ترجمات عبرية

المصدرالإستراتيجي العـــدد 216 لشهر 2- 2018

السنة التاسعة عشر
العـــدد 216 شباط 2018
في هذا العدد
كتب اوريت بارلوف مقال بعنوان “اتفاق المصالحة الفلسطينية الداخلية برعاية الفرسان الثلاثة من حماس” يقول انه في العدد الرابع من “خلف الشبكة” يتركز هذه المرة على ساحتين رغم أنهما غير مرتبطتين، وقفتا في لب الخطاب في العالم العربي في هذا الربع من العام. الجزء الاول يتناول اتفاق المصالحة الداخلية الفلسطينية بين حماس وفتح الذي وقع في تشرين الاول 2017 بعد أن نضج في نهاية مسيرة مخططة ومحسوبة من قبل قيادة حماس الجديدة برئاسة يحيى السنوار. ليس هناك كثيرون يعطون المصالحة احتمال للصمود، لكن في هذه الاثناء كل الاطراف تكسب منها، ولا سيما حماس التي رغبت فيها أكثر من الجميع. في هذا السياق فان الخطاب في الشبكات الاجتماعية يكشف صورة مختلفة عن التي ظهرت امام عيون اسرائيل. الجزء الثاني الذي ينقسم الى قسمين يتناول الديناميكية الاقليمية المتغيرة في اعقاب الرياح الجديدة التي هبت من الرياض، بدء من الخطوات الشديدة التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان في الساحة الداخلية السعودية، والردود التي جاءت في اعقابها، وانتهاء بقضية استقالة “رئيس حكومة لبنان سعد الحريري” والردود عليها في المملكة وفي العالم العربي بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص .
وفي مقال بعنوان “تطبيق السيادة الاسرائيلي في مناطق الضفة الغربية” قال بنينا شربيت باروخ ان في 1967 استولت اسرائيل على مناطق يهودا والسامرة. ورغم ادعاءاتها بحقها على هذه المناطق، إلا أنها لم تفرض على هذه المناطق سيادتها، بل على شرقي القدس فقط. المشكلة الاساسية التي تكمن في فكرة فرض السيادة الاسرائيلية على يهودا والسامرة أو على اجزاء من هذه المناطق، هي تجاهل معاني هذه الخطوة بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق ومستقبل السلطة الفلسطينية وتجاهل التداعيات المنبثقة عن ذلك على اسرائيل، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الدولي. دولة اسرائيل يمكنها التقرير رغم كل هذه الامور، هي تسعى الى القيام بخطوات لفرض السيادة كجزء من تطبيق موقف ايديولوجي. ولكن هذا القرار يجب اتخاذه بعد نقاش استراتيجي جدي يواجه مجمل المعاني والتداعيات المرتقبة وكجزء من سياسة شاملة، هدفها تحقيق وضع دائم مناسب من ناحية الحكومة، وليس كعملية جزئية تنبع من دوافع السياسة الداخلية .
وأخيرا كتب عميت افراتي في مقال بعنوان “التهديد الديمغرافي: السكان الاسرائيليون يتخلون عن النقب والجليل يقول انه على مر السنين اتخذت حكومات اسرائيل سياسة استراتيجية هدفها نشر السكان في ارجاء البلاد. ورغم هذه السياسة فقد تعزز في العقدين السابقين بصورة كبيرة التفضيل من جانب السكان الاسرائيليين للسكن في المتروبولين (مركز غوش دان الواسع)، وهذا الاتجاه يتجلى في التخلي التدريجي عن النقب والجليل. ومن اجل مواجهة هذه الظاهرة التي تحمل داخلها تحديات استراتيجية لدولة اسرائيل على الصعيد الاجتماعي – البيئي وعلى الصعيد القومي، فان الحكومة تنوي تشجيع الاستيطان في النقب والجليل بواسطة خطوات عديدة وعلى رأسها حوافز اقتصادية. ولكن الفجوة الكبيرة بين الشمال والجنوب والمركز في مجالات حياتية متعددة مثل التشغيل والتعليم والصحة، تؤدي الى اعتبار هذه الحوافز من قبل معظم العائلات التي تفحص الانتقال الى النقب والجليل كحوافز مرفوضة تماما. ومن اجل تحسين الوضع يوصي هذا المقال بتطبيق عملية تدريجية تتضمن في البداية استثمار كبير في البنى التحتية التي تؤثر على مستوى حياة سكان النقب والجليل، من اجل منع استمرار الهجرة السلبية من المنطقة. فقط عند الانتهاء من هذه المرحلة سيكون بالامكان محاولة تشجيع سكان من باقي البلاد على السكن في هذه المناطق لتحسين مستوى الحياة وليس للاستفادة من الحافز المادي
وأخيرا ترجو أسرة “المصدر الاستراتيجي” لقرائها أكثر القراءة فائدة ومتعة.
اتفاق المصالحة الفلسطينية الداخلية
برعاية الفرسان الثلاثة من حماس1
بقلم: اوريت بارلوف
منذ أن وقع اتفاق المصالحة الداخلية الفلسطينية بين حماس والسلطة الفلسطينية (قيادة فتح) في تشرين الاول 2017 سمعت في اسرائيل تحليلات وتفسيرات مختلفة في هذه المسألة. على الاقل ثلاثة منها كانت خاطئة: أ- مصر هي التي قادت اتفاق المصالحة؛ ب- العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة في نيسان 2017 هي التي اجبرت حماس على التوجه نحو المصالحة؛ ج- احتمالات نجاح الاتفاق منخفضة لأن هدف حماس هو عرض رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، كمسؤول عن فشل المصالحة. الخطاب في الشبكات الاجتماعية في غزة وفي الضفة الغربية وفي مصر يدحض تماما هذه الادعاءات، ويكشف عن الخفايا والتعقيدات التي تقف من وراء الاتفاق.
ثلاثة زائد واحد: مهندسو المصالحة
من اجل فهم تسلسل الاحداث الحالية التي أدت الى التوقيع على الاتفاق يجب العودة الى كانون الثاني 2017. في حينه، وفد يتكون من ثلاثة من كبار حماس وصل الى القاهرة ووضع اتفاق تفاهم يشمل خارطة الطريق على طاولة رئيس الاستخبارات المصري، خالد فوزي. الامر يتعلق بخطة استراتيجية مفصلة باعادة اعمار غزة، تتضمن ثلاثة اتفاقات مختلفة بالتدريج: اتفاق بين حماس ومصر، اتفاق تفاهمات (غير رسمي) بين اسرائيل وحماس ومصر، واتفاق مصالحة بين حماس وفتح.
هؤلاء الثلاثة الذين يسمون في الشبكات الاجتماعية مهندسو الاتفاق، أو الفرسان الثلاثة، هم يحيى السنوار، رئيس حماس في قطاع غزة، وروحي مشتهى، الذي يتولى ملف الاسرى في حماس، وتوفيق أبو نعيم، رئيس الاجهزة الامنية لحماس في القطاع. الثلاثة من محرري صفقة شليط ومن مؤسسي الذراع العسكري لحماس، عز الدين القسام، ومن القادة الميدانيين. حوالي خمس سنوات ونصف بعد اطلاق سراحهم في صفقة شليط نجحوا في القفز الى الاعلى، الى قمة هرم القوة في القطاع، وفي شباط 2017 قاموا بثورة هادئة وضعتهم في مركز القوة على حساب زعماء أعلى منهم في حماس.
لاعب اساسي آخر اضيف لقيادة حماس يمكن تسميته بـ “لاعب تعزيز”، هو محمد دحلان. في الشبكة يحرصون على ذكر التقارب بين دحلان والسنوار ومع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. لقد عرف السنوار دحلان منذ الطفولة في مخيم خانيونس للاجئين، المكان الذي ترعرعا فيه، قبل انفصال طريقهما. المعرفة والعمل المشترك بين دحلان والرئيس السيسي بدأت من الفترة التي كان فيها السيسي ضابط في الاستخبارات العسكرية المصرية ودحلان كان مسؤولا عن الامن الوقائي في قطاع غزة. منذ ذلك الحين تم الحفاظ على هذه الصداقة وتعززت عندما تم تعيين السيسي رئيسا لمصر في 2014. في السنوات الستة الاخيرة، وبسبب العداء الشديد بين دحلان وبين رئيس السلطة أبو مازن، نقل دحلان مقر اقامته الى أبو ظبي. حتى أنه اعتبر متعاون مع اسرائيل بهدف الاستعداد لليوم الذي سيلي أبو مازن. في السنة الاخيرة هو المسؤول عن نقل الاموال من الامارات لاعادة اعمار غزة والمساعدة الانسانية في غزة (ايضا بمساعدة زوجته جليلة التي تصل من حين الى آخر الى القطاع).
من خلال النقاش في الشبكة يبدو أن قيادة حماس في القطاع اتخذت قرار استراتيجي بعيد المدى اساسه العمل على اعادة اعمار غزة واعادة بناء الحركة، من اجل هذا ساد الفهم بأنه يجب على حماس العودة الى زيادة نشاطها في الضفة الغربية بموازاة الانتخابات هناك واجراء اصلاحات في م.ت.ف. المقاومة ستنتظر الى حين استكمال هذه المرحلة. من اجل تمكين اعادة اعمار غزة واعادة بناء القوة العسكرية لحماس، ادركوا في المنظمة أن عليهم تبني نموذج حزب الله: فصل السلطة العسكرية عن الحكم المدني. وخطوة ضرورية اخرى هي تشكيل حكومة مدنية تدير قطاع غزة وتتحمل مسؤولية اطعام 2 مليون نسمة وتوفير احتياجاتهم في القطاع، بصورة منفصلة عن القوة العسكرية. حماس لن تنزع سلاحها بل ستحافظ على طابع عسكري أقل في القطاع من اجل التسهيل على المجتمع الدولي تقديم التمويل لاعادة الاعمار. ان تنفيذ هذا البرنامج يقتضي أولا وقبل كل شيء تثبيت علاقة مصر مع حماس. منذ سقوط نظام الاخوان المسلمين وصعود السيسي تمت مقاطعة المنظمة من قبل مصر، وتم اغلاق مكاتبها في القاهرة والتعامل معها كمنظمة ارهابية، فرع من الاخوان المسلمين في غزة. كجزء من الاتفاق تعهد الفرسان الثلاثة الذين لم يصبحوا بعد جزء من القيادة الرسمية بـ: أ- أن يقطعوا تماما العلاقة مع الاخوان المسلمين في مصر؛ ب- أن يقطعوا بصورة كاملة العلاقة مع ولاية سيناء التابعة لداعش، بما في ذلك اعطاء اسماء النشطاء للمخابرات المصرية، والوقف التام لانتقال المقاتلين والسلاح بين غزة وسيناء؛ ج- القيام بموجة اعتقالات لنشطاء الجهاد الاسلامي في غزة؛ د- الانفصال عن ذراع حماس السياسي الموجود في قطر.
من اجل تنفيذ هذه التعهدات امام مصر فقد أخذ السنوار ومشتهى وأبو نعيم الضوء الاخضر للسيطرة على المنظمة في القطاع. وهذا ما كان. في شباط 2017 سيطر السنوار على قيادة حماس، واسماعيل هنية خلف خالد مشعل في قيادة الذراع السياسي. بعد نحو شهر نشرت المنظمة وثيقة سياسية اعلنت فيها، ضمن امور اخرى، عن انفصالها عن حركة الاخوان المسلمين في مصر. ايضا الاجزاء الاخرى من الاتفاق تم تنفيذها وتم اتخاذ خطوات ضد لواء سيناء وضد الجهاد الاسلامي، بما في ذلك منع دخول القيادة السياسية للجهاد الاسلامي الى غزة برئاسة د. رمضان شلح ونائبه زياد نخالة.
في موازاة ذلك، شكلت حماس نوع من “حكومة الظل”، تضم سبعة وزراء وعلى رأسهم اسماعيل هنية، مهمتها توفير الاحتياجات الاساسية لسكان القطاع. بعد فترة طويلة من تقليص السلطة الفلسطينية للميزانيات والرواتب للموظفين والتزويد بالوقود. هذه الخطوة اغضبت أبو مازن الذي قرر في نهاية نيسان 2017 أن يضغط بقوة اكبر على القطاع، وزيادة العقوبات على أمل أن يحدث ضغط من الجمهور ضد حماس في القطاع يؤدي الى تفكيك حكومة الظل. حسب النقاش في الضفة، فتح وضعت امام حماس عدد من الشروط لرفع العقوبات: أ- تفكيك حكومة الظل. ب- الحكومة المنتخبة برئاسة الحمد الله تعود للعمل في القطاع. ج- يتم الاتفاق على موعد لاجراء الانتخابات.
عندما استكملت الخطوات الاولى لبناء الثقة بين حماس ومصر، فان المرحلة التالية التي تم الاتفاق عليها بين مصر وحماس كانت فتح معبر رفح مقابل اعادة الاجهزة الامنية للسلطة الفلسطينية الى القطاع ووضع رجال حرس الرئاسة لأبو مازن في المعابر. في ايلول 2017 عندما كان أبو مازن في طريقه الى الجمعية العمومية للامم المتحدة اعلنت مصر عن تفاهمات تم التوصل اليها في الطريق الى اتفاق مصالحة فلسطينية داخلية بين فتح وحماس (الذي يرتكز في معظمه على تفاهمات اتفاق القاهرة الثالث في العام 2011).
حماس وافقت فعليا على الشروط الثلاثة لفتح وأعلنت في 16 ايلول عن تفكيك اللجنة الادارية لشؤون غزة والموافقة على نقل كل الصلاحيات المدنية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة الحمد الله وعلى تحديد موعد لاجراء الانتخابات. من المهم التأكيد على أن حماس لم تتعهد في أي اتفاق من اتفاقات المصالحة السابقة مثلما في هذا الاتفاق بنزع سلاحها، ووقف المقاومة ضد اسرائيل.
اتفاق المصالحة وقع في 10 تشرين الاول. صحيح أنه حتى كتابة هذه السطور تم وضع رجال الحرس الرئاسي في ثلاثة معابر (رفح، كرم أبو سالم وايرز). المرحلة الثانية كان يجب تنفيذها في الاول من كانون الاول، ولكن تم تأجيلها. في اطارها كان يجب نقل كل المؤسسات الحكومية في غزة الى حكومة الحمد الله. أبو مازن في المقابل، رغم تعهده، لم يرفع بعد العقوبات عن القطاع.
بالاجمال، الافتراضات التي وردت في المقدمة، ليس لها أي صلة بالواقع. مصر في الحقيقة هي الراعية للاتفاق، لكنها ليست العامل الذي دفع وأدى الى التوقيع. استمرارا لذلك، لم تكن العقوبات من قبل أبو مازن هي التي أدت الى موافقة حماس على اتفاق المصالحة الذي منذ بدايته لم يهدف الى افشال رئيس السلطة الفلسطينية. العقوبات ايضا لم تؤد الى احتجاج الجمهور ضد حماس، كما توقع الكثيرون. إن ما أحدث كل هذه العملية من بدايتها وحتى نهايتها كان قرار استراتيجي لمثلث القيادة الجديد والقوي لحماس في قطاع غزة، الذي شق طريقه للوصول الى الاتفاق كجزء من رؤيا شاملة لتحسين وضع حماس على المدى البعيد.
احتمالات نجاح الاتفاق: هل هي لعبة مجموعها صفر، وهل يوجد بديل؟
رغم رغبة الجمهور الواسعة والدعم المطلق لاتفاق المصالحة، فان هناك شكوك كثيرة في اسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة – بخصوص احتمالات نجاحها. يوجد لذلك عدة تبريرات، الاول هو العلاقات الضعيفة في الساحة الفلسطينية والتجربة التاريخية في الثلاثين سنة منذ اقامة حماس فقط مرة واحدة نجحت حماس وفتح في وضع الخلافات الفكرية جانبا والتعاون بينهما، خلال انتفاضة الاقصى. لقد وقع عدد لا يحصى من الاتفاقات الفاشلة، اتفاق مكة في 2007، اتفاق اليمن في 2008، اتفاق القاهرة الاول في 2009، اتفاق دمشق في 2010، اتفاق القاهرة الثاني في 2011، اتفاق الدوحة في 2012، اتفاق القاهرة الثالث في 2013 واتفاق الشاطيء في 2014، كلها فشلت ولم تنفذ.
التبرير الثاني يتعلق بتوزيع الصلاحيات في القطاع. في اطار الاتفاق تحصل السلطة على مسؤولية مدنية كاملة على سكان القطاع، دون قوة عسكرية. أي تحمل السلطة نتيجة كل عمل عنيف تقوم به حماس، ربما أن النتائج يتم لمسها في الضفة الغربية بسبب ذلك، هذا نسخة عن نموذج لبنان. وبسبب ذلك يطرح السؤال لماذا ترغب السلطة بهذا؟ الثالث، على فرض أن المرحلة الاولى في القطاع سيتم استكمالها، هناك معقولية كبيرة لعودة حماس تدريجيا الى النشاط السياسي في الضفة الغربية. هناك احتمالات قليلة بأن تسمح السلطة واسرائيل لذلك بأن يحدث. وهذا الامر ينطبق ايضا بخصوص اجراء الانتخابات، التي يدعي الكثيرون في الشبكات الاجتماعية إن اسرائيل والسلطة لن تسمح بها اذا شاركت حماس فيها. لذلك تصعب رؤية كيف ستطبق المصالحة خارج غزة.
الى جانب هذه الادعاءات، يوجد ادعاءان هامان يطرحان في النقاشات وتشير الى درجة عالية من المعقولية للنجاح، على الاقل في كل ما يتعلق بتحسين الوضع في غزة. الاول يشير الى تصميم السنوار على اعادة اعمار غزة واعادة تأهيل حماس ورؤيتها بعيدة المدى. كثيرون في الشبكات الاجتماعية يدعون أنه لا توجد هنا عملية أبدية هدفها افشال أبو مازن والمصالحة، بل قرار للسنوار بوضع التطلعات السياسية للحركة جانبا من اجل السماح لغزة بأن تتنفس – رفع الضغط الاقتصادي، اعادة الكهرباء والمياه الى الوضع الطبيعي. حسب رأي السنوار فان شعبيته ستزداد كلما تحسن الوضع في غزة، ايضا اذا وقفت السلطة الفلسطينية في مقدمة المنصة، حسب الادعاء التالي، فان السنوار أعد خطة بديلة اذا قامت السلطة بافشال المصالحة. بمساعدة التنسيق مع مصر وموافقة هادئة من قبل اسرائيل يتم اعادة محمد دحلان الى القطاع، وهو الذي سيقف على رأس حكومة مؤقتة في غزة بدعم وتمويل دول الخليج وتأييد مصر.
المكاسب مقابل الخسائر
الجمهور الغزي يريد جدا ويدعم المصالحة الفلسطينية الداخلية، حتى أنه مستعد للعفو وأن ينسى لمصر سلوكها في السنوات الاخيرة، الذي تضمن التعاون مع اسرائيل في تشديد الحصار على قطاع غزة. مع ذلك، هناك حذر في اوساط الجمهور الغزي الذي حسب ادعائه لم يذق بعد ثمار المصالحة. الوضع الآن في غزة ما زال يشبه الوضع قبل التوقيع على الاتفاق من ناحية شعور المواطن العادي.
الجدال المصري في الشبكات الاجتماعية يشير الى اربعة مكاسب مصرية واضحة من صفقة الوساطة. على المستوى السياسي، مصر نجحت في ضرب اعدائها في الخارج وفي الداخل. لقد حصلت من حماس على انفصال معلن عن الاخوان المسلمين، وهو خطوة هامة وغير مسبوقة منذ انشاء حماس قبل ثلاثين سنة. اضافة الى ذلك، حماس ابتعدت (ظاهريا) عن الرعاية لقطر وتركيا. تعيين صالح العاروري نائبا لرئيس المكتب السياسي لحماس بعد استقالة خالد مشعل ونقل القيادة الى بيروت بدل قطر وتركيا، يعزز هذا الخط.
على المستوى الامني، كسبت مصر من انفصال حماس عن ولاية سيناء، حماس تعهدت بعدم السماح بدخول مقاتلي الدولة الاسلامية الى اراضي غزة (في السابق استخدمت غزة كجبهة داخلية ولوجستية للتنظيم) ونقل السلاح بين غزة وسيناء. كذلك توقف قطاع غزة عن الاستخدام كمنبر لذراع الدولة الاسلامية في سيناء، حتى انهم قدموا اسماء زعماء التنظيم (داعش) للقوات الامنية المصرية والمخابرات. يضاف الى ذلك موجة الاعتقال الواسعة لنشطاء الجهاد الاسلامي والمقاتلين الغزيين الذين تعاونوا مع ولاية سيناء.
على المستوى الاقتصادي، انتقل مركز الثقل الاقتصادي للقطاع من قطر وتركيا الى اتحاد الامارات، حليفة مصر. هكذا قطعت اعتماد غزة الاقتصادي على قطر. واصبحت الاجهزة الامنية المصرية هي القناة التي يتم من خلالها نقل الاموال الى القطاع. السيسي ايضا جنى ربحا شخصيا، في ايار 2018 يتوقع أن تجرى انتخابات للرئاسة في مصر، وبعد الفشل الذريع في محاربة الارهاب في سيناء ونقل جزيرتين للسعودية، يجب على الرئيس أن يحقق النجاح، لذلك يقولون في الشبكات الاجتماعية إنه ملزم بشكل كامل وصحيح بوظيفته كوسيط.
يجب الاشارة، اضافة الى المكاسب، الى أنه يمكن أن نسمع في مصر انتقاد للسيسي في هذا الموضوع. فقد سمعت اصوات تتهم النظام المصري بالنفاق، حيث وضع في السجن حوالي 40 ألف شخص من نشطاء الاخوان المسلمين، واعلن عنها كحركة ارهابية، لكن في غزة تحالف مع فرع الاخوان المسلمين في غزة، حماس. ادعاء آخر هو أن “أي نجاح فلسطيني لن ينجح في تنظيف وصمة تيران والسنافير” أي أن المصريين يعرفون أن هذه محاولة لتحسين الصورة، لكن ليس جميعهم مستعدون لبلع الطعم. ما اساء للرئيس المصري هو الصور المبتسمة له مع رئيس حكومة اسرائيل نتنياهو في الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، مقارنة مع الوجه المتكدر الذي لقيه منه أبو مازن في تلك المناسبة. عدد كبير في اوساط الجمهور المصري غير مسرور من تبني الوقوف الى جانب اسرائيل على حساب الفلسطينيين.
اسرائيل تظهر في نظر الطرفين وكأنها ربحت من اتفاق المصالحة. إن مصطلحات “مليوني فلسطيني جائع”، “قنبلة موقوتة” تعود الى كل نقاش في اسرائيل تطرح فيه قضية غزة على جدول الاعمال. من ناحية اسرائيل كل اتفاق فيه تأخذ مصر التعاون مع حكومة فلسطينية برئاسة الحمد الله مسؤولية اكبر عن السكان يسهل ويحسن مستوى الحياة في القطاع هو خطوة مرغوب فيها. مسؤولية اكبر للسلطة ومصر توازي مسؤولية اقل على اسرائيل، اضافة الى ذلك اسرائيل تحظى بوقف اطلاق نار طويل المدى “هدنة” واسكات المنطقة الجنوبية بثمن “سعر التصفية”. كل ما هو مطلوب من اسرائيل مقابل وقف اطلاق النار بعيد المدى هو الجلوس جانبا وعدم التشويش على تقدم الاتفاق بين حماس ومصر وبين حماس وفتح.
بسبب وجود التزام مباشر من قبل حماس تجاه مصر، وهناك نية ورغبة حقيقية للطرفين بعدم خرق الاتفاقات بينهما، هناك اساس معقول للافتراض أنه في الظروف الحالية واذا تم تطبيق الاتفاق، فان جولة العنف القادمة بين الجيش الاسرائيلي وحماس قد ابتعدت في الوقت الحالي، ايضا اذا اخذنا في الحسبان ازدياد التوتر في اعقاب اكتشاف الانفاق (واحد لحماس وآخر للجهاد الاسلامي) في الاراضي الاسرائيلية والرد على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل. هدوء في المنطقة الجنوبية هو حيوي لاسرائيل ويمكنها من توجيه الاهتمام للمنطقة الشمالية. ايضا ابعاد التمويل والتأثير التركي والقطري عن قطاع غزة، واستبداله بتمويل من أبو ظبي والرياض هو مكسب صافي لاسرائيل دون أي مقابل تدفعه.
من “ليلة السكاكين الطويلة” وحتى “انقاذ الحريري”
في 4 تشرين الثاني 2017 كان حدثان هامان في السعودية، أديا الى موجة ردود كبيرة في المملكة ولبنان والعالم العربي بشكل عام. الحدث الاول الذي سمي في الشبكات الاجتماعية “ليلة السكاكين الطويلة” تضمن اعتقال غير مسبوق لمئات كبار الرجال في السعودية، من بينهم شخصيات هامة في الاقتصاد والاعلام والسياسة، اضافة الى رجال دين. كل ذلك باسم محاربة الفساد. وللمصادقة على ذلك تم بأمر ملكي اقامة “اللجنة العليا لمحاربة الفساد” برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان التي من صلاحياتها التحقيق مع متهمين واعتقالهم ومنع خروجهم من الدولة وتجميد املاكهم. الحدث الثاني هو وصول رئيس حكومة لبنان سعد الحريري الى الرياض واعلانه ببث مباشر عبر القناة السعودية “العربية” عن استقالته (التي الغاها عند عودته الى لبنان) وذلك بواسطة رسالة تمت الاشارة فيها الى وجود تهديد على حياته، لذلك لا يمكنه العودة مرة اخرى الى لبنان.
حتى كتابة هذه السطور، هاتان القضيتان لم تنتهيا. من الصعب معرفة الحقائق كاملة في هذه المرحلة، او معرفة كيف ستنتهي الاحداث، لذلك فان التحليل المقترح سيتركز ويتناول فقط الخطاب في وسائل الاعلام حول هاتين المسألتين دون تحليل تفاصيل لم يتم توضيحها بعد.
تطهير المملكة
كأساس لنقاش هام للبرهنة على الفجوة الكبيرة بين الردود في السعودية على خطوات ولي العهد وبين الردود في الدول العربية والغرب. في حين أنه خارج المملكة فان كلمات مثل هزة وعاصفة وتصعيد القيت في الهواء من اجل وصف المزاج في الغرب على ما يجري فان خطاب السعودية كان تقريبا متجانسا في وقوف الجمهور واصحاب الرأي العام الى جانب محمد بن سلمان، في السياسة الخارجية والداخلية معا.
الخطوات الاخيرة لابن سلمان، التي وصلت الى الذروة في 4 تشرين الثاني، حظيت بشعبية كبيرة في المملكة. الجمهور في السعودية يحب الامير ويعتقد مثله أن من الواجب القيام بتغيير سريع وحاسم. الاصلاحات في مكانة المرأة (السماح لها بالقيادة، فتح الاحتفالات العامة امام النساء واحضار عروض موسيقية الى السعودية) من جهة، واعتقال كبار رجال الدين وأرباب مال كبار فاسدين وصحافيين من جهة اخرى، تم استقبالها بترحاب. بعد تعهده باستثمار الاموال المصادرة من ارباب المال في الاعمال الجماهيرية، هناك من يسمونه في الشبكة “روبن هود الخليجي”.
في العالم العربي كانت الردود متنوعة اكثر. جزء من الاصوات الشابة راضية جدا عن خطوات ابن سلمان ضد الفساد، ويأسفون أن خطوات مشابهة لا تحدث في دولهم. ولكن الذين لم يحبوا هذه الخطوات فسروا ذلك بسببين: الاول، الكل في السعودية فاسد، مع أو بدون علاقة مع موجة التطهير. هناك 7 آلاف امير وأميرة تقريبا وكلهم فاسدون تماما. في هذا السياق تم ذكر اليخت الذي اشتراه مؤخرا ولي العهد بمبلغ نصف مليار دولار تقريبا. الثاني، هناك شك اذا كان إبن سلمان ثوري حقا، أو أنه طاغية يحاول تثبيت قوته من خلال اعتقال كل معارضيه مثلما فعل صدام حسين في 1979، حين كان مدعوم من الغرب فقط لأنه وقف كحاجز امام حكم آيات الله في ايران. نقطة هامة وبارزة في الخطاب هي وجهة نظر صحافيين ومثقفين سعوديين يعيشون في الغرب. هؤلاء عبروا عن ثلاث خصائص بارزة في سلوك ابن سلمان في سياسته الداخلية والخارجية. الاولى هي انعدام الاستعداد لاستيعاب الانتقادات على سياسته. والبرهان على ذلك هو انه لم يتم بعد اعطاء حرية صحافية كاملة للتعبير عن الرأي المعارض للخط المركزي للنظام. الثانية هي وتيرة التغييرات الكبيرة وفتح عدد مبالغ فيه من الجبهات بموازاة ذلك داخل السعودية وخارجها. الثالثة هي سياسة خارجية خاطئة مع قطر والاسلام السياسي تظهر تصلب زائد لا لزوم له، مقابل سياسة منفتحة جدا تجاه اسرائيل واهمال الموضوع الفلسطيني.
سؤال هام هو هل توجد معارضة لولي العهد في الداخل، وهل هي قوية وتهدده بالخطر. الكثير من السعوديين الذين يعيشون في المنفى يعتقدون أنه يوجد اليوم ثلاث جهات لها القدرة (وليس النية) على الوقوف ضده: الجيش، الذي حسب التقديرات يقف من خلف ابن سلمان ويدعمه، لأن شعبيته في اوساط الجمهور مرتفعة جدا. لذلك، فان احتمال تحقق هذه الامكانية منخفض، رجال الدين الذين يعمل ابن سلمان ضدهم بقوة ويقيد خطواتهم، من خلال تطبيق سياسة انفتاح واصلاح لا يؤيدونها. المصلحة موجودة، لكن هناك احتمال كبير حسب رأيهم بأنه اذا حاولوا الانتظام فان الجيش سيتدخل مثلما حدث في مصر ويضربهم بقوة؛ ابناء العائلة المالكة (ابناء عبد الله، نايف وسلطان) الذين اهينوا، طردوا وتم اعتقالهم ووضعهم تحت الاقامة الجبرية، وهناك احتمال كبير بأنه بعد أن يتعافوا سيحاولون تصفيته. هم الوحيدون الذين ليس لديهم عمليا ما يفقدونه – سلبت مراكزهم واحترامهم (خلافا للجيش ورجال الدين).
بترجيح الاصوات المختلفة في الشبكة، في السعودية وفي العالم العربي، الصورة التي يشاهدونها هي لزعيم شاب له شعبية ونجح في اقل من ثلاث سنوات (منذ تتويج والده ملكا) في تعزيز قوته وتقديم اجابة على تذمرات الجمهور مع التأكيد على أبناء جيله. هو يحظى بدعم كامل في الداخل، سواء في سياسته الداخلية أو سياسته الخارجية (سواء نجحت أو لا). هناك خطاب اكثر انتقادا عن تهور وتعجرف الامير يمكن سماعه تقريبا فقط خارج المملكة. حسب كل المؤشرات، السعودية لا تمر بهزة ولا تعاني من عدم الاستقرار، بل العكس. هذا ليس اكثر من تحليل غربي خاطيء لما يحدث مؤخرا.
دولة في أسر ايران، رئيس حكومة في أسر السعودية
الخطاب والردود في الشبكات الاجتماعية فيما يتعلق استقالة سعد الحريري يمكن تقسيمها الى ثلاثة ابعاد: محور الزمن وفيه التقسيم بين الردود السياسية (48 ساعة الاولى) وبين الردود التي وصلت بعد ذلك؛ البعد العربي الذي يتراوح بين الخطاب في لبنان وخطاب الجمهور السني خارج لبنان؛ ورد حزب الله المكون من رسائل للمجتمع الدولي واسرائيل والجمهور اللبناني.
الرد في العالم العربي بشكل عام انشغل بالاستهزاء بلبنان الذي وصف كأسير في أيدي ايران في الوقت الذي رئيس حكومته أسير فيه في أيدي السعودية. وأبعد من ذلك، مراهنات واستطلاعات اجريت في الشبكة طلب من المتصفحين الاجابة على هل حسب رأيهم أن الحريري خطف، استقال، أقيل أو أنه اسير بارادته. الشبكة كانت كانت في دوامة، وفي مرحلة معينة ظهر أن النقاش حول القضية تحول الى اكثر اهمية من نتائجه في الواقع.
في دول الخليج يمكن القول إنه تم التعبير عن الفرح والدعم الكامل لولي العهد وسياسته. “اختطاف الحريري” اعتبر اشكاليا بزعم أن كل الوسائل مباحة من اجل وقف السيطرة والتدخل الايراني في الشؤون الداخلية للدول العربية. إن نداءات مثل “لم نعد نوافق على أن نكون ورقة التين لحزب الله في لبنان” تم سماعها. “الامتناع عن حرب اهلية في لبنان هو امر هام، ولكن الاهم لنا هو الامن القومي للسعودية”، قال آخرون. وهناك من شجعوا ولي العهد على اتخاذ خطوات اكثر قسوة وفرض عقوبات اقتصادية على لبنان، حتى ولو كان ثمنها الاضرار بالجمهور السني. وأضيفت الى هذه الاصوات أصوات في العالم العربي ولا سيما في مصر، حثت اسرائيل على مواصلة الخط السعودي ومهاجمة حزب الله من اجل استكمال العملية وهزيمة ايران، حتى لو بثمن المس بحياة المواطنين في لبنان.
أمر واحد برز جدا وهو أن مواطني دول الخليج الذين لم يمروا بالهزة الاقليمية (الربيع العربي) لا يخافون من عدم الاستقرار. حسب رأيهم، كراهية ايران اكبر من الثمن الذي يمكن ان تدفعه مقابل سياسة ولي العهد السعودي. الطموح والنشاط للامير نجحا في سحر ليس فقط توماس فريدمان في المقابلة التي اجراها مع ولي العهد، بل ايضا الكثير من السعوديين يتمسكون بهذه المقاربة وهم على يقين، قالوا إن “الاخيار ينتصرون على الاشرار” (ايران وحلفائها). في دول عربية اخرى لم يسارعوا الى مهاجمة ايران ولبنان، وفي الاساس سبب الخوف الحقيقي من رد ايراني عنيف.
في الخلفية، الانباء عن حلف عسكري استخباري بين اسرائيل والسعودية لم تفاجيء أي احد في الخليج. اضافة الى ذلك لم يسمع تقريبا أي انتقاد داخلي على ذلك. الهجمات من الخارج التي وصلت بعد المقابلة التي اجراها رئيس الاركان غادي آيزنكوت مع الصحيفة السعودية “ايلاف” الصادرة في لندن، رد السعوديون بأن الحلف يهدف فقط الى الحرب ضد ايران وليس معناه التطبيع مع اسرائيل. من ناحية اخرى اضافوا أنه في الوقت الحالي يجب على السعودية الحفاظ على أمنها القومي أولا، حتى لو بثمن التعاون مع اسرائيل. بين السطور فان الرسالة هي أن القضية الفلسطينية لن تنسى، لكن تم تهميشها بشكل مؤقت.
يجب انقاذ الحريري
الرد الاولي في لبنان على الاحداث كان الدهشة. عامل المفاجأة قام بدوره، والصدمة الاولى لكل اللاعبين في لبنان كانت حقيقية. الاغلبية في الدولة كانت مقتنعة أن الحريري اختطف وأنه معتقل كرهينة في الرياض. اللبنانيون شعروا أنهم بين المطرقة والسندان، كما احسن وصف ذلك أحد مشكلي الرأي العام في الشبكات الاجتماعية: اذا هاجمنا حزب الله فسنتلقى منه الرد، واذا تجاهلنا السعودية فسنتلقى عقوبة دبلوماسية واقتصادية وربما حتى هجوم عسكري”. القيادة السنية في لبنان اختارت الوقوف امام الجمهور السني واعطاء تأييد كامل لقرار الحريري بالاستقالة. شخصيات رفيعة هاجمت حزب الله وقالت إنه حان الوقت لأن يدفع ثمن سياسته. بصورة طبيعية لم تغب ايضا الاصوات المتهكمة التي اتهمت كبار رجال السنة مثل نهاد المشنوق (وزير الداخلية) واشرف الريفي (رئيس جهاز الامن الداخلي في الاعوام 2005 – 2013) بالموافقة على حياكة البدلات تمهيدا لتعيينهم تحت ظل الحريري.
كان هناك من أكدوا على أن استقالة الحريري تعتبر اهانة للبنان، ولم يعرفوا لماذا اختارت السعودية التصرف بطريقة تذكر بسلوك السوريين في السنوات التي سيطروا فيها على الدولة. لماذا، ثار تساؤل، كل اللبنانيين يحظون بعقاب جماعي ويتم القاءهم تحت الاطارات، رغم أن الكثيرين منهم يعارضون سياسة حزب الله؟ نشيط لبناني مسيحي عبر عن غضبه من السعوديين وقال: “الثقافة السياسية في لبنان هي ثقافة يتم فيها انتخاب الزعماء ولا يتم تعيينهم من أعلى ويستقبلون بالتصفيق. نحن لسنا قطيع أو قطع اراضي وممتلكات يمكن نقلها من يد الى اخرى”. من يؤيدون حزب الله لم يترددوا في مهاجمة الحريري باعتباره خادم للسعودية. وأمل سعد، المحاضرة في جامعة بيروت والتي تؤيد حزب الله، كتبت في صفحتها في الفيس بوك: “الرغبة في خلق عدم استقرار في لبنان ومنع حزب الله من أن يكون جزء من الحكومة، هي دليل على افلاس سياسي ويأس. خطة حقيقية امريكية – اسرائيلية لغزو لبنان كانت ستمنع الحاجة الى هذه العملية اليائسة والتي تثير الشفقة مثلما حدث مع الحريري: “الحاسة السادسة تقول لي إن حزب الله وايران يريدان قتلي”. القصة الحقيقية هي أن داعش تمت تصفيته والسعودية ترد على ذلك بشكل هائج”.
بعد مرور بضعة ايام وبضع محاولات يائسة من السعودية لاظهار أن الامور تسير على ما يرام (نشر صور الحريري واجراء مقابلة تلفزيونية معه)، والحرب مع اسرائيل لم تندلع، هدأت النفوس قليلا. الهستيريا تم استبدالها بالسخرية الموجهة للسعودية، التي تم اعتبار سلوكها في هذه القضية أمرا مثيرا للسخرية وخطيرا وغير ناجع تجاه ايران وحزب الله.
حزب الله تعامل مع القضية بصورة مركبة. لقد عملت المنظمة في ثلاث ساحات “اعلامية” مختلفة، في الداخل، الرسالة الاساسية لحزب الله كانت أن الحريري اختطف وهو معتقل كرهينة. والى حين عودته الى لبنان لا يوجد ما نتحدث عنه من قضايا سياسية في لبنان، ولن يتم البدء في أي مفاوضات قبل ذلك. “لن نسمح بأن يبتزونا”، كان هذا هو الخط الاعلامي الموجه. وكان ايضا الرسالة الموجهة للمجتمع الدولي، سواء فرنسا الوسيطة أو الولايات المتحدة التي راقبت بحذر ما يجري. حزب الله حاول تصوير اختطاف رؤساء الدولة على أنه تكتيك غير مشروع لاجراء المفاوضات، لذلك يجب على المجتمع الدولي الاهتمام قبل أي شيء آخر باعادة رئيس الحكومة اللبنانية الى دولته كشرط مسبق لأي طلب.
وقد استخدم حزب الله مع اسرائيل لغة اخرى. فقد بذلت جهود لتهدئة النفوس من خلال الرسالة التي تقول إن اسرائيل لا تحارب حرب الآخرين، بل تخدم فقط مصالحها، وكذلك رمز حزب الله الى أن لديه معلومات تشير الى أن السعودية حاولت “شراء” اسرائيل وعرض الاموال الطائلة عليها من اجل تصفية حزب الله. أي أن حزب الله حاول بطرق كثيرة أن يقول لاسرائيل إنه ليس لها ذريعة لشن الحرب، لأن “السعودية تحاول اغراءكم بالاموال، لكن يجب عليكم عدم شراء هذه البضاعة”.
بالنسبة للبنان الرسمي فان الرئيس ميشيل عون اجرى مقابلة مع التلفزيون، واصدر اعلان بأن لبنان لا يمكنه قبول الاستقالة غير الشرعية لابنه الحريري. يجب عليه العودة الى لبنان وتقديم الاستقالة بنفسه. والآن كل جهود لبنان موجهة نحو اعادة “الابن المخطوف”. المعسكر الشيعي واغلبية في الطائفة المسيحية وقفا مع حزب الله وعون في طلبهما اعادة الحريري أولا. المعسكر السني بقي في معظمه بقي مستهزئا – سواء تجاه السعودية، أو دموع التماسيح لميشيل عون. الناشطة سارة اساف كتبت في تويتر للرئيس: لا، سعد الحريري ليس إبنك، سعد الحريري هو إبن رفيق الحريري الذي قتله حليفك حزب الله في 14 شباط 2005، حين كنت في المنفى بسبب معارضتك للنظام السوري، الذي تحول الآن الى حليف لك.
بعد نحو اسبوعين مكث فيها الحريري في الرياض وباريس، عاد الى لبنان. الخطاب في الدولة تغير بعد عودته. باستثناء استمرار السخرية من سياسة السعودية الخارجية الفاشلة في الشرق الاوسط، فان شعبية حزب الله وعون زادت. في نظر عدد كبير في اوساط الجمهور هما تصرفا بصورة عقلانية ومسؤولة، ونجحا في اعادة الحريري الى لبنان، ومنعا كما يبدو تفكك الحكومة واوقفا امكانية حدوث عنف – من حرب اهلية وحتى هجوم اسرائيلي (وهمي) على لبنان. الشعور الذي وصل الى الشبكة هو أن تحالف المسيحيين والشيعة، ولا سيما بين عون ونصر الله، أقوى من السابق وهو الذي أنقذ لبنان.
يجب علينا أن نذكر السياق الواسع. في ايار 2018 يتوقع اجراء انتخابات للبرلمان للمرة الاولى منذ تسع سنوات. وهناك من يقولون إن حزب الله معني بشراء الوقت، لذلك فهو لن يقوم بخطوات دراماتيكية في نصف السنة القادم. في نفس الوقت، يبدو أنه يبحث عن سياسي سني يتوصل معه الى تفاهمات، ويمكنه أن يخلف الحريري، لتقليص تأثير السعودية السياسي في لبنان. هكذا يتم التوصل الى صورة وهمية لانتخابات ديمقراطية، وليس تدخلا مباشرا من حزب الله.
في هذه الاثناء، حسب التقارير، تعهد حزب الله – مقابل اعادة الحريري الى منصبه – بتقليص تدخله في العراق واليمن وبمستوى معين في سوريا.
بالاجمال، على الاقل من الحوار في الشبكة يتبين أن حزب الله خرج من الازمة وكأنه هو الذي أنقذ لبنان العدائية السعودية ومن المواجهة مع اسرائيل. في حين أن السعودية وضعت الاستقرار الاقليمي والداخلي في خطر وتمت اهانتها على أيدي أعدائها.
* * *
تطبيق السيادة الاسرائيلية في مناطق الضفة الغربية2
بقلم: بنينا شربيت باروخ
في الفترة الاخيرة تزداد الاصوات التي تدعو الى فرض سيادة اسرائيل على مناطق يهودا والسامرة. الاقتراحات تختلف في شموليتها، هناك من يتحدثون عن كل المناطق وآخرون يتحدثون عن المناطق ج، أي المناطق التي تقع خارج تجمعات المدن والقرى الفلسطينية التي توجد تحت سيطرة السلطة الفلسطينية (مناطق أ و ب)، وهناك من يقترحون فرض السيادة على عدد من المستوطنات أو على كل المستوطنات في يهودا والسامرة. تجدر الاشارة الى أن فرض القانون الاسرائيلي في المناطق هو عمليا فرض للسيادة، وفرض السيادة هو عمليا ضم. الاختلاف في المفاهيم يستند الى حساسية سياسية، لكن لا يوجد فرق قانوني جوهري.
الاقتراحات المقدمة ترتكز بشكل عام على ادعاءات ايديولوجية بشأن حق الشعب اليهودي في ارض اسرائيل الكاملة، لكن تسمع ايضا ادعاءات تستند الى حق المواطنين الاسرائيليين الذين يعيشون في هذه المناطق والذين يجدون انفسهم كـ “مواطنين من الدرجة الثانية”، لأن القانون الاسرائيلي لا يسري على مكان سكنهم. في 1967 سيطرت اسرائيل على مناطق يهودا والسامرة (وعلى مناطق اخرى). ورغم ادعاءات اسرائيل بحقها في هذه المناطق، إلا أنها لم تفرض في كل هذه المناطق سيادتها، بل فقط في شرقي القدس. من ناحية المجتمع الدولي، المنطقة كلها بما فيها شرقي القدس، هي مثابة منطقة محتلة ليس لاسرائيل الحق في ضمها اليها. ووفقا لذلك فان ضم شرقي القدس لم يتم الاعتراف به والمجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، لا يعتبره جزء من دولة اسرائيل. في المناطق الاخرى فرضت اسرائيل فعليا قوانين السيطرة من خلال قوانين الاخذ بالقوة، التي هي عمليا قوانين الاحتلال، لأن هذه هي انظمة القوانين ذات الصلة حسب القانون الدولي حول الوضع الذي تتم فيه السيطرة على مناطق اثناء الحرب، وعلى ضوء الحاجة الى غطاء قانوني لترتيب الصلاحيات والمسؤوليات للسلطة تجاه السكان الذين يعيشون في المنطقة.
في يهودا والسامرة ليس هناك سريان للقانون الاسرائيلي. القانون الداخلي الساري يرتكز على قوانين كانت قائمة قبل 1967 وعلى قوانين الامن، أي أوامر يصدرها قائد القوات الاسرائيلية في المنطقة. مع ذلك، القائد العسكري اصدر بخصوص كل المستوطنات الاسرائيلية قوانين بلدية، تتبنى عن طريقها ترتيبات عديدة في القانون الاسرائيلي، مثلا في مجال التعليم والرفاه والحكم المحلي وما شابه، وتخلق تطابق كبير بين انظمة القضاء. مؤخرا نشر أنه، بناء على طلب وزيرة العدل، تم اعطاء توجيهات لتحسين وتقصير عملية مطابقة القوانين التي تسري على المستوطنات مع التغييرات في القانون الاسرائيلي.
معنى الامر هو أن جزء كبير من الفجوات القانونية القائمة بخصوص سكان المستوطنات يمكن حلها دون الحاجة الى تطبيق كل القانون على المناطق. الفجوة الاساسية هي في مجال القوانين التي تسري على الاراضي في المنطقة.
المشكلة الاساسية التي تكمن في افكار فرض السيادة الاسرائيليةعلى يهودا والسامرة أو على اجزاء منها هي تجاهل تداعيات هذه الخطوة بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنطقة ومستقبل السلطة الفلسطينية والتداعيات المنبثقة عن ذلك على اسرائيل، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الدولي.
خطوات من فرض السيادة على مناطق يهودا والسامرة ستؤثر بشكل مباشر على الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق التي فرضت عليها السيادة. هكذا، في مناطق ج يعيش بين 200 – 300 ألف فلسطيني، اذا تحولت هذه المنطقة لتصبح جزء من اسرائيل، فان هؤلاء الفلسطينيين سيصبحون سكان دائمين في اسرائيل، مع كل الحقوق المتعلقة بذلك، بما في ذلك حرية الحركة والحق في التأمين الوطني. وسيكون لهم ايضا الحق بالمطالبة بالجنسية الاسرائيلية، رغم أنه يمكن الافتراض أنهم سيبقون في وضع مشابه لوضع سكان شرقي القدس الذين لم يحصلوا على الجنسية – وضع اشكالي بحد ذاته.
فرض السيادة على مجمل المناطق ج سيؤثر على الفلسطينيين الذين يعيشون خارج هذه المناطق (في مناطق أ و ب). أولا، في المناطق ج توجد اراضي وبنى تحتية وممتلكات اخرى تعود لهؤلاء السكان أو أنها توفر احتياجات العيش بالنسبة لهم. اضافة الى ذلك، من اجل الوصول من مكان الى آخر في المناطق أ وب لا مناص سوى المرور بالمناطق ج (التي تشكل حوالي 60 في المئة من المساحة). نظرة الى الخارطة تجسد ذلك جيدا. اضافة الى ذلك هناك علاقات عائلية وغيرها بين سكان المناطق ج وسكان المناطق أ والمناطق ب. المس بحقوق الفلسطينيين في المنطقة وتقييد حركتهم ستثير ادعاءات هامة بخصوص الاخلال بحقوق الانسان الاساسية. اعطاء حقوق مختلفة لمجموعات سكانية مختلفة في المنطقة التي ضمت لاسرائيل سيكون من الصعب مطابقتها مع الحقوق الاساسية المقررة في القانون الاسرائيلي. إن نظام مؤسس على التمييز سيبدو مثل نظام الابرتهايد.
اضافة الى ذلك فان خطوة كهذه ستخلق ازمة في العلاقة مع السلطة الفلسطينية والتعاون معها في المجال الامني والمجال المدني معا. الامر يتعلق بخطوة تتناقض بصورة واضحة مع الاتفاقات بين الطرفين وبعملية تشير الى غياب النية للتوصل الى حل النزاع في اطار متفق عليه. معنى آخر سيكون خلق الشعور في اوساط الفلسطينيين فيما يتعلق باحتمالات تحقيق التطلعات القومية التي من شأنها أن تزيد الدافعية للارهاب والعنف.
قطع كامل للعلاقة مع السلطة سيجبر اسرائيل على توسيع نشاطها في عمق المناطق الفلسطينية بكل معنى الكلمة. واكثر من هذا فان خطوة كهذه، التي تنفذ ضربة قاتلة لحل الدولتين في المستقبل، من شأنها أن تؤدي الى انهيار السلطة بسبب الضغط الداخلي عليها أو بقرار واعي من قبلها. في سيناريو كهذا فان اسرائيل يمكن أن تجد نفسها مسؤولة عن جميع السكان الفلسطينيين في كل المناطق وفي كل مجالات الحياة. المعاني لذلك متعددة، سواء من ناحية التهديدات الامنية المتزايدة والاستعدادات المطلوبة نظرا للحاجة الى نشاطات مستمرة في كل المناطق، أو من ناحية المغزى الاقتصادي الثقيل الذي يتمثل باعطاء اجابة كاملة لاحتياجات 2.5 مليون شخص فلسطيني. من المعقول أنه في حينه ستتوقف المساعدات والدعم الخارجي للفلسطينيين.
على الصعيد الداخلي – تطبيق ترتيبات قمعية ومميزة لفترة طويلة على السكان الفلسطينيين سواء في المنطقة التي ضمت أو خارجها تلقي عبء ثقيل على الديمقراطية الاسرائيلية وعلى الحفاظ على قيم الدولة وتخلق مسار للتصادم في المجتمع الاسرائيلي. احد الضحايا الاوائل ستكون المحكمة العليا التي سيكون عليها الاختيار بين مواصلة الدفاع عن حقوق الانسان بثمن التصادم المباشر مع القيادة السياسية وبين التنازل عن الدور النقدي القضائي الجوهري في هذه المجالات، بثمن انهيار مكانتها كحامية لعتبة الديمقراطية الاسرائيلية بشكل عام.
إن فرض القانون الاسرائيلي فقط في حدود المستوطنات الاسرائيلية سيقلص بشكل معين تداعيات هذه الخطوة على الفلسطينيين. مع ذلك، ايضا خطوة كهذه ستعزز الادعاءات بشأن الابرتهايد بسبب وجود انظمة قضائية مختلفة تميز ضد السكان الفلسطينيين مقابل الاسرائيليين. اضافة الى ذلك يتوقع أن يضر بصورة جوهرية بالتعاون مع السلطة، في الاساس في المجال الامني، وزيادة خطر المس بصورة جوهرية بأدائها.
على المستوى الدولي – كل خطوة لفرض السيادة الاسرائيلية على المناطق، ايضا لو كان الحديث يدور عن حدود المستوطنات فقط، ستعتبر خطوة اخرى في افشال خيار الدولتين وستلقي على اسرائيل تهمة استمرار النزاع. هكذا ستعتبر هذه الخطوة فاضحة في القانون الدولي والقرارات الدولية في هذا الامر. في الرأي الاستشاري لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي في 2004 بخصوص الجدار الامني تم النص أن ضم جزء من المنطقة يعتبر اخلالا بالقانون الدولي وبحق تقرير المصير للفلسطينيين.
في قرار مجلس الامن 2334 في كانون الاول 2016 جاء بصورة صريحة أن مجلس الامن لن يعترف بأي خطوة تسعى الى الانحراف عن حدود 1967 دون موافقة الطرفين. هذه الخطوة ستضعضع ايضا علاقات السلام مع مصر والاردن، وتصعب جدا على أي محاولة للتقارب مع دول اخرى في المنطقة.
صحيح، ربما ان الادارة الامريكية الحالية ستحبط قرار عمل في مجلس الامن ضد اسرائيل، لكن يتوقع خطوات في باقي المحافل الدولية وفي الاتحاد الاوروبي ودول الاتحاد، الى درجة فرض عقوبات على اسرائيل. هناك ايضا خوف كبير من ان تقوم ادارات امريكية في المستقبل بالسماح باتخاذ قرارات عملية ضد اسرائيل وخاصة ادارات ديمقراطية، التي لن تشعر بأنها ملزمة بمواصلة نهج ادارة ترامب بالنسبة لاسرائيل وسياسة الاستيطان.
ليس هناك شك أن خطوة الضم ستؤدي الى الاضرار بالتعاون الدولي مع اسرائيل والمطالبة بأن كل اتفاق، برنامج أو مشروع لا ينطبق على المناطق التي تم ضمها. كل الاعضاء في هذه المنظمات مثل “فيفا” وغيرها يتوقع أن يكونوا مشروطين بذلك. اسرائيل ستضطر الى التقرير هل ستتنازل عن كل ذلك من خلال المس بالمصالح الاقتصادية والعلمية والثقافية للدولة.
قرار الضم من شأنه ايضا التأثير على الامكانية الكامنة في اتخاذ خطوات جنائية دولية. في هذه الاثناء يجري فحص أولي في محكمة الجنايات الدولية يتعلق بالمستوطنات، التي تعتبر جريمة حرب في دستور المحكمة. قرار الضم بالتأكيد سيؤثر على القرار في فتح تحقيق وحتى يؤدي الى تقديم لوائح اتهام. لوائح اتهام كهذه يمكنها أن تكون موجهة ايضا ضد وزراء وحتى ضد رئيس الحكومة، لأنه لا يوجد في المحكمة الجنائية حصانة لرؤساء دول في مناصبهم.
يتبين مما تقدم أنه توجد تبعات ثقيلة لقرار فرض السيادة الاسرائيلية على المناطق، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الدولي. حكومة اسرائيل يمكنها التقرير أنه رغم كل هذه الامور إلا أنها تسعى لفرض السيادة كجزء من تطبيق موقف ايديولوجي. ولكن قرار كهذا يجب اتخاذه بعد نقاش استراتيجي جدي، يواجه كل المعاني والتداعيات المتوقعة وكجزء من سياسة شاملة، هدفها تحقيق وضع دائم مناسب بالنسبة للحكومة، وليس كعملية جزئية نابعة من دوافع سياسة داخلية.
* * *
التهديد الديمغرافي: السكان الاسرائيليون
يتخلون عن النقب والجليل3
بقلم: عميت افراتي*
خلفية:
منذ اقامة دولة اسرائيل تضمنت سياسة التخطيط الشامل لحكوماتها استراتيجية توزيع السكان التي هدفت الى الدفاع أولا عن الفضاء الجغرافي من هجوم الجيوش العربية، كجزء من نظرية أمن شاملة لعبت مستوطنات الضواحي فيها دور مركزي في نظام الدفاع عن الحدود. في مرحلة متقدمة هدفت هذه السياسة الى التأثير على الميزان الديمغرافي بين اليهود والعرب في مناطق الضواحي. في اطار هذه السياسة تم استثمار ميزانيات كبيرة في اقامة مستوطنات جديدة وتقوية مستوطنات قديمة في الجليل، المثلث، النقب ومناطق اخرى. رغم هذه الجهود وبما يشبه تغييرات موازية في ارجاء العالم، في اطارها تقوم مجموعات سكانية بالهجرة الى المدن الكبيرة التي تقع في المركز الاقتصادي والاجتماعي في دولها، في العقود الثلاثة الاخيرة تعزز بدرجة كبيرة تفضيل السكان الاسرائيليين للسكن في مركز البلاد. هذا التوجه ظهر في الانتقال الكثيف لسكان النقب والجليل الى مركز البلاد، وفي تفضيل مستمر لسكان المركز للبقاء فيه (جدول 1).
جدول (1)
هجرة داخلية من الضواحي الى المركز
1985 1992 2000 2008 2014 2015
الداخلين 34.100 56.900 62.800 73.700 74.400 47.100
الخارجين 30.000 48.900 47.600 62.000 62.300 63.300
المحصلة + 4.000 + 8.000 + 15.200 + 11.700 + 12.100 + 10.800
نظام التفضيل الموصوف أعلاه الذي يبين أن مركز غوش دان الكبير الذي يضم محافظات المركز وتل ابيب (من نتانيا في الشمال ومكابين ورعوت في الشرق وحتى رحوفوت في الجنوب) – منطقة تشكل 7 في المئة من مساحة الدولة، يعيش فيها اليوم حوالي 40.6 في المئة من اجمالي سكان البلاد. في المقابل، في النقب (محافظة بئر السبع) التي تمتد من غور بئر السبع حتى ايلات، تشكل حوالي 60 في المئة من مساحة الدولة – يعيش فيها حوالي 8 في المئة من السكان. بصورة مشابهة في الجليل (محافظة صفد، طبرية، عكا ومرج إبن عامر) – التي تمتد من الحدود اللبنانية وحتى مرج إبن عامر وتشكل حوالي 16 في المئة من مساحة الدولة – يعيش فيها حوالي 15 في المئة من اجمالي سكان الدولة.
جدول (2)
توزيع السكان في دولة اسرائيل
الوسط (ألوية الوسط وتل ابيب) النقب (منطقة بئر السبع) الجليل (صفد، طبرية، عكا
ومرج ابن عامر)
النسبة من مساحة الدولة
(20.770 لكل كم) 7%
(1.479 لكل كم) 60%
(12.918 لكل كم) 16%
(3.319 لكل كم)
النسبة من بين عدد السكان العام
(8.380.100 شخص) 40%
(3.407.400 شخص) 8%
(687.400 شخص) 15%
(1.322.600 شخص)
“التخلي عن” النقب والجليل – تهديد استراتيجي بالنسبة لدولة اسرائيل في مجالين: المجال الاجتماعي – البيئي
إن انتقال سكان النقب والجليل الى التجمع الكبير غوش دان والرغبة المستمرة لسكانه في البقاء فيه تكمن في قوته الاجتماعية والاقتصادية، التي افضت الى نظرية حبلى بكارثة تتمثل في العلاقة بين السكن في هذه المنطقة وبين قدرة مواطني الدولة على الحصول على التعليم وتكون لديهم وسائل للحصول على الاموال. ولكن بسبب الثمن الاقتصادي العالي المرتبط بالسكن في مركز البلاد فان هذه النظرية تقود في الاساس العائلات الميسورة في النقب والجليل الى الهجرة الى المركز، في حين أن محدودي القدرة يبقون في الهامش الجغرافي. العملية التي وصفت اعلاه يتوقع أن تقود الى تفاقم الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الاسرائيلي، والى زيادة عدم المساواة فيه وتعزيز الشعور بالاغتراب والانقسام واستمرار توزيع غير متوازن للموارد بين اجزاء البلاد.
في المقابل، زيادة طلب السكان الاسرائيليين على السكن في مركز البلاد من شأنه أن يضر بمستوى الحياة. أولا، سيؤدي الى البناء المكثف والى انشاء بنى تحتية داعمة كثيرة ستؤدي الى تقليص تدريجي لمساحات مفتوحة. اليوم أدت عمليات كهذه الى تدمير شواطيء البحر والمناطق الزراعية، والى تدمير المشهد الاخضر ومناطق الاستجمام للسكان ومنع تسرب المياه الى منسوب المياه الجوفية. الطلب المتزايد سيضر حتى بقدرة المركز على علاج مياه الصرف الصحي والقمامة، لذلك سيكون هناك تداعيات على جودة المياه وعلى درجة تلوث التربة. اضافة الى ذلك يتوقع أن تؤدي زيادة الطلب الى تواصل الزيادة المستمرة في اسعار الشقق في مركز البلاد (بناء على ذلك زيادة مستوى المعيشة)، بسبب الصعوبة في اشباع الطلب العالي.
ثانيا، زيادة الطلب ستؤدي الى اكتظاظ سكاني كبير في وسط دولة اسرائيل، الذي يعتبر الآن مكتظ جدا بالنسبة للعالم الغربي، هذا الاكتظاظ يمكنه أن يؤدي الى انهيار شبكة المواصلات المحلية، حيث أنه في العام 2016 تصنف شوارع اسرائيل على أنها مكتظة جدا بين الدول المتطورة أكثر من 2500 وسيلة نقل لكل كيلومتر من الشوارع. في ظل غياب المواصلات العامة المناسبة، فان الاستخدام الكبير للمواصلات الشخصية (زيادة طبيعية، حوالي 500 ألف سيارة في السنة) يؤدي الى دخول حوالي 700 ألف سيارة الى التجمع الكبير يوميا، تل ابيب (زيادة بحوالي 55 في المئة منذ العام 2000)، والى سرعة سير متوسطة تبلغ 11 كم في شوارعها. في هذا السياق، تقليص المناطق المفتوحة في الوسط تضر بالقدرة على توسيع الشوارع القائمة، وبناء على ذلك فان التغيرات الديمغرافية ستؤدي بالضرورة الى تفاقم الاختناقات المرورية التي ستؤثر على قدرة الوصول الى اماكن العمل وستضر بالنمو الاقتصادي. وكذلك فانه لاستمرار الضغط على شبكة المواصلات في الوسط توجد تداعيات اخرى على شكل الضجة وتلوث البيئة، التي تؤدي الى زيادة الوفيات والامراض.
يجدر التأكيد على أن اكتظاظ السكان بحد ذاته ليس مشكلة. في مدينة نيويورك مثلا التي مساحتها أقل بضعفين من مساحة تل ابيب والمركز، يعيش فيها عدد اقل نسبيا بضعفين ونصف من السكان. الفرق بين الحالتين يوجد في ثنايا البنى التحتية البلدية في نيويورك والتي هي مستعدة لاحتواء هذا العدد من السكان، وفي البنى التحتية الموازية في غوش دان التي اهملت على مر السنين. هذا الادعاء يتجلى في مشروع القطار الخفيف في متروبولين تل ابيب الكبرى، رغم المصادقة على مخططاته في 2001 فقد بدأ العمل على الارض فقط في العام 2015. كذلك وبعد حوالي ثلاثة اشهر من بداية العمل اعادت وزارة المالية فحص المشروع من جديد بادعاء أنه لن يستطيع احتمال اكتظاظ الحركة بسبب الوتيرة غير المتوقعة للزيادة السكانية في المتروبولين في تل ابيب الكبرى. في هذه الايام، الى جانب مواصلة العمل، يستمر الخلاف بين السلطات المحلية بخصوص المخطط الهيكلي للسكك، وهذا الامر من المتوقع أن يؤخر اكثر استكمال المشروع.
وطبقا للفجوة في البنى التحتية المتوقعة فان اكتظاظ السكان الذي سينشأ في مركز البلاد وبالتالي المس بمستوى الحياة أن يتسبب بتدهور اجتماعي سيتم التعبير عنه بالمظاهرات وعدم تطبيق القانون والمس بشعور الامن الشخصي. هذا الوضع يمكنه أن يفضي الى اهمال ما يجري في الدولة من جانب سكان الوسط، الذين نمط حياتهم واقتصادهم واكتظاظهم يشبه تلك الخاصة بسكان الغرب، والى تفضيلهم الاستثمار في الخارج على حساب السوق المحلية وحتى الى الهجرة من البلاد.
الصعيد الوطني
الانتقال الكثيف لسكان النقب والجليل الى وسط البلاد في العقود الثلاثة الاخيرة يظهر في معظمه في اوساط الجمهور اليهودي، حيث في المقابل يواصل في هذه المناطق تسجيل زيادة ديمغرافية كبيرة للسكان العرب. هذه التغييرات تضعضع الميزان الديمغرافي بين اليهود والعرب في النقب والجليل، التي مساحتها الاجمالية تشكل 76 في المئة من مساحة الدولة. في الجليل من سنة 1961 بدأت زيادة السكان اليهود بالانخفاض بصورة متواصلة، وفي 2015 وصلت الى 43.1 في المئة (جدول 3)، في حين أنه في وسط الجليل الجبلي (منطقة الناصرة العليا ومسغاف وكرمئيل) تصل نسبة اليهود الآن الى 20 في المئة فقط.
جدول (3)
الميزان الديمغرافي، لواء الشمال
1948 1961 1972 1983 1995 2008 2014 2015
عدد العرب
نسبة العرب 90.600
63.0% 142.800
42.1% 218.200
46.1% 329.000
50.2% 486.400
51.4% 693.300
56.7% 770.700
56.8% 784.400
56.9%
عدد اليهود
نسبة اليهود 53,400
37.0% 194,300
57.6% 255,700
53.9% 327,000
49.8% 460,500
48.6% 548,800
43.3% 587,900
43.2% 596,000
43.1%
هذا الاتجاه يتوقع أن يتواصل على ضوء نسبة التكاثر الطبيعي السنوية للسكان اليهود (1.4 في المئة)، والعرب (1.7 في المئة) في الجليل، وعلى ضوء استمرار الهجرة الداخلية السلبية للسكان اليهود منه (جدول 4).
جدول (4)
هجرة اليهود الداخلية، لواء الشمال
1985 1992 2000 2008 2014 2015
دخلوا 14,400 25,200 17,800 21,000 22,100 23,600
خرجوا 15,400 0 28,300 19,800 20,500 23,300 23,700
الحاصل -1000 -3100 -2000 +500 -1200 -100
ظاهرة مشابهة تجري في النقب، حيث أنه من العام 1995 (انتهاء توطين موجات الهجرة من شمال افريقيا والاتحاد السوفييتي سابقا) بدأت نسبة السكان اليهود في الانخفاض تدريجيا، وفي 2015 وصلت الى 59.7 في المئة (جدول 5).
جدول (5)
ميزان ديمغرافي، منطقة بئر السبع
1948 1961 1972 1983 1995 2008 2014 2015
عدد العرب
نسبة العرب 13,000
91.6% 18,300
18.9% 29,800
18.5% 43,700
15.9% 95,800
22.8% 219,500
36.4% 270,400
39.8% 279,700
40.3%
عدد اليهود
نسبة اليهود 1,200
8.4% 78,900
81.1% 171,400
81.5% 231,300
84.1% 323,100
77.2% 383,000
63.6% 409,200
60.2% 415,600
59.7%
اضافة الى ذلك والى جانب الهجرة الداخلية السلبية للسكان اليهود من لواء الجنوب (جدول 6)، نسبة الزيادة الطبيعية السنوية لها (1.6 في المئة)، أقل من 60 في المئة من النسب الموازية في اوساط السكان العرب (3.7 في المئة)، التي مصدرها تعدد الزوجات في اوساط البدو.
جدول (6)
هجرة اليهود الداخلية، لواء الجنوب
1985 1992 2000 2008 2014 2015
دخلوا 16,800 37,200 26,300 0 26,300 27,800 28,200
خرجوا 20,300 27,700 27,300 29,600 29,600 29,700
الحاصل -3,500 +9,500 -1,000 -3,300 -1800 -1500
اختلال الميزان الديمغرافي في النقب والجليل يحمل في طياته تهديد جيوسياسي بالنسبة لدولة اسرائيل. هذا التهديد ينبع في الاساس من التاريخ الدولي، الذي يعلم أن اقليات واعية وزعامة قومية تشكل اغلبية في مناطقهم الجغرافية، يتوقع أن يحققوا طموحاتهم القومية عن طريق مطالب عنيفة أو هادئة بالحكم الذاتي (الكتالونيون في اسبانيا) أو بدل ذلك الانضمام الى دولة اخرى، ربما تكون ذات حدود مشتركة (شبه جزيرة القرم). بناء على ذلك من غير المستبعد أن المجتمع العربي في اسرائيل الذي يعبر في مرات كثيرة عن عدم رضاه من الوضع السياسي والاجتماعي الراهن في الدولة، أن يتصرف مثلما تصرفت في الماضي اقليات اخرى في العالم. بناء على ذلك فان استمرار تركز السكان اليهود في وسط البلاد من شأنه أن يحول في يوم ما غوش دون العظمى الى مدينة – دولة بدون جبهة داخلية لوجستية، في الوقت الذي يصعب فيه جدا التواصل الجغرافي العربي بين الجليل ويهودا والسامرة والنقب وقطاع غزة والاردن الانتقال العسكري والمدني بين اجزاء البلاد ويحول الجمهور اليهودي الى هش تسهل اصابته جدا، وهو الجمهور الذي سيكون مركز في مكان واحد.
ولكن هذا السيناريو يبدو أنه غير قابل للتنفيذ في المستقبل القريب، طالما أن الانتماء لدولة اسرائيل هو البديل الاكثر جاذبية للعرب في اسرائيل. وعلى أي حال، فان تبلور اغلبية عربية كبيرة في النقب والجليل ستؤدي بالتدريج الى قضم الحدود السيادية الجوهرية لدولة اسرائيل والى تقليص قدرتها على تطبيق القانون فيها. إن الصعوبات التي تواجهها الحكومة في تطبيق سياستها تجاه البناء غير القانوني في اوساط البدو في النقب هي مظاهر اساسية على ذلك. اضافة الى ذلك، فان خلق غالبية عربية كبيرة في النقب والجليل التي قيم واعراف اجزاء منها مختلفة في مضمونها عن تلك السائدة في دولة اسرائيل – في مجالات الثقافة (تعدد الزوجات في اوساط البدو)، القوانين، طريقة التوطن، الدين واللغة – يتوقع أن تؤثر بصورة حاسمة على طابعها وهويتها اليهوديين.
سبب هجر النقب والجليل من قبل السكان الاسرائيليين
من الاستطلاع الذي اجري في نيسان 2015 يتبين أن 85 في المئة من سكان الوسط غير معنيين بالانتقال الى النقب والجليل، حيث اشارت الاغلبية المطلقة الى عدم وجود اماكن العمل، 27 في المئة، ومستوى الحياة المنخفض، 15 في المئة، كاسباب رئيسة لذلك. ليس مفاجئا أن الاسباب اعلاه وقفت على رأس اهتمام 78 في المئة من سكان النقب والجليل الذين فكروا بتغيير مكان سكنهم الى الوسط.
في مجال العمل مثلا، الاجر الشهري المتوسط لأجير في مناطق تل ابيب والوسط أكثر بضعفين من الأجر في الجليل والنقب. ووفقا لذلك فقد حدد تقرير بنك اسرائيل في 2015 أن كل كيلومتر من تل ابيب تنقص الدخل المتوسط للعائلة بـ 15 في المئة. اضافة الى ذلك، نسبة البطالة ومعدل الاجراء تحت خط الحد الادنى في مناطق الجنوب والشمال اعلى بكثير من المعدل الموازي في مناطق تل ابيب والوسط، في حين أن نسبة مشاركة السكان في قوة العمل اقل بدرجة كبيرة. هذه الفجوات تنبع من الفوارق في انواع النشاطات الاقتصادية بين المناطق. هكذا، في حين أن التشغيل في النقب والجليل يستند الى الصناعات التقليدية انتقلت اليها في اعقاب سعر الارض المنخفض والحوافز الحكومية، فان التشغيل في الوسط يستند في الاساس الى صناعة الهاي تيك وانواع خدمات (بنكية وتأمين وبرمجة) (جدول 7).
جدول (7)
فجوات بين النقب، الجليل وبين الوسط في مجال التشغيل
معيار المقارنة لواء الجنوب لواء الشمال لواء تل ابيب
متوسط الأجر الشهري 7,439 شيكل
مركز منطقة بئر السبع 7,035 شيكل 9,444 شيكل
نسبة البطالة 6.6% 6.2% 3.7%
نسبة الحاصلين على أجر أقل من الحد الأدنى 39.8% 42.1% 33.1%
نسبة المشاركة في القوة العاملة بين اجمالي سكان المنطقة 61.7% 58.3% 69.5%
نسبة الوظائف في الهاي تيك من بين الوظائف في اللواء 22.4% 20.3% 30.15%
متوسط لوائي تل ابيب والوسط
نسبة الوظائف في الصناعة التقليدية والمشاركة التقليدية من اجمالي الوظائف في اللواء 56% 66% 53.5%
متوسط لوائي تل ابيب والوسط
يوجد للاختلاف اعلاه عدد من التداعيات الاساسية. أولا، في حين أن فروع الخدمات الاسرائيلية تتنافس فيما بينها على تفضيل الجمهور المحلي، تضطر فروع الصناعات التقليدية للتنافس مع منتجين كثيرين خارج البلاد (مصانع نسيج في الصين مثلا). ثانيا، في حين أن عدد اماكن العمل في فروع الخدمات قفز في السنوات الاخيرة بعشرات النسب المئوية فان عدد اماكن العمل في الصناعات التقليدية تقريبا لم يرتفع، وبناء على ذلك فان عرض العمل في النقب والجليل بقي مقلصا (ووفقا لذلك عدم وجود منافسة على تشغيل العمال المحليين). هذه المعطيات الى جانب انتاجية العمل المنخفضة في الصناعات التقليدية (التي تطرح مطالب دائمة لزيادة النجاعة)، تقود المشغلين في النقب والجليل الى تشغيل العمال المحليين بأجر منخفض. ثالثا، ارتكاز الاقتصاد في النقب والجليل على الصناعات التقليدية يضع تحديا مستقبليا وانعدام اليقين التشغيلي ازاء عمليات الحوسبة والاتمتة والذكاء الصناعي، التي تدفع الى الاستغناء عن وظائف انسانية كثيرة. الى جانب ذلك تعاني الصناعات التقليدية في النقب والجليل من تركز مرتفع، حيث أن عدد محدود من المصانع الكبيرة مثل “صودا ستريم” والصناعات الكيماوية الاسرائيلية، تشغل معظم السكان المحليين. بناء على ذلك، اذا وقعت هذه المصانع في مشكلات أو اذا اختارت نقل مكان انتاجها، فيتوقع أن يشكل هذا الامر تحديا تشغيليا لمناطق كاملة.
الفجوات تظهر ايضا في مجال التعليم، حيث ان الاستثمار السنوي المتوسط للسلطات المحلية في الطالب في مناطق تل ابيب والوسط مرتفع بضعفين عن استثمار السلطات في النقب والجليل. ووفقا لذلك فان العلامات المتوسطة في الامتحانات عالية بصورة كبيرة في تل ابيب والوسط مقابل الجنوب والشمال في جميع مهن التعليم التي فحصت، الامر الذي يبرز في الفجوة بين نسبة النجاح في البغروت ونسبة النجاح في البغروت بامتياز في المناطق المختلفة. (جدول 8).
هذه الفجوات تنبع ضمن امور اخرى من عملية وضع الميزانيات الحكومية للتعليم، حيث انه الى جانب الميزانية الاساسية التي تخصصها الحكومة بصورة متساوية تقريبا بين السلطات المحلية تم اتخاذ سياسة من تخصيص ميزانية مناسبة والتي في اطارها تشارك وزارة التعليم في استكمال تمويل مشاريع تعليمية تبادر اليها السلطات المحلية. ولكن على ضوء انعدام قدرة عدد من السلطات الضعيفة في النقب والجليل على توفير ميزانية بالحد الادنى للمبادرة الى مشاريع كهذه، فان هذه العملية تنشيء عدم توازن في مستوى التعليم الذي يقدم في مناطق مختلفة في البلاد. يجب التأكيد على أن عدد من السلطات الفقيرة في النقب والجليل تنجح في جسر هذه الفجوة بواسطة تجنيد تبرعات ونشاطات لاجسام من هذا القطاع الثالث. مع ذلك هذه الظاهرة خلقت في اوساطها تزايد مشاريع محددة، غير مراقبة وقصيرة المدى تتم ادارتها من قبل جمعيات وتخلق انعدام تساوق مع جهاز التعليم. كذلك، هذه المشاريع غير ملزمة بالانتاج. الفجوات التي تبرز بين المناطق المختلفة هي ايضا في قدرة الوصول الى مؤسسات التعليم العالي حيث أن الاغلبية المطلقة للجامعات والكليات تقع في وسط البلاد (جدول 8).
وبخصوص مجال الصحة فان نسبة الاطباء والممرضات الموظفين في منطقة الجنوب والشمال أقل بنحو 50 في المئة من نسبتها في ألوية تل ابيب والوسط، كما توجد فجوات كبيرة في عدد الأسرة المتاحة للعلاج العام وفي العناية المكثفة وفي اقسام الاطفال والمراكز الجراحية ومراكز العلاج المستعجل. هذه الفجوات تطيل وقت الانتظار لتلقي العلاج في الجنوب والشمال، وتضع معيار طبي مختلف بين المقبول فيها وبين وسط البلاد، كما أنها تتجلى في نسب عالية من الوفيات للاطفال وفي فترة العمر المتوقعة الأقل في هذه المناطق. استطلاعات اجريت مؤخرا تبين أن عدد لا بأس به من سكان الجنوب والشمال اشتكوا في السنة الماضية من غياب خدمات طبية مستعجلة في مناطق سكنهم ومن أنهم اضطروا الى التنازل عن العلاج بسبب اعتبارات البعد المكاني، مقارنة مع نسب منخفضة بدرجة كبيرة في الوية تل ابيب والوسط.
جدول (8)
الفجوات بين النقب والجليل وبين الوسط في مجال التعليم
معيار المقارنة لواء الجنوب لواء الشمال متوسط ألوية تل ابيب والوسط
المعدل المتوسط في اختبارات التعليم العبري لسنة 2013
علامة اللغة العبرية 64.3 64.3 71.1
علامة اللغة الانجليزية 64.3 67.6 76.2
علامة العلوم والتكنولوجيا 44.5 48.4 53.4
علامة الرياضيات 58.7 60.9 72.3
متوسط استثمار السلطة المحلية في الطالب (السنوية في السنة الدراسية 2014) بئر السبع
ديمونة
يروحام
العفولة
طبرية
عكا تل ابيب
هرتسليا
كفار سابا
نسبة الناجحين في البغروت في اوساط أبناء 17 في السنة الدراسية 2016 بئر السبع
ديمونة
يروحام العفولة
طبرية
عكا تل ابيب
هرتسليا
كفار سابا
الناجحين في البغروت بامتياز في السنة الدراسية 2016 بئر السبع
ديمونة
يروحام العفولة
طبرية
عكا تل ابيب
هرتسليا
كفار سابا
طلاب لقب أول حسب لواء المؤسسة التعليمية (السنة الدراسية 2016) 14.2% 9.7% 48%
جدول (9)
الفجوات بين النقب والجليل وبين الوسط في مجال الصحة
معيار المقارنة لواء الجنوب لواء الشمال لواء تل ابيب
نسبة الاطباء المشغلين 2.3 3.1 5.1
نسبة الممرضات المشغلات 3.3 4.4 6
نسبة الأسرة لكل ألف مريض 1.35 1.57 2.02
أسرة الطواريء 0.09 0.16 0.14
شكاوى حول غياب خدمات طبية مستعجلة في منطقة سكنهم 23% 29% 14%
نسبة المبلغين عن التنازل عن العلاج بسبب البعد 17% 12% 4%
نسبة الوفيات في اوساط الاطفال (لكل ألف حالة ولادة) 5.3 3.9 2.1
استنادا الى المعطيات المعروضة لا يمكن توقع أن النقب والجليل سيكونان أقل بصورة كبيرة من وسط البلاد في مجالات حياتية مختلفة واساسية، وفي نفس الوقت ستكون اكثر جذبا منه في مجال الاستيطان. هذا الادعاء يظهر في التغيرات الديمغرافية المستطلعة.
محاولات الحكومة لتشجيع الاستيطان في النقب والجليل غير ناجعة
الجهد الوطني لتشجيع الاستيطان في النقب والجليل ينقسم بين عدد كبير من الوزارات الحكومية، حيث أنه رغم التعاون فيما بينها إلا أنه يبرز غياب جسم يضم كل هذه النشاطات. هذه المهمة اعدت بالاساس لوزارة التطوير والضواحي، النقب والجليل، ولكن بسبب النقص في الميزانيات واعطاء صلاحيات حصرية للوزارة وجدت ازدواجية في مجالات نشاطها ازاء باقي المكاتب التي تعمل في نفس العمل، ومن هنا ايضا حدوث تشويش كبير. الى جانب الاشكالية في غياب جسم جامع، فان الادعاء الاساسي الذي قدم في هذا المقال هو أن السبب الرئيسي لعدم نجاح الحكومة في تشجيع الاستيطان في النقب والجليل يكمن في أن معظم المحاولات غير موجهة لاحداث تغيير استراتيجي منظم وشامل في مستوى الحياة في هذه المناطق. وفي المقابل، هي تقوم على استراتيجيتين اشكاليتين: منع حوافز اقتصادية للتطوير والاستيطان وحل مشكلات معينة فقط.
الاستراتيجية الاولى تظهر، ضمن امور اخرى، في اعتبار معظم المستوطنات في النقب والجليل “مناطق افضلية وطنية”، ومن خلال ذلك يمنح للساكنين فيها تسهيلات على شكل رسوم مخفضة للايجار مقابل استخدام الاراضي، دعم تكاليف التطوير للبناء وتسهيلات في قروض السكن. في هذا الاطار يحظى سكان المستوطنات هؤلاء حتى بتسهيلات في ضريبة الدخل بنسبة تخفيض تبلغ 7 – 21 في المئة من دخلهم الشهري، كذلك تعرض وزارة تطوير النقب والجليل حوالي 10 آلاف شيكل لعائلات المهاجرين الذين ينتقلون للسكن في النقب والجليل، وكذلك هبة للعثور على عمل أو فتح مصلحة تجارية للسكان العائدين. اضافة الى ذلك ومن اجل تشجيع الاستيطان عن طريق ايجاد اماكن عمل تمنح وزارة الاقتصاد والصناعة مساعدة مالية لاقامة مصانع في النقب والجليل أو نقل مصانع الى هذه المناطق. كذلك تسهيلات مهمة في الضرائب لبضع سنوات. المصالح التجارية المحلية تحظى ايضا برسوم استئجار مخفضة مقابل تخصيص اراضي للصناعة والمهن والسياحة والتجارة، وبدعم الانتاج في فروع معينة ضمن صندوق اقراض بضمانة الدولة.
استراتيجية التحفيز الاقتصادي تبرز ايضا في مجال السكن وفي محاولة جذب الطلاب الى النقب والجليل. في مجال السكن تدعم وزارة تطوير النقب والجليل اجور الشقق لعشرات العائلات والطلاب في البلدات الحضرية وتبادر الى اقامة مشاريع مخصصة في مجالس قروية مثل مشروع “بيوت الروابط” الذي يعرض على من يفكرون في الاستيطان فيها استئجار شقة بأجرة منخفضة في نهاية فترة الاستئجار يمكنهم شراءها بثمن محسوم منه الاجرة التي دفعوها. الى جانب ذلك تمول الوزارة سنة التعليم الاولى للجنود المسرحين ومن أدوا الخدمة الوطنية في كليات النقب والجليل، وتبادر الى تطبيق برامج مثل “طلاب يبنون المستقبل” الذي يعرض منحة على الطلاب مقابل العمل في الشركات المحلية.
رغم هذه الاستراتيجية فان التغيرات الديمغرافية التي تم استعراضها تثبت أن السعر المرتفع المرتبط بالاستيطان في النقب والجليل من زوايا التشغيل ومستوى المعيشة يحول الحوافز الاقتصادية التي تعرضها الحكومة كي تتم رؤيتها في نظر من يفكرون بالاستيطان في هذه المناطق وكأنه لا قيمة لها ومرفوض تماما. علاوة على ذلك، استراتيجية التحفيز المالي تعتبر “تعويض” مقابل الانتقال الى مكان ليس جيد بحد ذاته، بناء على ذلك تعزز الصورة السلبية للنقب والجليل. رغم جهود تحسينها من خلال الحملات والمعارض واللقاءات و”مركز معلومات النقب والجليل” الذي يقدم استشارات للمعنيين بالانتقال ويربطهم بمستوطنات ومجالس مختلفة.
رغم ما جاء اعلاه، فان نشاطات الحكومة المتخذة في اطار الاستراتيجية الثانية – حل مشكلات معينة – تؤثر بصورة ايجابية على الاستيطان والتطوير في النقب والجليل، رغم أنه بدرجة معينة. مثلا، في 2011 تم تدشين كلية الطب في صفد، وبعد ذلك انتقل للسكن في مستوطنات تلك المنطقة نحو 600 طالب و100 من الاطباء. ورغم أن هذه العملية صاحبها تمويل شراء معدات طبية متقدمة للمستشفيات في الجليل وتطوير البنى التحتية الطبية في المنطقة، فان المستوى الطبي في الجليل بقي متدني جدا مقارنة مع مركز البلاد. وكذلك في هذه الايام تواصل الحكومة العمل على نقل جزء من وحدات الجيش الاسرائيلي من المركز الى النقب كجزء من العملية، التي تتباهى بأنها ستؤدي الى هجرة نحو 3 آلاف عائلة من عائلات الجنود النظاميين الى مستوطنات المنطقة، واضافة الى ذلك اقيمت احياء خاصة في يروحام وميتار وعومر، وأقيمت ادارة هذا الانتقال التي مهمتها مراقبة وتوجيه عائلات الجنود النظاميين في عملية الاستيطان. ولكن اضافة الى حقيقة أنه في اعقاب المشروع انتقل حتى الآن 100 عائلة فقط، فان انتقال الجيش الى النقب والجليل يمكن أن يخلق رد فعل معاكس، في اطاره يتوقع اخلاء منطقة تقدر بـ 236 ألف متر مربع في مركز البلاد ستبنى فيها آلاف الشقق والتي ستؤدي الى خفض اسعار السكن في المركز وتشجيع الكثيرين للسكن فيها.
بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فان وزارة الاقتصاد والصناعة تشارك في تخطيط واقامة مناطق تشغيل، وكذلك تشغل مراكز مبادرات للشباب ومراكز تجارية في اطارها يتم تقديم خدمات ادارية، تعليم وتسويق بتكلفة منخفضة. في المقابل، نشرت وزارة تطوير النقب والجليل في 2016 (اجراءات مساعدة للشركات) تطرح على الشركات المحلية مساعدات مالية مقابل استيعاب عمال اضافيين. اضافة الى ذلك اقيم مركز “بايزن بنغف” الذي يحول ميزانيات الشراء للمؤسسات المركزية في النقب لصالح زيادة النشاطات الاقتصادية للمشاريع المحلية، بواسطة زيادة التعاون فيما بينها. مع ذلك، الحلول المطروحة لا تقدم اجابات على الصعوبات البيروقراطية الكثيرة التي تواجهها المشاريع الصغيرة والمتوسطة في النقب والجليل مثل الحصول على رخص فتح مصالح والتقدم للعطاءات، وهي لا تحسن بصورة كبيرة قدرتها على المنافسة مع نظرائها للحصول على العطاءات.
في مجال التعليم قامت الحكومة بعدة مشاريع لحوسبة اجهزة التعليم في النقب والجليل بهدف تحسين قدرة الوصول الى تكنولوجيا المعلومات بالنسبة للطلاب المحليين. اضافة الى ذلك، تقوم وزارة تطوير النقب والجليل بتشغيل خمسة مراكز للعلوم والتميز توفر لهؤلاء الطلاب التعرف على مجالات مختلفة واسعة. بالنسبة للتعليم غير الرسمي، الوزارة تدعم دورات تقوية ومخيمات ضيفية لنحو 80 ألف طفل، وتشغل مراكز شبابية توفر رد شامل ومنظم لاحتياجات الشباب المحليين وتمنحهم أدوات للتطور الشخصي والمهني. ولكن هذه الخطوات لم يتم اثبات نجاعتها من ناحية الانجازات، وهي لا تعطي أي اجابة على الفجوات في قدرة السلطات في النقب والجليل على الاستثمار في الطلاب المحليين. بناء على ذلك هي لا تلغي حاجتها الى برامج استكمال التي تنفذها الجمعيات.
على صعيد المواصلات تقوم وزارة المواصلات بتنفيذ مشاريع لتحسين قدرة وصول سكان النقب والجليل الى المركز وبالعكس. في النقب تم تعبيد الجزء الجنوبي لشارع 6 وهي تواصل العمل على امتداده الى لاهافيم ومفترق طرق النقب. صحيح، تمت مضاعفة عدد رحلات القطار من تل ابيب الى بئر السبع. وفي الجليل تم تعبيد الجزء الشمالي من شارع 6 حتى مفترق طرق سوميخ، وفي المستقبل سيتم البدء بالعمل على مده نحو شلومي. اضافة الى ذلك تم شق طريق “الذراع الشرقي” الذي يربط بين شارع 6 في منطقة يوكنعام وبين مفترق عميعاد واصبع الجليل. وتمت اضافة خط “قطار الغور” بين حيفا وبيسان، وانشاء سكة حديد عكا – كرمئيل. ويشار الى أن محاولة تقصير وقت السفر بين المركز والنقب والجليل ستوسع ظاهرة المياومة، ووفقا لذلك تمكين عدد كبير من الاشخاص من مواصلة السكن في وسط البلاد، حتى لو تم تشغيلهم في النقب والجليل.
من ناحية استيطانية وبموازاة الدعم الذي تقدمه وزارة الداخلية للسلطات المحلية في النقب والجليل من خلال هبات توازن وميزانيات تطوير، فان وزارة تطوير النقب والجليل تمول انشاء ودعم بؤر استيطانية في هذه المناطق. في هذا السياق يستوطن عدد من الاشخاص الذين يهتمون في السكن معا في مستوطنة قائمة، أو اقامة مستوطنة جديدة. في المقابل تعمل وزارة الاسكان والبناء على تخطيط مستوطنات جماعية ومدن جديدة في النقب والجليل. ولكن يوجد لاقامة مستوطنات جديدة عدد من العيوب البارزة مثل الحاجة الى انشاء بنى تحتية مكلفة، من الصفر، مثل الشوارع والكهرباء، وزيادة الاعتماد على استخدام السيارات الخاصة مع كل تداعياتها.
ومقارنة مع المدن الكبرى، يتوقع في هذه المستوطنات الجديدة نقص في تنوع التشغيل وقدرة وصول محدودة الى المراكز الصحية والتعليمية. وبناء على ذلك فان اقامتها يمكنها أن تفاقم الفجوات التي استعرضت في هذا المقال. اضافة الى ذلك، اقامة مستوطنات جديدة ستوسع بعثرة ميزانيات الحكومة المعطاة للسلطات المحلية كجزء من محاولة تطوير النقب والجليل، في الوقت الذي تساهم فيه هذه البعثرة الآن في اضعاف سلطات محلية كثيرة، لا سيما في النقب والجليل. في هذا السياق يشار الى أن نجاعة خطة العناقيد المناطقية التي تقودها الآن وزارة الداخلية والتي المتوقع أن تعطي اجابة مناسبة، محدودة، بالاساس بسبب غياب الصلاحيات الفورية لهذه العناقيد.
ما الذي يمكن عمله؟
عملية تشجيع الاستيطان في النقب والجليل يجب أن تشمل عملية من مرحلتين. أولا، من المهم أن تستثمر الحكومة ميزانيات كبيرة لتحسين البنى التحتية التي تؤثر على جودة حياة سكان النقب والجليل، من اجل منع استمرار الهجرة السلبية من المنطقة. هذه العملية تحتاج الى اقامة جسم مستقل في مكتب رئيس الحكومة يضم كل النشاطات الوزارية التي تعمل في هذه المهمة، ويجسر الخلافات بينها ويبلور فكرة منظمة لتطوير النقب والجليل. اضافة الى ذلك من المهم أن تؤيد جهات سياسية لها تأثير ولها مصلحة اساسية في تطوير النقب والجليل عمل هذا الجسم. إن غياب هذه الاجسام ظهر على مدى السنوات السابقة وهو ينبع من عدم تمثيل هذه المناطق في الكنيست. عمليا، المرحلة الاولى يجب فيها تركيز الجهود على تطوير ثلاثة مجالات اساسية والتركيز على المدن الكبيرة في النقب والجليل مثل بئر السبع وديمونة وكرمئيل وطبرية.
في مجال التشغيل من المهم نقل مؤسسات عامة ووزارات حكومية الى النقب والجليل من اجل تحسين التنوع فيها والعرض التشغيلي، وكذلك زيادة دفعات الارنونا التي تحصل عليها السلطات المحلية. اضافة الى ذلك، يوصى باقامة في هذه المناطق مراكز تشغيل هامة مثل مطار دولي في نبتيم أو سهل مرج بن عامر يوفر عشرات الآلاف من اماكن العمل على المدى البعيد. ومرغوب فيه ايضا رسم خرائط للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في النقب والجليل للتعرف على الاحتياجات، ووفقا لذلك تغيير نشاطات الحكومة. في هذا السياق وبسبب الصعوبات البيروقراطية التي تواجهها المشايع المحلية من المهم تمويل مركزين لتطوير المشاريع من قبل وزارة الاقتصاد والصناعة، وأن يتم وضعهم في السلطات المحلية لتقديم اجابات على المشكلات في الوقت المناسب. ويوصى ايضا بدراسة تعديل قانون الالزام بالعطاءات بحيث يعطي افضلية معدلة ونقاط افضلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في النقب والجليل، في كل ما يتعلق بالمشتريات العامة التي تتم من قبل الوزارات الحكومية والسلطات المحلية في ارجاء البلاد. اضافة الى ذلك يجب فحص نسبة ضريبة الشركات والضرائب الاخرى التي تتم جبايتها من شركات دولية بسبب نشاطاتها في النقب والجليل وخفضها من اجل أن يتم ايجاد محفز لها للعمل في هذه المناطق.
في مجال التعليم من المهم فحص سياسة ميزانية مختلفة، التي في اطارها تأخذ الدولة في الحسبان الوضع الاقتصادي في السلطة المحلية وقدرتها على الاستثمار في السكان بصورة مستقلة، بدء من رياض الاطفال والمدارس وحتى التعليم غير الرسمي. الميزانية والزيادة، التي لا تقتضي تقليص ميزانيات سلطات قوية تقلل من اعتماد السلطات الضعيفة في النقب والجليل على جمعيات القطاع الثالث ويمكنها من اجراء برامج تعليم ونشاطات اثراء مراقبة وموجهة قابلة للقياس (بالتعاون مع وزارة التعليم). في هذا المجال وفي مجالات اخرى يتم التأكيد على الحاجة الى تعزيز التعاون بين السلطات المحلية في النقب والجليل، وبناء على ذلك يوصى بأن تعمل الحكومة على اقامة ادارة مشتركة تضم ممثلين عن وزارة التعليم ورؤساء اقسام التعليم في السلطات المختلفة. في هذا المنتدى من المهم أن يتم الوصول الى خدمات التعليم الرسمي وغير الرسمي المقدمة في سلطة معينة (مثل مسارات التعلم) لطلاب سلطات اخرى في المنطقة. ووفقا لذلك تقوم وزارة التعليم بتمويل سلطات تقدم خدمات تعليم مناطقية بصورة مفضلة. موصى ايضا بالتعاون في مجال نقل الطلاب من سلطة الى اخرى. اضافة الى ذلك مرغوب فيه اقامة جامعة اخرى في النقب وجامعة في الجليل.
في مجال الصحة من المهم تعديل قانون التأمين الصحي الرسمي بحيث يشمل تعريفات دقيقة للمادة التي تقضي بأن عضو المركز الصحي له الحق في الحصول منها على كامل الخدمات المشمولة في سلة الخدمات الصحية بـ “جودة معقولة وفترة زمنية معقولة وعلى بعد معقول”. على مدى السنين فشلت المحاولات لايجاد تعريفات دقيقة لمفهوم “معقول”، وبهذا هناك امكانية لتفسير واسع من قبل صناديق المرضى وتقديم معيار طبي مختلف بين اقسام البلاد. كخطوة مكملة من المفضل أن تشرف وزارة الصحة على الطريقة التي توزع فيها صناديق المرضى ميزانياتها التي تستند الى دفعات التأمين الصحي الرسمي لمواطني الدولة، بين الالوية المختلفة في البلاد وكذلك المطالبة بشفافية هذه العملية. هذه الخطوة يمكن القيام بها في اطار الخطة الوطنية لقياسات جودة صحة المجتمع في اسرائيل. اضافة الى ذلك، يوصى باقامة مستشفى جديد في النقب وفي الجليل وتوسيع بشكل كبير عدد الأسرة في المستشفيات القائمة. ومن المهم ايضا توسيع جهاز مراكز الطواريء، واقامة مراكز طواقم طبية وزيادة تمويل نقل المرضى والعلاج وخدمات التأهيل. في هذا السياق يجب الانتباه الى أن قرارات الحكومة في السنوات الاخيرة التي طالبت بتنفيذ المطلوب، لم تنفذ، في الاساس بسبب الصعوبات المالية والادارية في السلطات المحلية في النقب والجليل لتنفيذها فعليا.
عندما يتم استكمال هذه المرحلة ويدرك سكان النقب والجليل انفسهم الامكانية الكامنة واهمية البقاء في مناطقهم، سيكون بالامكان التقدم الى المرحلة الثانية ومحاولة جذب سكان آخرين من ارجاء البلاد الى النقب والجليل. وليس مجرد الاستفادة من الحوافز المادية، أو غلاء المعيشة المنخفض، بل من اجل تحسين مستوى حياتهم.
* إنتهت النشرة *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى