ترجمات عبرية

المصدر الاستراتيجي العـــدد 215 لشهر 1- 2018

السنة التاسعة عشر
العـــدد 215 كانون الثاني 2018
الفهــرس
الرقم الموضوع الكاتب المركز النشرة
1 – في هذا العدد المصدر المصدر المصدر الاستراتيجي
2- الجسر البري لايران الى البحر المتوسط: خطوط محتملة، تحديات وصعوبات فرانك ملبورن معهد بحوث الامن القومي تقدير استراتيجي
3- فيلق الاجانب الشيعي لايران افرايم كام معهد بحوث الامن القومي تقدير استراتيجي
4- اليوم الذي يعقب تنظيم الدولة الاسلامية مارتا بورلان وكرميت بالانسي معهد بحوث الامن القومي تقدير استراتيجي

في هذا العدد
كتب فرانك ملبورن مقال بعنوان “الجسر البري لايران الى البحر المتوسط: خطوط محتملة، تحديات وصعوبات” يقول ان تجديد اقامة الجسر البري الذي يربط بين ايران ونظام الاسد ومندوب ايران حزب الله، يشكل خطر وجودي محتمل على اسرائيل، ومصدر متزايد للقلق من جانب الولايات المتحدة واللاعبين الآخرين في المنطقة. ورغم أن هذه الحقيقة معروفة جيدا فليس من الواضح بالضبط كيف تنوي ايران تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، وكيف يتوقع أن تعرقل الجهات والصعوبات بعيدة المدى التقدم ووضع العقبات. صحيح أنه يوجد لايران عدد من الخطوط البرية، لكن في كل واحد منها توجد تحديات واخطار، خاصة على المستوى التنفيذي والاستراتيجي، التي من شأنها وضع التحديات أمام قدرة ايران في السنوات القادمة، وربما حتى أن تستنفد اكثر من اللازم مواردها ووسائلها.
وكتب افرايم كام مقال بعنوان “فيلق الاجانب الشيعي لايران” يقول ان التدخل العسكري الايراني في القتال في سوريا يضع في يد النظام الايراني وسيلة اخرى لزيادة نفوذها وتحقيق مصالحها في المنطقة – مليشيات شيعية منظمة من قبل قوة القدس والحرس الثوري الايراني. المليشيات الاهم هي منظمة حزب الله اللبناني وبعده يأتي عدد من المليشيات الشيعية العراقية التي نظمتها ايران أو ساعدت على انشائها في فترة الحرب العراقية الايرانية وحرب العراق؛ المليشيات الاكثر حداثة انشئت في السنوات الاخيرة على اساس تجند متطوعين شيعة من افغانستان وباكستان. كل هذه المليشيات تم ارسالها الى مهمات قتالية في سوريا لانقاذ نظام الاسد، ومن حيث العدد هي تشكل الجزء الاكبر من القوات التي تحركها ايران في سوريا. اقامة هذه المليشيات تعطي ايران قوة قتالية كبيرة اخرى – التي ربما في المستقبل ستكبر ويتم استخدامها ايضا في دول اخرى – الامر الذي سيعطيها مرونة تشغيل وتقليص للاخطار. هذه الطريقة تخلق اخطار اضافية لاسرائيل والولايات المتحدة ودول اخرى في المنطقة، لأنه ضمن هذا الاطار يمكن أن تحاول ايران ابقاء المليشيات، ولا سيما حزب الله، في هضبة الجولان وفتح جبهة اخرى امام اسرائيل. إن علاج هذا التهديد من شأنه أن يحتاج الى تعاون بين الولايات المتحدة واسرائيل
واخيرا كتب مارتا بورلان وكرميت بالانسي مقالا بعنوان “اليوم الذي يعقب تنظيم الدولة الاسلامية” يقولان ان فقدان تنظيم الدولة الاسلامية الاراضي (داعش) خلال السنة الاخيرة، وسقوط معقل دولة الخلافة في الموصل ومراحل السقوط الاخيرة لعاصمتها الفعلية، الرقة، تشير الى الهزيمة العسكرية القريبة للتنظيم، لكن الفراغ الايديولوجي والاحباط والاغتراب التي تميز طوائف في الشرق الاوسط منذ الربيع العربي وغياب بديل سياسي وحكم محلي ناجع يحل محل التنظيم، واساسا الجذور المغروسة جيدا للفكرة السلفية الجهادية في فضاء الشرق الاوسط، تطرح احتمال أن ينجح التنظيم في البقاء رغم هزيمته العسكرية. في هذا السياق من المهم تقدير ما هي الاحتمالية الاكثر منطقية لتطور هذا الكيان. في اطار هذا التقدير سيتم التركيز على تطور تنظيم الدولة الاسلامية في السابق بهدف استنتاج ماذا سيكون مستقبلها، بعد ذلك سيتم عرض نقاش عن الخطوات التي يجب اتخاذها لمواجهة الاطار الجديد للدولة الاسلامية .
وأخيرا ترجو أسرة “المصدر الاستراتيجي” لقرائها أكثر القراءة فائدة ومتعة.

خطوط محتملة، تحديات وصعوبات1
بقلم: فرانك ملبورن
اهداف ايران في المنطقة
يوجد لطهران عدد من الاهداف الاستراتيجية الموازية في اطار سعيها الى اقامة جسر بري آمن مجددا من ايران الى سوريا ولبنان – العلاقة التي تضررت في اعقاب الحرب الاهلية في سوريا. وبدء من العام 2014 في اعقاب خسارة مناطق واسعة في العراق التي انتقلت الى تنظيم الدولة الاسلامية. الاهداف الايرانية تشمل الطرق وخطوط سكة حديدية على طول خطوط التزويد الرئيسية “ام.اس.آر” آمنة تحت سيطرتها، وكلاؤها الشيعة وحزب الله ونظام الاسد – حلفاؤها المحسوبين على “محور المقاومة” – من ايران الى شواطيء البحر المتوسط في سوريا ولبنان. الامر يتعلق بمنطقة “الهلال الشيعي” الذي تسيطر عليه ايران، والتي تضم ايران والعراق وسوريا واليمن والخليج الفارسي والبحر الاحمر ومضائق باب المندب في شمال المحيط الهندي والدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي في دول الخليج (جي.سي.سي).
ايران بحاجة الى خطوط تموين رئيسية، ايضا لاستكمال الجسر الجوي الهش لها من اجل الوصول الى حلفائها؛ بديل عن الخطوط البحرية، ووسيلة للسيطرة الاقتصادية بعيدة المدى على المنطقة؛ وسيلة لتجاوز العقوبات بواسطة دول ثالثة وطريقة لابعاد الولايات المتحدة، باعتبارها اللاعبة الاكثر بروزا في المنطقة، بالتعاون مع موسكو. الجسر البري هو المركب الاساس في خط الدفاع والردع الاستراتيجي المتقدم لايران في وجه اسرائيل، حيث أن طهران تسعى الى تطوير قدرتها البالستية، والصواريخ العابرة للقارات والسلاح النووي. يمكن القول إنه اذا لم يتم كبح ذلك فانه سيعزز التهديد الوجودي بعيد المدى والاكثر خطورة على اسرائيل وعلى دول اخرى في المنطقة، مع الأخذ في الحسبان الظروف القائمة: أ- سيطرة ايران وروسيا على نظام الاسد تتزايد. ب – حزب الله يوزع نفوذه وتأثيره في النظام السياسي والامني في لبنان. ج – ايران تسعى الى فتح جبهة ثانية في جنوب شرق سوريا بهدف موضعة نفسها امام اسرائيل في هضبة الجولان والضغط على الاردن من اتجاهين. د- يوجد لدى حزب الله عدد أكثر بكثير من الصواريخ الدقيقة والقذائف والطائرات بدون طيار مقارنة بما كان لديه في حرب لبنان الثانية في 2006، وهذه يمكنها تهديد التجمعات السكانية والبنى التحتية الاسرائيلية. ويمكن ايضا بواسطة سلاح الدمار الشامل خلق ردع أمام هجمات على المنشآت النووية. هـ – محور المقاومة اقام منشآت متطورة لانتاج السلاح في لبنان وسوريا. و- حزب الله وسوريا يمكنهما تهديد وسائل الملاحة العسكرية والمدنية والبنى التحتية في الشاطيء والبحر وللطائرات، بواسطة صواريخ مضادة للسفن وصواريخ ارض – جو متقدمة. ز – يوجد نفوذ لايران في غزة. ح- النشاط العسكري لاسرائيل – الولايات المتحدة – الناتو في سوريا ومحيطها يتعقد في اعقاب منع روسيا لها من الوصول، وهذه النشاطات تفيد المحور وتهدد المضائق البحرية في البوسفور وقناة السويس. ط- الجيش الروسي يدعم قوات المحور في سوريا من اجل أن تقيم من جديد خطوط التموين الرئيسية. ي- ايران قد تقوم بنشر صواريخ ارض – جو من طراز “اس 300” أو انواع مستقبلية من اجل الدفاع عن خطوط التموين الرئيسية. ك- قدرات انترنت متقدمة تكمل نشاطات المحور. ل- سيطرة كاملة لايران على العراق تمنح طهران السيطرة على احتياطي النفط الاكبر في العالم وعلى مخزون الغاز الثاني في حجمه في العالم. هذا اضافة الى مليارات الدولارات التي حصلت عليها ايران في اعقاب التوقيع على الاتفاق النووي.
اضافة الى ذلك، هناك عدد من العوامل التي يتوقع أن تعمل على احباط التقدم وزرع عقبات في طريق ايران لتحقيق اهدافها، التي يمكنها أن تؤدي الى استنفاد زائد لقدراتها وقدرات حلفائها ووكلائها. من هذه العوامل: مميزات طوبوغرافية على طول خطوط التموين الرئيسية المقترحة، النسيج الانساني وامور دينية، القدرات والاهداف المتنافسة للاعبين دوليين واقليميين وسياسيين ثانويين، لا سيما القدرات العسكرية والموارد المائية للمحور. هذا المقال سيفحص الاحتمالات الاكثر معقولية من جهة ايران لانشاء خطوط تموين رئيسية مباشرة، والعوامل المتعلقة بكل خط من هذه الخطوط الممكنة.
جسر بري مقابل خطوط بحرية وجوية
رغم أنه يمكن أن تكون طهران مهتمة باقامة قواعد بحرية على شواطيء البحر المتوسط، إلا أنه في المستقبل القريب لن تكون لدى ايران القدرات البحرية لضمان الدفاع عن خطوط بحرية طويلة تصل حتى سوريا، والتي ستكون معرضة للاصابة بسبب القوة العسكرية لاسرائيل والولايات المتحدة. ارساليات سابقة للسلاح الى حزب الله تم ضربها. ان استخدام ايران للجسر الجوي بهدف نقل القوات والامور اللوجستية كان هشا لسبب من الاسباب. الطائرات التي تعمل كـ “سلاح جو الحرس الثوري” معرضة للتهديد بسبب العقوبات ضد الارهاب التي فرضتها ادارة ترامب على الحرس الثوري في تشرين الاول 2017، الامر الذي يمكنه اثارة صعوبات امام تقديم قطع الغيار والمساعدة التقنية للطائرات وبدائل من انتاج الولايات المتحدة، وطائرات من انتاج دول اخرى. وتقليل الرغبة من جانب شركات اجنبية لعقد صفقات مع شركات طيران وجهات مرتبطة بحرس الثورة، وترميم الطائرات القديمة وكذلك فقدان المكانة الدولية والتأثير الكبير على الاقتصاد الايراني – كل ذلك على ضوء قدرة التأثير للنشاط التجاري لحرس الثورة. وحتى قبل فرض العقوبات الجديدة كانت مشتريات ايران في مجال الطيران تكتنفها المخاطرة بخرق الحظر الشامل في الاتفاق النووي بشأن بيع طائرات لاغراض عسكرية، لأن هذه من شأنها أن تستخدم لغرض مساعدة النشاطات الارهابية، والتملص من العقوبات، ونشر السلاح النووي وجرائم الحرب. ورغم أن هذا كان قبل شهر تشرين الاول، إلا أنهم حتى الآن يتجاهلون ذلك لأن جهات سياسية وتجارية متورطة في الامر وبسبب امكانية الغاء الاتفاق النووي.
مع ذلك، فان الضعف الاساسي للجسر الجوي ينبع من قدرة اللاعبين الخارجيين مثل الولايات المتحدة ودول الخليج أو اسرائيل على اسقاط طائرات عسكرية ومدنية ايرانية وسورية اثناء المواجهة. وخلافا لذلك، افضلية من الافضليات الاساسية لخطوط التموين البرية الاساسية هي القدرة على نقل كميات كبيرة من البضائع بثمن أقل. افضلية اخرى هي امكانية أن ترفع القوافل اعلام العراق وسوريا، وبهذا ستنشأ صعوبات اكبر من الناحية السياسية والعسكرية من اجل تشخيص وضرب اهداف مشروعة. ولكن هناك افضلية اخرى تكمن في الغاء منع استخدام محتمل لمطارات سوريا ولبنان. طهران ايضا تفترض مد سكة حديد تصل الى البحر المتوسط، سواء كان الحديث يدور عن سكة تمر عبر كردستان العراقي أو من الخليج عبر وسط العراق، وهذا المشروع سيكون مرتبط بعدد من الجهات المفصلة أدناه، وكذلك امور مرتبطة بالتمويل والعقوبات. شبكة السكك الحديدية في العراق وسوريا منهارة بسبب كونها مكشوفة لنشاطات المتمردين. من الاسهل اصلاح الشوارع أو شق طرق التفافية، لكن هناك افضلية للسكك الحديدية تتمثل في السرعة والقدرة.

الخط الشمالي من ايران عبر كردستان العراق الى سوريا
إن ايجاد خط آمن في كردستان العراق عبر الموصل وتلعفر الى الاراضي السورية المسيطر عليها من قبل “واي.بي.جي” (وحدات الدفاع عن الشعب، الكردية في سوريا) والـ بي.كي.كي (حزب العمال الكردستاني) هو أمر اشكالي. أولا خطوط التموين الرئيسية باللون الاصفر والبرتقالي والاحمر تخترق جبال زاغروس الصخرية التي توجد على طرفي الحدود بين ايران والعراق، وتشكل عنق الزجاجة وأخطار بيئية في وقت الشتاء وفي شهر رمضان. سلسلة جبال زاغروس هي منطقة حيوية بالنسبة لايران، وتستخدم كمنطقة لتجديد الانتفاضات من جانب مجموعات كردية مسلحة معارضة لطهران. خط التموين الرئيسي الاحمر يمر بمنطقة قنديل، التي تشكل منطقة سيطرة “بي.كي.كي” و”بي.جي.إي.كي” (الحياة الحرة لكردستان) وهو المنظمة الكردية الموازية العاملة في ايران. ايران قلقة ليس فقط من الحاجة الى حماية قواتها المحلية، حيث أن جبال زاغروس تشكل عنصرا اساسيا في سيطرة طهران على مجموعات عرقية ودينية منفصلة الواحدة عن الاخرى، وهي تحاول منذ فترة اخضاع المنطقة التي تعتبر ثقب اسود يسحب الى جوفه موارد عسكرية مطلوبة في اماكن اخرى. الدعم الخارجي المقدم للاكراد في ايران من شأنه تعقيد الوضع بصورة كبيرة. مصدر آخر للتهديد في جبال زاغروس هو تنظيم الدولة الاسلامية الذي نجح في اختراق صفوف الاكراد المحليين في ايران والمرتبطين بصورة تقليدية بالقاعدة، والذين انتقلوا الى شمال العراق من مخابئهم السرية في ايران.
تجنيد الـ بي.كي.كي
في تشرين الثاني 2016 توجه قائد “قوة القدس” قاسم سليماني لـ بي.كي.كي الذي يسيطر على مساحة مركزية حول سنجار في منطقة الحدود السورية. هدف هذا التكتيك كان كما يبدو جعل الـ بي.كي.كي يكبح نشاطات الـ بي.جي.إي.كي في ايران. وخلق طريق آمن لحدود نظام الاسد على المنطقة التي يسيطر عليها بي.كي.كي و “واي.بي.جي” في سوريا. في المقابل، سيحظى الاكراد في سوريا بمخرج نحو الغرب عن طريق كردستان العراق. ولكن هذه الخطة كانت مقترنة بالتورط مع الحزب الديمقراطي الكردستاني “كي.دي.بي” في اربيل، الذي عارض ضغط ايران كي يستخدم كطريق الى سوريا، ووصل الى طريق مسدود متوتر مع قوات “بي.كي.كي” و “واي.بي.جي” والوحدات اليزيدية المرتبطة معها حول سنجار، بل أثارت الخطة تخوفا في أنقرة، حليفة “كي.دي.بي” ضد الـ “بي.كي.كي”. تخوفات تركيا ازدادت بسبب الدخول المتوقع لقوات الحشد الشعبي (بي.أم.اف) الشيعية العراقية المدعومة من قبل ايران الى المدينة التركمانية تلعفر، في حين أن أنقرة تهدد بالتدخل في الوضع من خلال زيادة التوتر القائم بين تركيا والعراق وايران. الخلافات المستمرة بين الحكومة الكردية الاقليمية (كي.آر.جي) وبين بغداد، التي تأجلت خلال الحرب ضد داعش، تصل الآن الى الواجهة ويتم استغلالها من قبل طهران.
مخاوف تركيا
من خلال الاعتراف بأن خط التموين الرئيسي الاحمر يمر عبر مناطق في شمال العراق، التي تعتبرها انقرة جزء من حدود نفوذها التاريخي، فقد تضمن دعوات ايران الاخيرة لتركيا للعودة الى القواسم المشتركة مثل معارضة بي.كي.كي و “واي.بي.جي” و”بي.جي.إي.كي” واستقلال كردستان العراق الذي تخشاه الدولتان لاسباب داخلية تتعلق بالاكراد. وقد استغلت طهران بحكمة ازمة الاستفتاء الشعبي من اجل وضع أنقرة أمام اهدافها في العراق، وهي: منع استقلال كردستان العراق، فصل اربيل الغنية بالنفط والغاز عن أنقرة وواشنطن، تعزيز السيطرة على بغداد وتثبيت خطوط تموين اساسية عن طريق شمال العراق. في حين أن انقرة أيدت بشكل عام حكومة كردية اقليمية كحقيقة واقعية بزعامة كي.دي.بي، فان طهران كانت دائما قريبة اكثر من الاتحاد الوطني لكردستان بي.يو.كي، الذي يتمركز في السليمانية، واستخدمت الازمة من اجل زيادة التوترات الكردية – الداخلية، وضمان انسحاب البشمارغا من مناطق حيوية في نيتها السيطرة عليها. طهران تتدخل بصورة دائمة وتدير عمليات عسكرية تؤثر على كردستان العراق، والآن تريد أن تقسم اكثر منطقة الحكم الذاتي، والسيطرة على المعابر الحدودية لكردستان العراق والحصول على طريق لمطاراتها. حكومة كردية اقليمية موحدة تهدد باستخدام خطوط التموين الرئيسية الشمالية ستكون اشكالية بالنسبة لايران بدرجة اكبر، اضافة الى قرب القوات التركية والامريكية، ودعم من جانب اسرائيل والغرب ونشاطات واسعة من جانب المتمردين السنة. خط التموين الرئيسي البرتقالي يمر عبر منطقة آمنة نسبيا تحت سيطرة الاتحاد الوطني لكردستان.

مشاكل في شمال سوريا
الجزء من خط التموين الرئيسي الاحمر الذي يصل بين سنجار والمعبر الحدودي يضع أمام ايران مشاكل كثيرة. المشكلة الاولى هي الاهداف بعيدة المدى لـ بي.كي.كي و بي.واي.دي التي تشمل الكانتونات المقسمة المأهولة بأكراد سوريين، الذين يوجدون تحت سيطرتها. التطلع الى اقامة ميناء كردي على شواطيء البحر المتوسط والدافع لوصل منطقة تقع تحت سيطرة بي.كي.كي/ بي.جي.إي.كي مع منطقة قنديل الواقعة في شمال شرق العراق. مشكلة اخرى هي الدعم الامريكي لقوات السوريين الديمقراطيين (اس.دي.اف) المسيطر عليهم من قبل “واي.بي.جي”. هذا الدعم يشمل القوات البرية والمساعدة الجوية، حتى لو كانت توجد فقط طالما أن النشاطات ضد تنظيم الدولة الاسلامية مستمرة. النزاع بين تركيا وبي.كي.كي/ و واي.بي.جي في شمال سوريا والعراق، بارتباطه مع المنافسة بين ايران وتركيا على هذه المناطق وزيادة قوة الوكلاء المحليين، يزيد من خطر حدوث مواجهة عسكرية في المناطق التي يوجد فيها احتكاك في مناطق النفوذ، رغم التواجد الحالي أمام الاكراد في العراق.
نقطة خلاف اساسية في العلاقات بين طهران وانقرة هي أن الاولى تسعى الى الحفاظ على نظام الاسد، في حين أن الثانية تدعم المتمردين وتسمح للجهاديين السنة بالمرور عبر الاراضي التركية في طريقهم الى العراق وسوريا، وبذلك تصعب وجود التواصل البري بين ايران وحلفائها في المحور. أنقرة تخشى مما يعتبر في نظرها كموافقة ضمنية من جانب ايران على اقامة مناطق كردية ذات حكم ذاتي على طول الحدود الجنوبية التركية، وتخشى من تدفق اللاجئين السوريين والتهديد الموجه للسنة والتركمان. انقرة تنظر الى ايران التي تحاول أن تنشيء من جديد امبراطورية فارسية ذات خصائص شيعية في الاجزاء التي حكمت في الماضي من قبل الامبراطورية العثمانية في العراق وسوريا. وهي ترى في استخدام المليشيات الشيعية لغرض حماية نظام الاقلية العلوية سببا لتسريع الاحتجاجات في اوساط السنة، التي تشمل ايضا القيام بالعمليات الارهابية التي تضر بتركيا. بالنسبة لتركيا تتحمل ايران العبء العسكري والمالي لدعم حليف اساسي، وهذا أكسبها الكراهية من جانب جزء بارز في العالم السني.
توازن الـ بي.كي.كي
طهران ملزمة بأن توازن بحذر الـ بي.كي.كي/ واي.بي.جي كحلفاء في العراق وسوريا، وأمام مصدر تهديد استراتيجي على المدى البعيد، من خلال الاهتمام بمشكلة الاكراد التي تقلق ايران نفسها، وكذلك كشوكة في العلاقات مع انقرة. رغم أنه على المدى القصير يوجد لايران وبي.كي.كي مصلحة مشتركة في هزيمة داعش، فان المصالح بعيدة المدى لهما غير متطابقة. ايران تسعى الى الحفاظ على النظام القائم في حين أن بي.كي.كي/ واي.بي.جي معني بقلبه رأسا على عقب. إن مكاسب اقليمية، دعم امريكي وروسي والضعف النسبي للاسد، منحت بي.كي.كي/ واي.بي.جي الثقة بامكانية تحييد التعاون بين انقرة وطهران ضدهما. هذا الامر ومحاولة تحقيق اهداف اقليمية اخرى، سبق أن وضعت المنظمتين على مسار التصادم مع تركيا وايران في سوريا وشمال العراق، طالما أن سيطرة الدولة الاسلامية آخذة في التضاؤل. بمفاهيم عسكرية فان ايران تواجه قوات واي.بي.جي وقوات السوريين الديمقراطيين (اس.دي.اف) المدعومة من قبل الولايات المتحدة، اضافة الى سلاح الجو التركي والقوات البرية العاملة بمحاذاة كبيرة لقوات المحور. تحديات اخرى هي الدولة الاسلامية ونشاطات المتمردين، خاصة في ادلب وحمص.
خط المواجهة العربي – الكردي وتجدد الدولة الاسلامية
خط التموين الرئيسي الازرق الذي يتعرج من مدينة الحدود الايرانية قصر الشرين نحو كركوك والموصل في الشمال الشرقي، يمر في بدايته عبر منطقة آمنة نسبيا تحت سيطرة بي.يو.كي، لكنه يستمر بعد ذلك، بالاساس، على طول “خط المواجهة” العربي – الكردي، الذي يشمل مناطق ستكون مكشوفة في المستقبل القريب لعمليات متواصلة من قبل الدولة الاسلامية والمتمردين السنة. المفارقة هي أن هذا الخط خدم ايران ايضا من اجل نقل مقاتلين سنة الى شمال العراق، قبل وبعد الاحتلال الامريكي، ومنذ ذلك الحين كان فيه نشاط ثابت واسع. اثناء كتابة هذه السطور، فان قوات الامن العراقية وقوات الحشد الشعبي تحاصر مناطق حيوية على طول حدود خط المواجهة الذي يمتد من حدود ايران حتى سنجار، من اجل أن يؤمن للايرانيين استخدام خط التموين الرئيسي هذا.
ومثل خط التموين الرئيسي الازرق، تمر ايضا الخطوط المشار اليها باللون الوردي والتركواز، عبر اقليم ديالا، الذي حسب بحث أجري مؤخرا، يمكنه أن يشكل منطقة لتجدد تنظيم الدولة الاسلامية بعد فقدانها مساحات في مناطق اخرى في العراق. شمال ديالا يتوقع أن يتحول الى بؤرة لجهود الدولة الاسلامية لاستغلال خط التماس العربي – الكردي والشيعي – السني والكردي – الايراني. ويمكن أيضا أن يتحول الى ملجأ آمن رئيسي للدولة الاسلامية الى جانب تارميا وصحراء غلام وجبال المارين والحدود الايرانية وطرق الوصول الى بغداد من الشرق. التحليل يشير الى أنه يجري في ديالا الآن “الاحتجاج الاكبر منذ ذروة نشاطات القاعدة في الاقليم في الاعوام 2007 و2008″، وحقيقة هامة هي أنه، سواء في ديالا أو في صلاح الدين، تزامن نشر قوات بي.ام.اف الشيعية الخارجية مع “العودة القوية والفورية تقريبا للاحتجاجات الى مستويات 2013″.
يقظة القومية الشيعية في العراق
يحتمل أن جهات التخطيط العسكري في ايران تثق أكثر بخطوط التموين الاساسية المشار اليها باللون الاخضر والوردي في الخارطة، حيث أن هذه تمر عبر المناطق الواقعة في جنوب وجنوب شرق العراق والتي توجد فيها اغلبية شيعية، والتي تأثير المنظمات الجهادية السنية فيها قليلة بشكل واضح. السياسة الداخلية في اوساط الشيعة في العراق، كما ينظرون الى الامر في طهران وفي قم، فان النهضة القومية الشيعية في العراق، تحوي في ثناياها مشاكل تؤثر على التطلعات الاقليمية لايران. إن جري مقتدى الصدر خلف السعودية ووجوده المستقل كقوة ثالثة تعمل في اوساط الشيعة في العراق تقلق طهران جدا. لقد دعا الصدر الى حل مليشيات بي.ام.اف، التي تمثل القوة الوكيلة ومتعهدة الاصوات الاهم في بغداد، والمسيطر عليها في معظمها من قبل ايران. هذه المليشيات تم تدريبها وتسليحها وتم نشرها في ارجاء العراق وسوريا على ايدي ايران بهدف محاربة تنظيم الدولة الاسلامية، وتحطيم السكان السنة، وأن تقيم من جديد خطوط التموين الرئيسية لتعزيز قوات المحور.
لقد سبق لايران أن قامت بقص اجنحة الصدر في السابق، ولكن لا يجب التقليل من أهمية هذا الزعيم الشيعي كرجل دين شعبوي – قومي قادر على التسبب بالمشاكل، رغم اضعاف حركته وانفصال اقسام مؤيدة لايران عنها. في 2004 كان يقف على رأس الاحتجاجات في بغداد ومدن اخرى في المناطق الجنوبية الشيعية ومنع الامريكيين من استخدام خط التموين الرئيسي بين بغداد والفالوجة وتصادم مع الجيش العراقي وقوات التحالف في البصرة في آذار 2008، وانقض على المنطقة الدولية في بغداد في 2016 واخرج الالاف من مؤيديه الى الشوارع في 2017. اذا كان رجل دين شيعي قادر على الوقوف في وجه ايران، فهناك آخرون يمكنهم القيام بذلك. بصورة مثيرة للاهتمام، أكد مؤخرا سفير العراق في الولايات المتحدة على الحاجة الى اعادة انتشار قوات الامن العراقية حتى البصرة، كما يبدو من اجل محاربة قوات محلية وظاهرة المناطقية.
طهران يجب عليها ايضا أن تأخذ في الحسبان آية الله السستاني والجدال الحاد بين مدارس النجف (العراقية) ومدارس قم (الايرانية)”. المدرسة الاساسية تمثل المعارضة الشيعية لمؤسسات الدين بقوة سياسية. والثانية، تمثل عقيدة ولاية الفقيه، المؤيدة لتعيين شخصية دينية في وظيفة الحاكم الاعلى في الدولة. صحيح أن الانقسام تزايد تدريجيا مع تدهور العراق الى وضع عدم الاستقرار، لكنه يشمل الآن مواضيع سياسية مفصلة. من هنا فان مقاربة قم والنجف والصدر تتنافس على قلب ووعي الشيعة في العراق. وساء السستاني أو الصدر، فهما يطالبان بالولاء من جانب مجموعات مسلحة بارزة موالية لهما. رجال الدين في معسكر السستاني دعوا ايضا الى حل الحشد الشعبي بذريعة أنهم يشكلون محاولة من جانب ايران لزيادة قوتها وتأثيرها في العراق.
خطوط الانقسام لـ آي.اس.اف و بي.ام.اف
قوات بي.ام.اف وقوات آي.اس.اف تحت قيادة وزارة الداخلية الايرانية ووحدات الجيش تقف في مركز صراع اكبر على السيطرة على المعسكر الشيعي المنقسم في العراق. علينا توقع أن المنتصرين سيسيطرون على الحكومة، ويقودون اعادة الاعمار في الفترة ما بعد الدولة الاسلامية ويحددون طابع الهوية العراقية. التحديات الاساسية التي تنغمس فيها قوات بي.ام.اف وآي.اس.اف ستحدد مستقبل العراق السياسي والامني. هذان الجسمان يتشكلان من ثلاثة فصائل مختلفة عن بعضها البعض، والتي هي مخلصة وفقا لذلك لاية الله علي خامنئي، الزعيم الاعلى في ايران، والسستاني والصدر. الجسمان يلعبان دورا مركزيا في صراع القوى الآخذ في الاشتداد في اوساط الشيعة، ويتصادمان مع شخصيات تؤيد ايران مثل رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي يريد استخدامهما كأداة للعودة الى منصبه، ويعملان ضد رئيس الحكومة العبادي الذي يحاول الحافظ على الحكم ويؤيدان السيطرة على بي.ام.اف وضد الصدر والسستاني، الحذرين من سيطرة ايران.
طهران تريد أن تكون قوات بي.ام.اف حليفة قوية تستطيع كبح الدولة العراقية اذا سعت بغداد ذات يوم الى سياسة مناوئة لايران. عدد من زعماء بي.ام.اف الذين يؤيدون خامنئي حاولوا أخذ المسؤولية عن دور سياسي بهدف زيادة شعبيتهم، من اجل الحصول على الاصوات في الانتخابات في العراق في 2018، أو أن من شأنهم لعب دور في سيناريو حدوث انقلاب في بغداد. عامل هام سيساعد في تحديد من سيفوز هو الاجابة على سؤال هل قوات بي.ام.اف ستدمج في قوات آي.اس.اف الموالية لبغداد وتستخدم لتعزيز الوضع الراهن، أو بدل ذلك أن تبقى قوة موازية منفصلة يمكن استخدامها لتوسيع سيطرة طهران في العراق. قوات بي.ام.اف المؤيدة لخامنئي تظهر تأييدها لفكرة المحاربة في سوريا كجزء من قوة القدس من اجل تحقيق الاهداف الاستراتيجية لايران، في حين أن فصائل الصدر والسستاني تعارض قتال شيعة عراقيين خارج حدود الدولة. نقطة خلاف اخرى هي الطريقة التي يتم فيها رؤية الاحتجاج الشعبي على عدم قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الاساسية، في حين أن فصائل بي.ام.اف المؤيدة لايران تدعو الى الرد بقوة، فان السستاني يظهر تأييدا والصدر متورط بصورة نشطة؛ ونقطة خلاف اخرى هي سيطرة المعسكر المؤيد لايران على الموارد المالية لـ بي.ام.اف.
من بغداد وحتى الحدود
الخطوط الرئيسية ذات اللون الازرق والاخضر تمتد من بغداد عن طريق محافظة سنجار في العراق الى المعابر الحدودية بين العراق وسوريا في القائم/ ابو كمال، وفي الوليد/ التنف على التوالي، الدفاع عن حركة القوات عبرها من شأنها أن تضع في المستقبل القريب تحديات هامة امام ايران وحلفائها. المناطق الصحراوية المفتوحة في الغرب، على الحدود بين سوريا ومحافظة الانبار ومحافظة نينوى كبيرة وقابلة للاختراق وتصعب السيطرة عليها. رغم نجاح قوات الامن العراقية في المعركة في الانبار في 2015، هناك اسباب كثيرة للقلق بشأن امكانية تجدد الدولة الاسلامية في الانبار. ان قرب سوريا والصعوبة في تأمين الحدود يعني ان حركة المنشآت التخريبية والسلاح الثقيل الى مناطق في العراق يمكن أن تستمر طالما أن النزاع في سوريا مستمر. الدولة الاسلامية تنظم انتفاضات في الارياف على نمط “اضرب واهرب” في الانبار، من خلال استخدام المناطق التي ليس فيها سلطة بهدف تنفيذ هجمات في الاماكن التي تنتشر فيها بالاساس قوات بي.ام.اف الشيعية، والتي ليست محلية، والمستشارون الايرانيون، بهدف السيطرة على الطرق المؤدية الى سوريا. محللون يزعمون أنه في السنوات القادمة يجب وجود “خلايا ثابتة من المستشارين ورجال الاستخبارات” للحفاظ على وتيرة الاحتجاجات المضادة في محافظة الانبار وصلاح الدين وبغداد.
الصدامات في سوريا
خلف الحدود السورية يوجد قرب كبير بين اجهزة محور المقاومة المؤيدة من قبل روسيا وبين القوات السورية الديمقراطية اس.دي.اف المؤيدة من قبل الولايات المتحدة، حول التنف والرقة ودير الزور. ورغم احتلال دير الزور واجتياز الفرات تقف ايران وحلفاءها امام المهمة الصعبة لاحتلال منطقة حيوية والسيطرة على المدن والمناطق الحيوية على طول سهل الفرات، المعابر الحدودية مع العراق والمناطق الداخلية الواسعة لسوريا. هجوم المحور في محافظة دير الزور يرتبط بشكل كبير بالمساعدة الجوية الروسية، وقدرة روسيا على التفاوض بشأن تحديد مناطق منع تصعيد، بهدف تحرير قوات مؤيدة لنظام الاسد. التحديات التي يفرضها التفوق الجوي الامريكي والتصادم معها وجدت تعبيرها في حزيران 2017 عندما اسقط سلاح الجو الامريكي طائرة حربية سورية وطائرة بدون طيار ايرانية. في ايلول عندما هاجمت طائرة روسية قوات اس.دي.اف خلف الفرات مقابل دير الزور. الولايات المتحدة هاجمت قوات سوريا مؤيدة للنظام، بما فيها مليشيات شيعية عراقية، قرب تنف عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والاردن. يوجد خطر دائم للتصادم المسلح طالما أن قوات المحور تستمر في عملياتها الموجهة للحدود العراقية.
خطوط اسرائيل الحمراء
خلال آب 2017 نفذ حزب الله وقوات نظام الاسد والجيش اللبناني عمليات ناجحة في المنطقة الغربية في سوريا بهدف تطهير منطقة القلمون من قوات تنظيم الدولة الاسلامية والمنظمات المرتبطة بالقاعدة. ان نجاح قوات المحور في فتح خطوط تموين رئيسية تصل الى الجولان في جنوب غرب سوريا (خط التموين الرئيسي الاسود) كان قليلا، حيث أن اسرائيل استخدمت طرق قتالية وغير قتالية والردع بواسطة وسائل قتالية متقدمة بسبب تجاوز خطوطها الحمراء في كل ما يتعلق باقتراب حلفاء ايران. اسرائيل تواصل اظهار الحذر بخصوص مناطق منع التصعيد، والعمق الاستراتيجي لها يتقلص. المراقبون يواصلون المتابعة عن كثب استمرار تدخل الولايات المتحدة في سوريا والعراق (مهما كان) والتساؤل اذا كانت ايران هي التي ستملأ الفراغ الذي ستخلفه الدولة الاسلامية. سؤال آخر هو هل النتيجة ستكون الاشتعال بين اسرائيل وبين قوات المحور (عندما لا يكون منطق لمواجهة بين الولايات المتحدة وايران أو بين السعودية وايران)، وهل روسيا ستكبح نشاطات المحور التي تهدد اسرائيل أو ستسمح بتلك النشاطات. في سيناريو للمواجهة يمكن لموسكو أن تقوم بالدفاع عن قوات المحور في سوريا الحيوية لدعم دمشق، بناء على ذلك، دعم الموقف الروسي.
خلاصة وتوصيات
التوصيات بخصوص كبح طموحات ايران في سوريا والعراق تم بحثها مؤخرا في مكان آخر. هذا المقال يضيف اليها عدد من طرق العمل المحددة لمواجهة حركة القوات الايرانية بواسطة عدد من خطوط التموين الرئيسية.
أ – بصورة عامة تحتاج ادارة ترامب الى استراتيجية اقليمية شاملة تجاه ايران من خلال تجنيد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، بصورة مشتركة هي تزيد بدرجة كبيرة مكونات تحالف ايران – المحور وروسيا، بمفاهيم الجيش والموارد المالية. هناك أهمية كبيرة للثقة بالجيش الامريكي وقيادته. طهران تعمل منذ زمن حسب استراتيجيتها، ويمكن الادعاء انها تشكل تهديدا بعيد المدى وكبير على الولايات المتحدة وحلفائها من تهديد حركات الجهاد السنية. وهي ايضا تضعضع الشروط التي تحرك عدم الهدوء: يجب الحذر من وضع تستغل فيه القاعدة سقوط تنظيم الدولة الاسلامية. الولايات المتحدة يجب عليها وضع خطوط حمراء (وفقا لما قامت به في حالة سلاح الابادة الشامل في سوريا عن طريق هجمات بواسطة صواريخ موجهة)، واستخدام سلاحها الجوي والضغط من اجل تقليص حركة القوات الايرانية والسيطرة على ما يحدث في العراق وسوريا وعلى السياسات تجاه الاقلية الشيعية الايرانية – العلوية، التي تؤجج شعور الاغتراب في اوساط السنة. الولايات المتحدة يجب عليها الاظهار بأنها “القبيلة الاقوى”.
ب – على الولايات المتحدة القيام بهجمات على الطواقم الايرانية وعلى الارهابيين المتعلقين بها والذين ينوون مهاجمة الامريكيين وحلفائهم.
ج – على اسرائيل/ الولايات المتحدة/ دول الخليج فحص منح دعم خفي لرجال البشمارغا الاكراد في ايران وقوات اخرى تعارض طهران، بهدف دفع الثمن بسبب عدوانيتها وتشويش حركة القوات. اذا فضلت ايران العمل في المنطقة الرمادية دون الوصول الى مواجهة تقليدية، حينها فان هذا التكتيك من شأنه أن يعمل في اتجاهين. اذا كانت طهران قلقة بسبب مسائل الامن الداخلي والابقاء على النظام، يكون لديها موارد متاحة أقل وميل قليل للعمل في نشاطات تضعضع الاستقرار الاقليمي.
د – يمكن تطبيق هذا المنطق على سوريا بواسطة تجديد الدعم للمجموعات المتمردين غير المسلمة وزيادة الضغط على الاسد في مسألة جرائم الحرب وسلاح الدمار الشامل، والضغط ايضا على روسيا وطهران ودمشق في موضوع ارساليات السلاح لحزب الله.
هـ – على اسرائيل دراسة دعم وحدات الدفاع عن الشعب (واي.بي.جي) اذا اوقفت الولايات المتحدة مساعدتها. هذه الخطوة ستشكل قوة اضافية ضد المحور وستحبط الخطط الايرانية لانشاء خط تموين رئيسي عبر شمال سوريا والعراق، يشكل ثقل موازي للمساعدة التركية لحماس.
و – الولايات المتحدة يجب عليها تحديد خط احمر بخصوص نشاطات هجومية عراقية ضد كردستان العراق. ودعمها للقوات العسكرية. يجب التهديد بتدمير دبابات وسلاح ثقيل سيتم استخدامه ضد الاكراد، وتزويد البشمارغا بالوسائل الدفاعية عن انفسهم. كردستان مستقلة ستكون حليفة طوال الوقت وستمنع طهران من اقامة طريق الى البحر المتوسط وتجبر ايران والعراق على المواجهة مع مناطق غير آمنة.
ز – يجب تطوير دعم لمعسكر العبادي في بغداد امام جهات تؤيد ايران وتقديم مساعدة عسكرية وغيرها من اجل دمج مجموعات بي.ام.اف في قوات الامن العراقية من خلال تفكيك كل الوحدات القائمة التي تؤيد طهران. يجب اعطاء وزن مضاد في اعقاب وجود جهات لديها نوايا ارهابية في اوساط القوات العراقية. جهات من السعودية ودول الخليج يجب عليها التوجه لزعماء الشيعة والسنة المعارضين لايران.
ح – يمكن استغلال عمليات اعادة الاعمار في العراق وسوريا كمواز للتأثير الايراني.
ط – على الولايات المتحدة وحلفائها ابراز خطر ايران الذي يضر بالاستقرار، بقيامها بنشر السلاح والتآمر ودعم الارهاب في المنطقة وفي ارجاء العالم.
ي – العقوبات الجديدة للولايات المتحدة في مجال الارهاب ضد حرس الثورة وضد اشخاص وجهات مرتبطة بهم يجب أن تسري ايضا على نوايا تنفيذ العمليات الارهابية. يجب فرض عقوبات على الـ “ارتاش” (الجيش الايراني)، في اعقاب تدخله في سوريا وحضوره في الاقتصاد الايراني. كل واحدة من العقوبات التي ستفرض على ايران وعلى المحور وكلها معا ستتسبب بمشكلات كثيرة اكثر لتحرك القوات والاعمال العدائية.
ك – الولايات المتحدة يجب أن تسحب تصاريح الخروج للطائرات الامريكية وقطع الغيار المخصصة لايران.
ل – المجتمع الدولي يجب عليه أن يواظب على الاشراف والرقابة على المنشآت العسكرية وعلى المواقع غير المعلن عنها لايران، وكذلك البحث في امكانية وجود مخطط ايراني موازي. مطلوب بذل جهود كبيرة لتقليص برامج الصواريخ البالستية والصواريخ الموجهة. يجب تشديد الاتفاق النووي والابقاء لايران الاستخدام الصعب لمواجهة تجدد العقوبات المسببة للشلل.
م – القيادة السياسية والعسكرية في لبنان تعمل حسب خط حزب الله. يجب تجميد المساعدة العسكرية لجيش لبنان (مثلما فعلت السعودية). مطلوب تطبيق العقوبات المفروضة بصرامة ضد حزب الله ومواصلة المس بمصادر تمويله العالمية، وتشديد علاج الخلايا الارهابية له في اوساط حلفاء معينين للولايات المتحدة واعتباره منظمة اجرامية عالمية.
ن – على اسرائيل والولايات المتحدة والناتو والاتحاد الاوروبي واللاعبين الاقليميين تحديد التهديدات التي تنبع من سياسة المحور معارضة ومنع الوصول من جانب روسيا (إي 2/إي دي) والتعامل معها وفقا لذلك.
———————————————
فيلق الاجانب الشيعي لايران2
بقلم: افرايم كام
في السنوات الاخيرة ظهرت ظاهرة هامة ومقلقة في سلوك ايران الاقليمي. مستشارون عسكريون ايرانيون تحت قيادة “قوة القدس” كانوا متورطين في القتال في سوريا منذ 2012، أي تقريبا منذ بداية الحرب. الانعطافة بدأت في منتصف العام 2014 في اعقاب ظهور تنظيم الدولة الاسلامية وسيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق. في اعقاب التغيير الدراماتيكي في هذا الوضع نقلت ايران الى سوريا قوات برية بقيادة الحرس الثوري وقوة القدس من اجل القتال الى جانب الجيش السوري وانقاذ نظام الاسد من الضائقة الشديدة التي وجد نفسه فيها. ولكن عند الكشف عن تفاصيل التدخل العسكري الايراني في سوريا يتبين أن اساس القوات التي ارسلتها ايران الى سوريا من حيث العدد ليس قائما على قوات ايرانية بل على مقاتلي مليشيات شيعية منشأها اربع دول: لبنان والعراق وافغانستان وباكستان، وجميعها بقيادة ايران.
إن فكرة اقامة مليشيات شيعية مسلحة تنفذ ما تطلبه ايران ليست فكرة جديدة في استراتيجية النظام الايراني. لقد سبق للنظام الايراني في 1982، أي بعد ثلاث سنوات على الثورة الاسلامية في ايران، أن اقام منظمة حزب الله في لبنان لمحاربة الجيش الاسرائيلي نيابة عنه في جنوب لبنان. هكذا اهتمت ايران في السنوات الاخيرة بارسال آلاف المقاتلين من حزب الله الى سوريا لمساعدة نظام الاسد في حربه ضد اعدائه. في العقد الماضي انشأت ايران مليشيات شيعية مسلحة في العراق، تم تخصيصها لخدمة اهداف ايرانية: مساعدة المعسكر الشيعي – الذي هو معسكر الاغلبية في العراق – في السيطرة على مؤسسات الحكم وقوات الامن في الدولة، وطرد القوات الامريكية وترسيخ نفوذ ايران. المليشيات الافغانية والباكستانية هي مليشيات أحدث تم انشاءها في السنوات الاخيرة من قبل الايرانيين على اساس تجنيد لاجئين شيعة من هاتين الدولتين، الذين هربوا الى ايران وبقوا فيها. الكثير من بين هؤلاء اللاجئين تطوعوا للمليشيات الشيعية التي انشئت في ايران مقابل أجر أو تعهد بالحصول على الجنسية الايرانية أو الحصول على تصاريح اقامة وتصاريح عمل في ايران. “قوة القدس” جندت للمليشيا الافغانية متطوعين من اوساط الاقلية الشيعية في غرب افغانستان.
المليشيات الشيعية تم تنظيمها وتدريبها من قبل حرس الثورة الايراني و”قوة القدس” الخاضعة له من ناحية تقنية (رغم أن قائدها الجنرال قاسم سليماني يقوم بارسال التقارير مباشرة الى الزعيم الاعلى علي خامنئي). وقد تم وضع ضباط ايرانيين فيها كقادة ومدربين. وبعد التدريبات الاساسية يتم ارسالهم الى سوريا في مهمات قتالية، وقد قتل العديد منهم أو أصيبوا في المعارك. موقف روسيا من تشغيل المليشيات في سوريا ليس واضحا، لكن يتولد الانطباع بأنها تدعم مشاركتها في القتال، على الاقل في الساحة السورية. وعلى أي حال، هي لا تعارض ذلك – من ضمن امور اخرى ربما بسبب أن روسيا نفسها استخدمت مقاتلين متطوعين غير نظاميين في نشاطات عسكرية في اوكرانيا. يجدر الذكر في هذا الشأن أنه منذ مشاركة روسيا في القتال في سوريا هناك ضباط روس يتواجدون في غرفة عمليات مشتركة في سوريا مع ممثلين ايرانيين وممثلين عن حزب الله وعن جيش الاسد. والاقل وضوحا هو كيف سيتأثر موقف روسيا في موضوع استخدام المليشيات مستقبلا على ضوء اهتمامها بالتعاون مع الولايات المتحدة في ايجاد تسوية في سوريا.
من ناحية ايران، حزب الله هو المثال المطلوب للمليشيا الشيعية، منظمة ترتبط بحبل سري مع ايران أكثر بكثير من المليشيات الاخرى. وتوجد علاقة التزام متبادل بينهما أكثر مما هو بين ايران والمليشيات الاخرى. لقد تبنى حزب الله نموذج الحكم الايراني حيث يقف على رأس المنظمة رجل دين وليس شخصية سياسية أو عسكرية. إن قدرة حزب الله العسكرية هامة اكثر بكثير: لقد مر على وجوده 35 سنة، وحصل على تجربة خلال 18 سنة وأكثر في القتال ضد اسرائيل. في نشاطاته في لبنان يرى حزب الله نفسه محارب من اجل الوطن، والدافع الشيعي الديني والطائفي بارز وهام بالنسبة له اكثر مما هو لدى المليشيات الاخرى، لذلك فانه ايضا أكثر خطرا. في المقابل، تصعب رؤية مقاتلين شيعة من افغانستان أو باكستان، وبشكل معين حتى من العراق، يقاتلون بتضحية على ارض ليست ارضهم، على بعد مئات وآلاف الكيلومترات عن ارضهم، حتى أنهم ينفذون أوامر ايران، والدافع الديني الشيعي قوي لديهم.
حزب الله يمثل نموذج مفضل للمليشيا الشيعية لسبب آخر. لقد بدأ طريقه كمنظمة ارهابية صغيرة هدفها الاساسي اخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان – وايضا اخراج القوات الامريكية والفرنسية من بيروت – بواسطة ضرب جنودها. ولكن مع مرور الوقت تحول حزب الله بمساعدة ايران الى منظمة عسكرية صغيرة لكنها مزودة بسلاح نوعي، وضمن ذلك مخزون صواريخ كبير حوله الى الجهة العسكرية الاهم في لبنان. ولا يقل اهمية عن ذلك، أن حزب الله تحول الى تنظيم ديني، حزب سياسي وحركة اجتماعية هامة بالنسبة للبنان، وكذلك ساعد الطائفة الشيعية على أن تصبح اقلية هامة وقوية في لبنان، من خلال استغلال ضعف حكومة لبنان وجهازها العسكري. توجد لهذه المنظمة طموحات لتطوير المليشيات الاخرى المرتبطة بها، اساسا العراقية، كقوة عسكرية في دولها والمساعدة على توسيع نفوذ ايران فيها.
المليشيات الشيعية العراقية هي الثانية من حيث اهميتها. بعد العام 2014 تم تجميعها في اطار يسمى الحشد الشعبي (بي.ام.يو). وحسب ايران فان افضلية هذه المجموعات تكمن في أنها مرتبطة بها منذ اكثر من عشر سنوات وتوجد لها تجربة قتالية بعد المحاربة ضد القوات الامريكية التي كانت في العراق منذ احتلاله في 2003، بقيادة “قوة القدس”. ايران تسعى الى الاستعانة بها من اجل تعزيز المعسكر الشيعي، وتثبيت الممر من ايران الى سوريا والسيطرة الايرانية على طول مناطق الحدود بين العراق وسوريا، على جانبي الحدود، وتقليص تأثير الولايات المتحدة في المجال العراقي نفسه.
المليشيات الشيعية العراقية الاقدم انشئت في الفترة التي عملت فيها القوات الامريكية في العراق منذ احتلاله في 2003 وكرد على الاحتلال الامريكي. يمكن تقسيم المليشيات الى مجموعتين. المجموعة الاكبر تضم مليشيات انشئت ودربت من قبل ايران و/ أو دعمها بالسلاح والتمويل، وتم تدريب نشطائها على يد “قوة القدس”. الاكبر والاهم والاقوى بين هذه المليشيات هي منظمة “بدر” التي حاربت الى جانب ايران ضد جيش صدام حسين في الحرب العراقية الايرانية. وقيل في وسائل الاعلام إن قائدها هادي الاميري هو صديق مقرب لقائد قوة القدس، قاسم سليماني. مليشيتان اصغر، مرتبطتان بايران، هما عصائب اهل الحق وكتائب حزب الله.
هذه المليشيات الثلاث هاجمت القوات الامريكية في الفترة التي عملت فيها هذه القوات في العراق، وحاربت ضد مليشيات سنية عراقية وشاركت في تحرير اجزاء من العراق من سيطرة داعش وارسلت قوات للمحاربة في سوريا بقيادة ضباط ايرانيين. وهي مخلصة لايران التي تعتمد عليها في تنفيذ مهمات حساسة حتى لو كان اخلاصها اقل ضمانة من حزب الله اللبناني. مع ذلك هناك اعتقاد ان ايران غير معنية بأن تكون المليشيات العراقية قوية لدرجة التحرر من قيادتها، لذلك فهي تشجع التنافس فيما بينها. المليشيات العراقية عززت قوتها بعد ظهور داعش في العراق في 2014. بعد انهيار قوات الامن الحكومية العراقية في اعقاب مهاجمة داعش واحتلال الموصل من قبله في منتصف 2014، وقد اعتمدت الحكومة العراقية بدرجة كبيرة على المليشيات الشيعية من اجل صد داعش. ولكن في المعركة على تحرير الموصل في 2016 – 2017 فضلت الحكومة ان تبعد عن المعركة المليشيات الشيعية التي ارسل آلاف نشطائها للحرب من قبل ايران من اجل زيادة نفوذها وتدخلها في مجال العراق.
المجموعة الثانية تضم المرتبطة بالمؤسسة الدينية العراقية ومنظمات عراقية اخرى. الاهم منها هي المليشيا الخاضعة للزعيم الديني مقتدى الصدر، والمليشيا المتأثرة بالزعيم الديني الاعلى في العراق آية الله علي السستاني. هذه المليشيات تتحفظ من النفوذ المتزايد لايران في العراق وفي المجال، ورغم أنه توجد لايران علاقة محدودة معها ايضا، فانها لا تساعدها في الحرب في سوريا.
يصعب تقدير حجم القوات الواقعة تحت تصرف المليشيات الشيعية، لكن حسب معظم التقديرات، يصل عددها الى 100 ألف مقاتل. حسب احد التقديرات تضم المليشيات عدد من المقاتلين كما هو مفصل ادناه:
1- حزب الله اللبناني – 45 ألف مقاتل، تم ارسال 6 – 8 آلاف منهم للقتال في سوريا.
2- المليشيات العراقية – 100 ألف مقاتل، 80 ألف منهم ينتمون للمنظمات المدعومة من ايران. وهذه تضم: 10 – 20 ألف مقاتل في تنظيم “بدر”، ارسل منهم بضعة آلاف الى سوريا، 10 آلاف مقاتل في “كتائب حزب الله”، ارسل منهم 1000 – 3000 مقاتل الى سوريا، اعداد مشابهة توجد في تنظيم عصائب اهل الحق.
3- لواء”الفاطميون” الافغاني – 2000 – 3000 مقاتل
4- لواء “الزينبيون” الباكستاني – عدد مشابه، ارسل منهم ألف مقاتل الى سوريا.
ايران تفضل استخدام المليشيات الشيعية في الحرب في سوريا بدل قواتها لعدة اسباب. هي تريد الحفاظ على حرية حركتها وعدم التورط في القتال المباشر أمام اعداء مثل الولايات المتحدة واسرائيل. مهم لها ايضا الظهور، كما تدعي حتى الآن، وكأن الجيش الايراني لا يقاتل في سوريا، لكنه يقوم بدور المستشارين والمدربين فقط، رغم أن الخسائر الكبيرة التي حلت بالقوات الايرانية تظهر أنهم شاركوا في القتال. من المهم لايران ايضا ان تثبت أن الحرب في سوريا ليست شأن ايراني بل هي قضية المعسكر الشيعي بمجمله، وابراز قوة هذا المعسكر. ولكن استخدام المليشيات يمكن اعداء ايران، على رأسهم الولايات المتحدة واسرائيل، من ضرب المليشيات، اذا كانت حاجة الى ذلك دون تورطها بالضرورة في الحرب مع ايران نفسها لأنه من المعقول الافتراض أن ايران لن تسارع الى الرد بنفسها بمستوى هام على ضرب وكلائها. هكذا تضرب اسرائيل بين الفينة والاخرى حزب الله، في الاساس قوافل السلاح المرسلة اليه، وفي حالات استثنائية ضرب تحضيرات هذا التنظيم لضرب اهداف اسرائيلية. القائد السابق لسلاح الجو الاسرائيلي، امير ايشل، اعلن أن اسرائيل هاجمت منذ 2012 ما يقرب من مئة مرة قوافل سلاح كانت مرسلة لحزب الله وتنظيمات اخرى. في معظم الحالات حزب الله لم يرد على هذه العمليات، والاهم من ذلك، ايران ايضا لم ترد على ضرب حزب الله. ايران والمليشيات ايضا لم ترد على ضرب الولايات المتحدة لقوة المليشيات في شرق سوريا في حزيران 2017.
من خلال سلوك حزب الله يمكن ايضا الفهم أنه يمكن ردعه. صحيح، ايضا بعد خروج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان في 2000 واصل حزب الله تحدي اسرائيل، بالاساس عن طريق محاولات خطف جنود من الجيش الاسرائيلي. التحدي الاساسي المتعمد لحزب الله ضد اسرائيل كان في حزيران 2006، وهو الذي أدى الى اندلاع حرب لبنان الثانية. رئيس حزب الله حسن نصر الله اعترف علنا بأن ذلك جاء نتيجة الخطأ في التقدير. صحيح، فمنذ تلك الحرب امتنع حزب الله بشكل عام عن تحدي اسرائيل خوفا من ردها، كما حذرت اكثر من مرة، بضرب اهداف في لبنان، وليس فقط ضرب حزب الله. الامر الذي يعني أنه ربما يمكن ردع المليشيات التي انشئت ايضا لاحقا، والتي دوافعها لتحدي الولايات المتحدة واسرائيل يمكن أن تكون اقل من دوافع حزب الله.
من المعروف أنه لا يمكن المقارنة بين قوة المليشيات العسكرية وقوة الولايات المتحدة واسرائيل العسكرية. لا توجد للمليشيات قوات جوية أو سلاح دقيق، قوة المدرعات والمدفعية وجودة الاستخبارات لها محدودة، وهي ليست مدربة على استخدام أطر اكبر. قدرة ايران على مساعدتها محدودة، كما أنها تعمل على بعد كبير من قاعدة انطلاقها، حتى اذا نجحت ايران في بناء وتأسيس الممر الذي يربط بين ايران وسوريا ولبنان. في هذه الحالة فان القوافل التي ستمر في هذا الممر وتكون مرافقة من قبل المليشيات يمكن أن تكون مكشوفة للهجمات الجوية من قبل اعداء ايران.
من المشكوك فيه ايضا هو مستوى الدافعية لدى المليشيات واصرارها على تحقيق اهدافها. ان دوافع كثير من رجال المليشيات الباكستانية والافغانية ليست وطنية – دينية، بل هي تنبع من الوعود بالحصول على منافع تتمثل بالأجر والحصول على المواطنة الايرانية واماكن عمل في ايران. في اوساط عدد من القيادات الشيعية في العراق التي لا ترتبط بالمليشيات العاملة في سوريا هناك تحفظ من توسع نفوذ ايران في العراق، وهذا التحفظ من شأنه التأثير على استعداد المليشيات العراقية للحرب في صالح ايران. هذا ما جاء على لسان رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، الشيعي الذي لا يؤيد دخول المليشيات العراقية الى سوريا، حتى لا يورط العراق في الحرب الاهلية السورية.
رغم محدودية القوة العسكرية للمليشيات، لا يجب التقليل من قدرتها على تنفيذ العمليات الارهابية ضد القوات البرية لاعدائها. لقوات الولايات المتحدة التي تواجدت في العراق في الاعوام 2003 – 2011 كان 4500 قتيل – بضع مئات منها كانت نتيجة عمليات نفذت من قبل منظمات من نوع المليشيات الشيعية. ايضا لا يمكن تجاهل حقيقة أن حزب الله نما من منظمة ارهابية صغيرة ليصبح منظمة تشكل تهديد استراتيجي على اسرائيل. في رؤية بعيدة المدى، لا يمكن الغاء احتمال أنه لو لم يتم وقف المليشيات الشيعية كانت ستتطور بمساعدة ايران لتصبح تهديد استراتيجي لاعدائها.

الخلاصة
إن نظام المليشيات الشيعية المسلحة يتوقع أن يتسع ويتعزز مستقبلا من ناحية الكم والكيف الى أن يتم كبحه. من المعقول الافتراض أن ايران ستعمل على زيادة عدد المقاتلين في صفوفها لتحسين نوعية السلاح الموجود في حوزتها. على أي حال، استمرار القتال في سوريا، والنشاطات العسكرية المشتركة مع الوحدات الايرانية، والتجربة المتراكمة واستخلاص الدروس منها وتحسين الوسائل القتالية – كل ذلك يتوقع أن يحسن المستوى التنفيذي للمليشيات. اذا نجحت ايران في اقامة وضمان الممر من ايران الى سوريا ولبنان فستزداد تشكيلة المليشيات، سواء كان ذلك نتيجة تعزيز قوة حزب الله والمليشيات العراقية أو نتيجة ايجاد اطار قوي وثابت للمليشيات.
إن تثبيت تشكيلة كبيرة وقوية للمليشيات الشيعية بقيادة ايران في المنطقة بين ايران وسوريا ولبنان – وبالاساس اذا انضم الى ذلك نجاح ايران في تثبيت الممر بين ايران ولبنان – سيبث التهديدات والاخطار نحو عدد من دول المنطقة، وكذلك نحو الولايات المتحدة واسرائيل. اولا، هذه العملية ستعزز سيطرة ايران وتأثيرها كجهة مركزية في هذا الفضاء الهام، وستضطر الدول والمنظمات الموجودة في هذا الفضاء الى أن تأخذ في الحسبان مصالح ايران ونفوذها ونشاطاتها.
ثانيا، ايران من شأنها استغلال مكانتها المتعززة والادوات الجديدة التي ستكون تحت تصرفها من اجل التدخل في دول المنطقة والتأثير على الانظمة الداخلية فيها لترجيحها في صالحها. إن هذا التدخل من شأنه ايضا أن يضعضع الاستقرار الداخلي في هذه الدول. إن تطور السيطرة الشيعية في العراق وسوريا ولبنان من شأنه خلق تهديد ايضا على الاردن وتركيا، رغم أنه مسموح لنا الافتراض أن ايران لن تسارع الى تحدي تركيا على الاقل، وستفضل التعاون معها، رغم أنه في هذه الاثناء تعمل المليشيات الشيعية بعيدا عن الاراضي التركية. من المعقول الافتراض أن السعودية ودول الخليج تقلق من استخدام هذا الجيش الشيعي متعدد القوميات. لأنها سترى فيه جزء من الصراع بين المعسكر الشيعي والمعسكر السني، وستخشى من أن تفعيل المليشيات في سوريا سيشكل سابقة لتفعيل مليشيات كهذه في دول اخرى – على سبيل المثال في اليمن.
ثالثا، ايران من شأنها أن تضع اخطار جديدة أمام اسرائيل. من الان هناك دلائل على أنها تفحص وضع قوات مرتبطة بها في هضبة الجولان السورية. والفكرة ستكون توسيع الجبهة أمام اسرائيل من جنوب لبنان حتى هضبة الجولان، وبالتالي تهديد اسرائيل من زاوية اخرى. ومن المعقول اكثر الافتراض أن ايران ستفضل أن لا تضع قوات ايرانية في هضبة الجولان خوفا من أن تشكل هذه هدفا سهلا للضرب من قبل اسرائيل عند الحاجة. يمكن أن تختار وضع قوات من حزب الله أو مليشيات شيعية اخرى (عراقية في الاساس) في هضبة الجولان لفترة طويلة، وبهذا مد جبهة واسعة امام اسرائيل، تمتد من جنوب لبنان الى هضبة الجولان. إن نقل وسائل قتالية للقوات التي ستحتل هذه الجبهة سيكون اسهل واسرع اذا تم ذلك عن طريق الممر شريطة أن تجد ايران ردا على الامكانية التي ستتاح لاسرائيل لمهاجمة قوافل السلاح في طريقها من ايران الى سوريا ولبنان. من جهة حزب الله فان تفعيل القوات في هضبة الجولان ايضا سيعطي المنظمة مرونة وتنوع اكثر لطرق العمل ضد اسرائيل، وربما تقليص اخطار رد اسرائيلي تجاه اهداف لبنانية.
ما الذي يمكن فعله من اجل وقف بناء الممر من ايران الى سوريا ولبنان، ودخول ايران ووكلائها الشيعة الى هضبة الجولان؟ الممر مهم لايران لنقل الوسائل القتالية والقوات، وفي الاساس لحزب الله، كخط بديل أو مزدوج للخط الجوي من ايران في حال أن هذا الخط قد تشوش. اسلوب آخر تستخدمه ايران من اجل نقل الوسائل القتالية لحزب الله من خلال طريق اقصر واسرع هو عن طريق بناء مصانع للسلاح في سوريا ولبنان، لذلك من المهم التوصل الى تفاهم بين اسرائيل والولايات المتحدة بخصوص الخطوات المطلوبة لابعاد ايران ووكلائها عن هضبة الجولان. ومن المهم أن هذه الخطوات يجب اتخاذها في مرحلة مبكرة بقدر الامكان. لأنه بعد أن يضرب حزب الله والمليشيات جذورهم في الارض سيكون من الصعب اقتلاعهم. من ضمن امور اخرى، من المهم أن يتم في اطار التسوية العتيدة بخصوص سوريا، اذا تم التوصل اليها، ابعاد القوات الايرانية والمليشيات بقدر الامكان عن هضبة الجولان. ورغم ذلك اذا تم وضع قوات لحزب الله أو المليشيات الشيعية الاخرى في هضبة الجولان فسيكون من الواجب على اسرائيل التوضيح أنها لن تضع حدود لردها في حال تم تنفيذ عمليات من هضبة الجولان ضد اهداف اسرائيلية.
في اطار التشويش على بناء الممر ستكون حاجة لمنع نقل وحدات شيعية عسكرية وقوافل سلاح نوعي باتجاه هضبة الجولان ولبنان، وردع ايران عن استخدام الممر بحرية وبشكل دائم. اسرائيل تضرب من حين لآخر في السنوات الاخيرة قوافل السلاح من سوريا الى حزب الله في لبنان.
إن ضرب الممر سيكون أكثر اهمية اذا اخذت الادارة الامريكية على مسؤوليتها جزء من دور الردع في هذه القضية عن طريق مهاجمة قوافل السلاح في عمق سوريا والعراق، بعيدا عن اسرائيل. حقيقة أن وزير الدفاع الامريكي اعلن في حزيران 2017 أن الولايات المتحدة تبذل الجهود لمنع ايران من الدخول الى المناطق التي أخلاها داعش وأن طائرات امريكية هاجمت قافلة للسلاح للمليشيات في المثلث الحدودي سوريا – العراق – الاردن، تدل على أنه في ظروف معينة ستكون ادارة ترامب مستعدة للعمل على وقف نشاطات المليشيات الشيعية في شرق سوريا وغربها.
ولكن من الصعب علينا تحديد سياسة ترامب في هذه المسألة. التقارير الواردة من واشنطن يمكن أن توضح أن هناك انقسام حول هذا الموضوع في قمة الهرم في الادارة الامريكية، وأن وزير الدفاع وقادة الجيش غير معنيين بالوصول الى مواجهة حقيقية مع ايران وحلفائها حول قضية تدخلها في سوريا، لأنه حسب رأيهم، الافضلية هي تصفية داعش وليس اسقاط نظام الاسد وصد ايران. ترامب نفسه عرف ايران بأنها تهديد من الدرجة الاولى حيث أن جزء مهم من هذا التهديد ينبع من نشاطها الاقليمي. الادارة من شأنها أن تفهم في المستقبل أن الرابح الاساسي من هزيمة داعش ومن الاتفاق في سوريا سيكون ايران. وأنه لا يوجد لاعب اقليمي يستطيع وحده صد ايران. فكيف وقد ضمت الى ادواتها المليشيات الشيعية التي يحتمل في المستقبل أن تزداد قوتها من حيث الكم والنوع. اذا كانت هذه هي استنتاجات الادارة الامريكية فيجب عليها استثمار موارد كبيرة في صد ايران وحلفائها.
اضافة الى ذلك، احتمال دق اسفين بين حزب الله وايران هو ضعيف لأن علاقتهما عميقة وواسعة، لكن هناك امكانية لمحاولة التفريق بين المليشيات الشيعية العراقية وايران. صحيح أن عشرات آلاف المقاتلين في المليشيات الشيعية العراقية واقعين تحت إمرة ايران خلال القتال في سوريا، لكن عدد لا بأس به من الشيعة العراقيين يتحفظون من زيادة نفوذ ايران في العراق ومن تدخل العراق في سوريا. ايضا ذكرى الحرب العراقية الايرانية التي سقط فيها مئات آلاف الجنود من الطرفين لا تساهم في التقريب بينهما. بناء على ذلك يجب عدم استبعاد امكانية أن جهدا امريكيا كبيرا لتعزيز العلاقات مع الحكومة العراقية، وتعزيز القوات الامنية العراقية مقابل المليشيات واظهار الخلافات بين ايران والمليشيات العراقية من شأنها أن تبعد المليشيات عن ايران.
وأخيرا، سواء الولايات المتحدة أو اسرائيل ودول اخرى في المنطقة، يجب أن تأخذ في الحسبان أن قوات ايران ووكلائها يتوقع أن يخرجوا اكثر قوة من مشاركتهم في المعارك السورية ومن الاتفاق الذي سيأتي بعدها. لقد راكمت ايران تجربة قتالية لم تحصل عليها منذ انتهاء الحرب مع العراق. حزب الله والمليشيات الاخرى راكمت تجربة في نوع من الحرب لم تجربه في السابق. يوجد لايران ووكلائها فرصة للتعلم عن قرب كيف تقوم روسيا بادارة الحرب الحديثة. المليشيات الشيعية ستتبلور وتصبح قوة فعالة واكبر حجما، حيث تستطيع الوقوف تحت تصرف ايران في فرص اخرى. ايران ستحاول فتح جبهة اخرى امام اسرائيل في هضبة الجولان، كما يبدو من خلال حزب الله، حيث سيساعدها في ذلك تفعيل الممر من ايران. توجد في الاجندة ايضا صفقة سلاح كبيرة بين روسيا وايران، التي ستجدد الوسائل القتالية القديمة الموجودة لدى القوات الايرانية، ويمكن أنه عن طريقها سيتم نقل انظمة سلاح اكثر تطورا لحزب الله.
———————————————
اليوم الذي يعقب تنظيم الدولة الاسلامية3
بقلم: مارتا بورلان وكرميت بالانسي*
تطور داعش: 2003 – 2014
سنبدأ باستعراض قصير لتطور هذا التنظيم، الذي سيمكننا من تسليط الضوء على قدرته على التكيف واعادة التنظيم كمقياس يمكنه أن يشير الى التغيرات التي ستحدث فيه مستقبلا. بعد ذلك سنحلل الردود المتوقعة الاكثر منطقية من جانب التنظيم على هزيمته العسكرية في سوريا والعراق.
جذور تنظيم الدولة الاسلامية مغروسة في السياق العراقي في 2033 وفي تنظيم المتمردين “التوحيد والجهاد” (تي.دبليو.ج) الذي بدأ بقيادة أبو مصعب الزرقاوي بحملة عديمة الرحمة من خلال هجمات ارهابية ضد القوات التي شاركت في عملية الحرية للعراق “أو.آي.اف”. مع ذلك، تم تقييد قدرات التنظيم العملية في اعقاب النقص في الموارد المالية والاعتماد المبالغ فيه على المقاتلين الاجانب، التي صعبت على التنظيم الاندماج في حركة التمرد العراقية.
الحاجة الى مواجهة نقاط الضعف هذه وتعزيز صورة التنظيم “التوحيد والجهاد” في اوساط المليشيات العراقية، هي التي جعلت الزرقاوي في 2004 يقوم بمبايعة ابن لادن، الذي كان معنيا بتوسيع تأثير القاعدة في العراق بعد التراجع الذي حدث لقواته في افغانستان. بعد الاندماج مع القاعدة تغير اسمه من “التوحيد والجهاد” لصبح “ارض النهرين” أو “قاعدة العراق” (إي.كيو.آي) الذي اصبح لاعبا هاما في الساحة العسكرية في العراق. وازداد نفوذه بشكل خاص بعد الانتخابات البرلمانية في كانون الاول 2005 عندما وحد الزرقامي مجموعات المتمردين المقربة منه تحت منظمة واحدة باسم مجلس الشورى للمجاهدين (ام.اس.سي) بهدف ضم التنظيمات الجهادية الاخرى، وزاد الهجمات العنيفة للقاعدة في العراق “قاعدة العراق” على اهداف شيعية من اجل خلق توترات طائفية تعزز تأييد السنة لحركات التمرد.
على هذه الخلفية قتل الزرقاوي في 2006 من خلال تصفيته على أيدي قوة امريكية مشتركة، وشكل قتله عقبة أمام “قاعدة العراق”. عمليا، منذ بداية طريقه وحتى التآكل الداخلي للتنظيم، فان التوافق الداخلي في صفوفه والهوية الموحدة لنشطائه كانت ترتبط بوجود النظام الداخلي الذي بني حول شخصية الزرقاوي. بموته انهار هذا الاساس، الذي مكن التنظيم من موضعة نفسه كأحد اللاعبين الاساسيين في حركة التآمر العراقية. والقاعدة في العراق مرت بعملية جوهرية من اعادة التنظيم وتغيير استراتيجيتها. التنظيم بني من جديد تحت القيادة المشتركة لأبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي. قواته مرت بعملية عرقنة وخلاياه مرت بعملية بيروقراطية وتخفيف، والتي اخضعها لنظام بيروقراطي غير فعال وأدى الى نشرها بصورة مبالغ فيها في ارجاء العراق. نتيجة ذلك، حدث في “قاعدة العراق” انقسام داخلي هام، وحدث انعدام تنسيق اساسي قيد قدرته التنفيذية وتحول الى نقطة الضعف الاساسية للتنظيم.
في كل ما يتعلق بطريقة عمله، فان العمليات العسكرية والارهابية التي ميزت التنظيم منذ بدايته بقيت جوهر استراتيجيته، لكنها وجهت نحو هدف جديد، حيث أن هذا التنظيم سعى الى اقامة دولة اسلامية في العراق وصنف نفسه من جديد في 2006 كـ “تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام – داعش”. إلا أن المعركة العسكرية العنيفة التي تبناها التنظيم ووجهت بمعارضة في مناطق مختلفة في العراق مثل محافظة الانبار. في هذه المحافظة عارضت القبائل السنية محاولة التنظيم في العراق فرض سيطرته واقامت في 2008 مجلس عسكري “الصحوة” الذي حارب ضد التنظيم، وأضر بقدرته التنفيذية وهز مصداقيته.
عندما قتل المصري والبغدادي في 2010 فان النظرة العامة كانت أن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق يتوقع أن يتفكك. مع ذلك، في نفس السنة تحول أبو بكر البغدادي الى الزعيم الجديد للتنظيم وقام باعادة تنظيم شاملة على قاعدة نجاحات واخطاء الماضي: لقد عزز العلاقات الداخلية داخل التنظيم بهدف تعزيز سيطرته وأعاد تفعيل نموذج القيادة المركزية حول شخصيته ومكن من تحقيق مستويات عالية من القدرة على التنسيق العملياتي، وكذلك جعل النظام البيروقراطي غير الناجع الذي كان سائدا في المرحلة السابقة اكثر بساطة. على المستوى الاستراتيجي خفف المقاربة القاسية التي تبناها الزرقاوي ضد اعدائه – لا سيما ضد الشيعة في العراق – والتي أدت في نهاية المطاف الى خسارة الدعم من جانب الكثير من أبناء الشعب العراقي، وأوجدت انقسام في صفوف حركة المعارضة السنية في العراق وأثارت انتقاد المعلم الروحي للزرقاوي – المقدسي – ومعظم اعضاء قيادة القاعدة، بما في ذلك ابن لادن والظواهري.
اضافة الى جهود التنظيم وتغيير التفكير الاستراتيجي فقد لاءم البغدادي اهداف التنظيم – اقامة دولة اسلامية – مع التغيرات التي حدثت في ارجاء الشرق كنتيجة مباشرة لاحداث الربيع العربي التي بدأت في كانون الاول 2010، وخاصة انهيار عدد من الدول القومية التقليدية، وفقدان شرعية معظم الانظمة في المنطقة وتعمق الفجوة بين السنة والشيعة. على خلفية هذه التطورات وسع البغدادي استراتيجية الدولة الاسلامية في العراق الى ما هو أبعد من البعد العسكري – الجغرافي، بهدف زيادة فعالية نشاط التنظيم. بعد أن اختار البغدادي مركز المنطقة المأهولة بالسنة التي تشمل غرب العراق وشرق سوريا كموقع مفضل بالنسبة لتنظيم الدولة الاسلامية المستقبلية، ركز نشاطات التنظيم في الدولتين، بفضل مستوى التنسيق العالي الذي تسنى له بعد تجديد القيادة المركزية. في السياقين اثبتت الدولة الاسلامية في العراق قدرتها في المستوى العسكري والاجتماعي معا: من جهة، حارب التنظيم بنجاح ضد اعدائه الذين واجههم على الارض، ومن جهة اخرى حاول تبني بنية تشبه الدولة اكثر وقدم للسكان احتياجات مثل الغذاء والخدمات مثل التعليم التي لم تستطع الحكومات تقديمها. نجحت الدولة الاسلامية في طرح نفسها كبديل شرعي وحيد وأن تحظى بشعبية في اوساط السنة. وذلك من خلال استغلال عدم قدرة الحكومة في بغداد وفي دمشق لاعطاء رد على الاحتياجات الاساسية والمطالب السياسية للسكان؛ واستغلال ضعفها وفي نهاية الامر انهيار بنية الدولة في العراق وسوريا بعد الربيع العربي، التي كشفت عن انعدام الشرعية للحكومات المركزية، وكذلك الاغتراب الذي شعرت به الطوائف السنية المحلية. بهذه الصورة نجحت الدولة الاسلامية في العراق في مد المناطق التي تحت سيطرتها الى عدد من المناطق الاخرى في العراق وسوريا. بعد تنكره للقاعدة اعلن التنظيم في 29 حزيران 2014 عن اقامة الخلافة الاسلامية لبلاد الشام والعراق (الدولة الاسلامية) وبذلك حقق طموحات المؤسس الزرقاوي.
من النجاحات المبكرة الى الهزائم الأخيرة (2014 – 2017)
بعد استعراض نمو تنظيم الدولة الاسلامية من انقاض القاعدة والدولة الاسلامية في العراق، من المناسب مناقشة تاريخ الخلافة باختصار، بدء من الاحتلالات وتعزيز القوة التي حدثت في الفترة الاولى وحتى الهزائم والضعف في الاشهر الاخيرة. عند الاعلان عن اقامة الخلافة الاسلامية، استكمل التنظيم بزعامة البغدادي التغيير الذي حدث فيه، من منظمة ارهابية تشارك في عمليات عسكرية عنيفة، الى تنظيم شبه دولة يعمل على تقديم حكم للسكان، بما في ذلك ضمان توفير الاحتياجات والخدمات، كذلك الامن والنظام عن طريق استخدام نظام شرطي وتطبيق للقانون. في اطار استكمال عملية التغيير تبنى التنظيم بنية حكومية ناجعة شبه هرمية. انشأ مؤسسات سياسية وارتجل ووسع مدى النشاطات غير العنيفة. على رأس قمة الهرم وقف البغدادي ونائبين له، خاضعين له مباشرة، هما يشكلان الذراع التنفيذي المعروف باسم “العمارة”، المسؤولان عن نقل أوامر البغدادي الى حكام الاقاليم. تحت “العمارة” يتألف مبنى الهرم من ثمانية مجالس: مجلس الشورى المسؤول عن الامور الدينية؛ مجلس القضاء المسؤول عن حل النزاعات العائلية والاخلال بالقانون وفرض العقوبات؛ مجلس الأمن المسؤول عن الامن الداخلي وفرض النظام العام؛ مجلس جمع المعلومات الاستخبارية المسؤول عن توفير المعلومات للقيادة بخصوص الخصوم والاعداء؛ المجلس العسكري المسؤول عن شؤون القتال وتجهيز ساحات الدولة الاسلامية؛ المجلس الاقتصادي المسؤول عن الموارد المالية للتنظيم بما في ذلك بيع النفط والسلاح؛ مجلس مساعدة المقاتلين المسؤول عن تجنيد متطوعين اجانب وتهريبهم الى مناطق مختلفة وتخصيص السكن وتوفير احتياجاتهم؛ مجلس الاتصالات المسؤول عن نشر الرسائل والبيانات الرسمية للدولة الاسلامية وادارة الحسابات للتنظيم في الشبكات الاجتماعية ومتابعة مواقع الانترنت بالتعاون مع مجلس القضاء.
في أسفل الهرم توجد قوة كبيرة للمقاتلين الاجانب والمحليين المنظمين في ثلاثة مستويات. هذه البنية تمكن القيادة من السيطرة بصورة أقوى على الاعضاء، وفرض مهمات عسكرية وحكومية بنجاعة اكبر، ونشر المقاتلين بشكل اكثر نجاعة في مناطق المعارك.
عن طريق مبنى متماسك يشبه دولة الذي يميز بين الدولة الاسلامية وبين تنظيمات ارهابية تقليدية، نجح التنظيم بزعامة البغدادي في اعطاء تعبير مؤكد لسلطته في مجالات مختلفة في الحياة العامة وتوسيع نشاطاته الاجتماعية. لقد قام بشق الطرق واقامة الجسور وساعد الفقراء على اعادة تأهيل انفسهم ووفر الكهرباء وانشأ خطوط للاتصالات وانشأ اسواق للتجارة واقام مكاتب للجباية وتوزيع اموال الزكاة وأسس المدارس وحافظ على النظام والامن العام من خلال نشر قوات شرطية وضمن الحفاظ على القانون والنظام بواسطة انشاء المحاكم التي تعمل حسب الشريعة.
اضافة الى ذلك واضافة لتقديم خدمات للسكان، واصل تنظيم الدولة الاسلامية الاعتماد على الوسائل العسكرية لمحاربة اعدائه واتباع تكتيكات عنيفة مثل الاعدام العلني والتعذيب، لزرع الذعر في اوساط السكان ومنع انتفاضات شعبية ضده. هذه الازدواجية مكنت التنظيم من تعزيز سيطرته في مناطق الجزيرة، المأهولة بمعظمها بالسنة وتطبيق نظامه فيها، والسيطرة على الموارد الطبيعية في المناطق التي احتلها واستغلالها لتمويله الذاتي والحصول على التأييد، أو على الاقل، الموافقة صامتة من السكان المحليين المذعورين والمعزولين.
ولكن النجاح المبكر لتنظيم الدولة الاسلامية بدأ يتضعضع بعد أن وصل توسع التنظيم الى الذروة في منتصف العام 2015. منذ تكبد التنظيم عدد من الخسائر التي ادت الى تقليص واضح في المناطق والسكان تحت سيطرته: كما جاء في “آي.اتش.اس كونفليكت مونيتر” ومنظمة “راند”، المنطقة التي تقع تحت سيطرة الدولة الاسلامية تقلصت بنسبة 60 في المئة بين 2015 – 2017، وعدد الاشخاص الذين يعيشون تحت حكمها انخفض من 9.6 مليون نسمة في خريف 2014 الى 2.6 مليون نسمة في شتاء 2016 – 2017. اضافة الى خسارة الاراضي سجل ايضا هبوط مشابه في مداخيل التنظيم في السنوات الاخيرة. التي هبطت من 1.9 مليار دولار في 2014 الى 870 مليون دولار في 2016. كما أكد بحث اجراه مؤخرا المركز الدولي للابحاث الراديكالية والعنف السياسي “آي.سي.اس.آر”، حيث أن خسارة السيطرة على المناطق تسبب للدولة الاسلامية بخسارة فعلية في مصادر الدخل الاساسية لها. وفوق ذلك آبار النفط التي اعتمد التنظيم على مداخيله منها بدرجة كبيرة، وهو الذي ساهم في تحويله الى “تنظيم الارهاب الاغنى في العالم”.
هذا الربط بين خسارة المناطق والخسائر المالية ضعضع قدرة حكم التنظيم لأنه وجد نفسه بدون السيطرة الجغرافية المطلوبة من اجل فرض حكم موثوق وبنية ثابتة تشبه الدولة، وبدون الموارد المالية الضرورية لوجود نظام حكم ناجع. النتيجة هي تقليص الدولة الاسلامية لحجم حكمها وركزت بدل ذلك على نشاطات عسكرية هدفها ضمان بقاء التنظيم واعادة وجوده في المناطق التي فقدها. في هذا السياق تجدر الاشارة الى كيف أن خسارة المناطق والخسائر المالية أدت بالدولة الاسلامية الى التخلي عن المعارك العسكرية التقليدية التي خطط لها البغدادي منذ قيام قيادته الاولى والعودة الى حرب العصابات التي أيدها الزرقاوي منذ المرحلة الاولى لوجود القاعدة في العراق. توجد فعليا لحرب العصابات ميزة جوهرية مقارنة مع العمليات العسكرية التقليدية: التنظيم يمكنه تنفيذها ايضا عندما تكون موارده المالية محدودة، يمكن تنفيذها بصورة ناجعة عن طريق خلايا صغيرة ولا تحتاج سيطرة التنظيم على مناطق. كان يمكن رؤية هذا التغيير في صورة نشاط التنظيم في القتال على الموصل، الذي اعتمد فيه التنظيم في الاساس على تكتيك القتال غير المتناظر في منطقة حضرية، والذي تضمن استخدام القذائف المدفعية وكمائن مخفية والعبوات الجانبية والسيارات المفخخة، التي تم تفجيرها من قبل انتحاريين.
أخيرا، كجزء من خسارة مناطق في الفترة الاخيرة، نفذ داعش ملاءمة تتعلق بتفكيره الاستراتيجي. في هذا السياق أكد بشكل كبير على أهمية ضرب العدو الغربي “البعيد”، وعلى أهمية انتشار مقاتليه أبعد من منطقة الجزيرة والانضمام الى الجهاديين في ارجاء العالم الغربي. بكلمات اخرى، يبدو أن الدولة الاسلامية وسعت استراتيجيتها المحلية وتبنت خطاب استراتيجي أكثر عالمية، يشبه الذي تم تبنيه بصورة تقليدية من قبل القاعدة. إن اعادة التفكير هذه وفرت السياق لهجمات ارهابية للافراد الذين عملوا بالهام من التنظيم في مدن اوروبية كبيرة مثل باريس وبروكسل ولندن، وانضمام مقاتلي التنظيم لساحات قتال جهادية في اماكن مثل ليبيا وافغانستان وجنوب شرق آسيا.
ورغم ذلك، يستمر التنظيم في العمل في منطقة الشرق، وحتى الآن لم يتنازل بصورة مطلقة عن خصائصه الجغرافية المحلية. حسب البنتاغون هناك نحو 20 ألف مقاتل في صفوف الدولة الاسلامية ما زالوا يسيطرون على مناطق في سوريا والعراق (حتى آب 2017). بين 5 – 10 آلاف مقاتل يوجدون الآن في سهل الفرات الاوسط، من دير الزور وحتى الحدود بين العراق وسوريا.
هذه التطورات التي حدثت مؤخرا حول الدولة الاسلامية تطرح اسئلة هامة بخصوص المرحلة القادمة في حياة التنظيم، وهي تقتضي تقدير بخصوص طريقة التطور الاكثر معقولية للدولة الاسلامية.

ماذا يخبيء المستقبل للدولة الاسلامية بعد الهزيمة العسكرية
على خلفية قدرة التنظيم السريعة على اعادة النهوض والتكيف التي وصفت أعلاه، كما أظهرها التنظيم في الـ 15 سنة من حياته، يدعي هذا المقال أنه بعد هزيمته عسكريا، لن يختفي، بل سيغير صورته وسيكيف نفسه مع الظروف المتغيرة: السيناريوهات الاكثر معقولية من ناحية تطور التنظيم الداخلي في كل ما يتعلق باعادة تنظيم وتغيير التفكير الاستراتيجي هي كما يلي:
امارات صغيرة – تطور التنظيم الى عدد من الكيانات الصغيرة في ارجاء الشرق الاوسط وخلفه (مثلا، في شمال افريقيا وجنوب آسيا) في اطار شبكة اضعف تشبه بدرجة كبيرة ما حدث في 2001. “غموض القاعدة”، بدل البقاء كتنظيم واحد وموحد من شأن التنظيم أن ينقسم الى تنظيمات فرعية كثيرة ترتبط الواحدة بالاخرى ايديولوجيا، لكن تكون مستقلة في كل ما يتعلق بالتمويل وتحديد الاهداف والاستراتيجية وادارة العمليات فعليا. الافتراض الاساسي لهذا السيناريو هو أن التيار السلفي الجهادي متجذر ومغروس عميقا في العالم الاسلامي، لذلك فان ازدهاره غير مرتبط بالضرورة بتنظيم مركزي له بنية قوية.
دمج جهادي – اعادة الانضمام من جديد، بصورة أقل أو أكثر متانة للقاعدة، التابعة للظواهري، من اجل اعادة تأهيل التنظيم وعلاج العوامل المعيقة له من ناحية استقرار مالي، ثقة ايديولوجية وقدرة على التجنيد. في الوقت الذي يتكبد فيه داعش الخسائر العسكرية، ربما يكون ذلك اكثر راحة له من اجل السعي الى زواج متعة مع القاعدة – الذي حدث للمرة الاولى في 2004 – من اجل توسيع صفوفه والحصول على قدرات تنفيذية اخرى وتعزيز مكانته في العالم الجهادي. هذا السيناريو يرتكز على الافتراض بأنه رغم الضربات التي تلقتها القاعدة، إلا أنها بقيت قوية، مع قدرة كبيرة على النهوض وموجهة من قبل استراتيجية عقلانية قائمة على اقناع السكان واستغلال النزاعات المحلية لتحقيق اهدافها. من هذه الناحية ليس فقط يبعث حياة جديدة في الدولة الاسلامية بل ايضا يموضع القاعدة كحاكم لا منافس لها في حركة الجهاد، ويمكن الافتراض أنه سيشجع القاعدة على التعلم من تجربة الدولة الاسلامية وتبني مهمات وخصائص مشابهة أكثر لخصائص الدولة. مع ذلك، من المهم التأكيد على أن معقولية تحقق هذا السيناريو على المدى القصير قليلة، لأن الدولة الاسلامية والقاعدة ستجدان صعوبة في التغلب على العداء المتبادل في المستوى السائد بينهما. الموالون للقاعدة يصفون نشطاء الدولة الاسلامية بأنهم متطرفون وخوارج وكفار. والدولة الاسلامية تصف الموالين للقاعدة بأنهم “يهود الجهاد” وموالين للزعيم الصوفي لتنظيم طالبان الكافر. لذلك يبدو أن هذا الانقسام سيكون غير قابل للجسر، وعلى الاقل ليس في المدى الزمني القصير.
“الدعاية الالكترونية” – في تموز 2017 نشر المكتب الاعلامي للدولة الاسلامية في محافظة الرقة في سوريا فيلم فيديو مدته 30 دقيقة يركز على عرض اجانب من دول مختلفة جاءوا للانضمام الى التنظيم: “هذه رسالة الى فرعون عصرنا الجديد، دونالد ترامب، ربما أنت تتطلع الى الرقة والموصل، لكننا نتطلع الى القسطنطينية وروما. بعون الله سنذبحكم في منازلكم”. هذا الفيلم القصير يتضمن وجود نواة صغيرة سرية في منطقة الجزيرة (المنطقة القبلية السنية في غرب العراق وشرق سوريا)، التي نما واتسع فيها تنظيم الدولة الاسلامية في بدايته، ونقل التركيز الاستراتيجي لاعطاء الالهام لهجمات في دول اجنبية (مثلا، دول اوروبا والولايات المتحدة) بواسطة دعاية ايديولوجية نشرت اساسا في الانترنت. نهاية “حلم الخلافة” سيؤدي الى تغيير اهداف التنظيم الاستراتيجية، والانتقال من محاولة ضرب “العدو القريب” بواسطة العمليات العسكرية والاحتلالات الى محاولة ضرب “العدو البعيد” بواسطة تطرف متعمد وتجنيد مؤيدين يعيشون في الدول الاخرى. التنظيم يستخدم ذراع تنفيذي قوي جدا تمت اقامته فعليا خلال الثلاث – الاربع سنوات الاخيرة. وحتى قبل الاعلان عن الخلافة أو تنظيم الدولة الاسلامية. هذه الشبكة توجد كما هو معروف في اوروبا واماكن اخرى – في جنوب آسيا وشمال افريقيا. وفي ايلول الماضي دعا زعيم الدولة الاسلامية أبو بكر البغدادي مؤيديه أن لا يصلوا الى المشرق في العراق للقتال، بل الاندماج في فروع التنظيم وتعزيزه، من اجل أن يستطيعوا مواصلة النضال.
هذه العودة – الظهور الجديد للدولة الاسلامية في المناطق التي طردت منها، سيكون الاحتمال الذي يمكن أن يتحقق في ثلاث حالات محددة. أولا، اذا كرر التحالف الدولي الذي يقاتل ضد الدولة الاسلامية اخطاء الماضي، كما فعل عندما سحب قواته بشكل مبكر من افغانستان. لأنه افترض خطأ أن تهديد القاعدة تم استئصاله بنجاح والى الأبد وأنه تم استكمال المهمة. ولكن هذا الافتراض نبع من تقدير خاطيء لقدرة القاعدة على البقاء واعادة انعاش نفسها من جديد. وتنظيم إبن لادن اثبت أنه يستطيع نقل قاعدته الى منطقة الحدود بين افغانستان وباكستان، وتطوره الى شكل “ضبابي” اكثر تعقيدا واصعب عن الكشف. ثانيا، إن انبعاث الدولة الاسلامية يمكن أن يحدث اذا امتنع اللاعبون المختلفون المشاركون في الحرب في هذه المرحلة ضد التنظيم عن اعطاء رد مناسب على الطريقة التي يجب اتباعها في اليوم الذي يلي الدولة الاسلامية، ولم يصيغوا برنامج سياسي – اجتماعي مناسب قابل للبقاء لاعادة اعمار المناطق التي تم تحريرها. ثالثا، بقاء الجهات التي مكنت من صعود داعش منذ البداية. بكلمات اخرى، اذا لم يتم اعطاء رد على العوامل الاساسية التي مهدت للارضية الخصبة للتنظيم لنجنيد التأييد في اوساط السكان السنة، الذين يشعرون أنه تم تهميشهم وأنهم غرباء في الدولة القومية العراقية، يمكن الافتراض أن بقايا الدولة الاسلامية ستجتمع من جديد. بنفس الصورة، اذا لم يتم اعطاء بديل ايديولوجي – ديني موثوق وجذاب عن الايديولوجيا السلفية الجهادية التي تمنح الالهام للدولة الاسلامية فمن المعقول ظهورها (أو ظهورها من جديد في ساحة الدولة الاسلامية أو ظهور كيان جديد يشبهها).

الخلاصة والتوصيات
هذا المقال يدعي أن الهزيمة العسكرية القريبة للدولة الاسلامية لا تشير ببساطة الى اختفاء التنظيم عن الخارطة. فعليا، يتبين منها نهاية وجود التنظيم بشكله الحالي وصعود كيان آخر، لكن تهديده لا يقل عن تهديد سابقه.
على خلفية السيناريوهات المحتملة التي طرحت في كل ما يتعلق بتطور الدولة الاسلامية المستقبلي، هناك حاجة الى اتخاذ الخطوات التالية من اجل مواجهة تهديده بصورة ناجعة على المستوى المحلي والدولي:
على المستوى المحلي – أولا، تقليص احتمال انبعاث الدولة الاسلامية (أو كيان مشابه لها) عن طريق علاج الاسباب التي مهدت الطريق لظهور التنظيم، وعلاج العوامل التي مكنت من تبلوره. في هذا السياق من الضروري أن تعطي الحكومة العراقية رد على الشعور بالمرارة والاغتراب والعداء التي شعرت بها الطوائف السنية في فترة حكم نوري المالكي، والتي جعلت الكثيرين منهم يرون بالدولة الاسلامية البديل المرغوب فيه لسياسة التقسيم الطائفي في بغداد. لذلك مطلوب مصالحة سياسية وتقسيم القوة بين الجماعات العرقية – الدينية في الدولة، اصلاحات تضمن أن تمنح مؤسسات الدولة تمثيل وطني بدل التمثيل المذهبي، تشجيع وتأكيد التطبيق الناجع لقانون اللامركزية من العام 2013، الذي يمنع بدرجة أكبر من الحكم الذاتي والمسؤولية لكل واحدة من الحكومات المحلية كطريقة وحيدة لحل التوتر الداخلي – الطائفي، الذي يشجع على الانتفاض والعمليات الفاشلة للدولة.
ثانيا، اعادة تأهيل المناطق – سواء الحضرية أو الريفية – التي حررت من أيدي الدولة الاسلامية بواسطة التعاون بين الحكومة العراقية وشركائها في التحالف برئاسة الولايات المتحدة والامم المتحدة ووكالات الاغاثة بهدف تقديم رد ناجع على الاحتياجات الاقتصادية والامنية والاجتماعية للطوائف المحلية، وأن يتم تقديم بدائل موثوقة عن المؤسسات والخدمات التي تم تقديمها من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في ذروة مشروع بناء دولته. ثالثا، مواصلة تطوير وتحسين التدريب والتجهيز والمساعدة والاستشارة المقدمة لقوات الامن العراقية، مثلما تم تطويرها في اطار قوة المهمة المشتركة لعملية “الاصرار المطبوع” بهدف زيادة نجاعة قوات الامن العراقية في حربها ضد الارهاب وضد الاحتجاجات وتعزيز شرعية ومصداقية الجاليات المحلية فيها.
على المستوى الدولي – إن مواجهة التهديد الذي تواجهه الدول الغربية من الدولة الاسلامية، افراد يعملون بوحي “المقاتلين الاجانب” العائدين الى الوطن، بواسطة علاج مراحل ما قبل التجنيد وبعده، النضال ضد الدعاية الموجهة للدولة الاسلامية واحباطها، زيادة التعاون الاستخباري والمشاركة في جمع المعلومات من اجل التعرف على الاشخاص الذين سبق وكانوا متطرفين، علاج مشكلات المقاتلين الاجانب العائدين الى الوطن عن طريق تبني ردود من شأنها أن تتراوح بين خطوات قاسية مثل سحب الجنسية ومصادرة جوازات السفر واصدار أوامر اعتقال وبين خطوات مرنة مثل تطوير برامج لغسل الادمغة وتقديم استشارة نفسية واعادة الدمج في المجتمع.
في الخلاصة، تجربة الماضي تثبت أنه من المعقول الافتراض أن هذه الخطوات ستكون ناجعة عندما ينجح اللاعبون المحليون والدوليون في تنسيق الجهود والمشاركة في المسؤولية. لذلك، في اطار الاستعداد لليوم الذي يلي الدولة الاسلامية ستكون حاجة الى توظيف جهود، بالاساس وقبل كل شيء، لبلورة هذا التنسيق الحيوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى