المرحلة الانتقالية المتخبطة في ليبيا
أندرو إينجل * معهد واشنطن* 25/2/2012
شهد 17 شباط/ فبراير الذكرى السنوية الأولى للثورة الليبية، بيد تعثر انتقال البلاد نحو الديمقراطية نتيجة لسوء إدارة الحكومة المؤقتة. وتسير خطط لإجراء انتخابات برلمانية في 23 حزيران/ يونيو بغض النظر عن الوضع الداخلي – أو كم عدد المتمردين الذين ما زالوا مسلحين. واستجابة لذلك، ينبغي على واشنطن أن تفعل ما في وسعها لتشجيع قيام بيئة انتخابية أكثر ودية، تشمل المتمردين وأصحاب المصلحة.
الحكم عن طريق الأزمة
منذ سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي، لم يستطع كل من “المجلس الوطني الانتقالي” برئاسة مصطفى عبد الجليل والحكومة المؤقتة بقيادة رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب بسط سلطتهما بصورة متساوية في جميع أنحاء ليبيا. ونتيجة لذلك تدهورت الأوضاع الأمنية وانخفضت ثقة الجمهور في عملية التحول.
وفي الوقت الراهن لا يتم الشعور بوجود الحكومة المؤقتة إلا في أوقات الأزمات عندما تتدخل لوقف القتال الداخلي بين المتمردين وانتهاكات حقوق الإنسان والاحتجاجات ضد القيادة الوطنية ومحاولات المتمردين فرض سيطرتهم على المدن الموالية للقذافي. وقد تم ارسال مسؤولين كبار للتوسط في مثل هذه الأزمات، بدءاً من عبد الجليل والكيب واستمراراً بوزير الدفاع أسامة الجويلي وانتهاءاً بالشخصية الدينية الرائدة في البلاد الشيخ الصادق الغرياني. وأدت التقارير المحرجة عن وقوع أعمال تعذيب على نطاق واسع – في مراكز احتجاز يديرها متمردون (والتي تضم ما يقدر بـ 8500 شخص تقريباً) – إلى قيام الحكومة بنقل سبعة من بين ثلاثة وخمسين من هذه السجون إلى وزارة العدل وتحديد مواعيد مستهدفة لنقل السجون الأخرى. إن هذا النهج الرجعي تجاه طريقة الحكم غير فعال ويحوّل الانتباه عن المهمة الأكبر وهي إعداد البلاد للانتخابات.
عواقب الشلل
وصف مدير الطوارئ في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بيتر بوكارت، “المجلس الوطني الانتقالي” بأنه يعمل في “دولة هي في شلل نسبي”. وقد أدى ذلك إلى خلق مشاكل على عدة جبهات:
• اندماج بطيء للمتمردين. لدى الحكومة المؤقتة خطط لدمج 75000 مقاتل من أصل ما يقدر بـ 120000، والذي هناك حاجة لتسريحهم، ولكن حتى الآن لم يسجل في هذه البرامج سوى حوالي 15000 مقاتل. ويبدو أن العديد من المتمردين عازمون على الانتظار لمعرفة نتائج العملية السياسية قبل نزع سلاحهم. بيد، يصبح الاندماج أكثر صعوبة كلما طال عمل الميليشيات بصورة مستقلة وقيام أعضاؤها بتطوير ثقافات محلية سياسية واقتصادية خاصة بهم. وعلاوة على ذلك، قد تلجأ الميليشيات إلى الأنشطة غير المشروعة لدفع رواتب مقاتليها. وقد ألقي القبض مؤخراً على متمردين من لواءين على الأقل في سرت بسبب قيامهم بأعمال اختطاف وسرقة سيارات. وفي مقابلة مع الصحيفة القومية العربية “القدس العربي”، اتهم مسؤول سابق في الأمن الليبي، ناصر مقاتل، متمردين من زنتان بـ “بيع أسلحة فضلاً عن معلومات استخباراتية.”
• احتجاجات شعبية. أثار الفشل في إدارة التوقعات ما بعد الفترة الانتقالية جنباً إلى جنب مع اتخاذ قرارات على المستوى الوطني بصورة مبهمة، إلى قيام احتجاجات ضد الحكومة الانتقالية في إطار “حركة تصحيح المسار”. فالمتظاهرون غاضبون لعدم دفع رواتبهم وانعدام الفرص الاقتصادية وظروف العمل السيئة وانعدام القانون في صفوف المتمردين وتوجيه دعوات لصالح أو ضد قيام دولة دينية، ووجود مسؤولين من نظام القذافي في الحكومة. وقد تحولت تجمعاتهم في بعض الأحيان إلى تصرفات عنيفة، مع آثار مزعزعة للاستقرار: ففي 19 كانون الثاني/ يناير، على سبيل المثال، اقترب متظاهرون غاضبون من نائب رئيس “المجلس الوطني الانتقالي” والمتحدث باسم “المجلس” عبد الحفيظ غوقة وحارسه الشخصي وتحدثوا إليهم بجرأة وبقوة، في حين اقتحمت مجموعة من الغوغاء مقر “المجلس الوطني الانتقالي” في بنغازي في 21 كانون الثاني/ يناير، وفجرت البوابات الأمامية باستعمالها قنابل يدوية وحاصرت عبد الجليل لعدة ساعات.
• موارد مالية ضعيفة. على الرغم من الاستئناف السريع وغير المتوقع لانتاج النفط والإفراج عن أكثر من 100 مليار دولار من الأرصدة السائلة، أعلنت الحكومة المؤقتة في نشرة لها عن قيام عجز مالي في ميزانية عام 2012 قدره 10 مليارات دولار، ووجود مخاطر انعدام السيولة في البنك المركزي. إن إحدى التفسيرات لهذه المفارقة هي أن السلطات الانتقالية قد طلبت عدم استلام جميع الموارد المالية في دفعة واحدة بسبب عدم اليقين القائم حول الرقابة والإدارة والفساد. وهذه النقطة هي أكثر أهمية في ضوء التقديرات الأخيرة بأن 10- 15 في المائة فقط من الذين عولجوا في الخارج كجزء من برنامج يبلغ قدره 800 مليون دولار والمخصص لجرحى الحرب كانوا مؤهلين فعلاً (على سبيل المثال، إن العديد من المسؤولين في السلطات المحلية قد استغلوا هذا البرنامج نيابة عن أصدقائهم وأفراد عوائلهم وحصلوا على علاجات تافهة وأُتيح لهم السفر بحرية، وحصلوا كذلك على فوائد غير مناسبة أخرى). إن الـ 100 مليار دولار التي أُفرج وأُعلن عنها في 16 شباط/ فبراير ينبغي أن تساعد ميزانية ليبيا – إذا تمت إدراتها على النحو الصحيح.
بصيص من الأمل
على الرغم من أن السلطات الانتقالية هي في حالة يرثى لها، إلا أنها ما زالت تتمتع بشرعية وطنية قوية ويعود ذلك لسببين: قدرتها على التوسط بنجاح في النزاعات ودورها في الإشراف على خزانة الدولة.
والحكومة المؤقتة هي اللاعب الوحيد الذي كان قادراً حتى الآن على التدخل والتوسط في الاشتباكات، وهو ما يدل على ضرورة قيام سلطة مركزية ووجود بعض القبول لهذه السلطة على حد سواء. وقد وضع الجيش الوطني نفسه وبصورة ناجحة وسيطاً بين الطرفين المتصادمين ويحقق تقدماً في إعادة تفعيل [الوحدات العسكرية] بعد تعيين يوسف المنقوش رئيساً لهيئة أركان القوات المسلحة. وقد رحبت بتعيينه جماعات متمردة عديدة ومعظم المجالس المحلية والعسكرية، على الرغم أنه ما زال يُنظر إلى ضباط الجيش الوطني بعين الريبة.
ويدرك الليبيون أيضاً أن حكومة وطنية هي الوحيدة التي باستطاعتها الوصول بصورة شرعية إلى المليارات من الأصول المجمدة خلال الحرب. وفي حين كانت هذه الأصول ذات مرة محتجزة من قبل القذافي وتُصرف في نطاق ضيق لبناء الولاء بين عناصر أساسية مختارة، إلا أنه بالإمكان إنفاقها الآن على نطاق أوسع لإعادة بناء ليبيا وتعويض عقود من نقص الاستثمارات.
وبالإضافة إلى ذلك، أفادت “المؤسسة الوطنية للنفط” في ليبيا مؤخراً أن الإنتاج قد بلغ 1.3 مليون برميل يومياً وآخذ في التصاعد. لقد كان الإنتاج يبلغ 1.6 مليون برميل يومياً قبل اندلاع الحرب، وهو رقم قالت “المؤسسة الوطنية للنفط” أنه سيتم الوصول إليه بحلول هذا الصيف. وبسبب بقاء بنيتها التحتية النفطية آمنة، يمكن أن تمر البلاد بعملية تحويل في إدارة ثروتها النفطية بصورة مماثلة لما حصل في الإمارات العربية المتحدة. ووفقاً لـ “إدارة معلومات الطاقة الأمريكية”، لدى ليبيا ما يقدر بـ 46.4 مليار برميل من النفط – وهي أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في أفريقيا، وتاسع أكبر احتياطيات في العالم. وحتى هذا الرقم يعتبر محافظاً لأن موارد النفط والغاز في البلاد هي بعيدة إلى حد كبير عن الاستكشاف الكامل.
وعلاوة على ذلك، تعج ليبيا بأحزاب سياسية جديدة ومنظمات للمجتمع المدني ووسائل إعلام، حيث تستعد جميعها لانتخابات هذا الصيف. وباختصار، يبدو أن الناس عازمون على تسهيل عملية الانتقال على الرغم من المشاكل التي تواجهها الحكومة الانتقالية.
خيارات السياسة الأمريكية
ستجري الانتخابات القادمة في بيئة مشحونة سياسياً ومدججة بالسلاح. ووفقاً لذلك، ينبغي على واشنطن اتخاذ نهج ذي شقين للتقليل من فرص الصراع.
الأول، نهج ينطلق من القاعدة إلى القمة – أي الجمع بين متمردين ومجالس محلية ومجالس عسكرية من جهة مع منظمات المجتمع المدني المتزايدة من جهة أخرى – والذي يمكن أن يساعد على ضمان قيام أولئك الذين لديهم القدرة الأكبر على تحديد نتائج عملية الانتقال بفعل ذلك بصورة إيجابية. إن منظمات مراقبة الانتخابات التي أنشئت حديثاً ووسائل الإعلام المبتدئة في ليبيا، والتي ليس لديها خبرة بعد أربعة عقود من حكم القذافي، هي في حاجة ماسة إلى التوجيه المهني.
ثانياً، نهج ينطلق من القمة إلى القاعدة – نهج تنازلي – يركز على الحكومة المؤقتة والذي يمكن أن يساعد على تحسين الشفافية في صنع القرار والأمور المالية والمساءلة. وباستطاعة مهارة الحكومة في التوسط في الاشتباكات أن تمنح شرعية أكبر إذا ما طبقت على نطاق أوسع، مثل المصالحة الوطنية، إلا أن السلطات المركزية تفتقر إلى القدرات المؤسسية والمعرفة للإشراف على مثل هذا المسعى الكبير. وبلا شك سوف تبقى هذه هي الحالة بغض النظر عن هوية القادة الذين يصلون إلى الحكم في المستقبل.
ينبغي أن يوجه جزء من المساعدات الاقتصادية لدول “الربيع العربي” – والتي أعلن عنها الرئيس أوباما للتو والبالغة 800 مليون دولار – نحو مشاريع من هذا القبيل وفقاً للنهج التصاعدي والنهج التنازلي. إن العمل الذي قام به حتى الآن “مكتب المبادرات الانتقالية” في “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” هو بداية عظيمة ولكن ينبغي توسيعه – ففي الوقت الراهن، تقتصر جهوده في ليبيا على تخصيص ميزانية قدرها 5 ملايين دولار. يجب على إدارة أوباما أن تذكّر الحكومة الليبية المؤقتة أيضاً أن المنظمات الأمريكية كانت تنتظر من أجل الحصول على تأشيراتها الليبية في حين تعاني البلاد من المهنيين المهرة النادرين في شؤون التنمية. إن نهج واشنطن الحالي هو الانتظار حتى تُطلب منها المساعدة. ومع ذلك، فإن بلدان أخرى تسعى إلى فرض نفوذها في ليبيا لم تكن خجولة إلى هذا الحد. فالوقت يمر بسرعة مع اقتراب موعد الانتخابات.