أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب – لا وقت للتساؤل لمن تُقرع الأجراس… بل إقرعوا جدران الخزان !

بقلم  المحامي زياد أبو زياد *- 1/11/2020

الأحد… وكل يوم أحد

لا وقت للتساؤل لمن تُقرع الأجراس… بل إقرعوا جدران الخزان !

بين إرنست هيمنجواي وغسان كنفاني لا يكون المشي إلا على رؤوس الأصابع ، وأستميح كلاهما العذر على اقتباس العنوان .

الأنطباع السائد في وسائل الإعلام ، وتؤكده تصريحات العديد من القياديين الفلسطينيين ، هو أن القيادة الفلسطينية تترقب نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية وتأمل بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن على افتراض بأنه سيقوم بإلغاء صفقة القرن وتغيير السياسة الأمريكية وإعادة صفة الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بعد أن ألغتها إدارة ترمب وشطبت من قاموسها كلمة احتلال وأعطت الشرعية للإستيطان والضم في القدس والضفة والجولان.

وبالطبع ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول بعض الفلسطينيين خلق حالة من الترقب لنتائج الانتخابات الأمريكية ، فأنا شخصيا ً شهدت هذا الأمر منذ سنوات الاحتلال الأولى حتى اليوم ، وفي كل المرات السابقة ثبتت مقولة أن شهاب الدين ” أسوأ ” من أخيه… ومن لا تروق له كلمة أسوأ يستطيع أن يستخدم الكلمة الأصلية لهذا المثل.

وثمة اٍسئلة كثيرة تتبادر الى الذهن، أولها وأهمها : ماذا لو فاز ترمب وأعيد انتخابه ؟ وما هي الاستراتيجية التي أعدتها القيادة الفلسطينية لذلك ؟ ثم إذا افترضنا جدلاً أن بايدن قد فاز فهل استمعت الى مجمل أقواله وتصريحاته الداعمة لإسرائيل والتي لن تخرج عن خط السياسة التقليدية للحزب الديمقراطي الداعم الدائم لإسرائيل ؟ والتي وإن تطاهرت بالتوازن والتعقل لن تكون سوى غطاء لتمرير المزيد من الاستيطان وتكريس الاحتلال والضم كما فعلت سابقتها إدارة أوباما ؟

من المؤسف والمؤلم حقا ً أن نظل بعد كل هذه السنين الطويلة نراوح في نفس المكان ونستخدم نفس الأساليب والأدوات والأشخاص ونتوقع نتائج مختلفة. ومن المؤلم والمؤسف أيضا ً أن نظل نرتهن القضية الفلسطينية بالعوامل الخارجية سواء كانت إقليمية أم دولية. فالذي يعطي الدور للعوامل والمتغيرات الإقليمية والدولية هو غياب الدور الفلسطيني والمبادرة الفلسطينية. ولا شد بأن وزننا ودورنا في الإقليم والعالم مرهون بذاتنا وبمقوماتنا الداخلية وبمدى قدرتنا على بناء المكنون الذاتي القادر على التأثير في الإقايم والعالم.

فما الذي فعلناه وأعددناه لبناء قوتنا الذاتية لتفعيل دورنا الإقليمي والدولي ؟

الذي يتابع مسيرة العمل الفلسطيني منذ الخروج من بيروت يلاحظ حالة الإنتكاس والتراجع المستمر على كافة المستويات. فبعد أن رفعنا ومارسنا شعار استقلالية القرار الوطني الفلسطيني في المجلس الوطني المنعقد بعمان عام 1984 ، ونحن في مسار منحن ٍ يسير في سمت معاكس لما أعلناه.

فمنذ عام 1988 ونحن نلهث وراء الحل السياسي ونقدم التنازل تلو التنازل لقاء مجرد الجلوس على مائدة التفاوض مع ممثل الاحتلال الذي يجثم على أرضنا وصدورنا ، وتنازلنا من أجل ذلك عن كل وسائل الضغط التي كانت بأيدينا والتي كان من الممكن أن تُحسن وضعنا التفاوضي وتجعله يُحقق ننتائج مقبولة. ومن ثم ومن بعد أن حققنا ذلك الجلوس على الطاولة ونحن أيضا نقدم التنازل تلو التنازل ونخفض سقفنا التفاوضي وتوقعاتنا وبنفس الوقت نطلق العنان للتصريحات الجامحة التي لا صلة لها بواقع التفاوض رغم إدراكنا التام بأن كل ما يدور من حولنا هو عكس ما نردده في تلك التصريحات من شعارات.

لقد أمضى الشهيد ياسر عرفات ليال طوال وهو يجادل اسحق رابين من أجل إلغاء فكرة ” مجلس الإدارة الذاتية ” الذي كانت تصر عليه إسرائيل والمكون من خمسة وعشرين عضوا يتم انتخابهم ويكونون هم الحكومة والسلطةالتشريعية ، وانتزاع موافقة إسرائيلية على الفصل بين الحكومة والمجلس التشريعي وقد نجح في ذلك وفي رفع عدد أعضاء المجلس التشريعي من 25 الى 88 عضوا ، وكان يقول لنا ” أريد دولة والدولة لا تكون إلا بوجود سلطات ثلاث والفصل بين هذه السلطات “. فأين هي السلطات الثلاث اليوم ؟ ألم نعد بأنفسنا وبفعل أيدينا الى مفهوم مجلس الإدارة الذاتية بعد أن الغينا وجود المجلس التشريعي وأنطنا صلاحية التشريع بالحكومة التي تحولت الى مجلس حكم ذاتي ؟!

البعض يتشدق بأننا دولة تحت الاحتلال ! فأين هي الدولة ؟ فالدولة هي مؤسسات دستورية تتمثل بالسلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ونحن وللأسف لم نعد نملك ذلك ، والدولة هي دولة سيادة حكم القانون. ونحن وللأسف الشديد فشلنا في تكريس سيادة حكم القانون.

وعلينا أن نعترف بشجاعة أننا بدلا من مأسسة دولة حكم القانون قمنا بمأسسة غياب حكم القانون وأصبح الوضع أشبه بغابة يأكل فيها القوي الضعيف ، وأصبحت القوة لمن له عشيرة أو تنظيم يحميه ، وانتشر السلاح في أيدي القادرين على امتلاكه وأما غير القادرين على امتلاكه فقد وجد البعض منهم نفسه مضطرا ً لمنع المال عن لقمة عيش أطفاله وتفضيل شراء السلاح لحماية نفسه وأهله على شراء الغذاء والدواء والتعليم لأبنائه. وما تكرار جرائم القتل واستخدام الأسلحة النارية شبه اليومي إلا دليل على ذلك.

وفي حين فشلنا في بناء دولة القانون فإننا سمحنا لأنفسنا أن ننزلق نحو الصراعات السياسية والاجتماعية داخل البلد الواحد. فلم يقف الأمر عند الإنقسام بين فتح وحماس والذي وجه طعنة قاتلة لحلم الناس بالحرية والتحرر وأنما انزلق نحو انقسام داخل فتح نفسها بات هو الأخر يزداد حدة ويأخذ منحى ً يدعو لقلق كل إنسان وطني غيور. وما المشكلة التي رافقت انتخابات إقليم فتح بمنطقة القدس وقرارات فصل عدد من القياديين الفتحاويين من مخيم الأمعري بتهمة ” التجنح ” قبل أسبوع والشجار الذي استخدم فيه السلاح في مخيم بلاطة أمس سوى مظاهر لتعمق الشرخ والصراع بين رفاق الأمس أبناء التنظيم الواحد الذين تقاسموا البرش والعزل والزنانين حين كان العدو واحدا والهدف واحدا والقلب واحدا.

أشعر بالقلق والخوف والحزن مما يجري ومما يمكن أن يجري ، وأدعو بكل إخلاص الى إنقاذ الحلم وإنقاذ الوطن وأخذ زمام المبادرة وعدم الركون لأية عوامل خارجية مهما كانت. لأن الحل والخلاص لا يمكن أن يأتي من خارج البيت بل من داخله. والشقاق والإنقسام هو عملية لها ديناميكيتها الذاتية إذا ما ترك له الحبل على الغارب ولا بد من التصالح داخل البيت الفتحاوي ووضع حد لحالة الاستقطاب القائمة.

المطلوب الآن هو البدء فورا ً باستنهاض القوة والهمة الذاتية وإعادة الأمل الى قلوب الناس ، بالإصلاح الدستوري (الانتخابات وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات وإعادة بناء مؤسسات الدولة ) والإداري (حكومة قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها لا حكومة تسيير أعمال) والقضائي ( بوضع حد للخلل والفوضى الحالية وتشكيل مجلس قضاء أعلى دائم وفقا للقانون من داخل الجسم القضائي ) والأمني (من خلال إعادة التوصيف الوظيفي للأجهزة الأمنية ووقف تدخلها فيما لا يعنيها سواء التدخل في القضاء أو في المجالات المدنية التي هي من الإختصاص الحصري للشرطة المدنية ). وهذا هو تحد أمام الجميع سواء القيادة أو الشعب.

وهذا يتطلب مصالحة مع الذات وتلاحما داخليا والجرأة في اتخاذ القرارات غير العادية التي تخرج الناس من حالة اليأس والفوضى والفلتان الى حالة الثقة بالنفس واحترام القانون. وهذه ليست عملية سهلة بعد ما وصلنا اليه من مأسسة الفوضى المدنية والسياسية التي لا تستطيع أن تنمو وتترعرع إلا في مثل الأجواء الحالية القائمة.

نحن باختصار شديد ، بحاجة الى عملية تنفض عنا ما تراكم من غبار وتضمن إعادة بث الروح والإرادة في هذا الجسم المترهل المشتت المتصارع.

قد يقول قائل بأنني أنفخ في قربة مخزوقة أو يتساءل لمن تُقرع الأجراس. وأقول بأنني سأظل أقرع جدار الخزان أملا ً في الأوكسجين قبل أن تموت وردة الحلم ويذوي الأمل.

وآمل أن يتم ذلك قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى