الناشئة في مراحل متقدمة من التاريخ التوراتي هي الديانة التي أشار لها القرآن الكريم بوضوح بالتحريف والكذب والتزوير مرارا وتكرارا، وهي الرواية التي لا يشكل فيها المشترك التاريخي مع القرآن الكريم الا نسبة ضئيلة من حجم المتناقض والمختلف عليه، مما ادعاه كتبة التوراة. وجاء القرآن الكريم ليفضح كذبهم ويعدل بالروايات كلها. فما هو بالقرآن الكريم من روايات الأنبياء واضح ودقيق ويتناقض في كثير من المواضع مع اكاذيب التوراة وخرافاتها التي لم تجد صفة سيئة الا وألصقتها بالانبياء جميعا بما فيهم ابراهيم مقابل تنزيه القبيلة (قوم إسرئيل القدماء). ل ت ف

[9]  لو كان الإسرائيليون اليوم الذين يدّعون وراثة القديم اليهودي يحترمون الديانات! لما دمروا مئات المساجد والمقابر الإسلامية في فلسطين عند اغتصابها وحتى اليوم، ولما دنسوا المسجد الأقصى= 144 ألف متر مربع ممثلا كل مادار حوله السور، ولما عملوا على اقتسامه كما هو حاصل باقتحاماته المتكررة، في مقدمة للاقتسام المكاني ثم هدمه وإقامة الهيكل الموهوم، ولما شقوا المسجد الابراهيمي نصفين، وهو ليس لليهود بل بناه المسلمون بالعهد المملوكي، وهو الحرم الذي ارتكبوا في داخله أفظع جرائم العصر، ولما اطلقوا عى غير اليهود (الغوييم/الأغيار) كصفات الفحش والاحتقار حتى اليوم…الخ. ل ت ف

[10]  ذات الخلط المقصود دوما بين (اليهود) و(إسرءيل) القديم، و(اسرائيل) اليوم. فاليهودية ديانة كانت ومازالت تعتنقها كافة الشعوب (كانت ديانة مفتوحة ثم اغلقت في عصورلاحقة، وان كان هناك حتى اليوم في دولة الكيان حاخام خاص بالتهويد). ولم يكن اليهود مطلقا شعبا بل جماعة دينية كما المسيحية والاسلام. أما إسرءيل القديمة فهي قبيلة مندثرة كقوم عاد وثمود وتبع وقوم نوح….الخ. واما محتلي فلسطين اليوم فيحاولون بانتسابهم الروحي-الديني للقبيلة القديمة المندثرة، وبانتسابهم للديانة اليهودية روحيا إسقاط أحداث تاريخ التوراة المزور وكانه حصل بالامس فيعطي هؤلاء المستعمرين لأنفسهم أحقية في فلسطين- ل ت ف

[11]  خريطة “إسرائيل” الكبرى المدعاة فيها خلاف ولغط تاريخي كبير حيث لم يثبت بدقة وجود إمارة موحدة للقبيلة القديمة. كما أن ذات الإمارتين (يسمونها تعظيما مملكتي اسرائيل ويهودا) مختلف على موقعهما الجغرافي في فلسطين أو اليمن القديم، عدا عن انقطاع صلة هؤلاء القوم اليوم وراثيا بأولئك القوم المندثرين القدماء. وما يمكن بشأنه الرجوع للبحاثة والمفكرين والعلماء أمثال طوماس طومسون وكيث وايتلام والعرب أمثال فرج الله صالح ديب وأحمد الدبش وكمال الصليبي وفاضل الربيعي (من المدرسة الجغرافية اليمنية)، وعلاء أبوعامر وعزالدين المناصرة وزياد منى وفراس السواح وفؤاد عباس وحسني الحايك…الخ (من مدرسة الجغرافيا العربية الفلسطينية).وأيضا لعلماء الآثار الإسرائيليين أنفسهم امثال زئيف هرتزوغ وإسرائيل فنكلستاين ونيل أشر سبيلبرغ، وأيضا شلوم وساند في كتابيه الهامين : خرافة الشعب اليهودي وخرافة أرض إسرائيل…والكثير. ل ت ف

 [12]وكيف لا تكون “إسرائيل” المركز؟ وصيغة الابراهيمية التضليلية تنسب للديانة اليهودية الحالية واستغلالها سياسيا أنها الأصل! بين كافة الديانات المختلفة عن اليهودية أصلا، خاصة بتفسيرها وتاويلاتها الاستعمارية الصهيونية السياسية. والمصطلح بحد ذاته أي الولايات المتحدة الابراهيمية المفترض لم يتم استخدامه رسميا حتى الآن ولكنه حسب المؤلف بطريق التطبيق على الواقع الفعلي أي بالإقرار بمرجعية “إسرائيل” وهيمنتها على كل دول المنطقة العربية والجوار. ل ت ف

[13]  كتب أول رئيس وزراء ل”إسرائيل” ديفيد بن غوريون، في مذكراته: «إسرائيل تؤمن أن قوتها ليست في امتلاكها للسلاح النووي، وإنما في تفتيت ثلاثة جيوش عربية كبري وهي (العراق، وسوريا، ومصر) وتحويلها إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية»، منوهًا إلى أن «تل أبيب تؤمن بأن نجاحها في ذلك لا يعتمد على ذكائها بقدر ما يعتمد على جهل الطرف الآخر وغبائه وعمالته»- ل ت ف

[14]  وهم وخرافة الشعوب المرتبطة بأديان بالمنطقة، ووهم أنها “شعوب” وأنها أصيلة فيها! المقصد منها كما يقول الكاتب محقًا محاولة إدماج أتباع اليهودية بصفتهم شعب قديم جديد!. وهذا الادماج بالطبع غير صحيح في المنطقة لأنه يقفز عن حقائق التاريخ أولا بفرضية صحة التوراة فقط التي سقطت ككتاب تاريخ، ويقفز عن النقائض الدينية التاريخية ثانيًا، ويقفزعن أصل المشكلة/ القضية في المنطقة التي ما هي بدينية بل باحتلال أرض، باحتلال أرضنا فلسطين العربية، ولا علاقة للديانة بالموضوع الاحتلالي الاستعماري المناقض لكل الشرائع الدولية. ل ت ف

[15]  أنظر كتاب الإسرائيلي “شلومو ساند” المعنون خرافة أرض إسرائيل، فلا أرض كانت بهذا الاسم ولا يحزنون، وكانت أرض كنعان جليّة، وأرض فلسطين ساطعة على الأقل منذ جاء ابوالتاريخ “هيرودوت” في القرن5 قبل الميلاد وحدد الاقليم بوضوح المسمى فلسطين. ولم يجد اي شيء من روايات التوراة الخرافية.   وأنظر للمفكر الإسرائيلي أيضا: “إيلان بابيه” بكتابه: «عشر خرافات عن إسرائيل» ، ومن الخرافات العشرة التي يذكرها أن “فلسطين كانت أرضا فارغة”، وأن “فلسطين كانت أرضا بلا شعب”، ويشير لتحوير الديانة اليهودية لأسباب استعمارية أولا واستراتيجية لاحقا، كما يشير لخداع الإسرائيليين أنفسهم بالأساطير التضليلية حول  الحق الديني في الأرض، الفلسطينية.

[16]  في الاعلام الصهيوني الإسرائيلي المضلل بطبيعته، والذي يجترح روايته بدعم الفكرالاستعماري الديني التاريخي البريطاني ومن ثم الامريكي يرسم الفكرة ويحفر الخنادق حولها ثم يسورها فتصبح صعبة المنال أوعصية على الاختراق ثم صعبة النقض والتحطيم. لا سيما وقدرة الاجتزاء والتحريف الالمعية التي تمتع بها كهنة اليهود الذين سطروا التوراة، ومن سار على دربهم من أتباع المذهب المسيحي/البروتستانتي منذ القرن 16 بالانحراف نحو التوراتية. فيما أصبح لاحقا بأحد تجلياته بالمذهب أو بالكنيسة الانجيلية-الصهيونية التي تؤمن بخرافات التوراة وعودة المسيح/ المسياه عبر إقامة دولة “إسرائيل”. والى ذلك يلاحظ في الاعلام التضليلي الصهيوامريكي أيضا عدم ذكر كلمة فلسطين أو أرض فلسطين، وانما يذكر الفلسطينيون، الفلسطينيين، الفلسطينية أي منسوبين لفلسطين المبهمة! وذلك لأن الأسم مجردا أي فلسطين يعطي الدلالات الثلاث وأكبرها وأهمها الأرض، ثم الشعب، ثم الدولة أو السلطة اوالحكومة. لذا نحن نفضل الكتابة عن الإسرائيلي منسوبا أو بنعته دولة او كيان الاحتلال او على الأقل ذكر دولتهم اليوم بين قوسين “إسرائيل” حتى تصبح فلسطين عينا. ل ت ف

[17]  لا يوجد أرض لتكون وعدا من الله لأحد كمكافأة أبدية، لأن قيمة الانسان عند الله فيما يعمل. في علاقة ذاتية شخصية وليست جماعية. ما يقطع بزيف فكرة الوعد منطقيا ودينيا عدا عن زيفها تاريخيا وصلتها التي تتعدى الزمن. (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)-صدق الله العظيم، ولتفاصيل اكثر يمكن مراجعة بكر أبوبكر في كتابه فلسطين وأساطيراليهود والقرآن الكريم.

[18]  لا ينفكون الإشارة لأتباع الديانة اليهودية بمسمى “شعب”!؟ ولا يوجد شعب بوذي ولا مسيحي ولا هندوسي…الخ ولا يهودي قطعا، ويربطون بين القبيلة المندثرة بالجدد المحتلين من شتى شعوب وأمم الأرض التي اعتنقت الديانة اليهودية.

[19]  ومن حيث أصاب الكاتب فإن الانعزاليين العرب اليوم الذين يطبلون للتطبيع يتخذون من تحقير الوطنية والقومية مدخلا لهم لركوب موجة ما أسماه الكاتب الولايات المتحدة الارامية او الابراهيمية. ل ت ف

[20]  ومما يدركه الجميع أن أي فكرة سياسية للدول الحاكمة والمسيطرة على العالم لا تأتي من عبث، وإنما تأتي لغرض تواصل هيمنتها وسطوتها بل وتمددها، فالسياسة لديها ليست أخلاقا فاضلة ولاتوزيع هبات ولا حقوق إنسان، لذا فإن تضعيف أهمية الحدود السياسية والمعالم الدينية، وخلطة (كوكتيل) الاديان يأتي في مصلحة الأقوى عسكريا واقتصاديا وسياسيا ونفوذا عالميا، بمعنى آخر لو كان الخير هو المقصد لكنت المنطقة خلوا من الأسلحة النووية مثلا، ولكانت خالية من الاحتلال الصهيوني، ولكانت المنطقة تتعاون في الانتاج التقاني/التكنولوجي ولا تحتكره الدولة الإسرائيلية…الخ- ل ت ف

[21]  لا يوجد كما ذكرنا “شعب” يهودي تاريخيا، وهو ما حاول “نتنياهو” أن يفرضه بالقانون من خلال: قانون القومية اليهودية العنصري عام 2018. ومن الناحية السياسية البحتة يمكننا القول أنه تشكل في فلسطين المحتلة عام 1948 دولة اسمها سياسيا”اسرائيل” في جزء من أرض فلسطين، وفي سياق التعريف العلمي هناك تشكّل لما يمكن تسميته “الشعب الإسرائيلي”، أو “الشعب الفلسطيني-نسبة للأسم الأصلي للأرض وليس للدولة القائمة حاليا”، من المواطنين اليهود والمواطنين الفلسطينيين العرب- ل ت ف

[22]  من الواضح أن من أذكى النزاع الطائفي الإسلامي اليوم هي القوى المهيمنة على العالم، وبلا شك بتفرقنا وعمانا عن رؤية الاولويات كأمة عربية او إسلامية. كانت البداية منذ الغزو الروسي لأفغانستان عام 1979م، (نفس عام توقيع اتفاقيات كامب ديفد، والثورة الاسلامية الايرانية) مع التيارات الاسلاموية المتطرفة وبعض البلدان العربية ، ثم كان أن استخدمت “البعبع” الاسلاموي عدوا قدمته بأفظع حلله بالقاعدة وداعش..الخ، الى أن تم استنفاذ الغرض منه، فكان لا بد أن يظهر النزاع الطائفي الشيعي السني، لا سيما وتساوق الفكر المهيمن لدى السادة الايرانيين، ومن هكذا واقع مهدت له الامبريالية الامريكية والصهيونية تصبح الافكارالمهزلة مثل”الابراهيمية” قابلة للتبني من قبل الانعزاليين العرب وأصحاب العروش الذين خلت عقولهم من المعرفة الاولية فكيف بما هو أشد وطاة ويحتاج لعميق تفقه لا يتقنونه ولا يرغبونه!- ل ت ف.

[23]  تمامًا، وتحليل عميق. ففكر الهيمنة لا قيمة للاخلاق والفضائل والسلام والعدالة والحق عنده والا لكانت فلسطين في الحد الادنى حسب التقسيم الظالم عام 1948 قد تجلت دولة، وها هي على 22% من مساحة فلسطين تتوكأ على أكتاف أمة تخلت عن أحمالها بالانعزالية العربية والتطبيع.

[24]  يهود الديانة اليوم يعتبرون (التناخ) كتابهم المقدس، وهو ما يسمى العهد القديم لدى المسيحيين، وتشتمل التناخ على القسم الاول وهو التوراة أي الأسفار الخمسة الاولى، ثم ما يلحقها من أسفار أخرى بقسمين رئيسين هما أسفار الأنبياء، ثم الأناشيد (ت ن خ) بإجمالي 39 سفرا أي 39 كتابا. ومن المعلوم أن الطائفة السامرية في فلسطين (المنسوبة للديانة الحقة بنظرهم المرتبطة بقدماء بني إسرائيل تعترف فقط بالأسفار الخمسة الاولى وبنسخة لا تتطابق مع ما هي لدى اليهود). اما الديانة المسيحية وفي مرحلة متأخرة فضمت للكتاب المقدس هذه التناخ فيما أصبح لدى المسيحيين ما يسمى الكتاب المقدس بشقيه العهد القديم أي التناخ والعهد الجديد أي الاناجيل.

[25]  يكتب د.خليفة ناجي الدهان في مركز أمية للدراسات أن:التطبيع هو المؤامرة التي تهدف إلى إضعاف الأمة العربية وتقسيمها إلى دويلات، وإبادتهم جميعًا من خلال مختلف الوسائل العسكرية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية. إن مرتكبي المؤامرة هم (أمريكا، والغرب، وبعض الدول العربية المنافقة. والخطر الأكبر هو من هؤلاء المنافقين الذين يتواطؤون مع جهات سياسية فاعلة في العالم الغربي لتدمير العرب والإسلام.

[26]   الموقف الفلسطيني الصلب للرئيس محمود عباس، والشعب الفلسطيني ومن ورائهما أحرار الأمة والعالم كافة، ضد “صفعة القرن” كما أسماها الرئيس أبومازن، صاحب اللاءات التي سدّت عين الشمس عن “ترامب” أزعج هذا الموقف الإدارة الامريكية المتحالفة دينيا واستراتيجيا مع الاحتلال الصهيوني، فأخرجها عن طورها بممارسة كل محاولات التفتييت لهذا الموقف بسياسة العصا والجزرة والضغط على هوامش الامة وانعزالييها، وبعض دولها الخائفة والواجفة حيث وجدت ضالتها، ولكن ظل الموقف الفلسطيني من أرض فلسطين والدولة كالدود الشامخ. ل ت ف

[27]  مشروع ضم الضفة الغربية -التي يمتنعون عن تسميتها هكذا بل يلجاون للاسم المزور التوراتي أي يهودا والسامرة- هو مشروع يمثل بالحقيقة نهاية ما يسمى الكيان/الدولة في مشروع التصفية للقضية الفلسطينية في ورقة ترامب، سواء ابتدا بضم أجزاء أو فقط المستوطنات/المستعمرات، او كل الضفة باستثناء المدن، فهو بأي صيغة يعبر عن الفكرة الصهيونية المتمثلة بالمعازل/الغيتوهات الفلسطينية التي لم ينفك العقل الصهيوني المهووس بالمعازل يتداولها مقرونة بحلم التهجير للفلسطينيين وتفريغ أرض فلسطين لهم، وصولا لحلم “إسرائيل” الكبرى التي تضم كل بلاد الشام واجزاء من العراق وتركيا ومن مصر والكويت والسعودية، سواء سياسيا او جغرافيا او اقتصاديا او كلها معًا.ل ت ف

[28]  في كتيب للقائد العروبي الفلسطيني هاني الحسن اوضح أن ثقافة السلام تقوم على ركائز: الاعتراف والتعايش والعدالة والندية، التي بدونها يصبح السلام بين منتصر وذليل.-ل ت ف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى