ترجمات أجنبية

الواشنطن بوست – لماذا سيكون 2019 عاما صعبا على الشعوبيين

الواشنطن بوست –  داليبور روش* – 27/12/2018

ثمة شبح يطارد العالم الغربي بلا هوادة -شبح الشعوبية. وفي هذا السياق، تضع جاذبية البرامج السياسية المثيرة للانقسام “الناس العاديين” ضد النخب الخادمة للذات وفاقدة اللمسة، التي كانت في صعود منذ عقود عدة. وقد أدت الأزمة المالية في العام 2008 والموجة الفوضوية من طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى شواطئ أوروبا في الآونة الأخيرة إلى تسريع هذا الاتجاه. ومع ذلك، قد يكون 2019 هو العام الذي تشرع فيه الثورة الشعبوية في الخفوت.

أولاً، كلما مارس الشعبويون السلطة أكثر، كلما أصبحت التكاليف التي تفرضها الشعوبية أكثر وضوحاً. في بريطانيا، أثار احتمال اختبار “بريكسيت صعب” فوضوي شعوراً بالذعر وردّة فعل قوية بين المحافظين، مما قد يعطي فرصة حياة جديدة لاتفاق رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، الذي يواجه الكثير من النقد مع الاتحاد الأوروبي. وحتى إذا خسرت ماي التصويت البرلماني الوشيك على اتفاقها، فإن فكرة إجراء استفتاء ثانٍ تتمتع بتأييد أوسع بين البرلمانيين البريطانيين من القبول بخروج منهك من الاتحاد الأوروبي.

وفي الولايات المتحدة، حتى لو بدا الاقتصاد في الوقت الحالي موضع تركيز الرئيس ترامب، فإن حروبه التجارية لم تكن “جيدة وسهلة الكسب”. وعلى سبيل المثال، كلفت تعريفة الصلب والألمنيوم شركة “فورد موتور” وحدها خسائر تقدر قيمتها بنحو مليار دولار من الأرباح. ووفقاً لمؤسسة الاتحاد القومي لدافعي الضرائب، فإن العبء الإجمالي للتعريفات الجديدة على المستهلكين في الولايات المتحدة يتجاوز الزيادات الضريبية التي رتبها قانون الرعاية الميسرة الذي اقترحه الرئيس باراك أوباما.

قد تكون التقلبات الأخيرة في السوق تصحيحاً غير ضار للوفرة السابقة -لكنها قد تعكس أيضاً التوقعات بحدوث تباطؤ اقتصادي مقبل. وكما يتضح من هجمات الرئيس ترامب على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي والمكالمات الهاتفية من وزير الخزانة، ستيفن منوشين، إلى كبار المسؤولين التنفيذيين في البنك، فإن هذه الإدارة تبدو سيئة التأهيل بشكل استثنائي لتلمس الطريق والملاحة في بيئة اقتصادية أكثر اضطراباً.

ثانياً، على الرغم من الجدل الأخير حول الاتفاق العالمي للأمم المتحدة من أجل هجرة آمنة ونظامية ومنظمة في عدد قليل من البلدان الأوروبية، وعلى الأخص في بلجيكا، فإن بروز الهجرة كمسألة انتخابية آخذ في الانخفاض. وقد تباطأ نمو السكان المولودين في الخارج في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، في جزء منه كرد فعل على سياسات ترامب، ويبدو الدعم الشعبي للهجرة في الولايات المتحدة أقوى الآن مما كان عليه منذ عقود، حيث قال 75 % من الأميركيين إن الهجرة هي شيء جيد.

كما أخذت المواقف البريطانية تجاه الهجرة تلين منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وحتى في ألمانيا، حيث حصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي على دفعة كبيرة خلال أزمة اللاجئين، فإن عملية دمج طالبي اللجوء السوريين هناك تسير بشكل أفضل مما كان يتوقعه المعظم، فيما يعود الفضل فيه، جزئياً، إلى نظام التلمذة الصناعية الكفؤ في البلاد والتدريب المهني المرن. ومع إثبات السياسيين الرئيسيين أنهم راغبين -وقادرين على- التحكم في تدفقات الهجرة، فإن أفق قيادة ثورة شعبوية ضد “الحدود المفتوحة” آخذ في التقلص.

ثالثًا، على النقيض من الحكمة التقليدية السائدة، فإن الشعوبيين ليسوا جيدين في قيادة الأغلبيات الشعبية. وقد حصل حزب فيكتور أوربان، فيديسز، على أكثر من 50 في المائة من الأصوات الشعبية في هنغاريا مرة واحدة فقط في العام 2010. وتجيء أغلبياته البرلمانية الفائقة في الآونة الأخيرة نتيجة للنظام الانتخابي المفصل على مقاس احتياجات الحزب. وبالمثل، فإن جاذبية دونالد ترامب -الذي من المعروف أنه خسر التصويت الشعبي لصالح هيلاري كلينتون- خارج “أميركا الضيقة” المكونة في أغلبها من الأميركيين البيض والذكور والريفيين، تظل محدودة للغاية. ولا يبشر هذا بالخير، بطبيعة الحال، بالنسبة لمستقبل حزب جمهوري مصبوغ بصبغة ترامبية.

في المقابل، هزم إيمانويل ماكرون، بشكل واضح، خصومه الشعبويين في الانتخابات الفرنسية في العام الماضي. وإذا كان دعمه قد تأثر منذ ذلك الحين فيما يرجع بشكل أساسي إلى الإصلاحات التي تبناها والتي لا تحظى بالشعبية، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن إعادة لانتخابات العام 2017 لن تؤدي في الواقع إلى نتائج مختلفة بشكل كبير، بخلاف إعادة توزيع أوَّلي للأصوات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في الجولة الأولى.

ربما سيبدأ البندول بالتأرجح أيضاً في الشرق. فعلى الرغم من الطقس البارد وموسم الأعياد، شهدت المجر مؤخراً احتجاجات كبيرة ضد مجموعة من السياسات الحكومية. وفي انتخابات العام المقبل في بولندا، من غير المرجح أن يحتفظ حزب القانون والعدالة بأغلبيته البرلمانية الحالية. وفي اليونان، التي من المقرر أن تنتخب برلماناً جديداً في العام المقبل، يتصدر حزب الديمقراطية الجديدة الإصلاحي من يمين الوسط الاستطلاعات بقوة.

لا يعني أي من هذا أن السياسة على جانبي الأطلسي على وشك العودة إلى خطها الأساسي لما بعد الحرب العالمية. وسوف تحدد الانقسامات الجديدة التي يستغلها الشعوبيون -بين الناخبين في المناطق الحضرية والريفية، والرؤى حول مجتمع مفتوح في مقابل مجتمع مغلق- السياسة الديمقراطية لسنوات طويلة قادمة. ومن المؤكد أن اليمين الشعبوي واليسار الشعبوي سيحققان مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر إجراؤها في أيار (مايو)، وفي الولايات المتحدة، ساعد تعصب ترامب على تنشيط الجناح الاشتراكي والمدفوع بسياسات الهوية في الحزب الديمقراطي.

ومع ذلك، ومع هبوط الانتماء الحزبي في الولايات المتحدة قياساً إلى العقد الأول من الألفية، لن يكون من المبالغة تصوُّر أن لا تروق سياسة متطرفة مفرطة في الاستقطاب لـ”الأغلبيات الصامتة” في الولايات المتحدة أو أوروبا. وسوف يتمثل تحدي العام 2019 في منح هؤلاء الناخبين صوتا والتقدم إليهم بأجندة سياسية مقنعة، وهو ما قد يعيد تنشيط ديمقراطياتنا وتعزيزها.

*زميل بحث في معهد أميركان إنتربرايز في واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى