أقلام وأراء

المراهنة على إدارة بايدن وحكومة بينيت سراب يحسبه الظمآن ماء!

بقلم المحامي زياد أبو زياد *- 59/2021

اقتحمت قوة عسكرية إسرائيلية مدينة رام الله فجر الجمعة أول من أمس، حيث تقوم بين الحين والآخر باقتحامات يتم خلالها قتل أو اعتقال مواطنين أو اقتحام مؤسسات ومصادرة ملفاتها وأجهزة الحاسوب فيها وإلصاق أوامر إغلاق على مداخلها تقضي بإغلاقها لفترة زمنية قابلة للتجديد والتمديد تماما كما اعتادت إسرائيل أن تفعل منذ أول أيام الاحتلال وما زالت. وهي تقوم بهذه الاقتحامات لمناطق السلطة بعد أن تخبرها مسبقا ً، في إطار ما يسمى بالتنسيق الأمني، عن عزمها القيام بذلك وتطلب منها سحب أفراد الشرطة من الشوارع لمنع أي احتكاك بينهم وبين قوات الاحتلال التي تقوم بهذه المداهمة.

وهذه المداهمات تأتي خلافا لاتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والذي ما زال الجانب الفلسطيني يتمسك به بينما ضربت به إسرائيل عرض الحائط، رغم أنه لا يُعقل أن تنفذ السلطة ما التزمت به في اتفاق أوسلو بينما تتصرف إسرائيل على أساس أن هذا الاتفاق لاغ ٍ ولا وجود له. بل وأكثر من ذلك فإن لدينا من لا يزال يصر على ضرورة إثبات حسن النية للأمريكيين وللإسرائيليين من خلال الالتزام بالحفاظ على أمن الإسرائيليين عسكر ومدنيين، بينما يمضي جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية ومستوطنيه في ممارساتهم من قتل واعتقال ومصادرة للأراضي وانتهاك لحرمة الأماكن المقدسة.

وقد جاء الاقتحام الإسرائيلي أول من أمس لرام الله أيام قليلة من قيام وزير الأمن الإسرائيلي بيني جانتس بزيارة للمقاطعة والاجتماع مع الرئيس محمود عباس وأركان إدارته. ومع أن البعض على الجانب الفلسطيني عاش حالة من الإيفوريا معتقدا ً بأنه تم تحقيق اقتحام على الساحة السياسية الإسرائيلية إلا أن إسرائيل أبت إلا أن ترسل بواسطة هذا الاقتحام رسالة واضحة للسلطة بأن شيئا ً لم يتغير وأن الأمر الذي كان قبل الزيارة ما زال وسيبقى كما هو بعد الزيارة.

وفي هذا السياق فإن على القيادة الفلسطينية مطالبة إسرائيل أولا وليس حماس باحترام الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية بما في ذلك التوقف عن اقتحام المناطق التي تحت سيطرة السلطة والمسماة “أ”، والاعتراف بأن تصنيف المناطق أ ، ب ، ج هو تصنيف مؤقت كان الهدف منه تسهيل عملية انتقال هذه المناطق من ب و ج الى منطقة أ على ثلاث دفعات مرة كل ستة أشهر لكي لا يبقى تحت سيطرة إسرائيل سوى المستوطنات والمواقع العسكرية التي لا تزيد مساحتها عن 10% والتي هي من مسائل المفاوضات النهائية. ولكن إسرائيل أوقفت عملية الانتقال هذه منذ عام 1999 حين أفشلت العملية التفاوضية وأصبحت تتصرف اليوم على أساس أن مناطق السلطة هي فقط ما هو موجود اليوم تحت ادارتها ولا تتجاوز ال 40%، وأن ما تبقى من الضفة هو أرض إسرائيلية تحتفظ بها إسرائيل كاحتياطي لتوسيع المستوطنات. فالمطالبة بالتزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة هو الذي يجب أن يبقى العنوان في أي تعامل معها. ومطالبة إسرائيل بذلك يجب أن تتم في إطار التمسك بالبرنامج الوطني القائم على أساس انهاء الاحتلال وإقامة الدولة وعدم التخلي عن ذلك والانشغال بقضايا حياتية جانبية.

لقد أعلنت إسرائيل أن الهدف من زيارة جانتس هو تقوية السلطة في رام الله وإضعاف حماس. وكل من تحدث عن هذه الزيارة على الجانب الإسرائيلي سواء جانتس نفسه أو بينيت أكد بأنه ليست هناك أية فرصة لأي عمل أو مبادرة سياسية وأن الهدف من هذه الزيارة هو العمل على المستوى الأمني وتحسين التعاون والتنسيق الأمني بين الجانبين وتعزيز وضع السلطة الاقتصادي وتحسين ظروف معيشة المواطنين تحت ظل السلطة لتخفيض حدة التوتر وإبقاء الأمور تحت السيطرة. بل إن بينيت نفسه قال في لقاء زوم مع قادة المنظمات اليهودية بأمريكا قبل يومين بأنه لن يلتقي الرئيس عباس لأنه لا يوجد موضوع سياسي للحديث فيه ولا يريد أن يخدع الفلسطينيون أنفسهم بأن هناك شيء سياسي وأن جانتس هو رجل الأمن والمخول في الشأن الأمني.

وتنسى إسرائيل أو تتناسى بأن العامل الوحيد الذي أضعف قيادة السلطة التي تبنت النهج التفاوضي هو قيام إسرائيل بإفشال المفاوضات وقتل خيار الحل السياسي القائم على مبدأ الدولتين وعملها المكثف لتوسيع وتعزيز الاستيطان وتغيير معالم القدس والأراضي المحتلة.

والذي يعرف الوضع الهش لحكومة نفتالي بينيت ومكونات هذه الحكومة يعلم علم اليقين بأنه ليس هناك أي افق سياسي في التعامل معها وأن أية إجراءات تقوم بها تجاه السلطة الفلسطينية انما تستهدف فقط المصلحة الأمنية الإسرائيلية والاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على أساس إفشال أي مسعى للمصالحة الفلسطينية وتعزيز وتكريس الانقسام الفلسطيني لأنه الضمان الوحيد لنجاح المخطط الإسرائيلي للابتلاع التدريجي للضفة والقدس ، وتعزيز قبضة الحصار على غزة لإيصال الناس الى حالة من اليأس ليقبلوا بأي فتات إسرائيلي أو تهيئتهم للهجرة الجماعية من القطاع في أول فرصة تتاح لهم . ولا أستبعد أن تكون تلك الفرصة قادمة ضمن المخطط الإسرائيلي لتفريغ القطاع وابتلاعه بعد ابتلاع الضفة، من خلال شن حرب شاملة على القطاع تخلق الظروف الملائمة للتهجير الجماعي لشعبنا في قطاع غزة.

واستعراضا ً لما قيل بأن جانتس قدمه لرام الله أبدأ بما تم الترويج له وهو السماح لشركات المحمول الفلسطينية استخدام تقنية الجيل الرابع G4 وهنا لا بد من القول بأن هذه المبادرة لا تخدم المواطن الفلسطيني العادي وإنما هي لخدمة شركات المحمول الاحتكارية والمساهمين فيها وبعضهم معروف للجميع.

وهذا ينطبق أيضا على إقراض السلطة نصف مليار شيكل. فهذا القرض مخالف للقانون الأساس ولكل الأعراف الدستورية والتعامل بين الدول، لأن أي قرض تأخذه الدولة يجب أن يتم إقراره من قبل البرلمان لما يمكن أن تكون له من آثار على الأمن القومي لتلك الدولة. فالسلطة التي تعتبر نفسها دولة، لا تملك الحق في إبرام أي اتفاق أو التزام دولي في غياب المجلس التشريعي.

وأما ما قيل حول موافقة جانتس على اعطاء السلطة ألف رخصة بناء في منطقة “ج” فهذا الأمر هو في غاية الخطورة لأنه يُشكل إقرارا ضمنيا ً من قبل القيادة الفلسطينية بأن إسرائيل هي رب البيت وصاحبة القرار في المناطقة “ج” التي يُفترض أنها منطقة فلسطينية ويجب المطالبة بتحويلها الى منطقة “أ” حسب اتفاق أوسلو.

ولا بد أيضا ً من الإشارة لواشنطن والتوقعات المرتقبة من الإدارة الأمريكية الجديدة والتأكيد بأن المراهنة على إدارة بايدن هي مراهنة خاسرة مئة بالمئة. فهذه الإدارة لن تكون سوى ” بروفا ” باهتة لاجترار ما قامت به إدارة أوباما من قبل والتي كان بايدن هو الرجل الثاني فيها. والتي رغم الوعود والكلام المعسول أثبتت بأنها أكثر الإدارات الأمريكية دعما ً ماديا ً وعسكريا ً وسياسيا ً لإسرائيل وأنها أسهمت الى حد كبير في تكريس وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ولذلك فإن من السذاجة المطلقة البناء على ما يمكن أن تفعله هذه الإدارة.

فقد تعيد هذه الإدارة فتح القنصلية الأمريكية بالقدس وتعيد لها دورها في رعاية الشؤون الفلسطينية. ولكن هذه الخطوة لا قيمة عملية لها إذا لم تكن في إطار الاعتراف بالقدس العربية عاصمة لفلسطين والعمل في إطار الشرعية الدولية على انهاء الاحتلال وهذا لن يحدث. ومثل هذا يمكن أن يقال عن إعادة فتح الممثلية الفلسطينية بواشنطن. فالوقت يداهمنا والاحتلال يزداد عمقا واستشراء ولن تفيدنا أية خطوات ذات مغزى شكلي أو رمزي إن لم تكن جزءا من عملية متكاملة ذات خطوات على الطريق لأنهاء الاحتلال.

لقد فقدنا البوصلة وتنازلنا عن برنامجنا الوطني وهو اقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع والقدس “الشريف” وأصبحنا نسعى بأقدامنا نحو تكريس الحكم الإداري المنقوص تحت مسمى السلطة والانشغال بالثراء والإثراء وتحويل البرنامج الوطني الى مشاريع فردية والوقوع في شرك ما يسمى بالسلام الاقتصادي وهو الاسم الجديد للاحتلال “المستنير”. وكل هذا هو نتيجة طبيعية لتكريس الانقسام وتغييب المجلس التشريعي وتعطيل العملية الديمقراطية وتكريس حكم الفرد.

وعلى القيادة الفلسطينية أن تتحرر من وهم البناء الافتراضي على ما يمكن أن تقوم إدارة بايدن الذي يواجه المشاكل والصعوبات الداخلية والخارجية والذي ستنتهي فترة ولايته وهو منغمس فيها ولن تكون له فرصة تجديد تلك الولاية لفترة رئاسية قادمة بسبب عمره وصحته أولا ً وللمعارضة الشديدة الآن داخل أمريكا ضده.

وأقول بشكل مقتضب جدا ً لضيق الوقت أن أول ما على القيادة عمله هو ترتيب البيت الداخلي وإعادة الشرعية الانتخابية لمؤسسات الحكم وانهاء الانقسام وتحقيق المشاركة والتعددية على أوسع نطاق واستنهاض الطاقات الكامنة لدى الشعب وتفعيل المقاومة الشعبية والتحرك نحو المجتمع الدولي. وأنا إذ أقول هذا فإنني أدرك أن من يمسكون زمام الأمر اليوم لا يستطيعون تحمل أعباء ومسؤولية التغيير القادم، وسيقفون عقبة في طريقه. ولكن علينا أن نتبنى منهج العدالة الانتقالية وهذا مصطلح لا مكان لشرحه، ولكن يعرفه أبسط تلامذة العلوم السياسية. وأن ننطلق نحو الهدف قبل ألا ينفع الندم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى