النيويورك تايمز – هل ستختار أميركا أبناءها على البنادق؟
مجلس التحرير – (النيويورك تايمز) 20/2/2018
مع وجود الكثير من ظهور الجِمال والقش الذي يقصمها بكل تأكيد، ثمة لحظات تأتي عندما يقول المواطنون الأميركيون إنهم ضاقوا ذرعاً ونالوا ما يكفي؛ عندما ينهضون ضد زعماء سياسيين لا يتحدثون نيابة عنهم ويدافعون عن قضاياهم، والذين يعرِّض عجزهم الأخلاقي أرواح الناس للخطر. وربما نشهد مثل هذه اللحظة الآن، مع احتجاجات المراهقين الأميركيين الذين أرعبتهم حادثة القتل الجماعي الأخيرة على يد شخص امتلك وصولاً سهلاً إلى سلاح يصلح لميدان معركة، وليس لمدرسة.
لقد نال هؤلاء الأولاد ما يكفي. نالوا ما يكفي من التعبيرات الفارغة عن التعاطف في أعقاب الفظائع التي نشؤوا وترعرعوا معها، مثل حادث إطلاق النار الجماعي في الأسبوع قبل الماضي الذي أودى بحياة 17 شخصاً في مدرسة ثانوية في باركلاند، ولاية فلوريدا. نالوا ما يكفي من التعبير الطقوسي عن الأفكار والصلاة من أجل الضحايا. نالوا ما يكفي من العيش مع الخوف من احتمال أنهم يمكن أن يكونوا الأهداف المقبلة لقاتل مسلح حتى الأسنان، حتى مع كل التدريبات التي يتلقونها على مواجهة إطلاق النار وكل تجارب إغلاق الأبواب عليهم التي مروا بها. ونالوا ما يكفي من السياسيين الجبناء الذين يركعون أمام الجمعية الوطنية للبندقية واستغلالها الأصولي المشؤوم للتعديل الثاني للدستور.
لا بد أن هؤلاء الأبناء يتساءلون عن أي نوع من البلاد هي التي ترسل أبناءها إلى المدرسة مع حقائب كتب مقاومة للرصاص معلقة على ظهورهم -والقادرة، كما يقول أحد المصنّعين، صاحب مصنع “مانع الرصاص”، على “إيقاف ذخائر 357 ماغنوم، و44 ماغنوم، 9ملم، وعيار45 وأكثر من ذلك”.
تقول طالبة في الصف الثاني عشر تدعى فيث وارد يوم الاثنين، مشيرة إلى المجزرة التي شهدتها المدرسة في ليتلتون، كولورادو، في العام 1999، التي بدأت الموجة الحديثة من إطلاق النار في المدارس: “لقد ولدت بعد 13 شهراً من كولومبين”، وكانت وارد تتحدث إلى مراسل إحدى محطات التلفزة في مظاهرة مناهضة للأسلحة خارج مدرستها في بلانتاتيون في فيلادلفيا. وأضافت: “كان هذا هو كل ما عرفته من قبل. هذه ثقافة تعرض الناس للقتل بالرصاص من دون سبب، هذه ثقافة أناسٍ يقولون: “أوه، دعونا نرسل التعاطف والخطابات والصلوات ثلاثة أيام، ثم نواصل الحياة. لقد سئمتُ من كل هذا””. ما يزال من المبكر جداً معرفة ما إذا كان هذا الغضب المحق يبشر بحركة شباب مستدامة من أجل حل مشكلة السلاح، والتي يمكن أن تذهب أبعد من مجرد الاحتجاج العرضي. نأمل أنها ستكون كذلك. لكن الوقت حان، مرة أخرى، لأن تستمع أميركا إلى أولادها. فمن منا لديه ما هو أكثر على المحك مما لديهم؟
يمتلك هؤلاء الشباب العاقلون في متناول أيديهم أمر جعل الكبار فاقدي الإحساس ينتبهون -ويتصرفون. وقد رأينا ذلك يحدث خلال حرب فيتنام قبل نصف قرن. وفي ذلك الحين، صنع أولئك الشباب، الذين وصمتهم قوى المؤسسة في البداية بأنهم خونة وغير مرغوب فيهم، صنعوا حركة مناهضة للحرب اجتاحت البلاد، وتمكنت من وضع نهاية -حتى لو استغرق الأمر سنوات- لمغامرة أميركا المضللة في جنوب شرق آسيا.
حتى تكون أي حركة فعالة، فإنها تحتاج إلى برنامج واقعي وليس مجرد عاطفة. وبخلاف ذلك، فإنها تغامر بأن تأتي وتذهب في ومضة خاطفة، مع القليل لتعرضه عن نفسها. ويشكل وضع نظام اتحادي أكثر صرامة لإجراءات التحقق من الخلفية بداية جيدة، والتي تحقق مراقبة أفضل لمشتري الاسلحة المحتملين المصابين بمرض عقلي، على سبيل المثال، أو لهم تاريخ من العنف المسلح. كما يجب أن يتضمن هذا البرنامج إعادة فرض الحظر على بيع الأسلحة الهجومية فى جميع أنحاء البلاد، (فشل مشروع إجراء حكومي بهذا الخصوص في الهيئة التشريعية لولاية فلوريدا يوم الثلاثاء)، وإنهاء الحظر السخيف على استخدام أموال صناديق الصحة العامة الفدرالية لتمويل دراسة العنف المسلح.
حتى الرئيس ترامب، الذي قال في اجتماع لرابطة البندقية الوطنية في نيسان (أبريل) الماضي “إن لديكم صديقا حقيقيا وبطلا في البيت الأبيض”، أشار إلى أنه قد يكون على استعداد لتحسين النظام الخاص بالأسلحة. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أنه بعد أن رأى السيد ترامب تغطية تظاهرات الطلاب، سأل ضيوف مار-ألاغو عما إذا كان ينبغي أن يفعل المزيد للسيطرة على الأسلحة. ويوم الثلاثاء، أمر بكتابة لوائح لحظر الأجهزة التي يمكن أن تحوِّل سلاحاً من شبه أوتوماتيكي إلى أوتوماتيكي بالكامل. أما أبعد من ذلك، فمن الصعب معرفة ما إذا كان يعني العمل عندما يقول إنه منفتح على فرض تدقيق أكثر شمولية في خلفيات مشتري الأسلحة. ومن المعروف أن التمسك بالموقف ليس من سمات ترامب.
مع ذلك، إذا استطاع الشباب الذين يوجهون هذه اللحظة الغاضبة أن يظلوا ثابتين، فإنهم ربما لا يجبرونه على العمل فحسب، وإنما سيشدون أيضاً من أزر المسؤولين والمرشحين المنتخبين الآخرين المناهضين للأسلحة. ولو وضعنا حوادث إطلاق النار المروعة في المدارس جانباً، فإن هؤلاء الشباب يظلون عرضة كل يوم لفوضى البنادق بمعدل يسبب الغثيان. وذكرت مجلة طب الأطفال في حزيران (يونيو) الماضي، أن إطلاق النار، كل أسبوع، يقتل ما متوسطه 25 طفلاً من عمر 17 عاماً وما دون. وأشارت دراسة أجرتها “المجلة الأميركية للطب” في العام 2016 إلى أنه من بين أكثر من دزينتين من أغنى دول العالم، سجل هذا البلد وحده 91 في المائة من الوفيات بسبب الأسلحة النارية بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً.
إن ما يقوله هؤلاء المحتجون الصغار الآن هو: ضعوا سلاحكم. نحن أبناؤكم. فكيف يمكن لأحد أن يتجاهل صرخاتهم المجروحة؟
*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان :
Will America Choose Its Children Over Guns?
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 1/3/2018
ala.zeineh@alghad.jo