ترجمات أجنبية

الواشنطن بوست – في أفغانستان.. صيف مليء بالألم في الانتظار

الواشنطن بوست  –   بقلم ديفيد اغناتيوس * –  23/6/2021

بينما تتجه القوات الأميركية نحو الخروج في أفغانستان، تبدو قائمة الخيارات السياسية لمنع نشوب حرب أهلية مدمرة أخرى في البلد هزيلة إلىحد محبط. وتقدم مجموعة من المقالات التي تُنشر في البلد لمحة عن العذاب الكامن في الانتظار.

في شمال أفغانستان، تفر المقيمات في ملاجئ النساء المعنفات أو المشردات تحسباً لنشوب قتال بين طالبان والحكومة، كما تقول آني بفورتسهايمر، الدبلوماسية الأميركية المتقاعدة التي خدمت جولتين في كابول، والتي تدير الآن مجموعة تسمى “نساء من أجل المرأة الأفغانية”. ولا تناقش الوجهات التي تذهب إليها هؤلاء النساء خوفاً من أن تعريضهن للخطر.

ويقول سعد محسني، الذي تدير مجموعته الإعلامية، “مجموعة موبي”، الأكبر في أفغانستان تلفزيون تولو، إن الصحفيين الأفغان الشباب في كابول يظلون “رواقيين وشجعانًا” أثناء تغطيتهم لأحداث الفوضى. ويكتب في أحد النصوص: “الصحفيون لديّ يحملون آلام البلد مكتوبة في وجوههم”.

ويقول ديفيد سيدني، الذي أمضى معظم العقدين الماضيين كمسؤول في البنتاغون يتعامل مع أفغانستان، “إن المزاج العام (في الجيش الأفغاني) تجاه الولايات المتحدة يتدهور كل ساعة”، بينما يشاهد الجنود الانسحاب السريع للقوات الأميركية والمتعاقدين. ويضيف: “مع تعمُّق التداعيات الكاملة لتخلي الولايات المتحدة عن أفغانستان، تتحرك الديناميات التي يمكن أن تقود إلى العديد من الاتجاهات، والتي كلها تقريبًا سيئة”.

يبقى قرار الرئيس بايدن بسحب القوات الأميركية من أفغانستان بعد عقدين من الحرب مفهوماً، لكنَّ هذا القرار يبعث على الإحباط لدى هؤلاء الأفغان. ولعل ما يصعب على الأفغان فهمه هو سبب قيام بايدن بسحب القابس بهذه السرعة، مع القليل من التخطيط الواضح لما سأتي بعد ذلك. وكان يمكن أن يكون ترك القوة المتبقية المتواضعة المؤلفة من 2500 جندي أميركي هناك لفترة أطول وسيلة منخفضة التكلفة للحفاظ على الوضع الراهن المهتز.

بدلاً من ذلك، لدينا “تفكك سريع” للوضع، وفقًا لما ذكره فريدريك دبليوكاجان، أستاذ التاريخ العسكري السابق في “ويست بوينت”، الذي قدم الاستشارات لثلاثة قادة أميركيين في كابول. الآن، تتقدم حركة طالبان، المنتشية بالنصر الوشيك، نحو عواصم المقاطعات الكبرى. والجيش الأفغاني ينهار في الكثير من المناطق. وفي ظل هذا الفراغ، أصبحت الميليشيات العرقية والعصابات الإجرامية هي مزود الأمن الوحيد المتاح لسكان مصابين بالذعر.

الفرصة الأخيرة المتبقية أمام بايدن لإنقاذ بعض هذا الحطام هي الزيارة المقرر أن يقوم بها الرئيس أشرف غاني إلى واشنطن. وهو لا يستطيع أن يقدم القوة العسكرية الأميركية لغاني -لقد فات الأوان على ذلك. لكنه يستطيع تقديم تعهد بتقديم دعم مالي ودبلوماسي ربما يسمح لحكومة غاني بتجنب الانهيار التام. ويمكنه حشد الإجماع الدولي -الذي يضم روسيا والصين وباكستان وإيران- للوقوف ضد سيطرة طالبان العسكرية على كابول.

كان بايدن يأمل في التوصل إلى اتفاق سلام بين الأفغان قبل مغادرة القوات الأميركية. لكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك، إلى حد كبير لأن حركة طالبان المنتصرة تباطأت في القدوم إلى المفاوضات. لن يأتي حل النزاع -سواء كان ذلك في ساحة المعركة أو عن طريق المفاوضات- إلا بعد مغادرة القوات الأميركية. ويبدو أن قادة طالبان مذهولون من سرعة تقدمهم هم أنفسهم. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم شرعوا في إرسال رسائل غير معلنة إلى الأميركيين حول الحقائق الدنيوية للحكم، مثل تشغيل السدود أو الحفاظ على شبكة الكهرباء.

يقول كاجان: “لا أعتقد أن الرئيس فهم مدى خطورة الوضع” عندما أعلن في 14 نيسان (أبريل) أنه يعتزم سحب جميع القوات الأميركية من البلد بحلول 11 أيلول (سبتمبر). وجاء تعهد بايدن بسحب القوات العسكرية الأميركية مع بدء موسم القتال الأفغاني. وقد استولى متمردو طالبان الهائجون على حوالي 50 عاصمة من عواصم المقاطعات بعد الأول من أيار (مايو)، لكنهم امتنعوا عن الاستيلاء على عواصم المقاطعات الكبرى، مثل قندهار أو جلال آباد، ربما لأنهم يخشون الانتقام الأميركي، أو ربما لمجرد أن قواتهم أصبحت مفرطة في التمدد.

على الرغم من أن القادة المدنيين والعسكريين في البنتاغون عارضوا قرار بايدن على نطاق واسع، فإنهم تحركوا لتنفيذه بسرعة وتصميم. إنهم لا يريدون رؤية مشاهد فوضى اللحظة الأخيرة، حيث ترفرف أعلام طالبان فوق مركبات الجيش الأميركي التي تم الاستيلاء عليها أو المروحيات الأميركية وهي ترفع المغادرين اليائسين من فوق أسطح المنازل.

كل أسبوع، ترسل القيادة المركزية الأميركية بيانًا إخباريًا، موثوقًا مثل “حاصد الأرواح”، والذي يعلن أعداد القوات المنسحبة. وحتى يوم الثلاثاء، كانت وزارة الدفاع الأميركية قد سحبت من البلد ما يعادل 763 من حمولات طائرات النقل العملاقة من من طراز (سي-17) وتخلصت من 14.790 قطعة من المعدات.

يشبه وضع طالبان الكلب الذي يطارد سيارة، ولا يعرف ماذا سيفعل عندما يدركها. لقد حققت حلمها بإجبار أميركا على الانسحاب، ولكن ماذا الآن؟ أصبحت أفغانستان دولة حضرية وحديثة أكثر بكثير مما كانت عليه عندما طُردت طالبان من السلطة قبل 20 عامًا. وقد لا تسقط كابول والمدن الكبرى الأخرى بسهولة. وحتى لو انهار الجيش، فسوف تستمر الميليشيات في القتال.

وقد سئم الأميركيون من هذه الحرب، لكنهم لن يحبوا مشاهد رحيلنا أيضًا. ولعل ما يدين به بايدن لأفغانستان وأميركا على حد سواء هو تقديم تفسير صريح لما يفعله الآن -وكيف يخطط للحفاظ على ثقة الشعب الأفغاني بأنه سيجري انسحاباً بأكبر قدر ممكن من الكرامة والنزاهة. لكن هذا الصيف سيكون، بالنسبة لأفغانستان، وربما لبايدن أيضًا، واحداً مليئًا بالألم.

*ديفيد اغناطيوس –  كاتب عمود يغطي الشؤون الخارجية يكتب  مرتين في الأسبوع لصحيفة واشنطن بوست.

*نشر هذا المقال تحت عنوان :

In Afghanistan, a summer of pain awaits

الكاتب David Ignatius

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى