ترجمات أجنبية

الواشنطن بوست – إيشان ثارور – خطة ترامب الحقيقية للشرق الأوسط

الواشنطن بوست  –  إيشان ثارور* –  20/11/2019

بدلاً من المطالبة بتجميد المستوطنات، قام البيت الأبيض الحالي بعزل الفلسطينيين ومعاقبتهم، من قطع كل سبل المساعدات عنهم إلى إغلاق المكتب الرئيسي للولايات المتحدة والموجه نحو معالجة مكامن القلق الفلسطينية في القدس. وفي تصريح له لصحيفة “الواشنطن بوست”، قال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين منذ فترة طويلة: “هذه إدارة قررت الانتقال من التفاوض إلى الإملاء. لقد تحولوا من مؤيدين لإسرائيل إلى مؤيدين للاحتلال الإسرائيلي”.

****

هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا لا نتفاجأ من تصميم إدارة ترامب على اعتبار أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي. ويشكل هذا التوجه، الذي أعلنه يوم الاثنين الماضي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إجراءً أحادياً آخر يلقى الترحيب من الحكومة الإسرائيلية اليمينية، التي شهدت مسبقاً الرئيس ترامب وهو يقدم اعترافاً بالسيادة الإسرائيلية على القدس ومرتفعات الجولان السورية المحتلة.

يأتي هذا الإعلان الجديد منسجماً مع نمط من السياسات التي ينتهجها ديفيد فريدمان؛ سفير ترامب في إسرائيل والمؤيد القوي للمستوطنات في الضفة الغربية، ليزيد من تآكل الاحتمالات البعيدة أصلاً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويعمل هذا كله في خدمة تعزيز الدعم الإنجيلي المحلي لترامب -الناخبين المسيحيين الأميركيين الذين يرون تدبيراً إلهياً في سيطرة إسرائيل على الأراضي المقدسة. كما يعمل كرفض إضافي لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي اختار في شهره الأخير في المنصب الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بدلاً من استخدام حق النقض “الفيتو” ضده، والذي وصف المستوطنات بأنها “انتهاك صارخ بموجب القانون الدولي”.

ومثل المناورات الأخرى التي قام بها ترامب في إسرائيل أيضاً، كان هناك افتراض بأن يعزز هذا الإعلان الحظوظ السياسية المتراجعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو صديق حميم وحليف يواجه اتهامات بالاحتيال والرشوة وانتهاك الثقة. وقد فشل منافسه الرئيسي، بيني غانتز، قائد الجيش السابق، في تشكيل حكومة قبل الموعد النهائي في منتصف ليل الأربعاء الماضي. ويعني فشل غانتز استمرار الشلل البرلماني في البلاد، مما يمهد الطريق لإجراء انتخابات ثالثة في أقل من عام.

حث بعض الإسرائيليين غانتز على تشكيل حكومة وحدَة مع حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء. وقد ابتهج كلا الزعيمين بإعلان بومبيو، في مثال صارخ على أنه ما يزال هناك، على الرغم من الاختلافات الكثيرة الأخرى بينهما، القليل من ضوء النهار بين معسكري الوسط واليمين في إسرائيل حول مصير الأراضي الفلسطينية. وقد جددت مجموعات المستوطنين الإسرائيليين ومختلف السياسيين اليمينيين دعواتهم بعد إعلان بومبيو للشروع في ضم أجزاء من الضفة الغربية.

منذ حرب العام 1967، انتقل أكثر من 700.000 مستوطن إسرائيلي إلى الإقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي المناطق التي كان يفترض أن تتشكل منها دولة فلسطينية. وما تزال معظم الدول الأخرى في العالَم، بما فيها العديد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، ثابتة على موقفها القائل إن هذه المستوطنات غير شرعية وتتعارض مع مصالح السلام. لكن إدارات الولايات المتحدة انتهجت موقفاً أكثر التباساً على الدوام.

كان رأي قانوني صادر عن وزارة الخارجية في العام 1978 قد أعلن أن المستوطنات في المناطق الفلسطينية غير شرعية. لكن بومبيو استشهد في إعلانه الأخير بسابقة مزعومة وضعها الرئيس رونالد ريغان، مشيراً إلى مقابلة في العام 1981 قال فيها ريغان إن المستوطنات “ليست غير قانونية”. وكما لاحظ زملائي، فإن “ريغان مضى في تلك المقابلة نفسها ليقول إن المستوطنات كانت ‘عملاً غير حكيم’. وقالت خطته اللاحقة للسلام للعام 1983 إن ‘تبني إسرائيل الفوري لتجميد المستوطنات، أكثر من أي عمل آخر، سيكون من شأنه أن يعزز احتمالات السلام”.

من المؤكد أن هذا التقدير الأخير ليس هو موقف إدارة ترامب. فبدلاً من المطالبة بتجميد المستوطنات، قام البيت الأبيض الحالي بعزل الفلسطينيين ومعاقبتهم، من قطع كل سبل المساعدات عنهم إلى إغلاق المكتب الرئيسي للولايات المتحدة والموجه نحو معالجة مكامن القلق الفلسطينية في القدس. وفي تصريح له لصحيفة “الواشنطن بوست”، قال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين منذ فترة طويلة: “هذه إدارة قررت الانتقال من التفاوض إلى الإملاء. لقد تحولوا من مؤيدين لإسرائيل إلى مؤيدين للاحتلال الإسرائيلي”.

قال بومبيو في تصريحه إن الإدارة تأخذ في اعتبارها الآن ببساطة “الواقع على الأرض” لدى اختيار النظر إلى المستوطنات على أنها قانونية. وقال آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام السابق في الشرق الأوسط في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية، لـ”تودايز وورلد فيو” أن هذا “الواقع” كانت قد مكّنته، لدى تأمل الماضي، الإدارات المتعاقبة التي خدم فيها بشكل أو بآخر.

وقال ميلر، وهو الآن زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “منذ صيغة ريغان الغريبة، تجنبنا عن عمد، وبملء الإرادة، اتخاذ موقف بشأن ما إذا كان النشاط الاستيطاني -بما في ذلك في القدس الشرقية- قانونياً أو غير قانوني. على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، تواطأنا في مشروع الاستيطان وفشلنا في فرض أي تكاليف” على الإسرائيليين نتيجة توسيعهم للمستوطنات.

وأضاف ميلر أن الإعلان الآن “يضع ميزة تفوق جديدة في أحد جانبي توازن القوة المختل، وفي حال أصبحت لدى إسرائيل في أي وقت حكومة فاعلة مرة أخرى، فإنها سوف تعطي الضوء الأخضر وتمنح المباركة لموجة قوية من النشاط الاستيطاني”.

يصر بومبيو وحلفاؤه على أن هذه الإجراءات تخلق أساساً أكثر استقراراً للمحادثات. لكن هذه الرؤية تواجَه بالازدراء إلى حد كبير؛ فقد سارعت الحكومات الغربية والعربية إلى انتقاد هذه الخطوة الأخيرة، وأصبحت تضع القليل من الثقة في عملية السلام الوهمية التي يقودها جاريد كوشنر، صهر ترامب. فقد استبعدت إدارة ترامب القيادة الفلسطينية الضعيفة، في حين تخلى المزيد والمزيد من الفلسطينيين العاديين عن حلمهم بإقامة دولة مستقلة، وأصبحوا يدعون الآن إلى وضع حد للاحتلال والحصول على حقوق متساوية داخل إسرائيل.

وقال ميلر إن قرار الاعتراف بالمستوطنات هو “خطوة حمقاء، غير مرتبطة بأي استراتيجية. ولا يسعنا سوى استنتاج أن هذا التحرك مدفوع بالسياسة الداخلية”.

من بين أولئك الذين تم إطلاعهم على الفكرة قبل الإعلان عنها كانت مجموعات إنجيلية رائدة تدعم مشروع الاستيطان في إسرائيل، والتي تعتبر تجمعاتها وطوائفها مفتاح النجاح السياسي لترامب في الداخل.

في تصريح لصحيفة “وورلد فيو”، قال مايك إيفانز، العضو في مجموعة ترامب غير الرسمية من المستشارين المسيحيين الإنجيليين: “لقد ساعد دونالد ترامب إسرائيل أكثر من أي رئيس في التاريخ الأميريكي”، وأضاف أن “جوهر المشكلة” بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليس “الأرض”، وإنما العنصرية المفترضة لدى العرب وفساد قادتهم.

وقال إيفانز إنه أجرى مكالمة هاتفية احتفالية مع بومبيو بعد ظهر الاثنين. وقال: “كانت هذه أرضهم لآلاف السنين”، في إشارة إلى التاريخ اليهودي في الضفة الغربية. “إنها أرض الكتاب المقدس”.

لكن شخصيات دينية أخرى كانت أقل حماساً. وقال آفي دابوش، رئيس جمعية “حاخامات من أجل حقوق الإنسان”، وهي مجموعة مناصرة تعمل في الضفة الغربية، لصحيفة الواشنطن بوست: “يجب أن نتذكر الآن سفر التكوين. كان إبراهيم والداً لكل من الشعبين، اليهود والمسلمين. في النهاية، علينا أن نعيش جميعاً هنا، لا أن نموت بسبب اعتقاد متطرف بأن كل شيء هو لنا نحن فقط”.

*مراسل يغطي الشؤون الخارجية والجغرافيا السياسية والتاريخ. درس التاريخ والعرق والجنس والهجرة في جامعة ييل. يكتب عن الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست.

*ملاحظة: تم تحديث هذا المقال بناء على الأحداث في فلسطين المحتلة في نهاية الأسبوع. 

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

Trump’s real Middle East plan

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى