أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب- القرارات الحكومية في الأسبوع الماضي بين الجدية والدراماتيكية

بقلم  المحامي زياد أبو زياد *- 10/1/2021

الأحد… وكل يوم أحد

القرارات الحكومية في الأسبوع الماضي بين الجدية والدراماتيكية

كان الأسبوع الماضي حافلا بالقرارات الحكومية والرئاسية على أعلى مستوى وحظيت تلك القرارات باهتمام كل من يتابع الشأن العام. وكان من بين تلك القرارات استقالة رئيس سلطة النقد الذي كان قد سبق أن تم عام 2019 تمديد فترة ولايته أربع سنوات حتى عام 2023 ، وصدور قرارات عن مجلس الوزراء بدمج أو إلغاء أكثر من 27 مؤسسة أو هيئة أو لجنة ، وتنحية رئيس هيئة مكافحة الفساد عن منصبه بخطوة وإجراءات دراماتيكيه.

وسأحاول في هذه العجالة التعقيب على ما حدث لأنه أمر يخص الشأن العام.

بداية لا أريد الدخول في تفاصيل استقالة رئيس سلطة النقد لحساسية الموضوع ولأنني لا أسمح لنفسي بالخوض في شأن ربما كان البعض يرى فيه شأنا شخصيا ، ولكنني أسجل هنا أنه خلافا لرئيس هيئة مكافحة الفساد فقد تم تغيير رئيس سلطة النقد بشكل لائق لم يكن فيه مساس بأحد أو إساءة لأحد وهذا أمر إيجابي في حد ذاته.

دمج أو إلغاء هيئات ولجان

وأما بشأن السبع وعشرين مؤسسة وهيئة ولجنة التي تم الحاق معظمها بوزارات قائمة أو إلغاء البعض ، فإنني أسجل للحكومة هذا العمل الإيجابي الجريء الذي ربما يكون قد جاء متأخرا جدا ، وأضيف بأن هذا الإجراء سيبقى قاصرا وعاجزا ً عن تحقيق الهدف الذي أريد منه إلى أن تستكمل الحكومة تنفيذ هذه الإجراءات وإلى أن تقوم بإجراءات الترشيد الوظيفي لمن كانوا مسجلين كموظفين على هذه الهيئات واللجان أو المؤسسات. وإذا كان استكمال تنفيذ بعض هذه القرارات يحتاج مدة أقصاها تسعين يوما كما قالت الحكومة فإنني أذكر بأننا أمام احتمال إجراء انتخابات تشريعية وأنه إذا ما صدرت المراسيم المتعلقة بالعملية الانتخابية فإن الحكومة الحالية قد تستقيل لافساح المجال أمام تشكيل حكومة انتقالية للإشراف على الانتخابات أو تضطر لإجراء تعديل عليها ، وفي كلتا الحالتين قد يتعطل استكمال تنفيذ تلك القرارات ولذا لا بد من سرعة العمل على استكمال كل الاجراءات اللازمة لتنفيذها.

وهذا يشمل التصدي لترهل الجهاز الاداري للحكم والاستفادة من الموظفين الذين كانوا مفرغين على هذه الدوائر والهيئات في مواقع حقيقية أخرى لوقف عملية الهدر والنزف في المال العام.

وفي جميع الأحوال فإنني أحيي الحكومة وأسجل لحسابها هذه القرارات الرشيدة.

وأود قبل التعليق على ما حصل بشأن رئيس هيئة الفساد أن أرجع قليلا ً الى الوراء والى الفكرة بحد ذاتها وكيفية تطبيقها في سائر دول العالم.

الرقابة الإدارية والمالية

هناك في الدول ذات الشفافية والمصداقية وظيفة اسمها مراقب الدولة ولهذه الوظيفة مسميات مختلفة أكثر شيوعا هو ما عرف في السويد وبعض الدول الاسكندنافيه ombudsman وتختلف كيفية تعيينه من دولة الى أخرى ، ولكن الأساس الذي يحكم عمله هو ضمان استقلاليته وعدم خضوعه للتأثير من أية جهة تنفيذية. ولذا فإن تعيينه في العديد من الدول يتم بالمصادقة عليه من قبل البرلمان ويصدر قرار تعيينه عن الرئيس كما يفترض أن يكون الحال في تعيين النائب العام . فالأساس في عمل مراقب الدولة هو الاستقلالية والحصانة.

وأذكر في بداية عهد السلطة أن الأخت الدكتورة حنان عشراوي كانت معجبة بالفكرة وبتشكيل مؤسسة فلسطينية على هذا النمط وسعت لتشكيل هيئة رقابة ولكن الفكرة تطورت وتمخضت عن تشكيل الهيئة المستقلة لحقوق المواطن كمنظمة مجتمع مدني ، واقتصر نشاطها الذي ادعته لنفسها على مجال حقوق الإنسان ، ولكنها وللأسف لم تقم بالدور الذي كان يفترض أن تقوم به ، فبالرغم من أن ليس المجال هنا هو تقييم دور وأداء الهيئة المستقلة لحقوق المواطن إلا أنني أكتفي بالقول بأن سيادة حكم القانون تُشكل الدرع الواقي لحقوق المواطن والمظلة الرئيسية التي تحتمي تحتها تلك الحقوق ، ولكن الهيئة المستقلة لحقوق المواطن لم تكن دائما ً حاضرة في التصدي للممارسات المنافية لسيادة حكم القانون والتعدي على مبدأ الفصل بين السلطات بما في ذلك بعض الممارسات التي شكلت اعتداء على استقلال القضاء أو تنفيذ أحكامه.

وإذا كان لا بد من وجود هيئة تراقب أداء الجهاز الإداري سواء تحت مسمى ديوان المحاسبة أو مراقب الدولة أو الرقابة الإدارية والمالية فإن من أهممقومات نجاح هذه الهيئة هو ضمان استقلالها وعدم خضوعها لتأثير أية جهة حكومية. ومن أجل ذلك فإن الدول المعنية بالشفافية وسلامة أداء أجهزة الدولة تلتزم بأن لا تخضع هذه الهيئة للحكومة أو لأية جهة تنفيذية بل تتم المصادقة على اختيار رئيسها من قبل البرلمان ولا يجوز عزله إلا بقرار من البرلمان وتكون له ولمكتبه صلاحية مراقبة كل أجهزة وأذرع الحكم بما في ذلك مكتب الرئيس ورئيس الوزراء والوزارات والهيئات المختلفة والأجهزة الأمنية والعسكرية بل وحتى الجهاز الإداري للبرلمان.

ولما كان المال والسلطان هما من أهم أسباب الفساد فقد بات الفساد سمة من سمات العصر ، ولكن وجود هيئة رقابة مستقلة وأمينة ذات حصانة يساعد على الحد من الفساد والكشف عن بواطنه وتقديم كل من يتورط فيه الى العدالة بعد تدقيق وتحقيق مستقل ذو مصداقية وشفافية مهما كان منصبه.

هيئة مكافحة الفساد والإجراءات الأخيرة

وأعود للحالة الفلسطينية. فنحن لدينا ديوان رقابة إدارية ومالية ولكن هذا الديوان هو جزء من السلطة التنفيذية ولا يتمتع بالاستقلالية أو الحماية البرلمانية وبالتالي فإن دوره يبقى محدودا ومقصورا. وأما هيئة مكافحة الفساد فإنني أرى أن من الضروري إعادة النظر في قانونها وفي دورها وفي الوسائل المتاحة لها. فهيئة مكافحة الفساد تحتاج أولا ً وقبل كل شيء الى الاستقلالية وإلى أن تكون لها مرجعية لا تخضع للسلطة التنفيذية. وإذا ما قدر الله وكانت لدينا انتخابات تشريعية قريبة وتم انتخاب مجلس تشريعي فإنني أعتقد أنه يجب أن تكون من أولويات مهام هذا المجلس إعادة النظر في قانون هيئة مكافحة الفساد ومحكمتها وآلية عملها وكيفية تشكيلها لكي لا تلحق بها صفة محاكم التفتيش من جهة ولكي لا تخضع للسلطة التنفيذية وإنما تكون بالفعل الأداة القوية ولكن الشفافة والعادلة للمساهمة في تحقيق الشفافية القائمة على العدل. ولعل من أرز ملامح مثل هذه الهيئة لدى الدول التي سبقتنا في هذا المضمار هو أن يقف على رأس هذه الهيئة قاض من مستوى قاضي المحكمة العليا سواء من القضاة المتقاعدين أو يتم انتدابه ليرأس هذه الهيئة التي هي ليست جهازا ً بوليسيا ولا سيفا مسلطا على الرقاب وإنما هي أداة للكشف عن مواطن الفساد وإحالة كل من تدور حوله شبهات مثبتة الى القضاء ليقول كلمته.

وأخيرا لا بد من القول بأنني أشعر بالأسف للطريقة التي تم بها التعامل مع رئيس هيئة مكافحة الفساد قبل أيام والتي شكلت في رأيي إساة معنوية لصورة السلطة الوطنية الفلسطينية أكثر مما سببته من إساءة معنوية للرجل نفسه. فمداهمة مكتب الرجل بالطريقة الدراماتيكبة الاستعراضية التي تمت لم يكن لها لزوم ولا معنى بل أعطت الانطباع بأن هناك فساد كبير في رأس المؤسسة المناط بها أمر مكافحة الفساد وفي هذا إساءة لصورتنا كسلطة وطنية أمام من نقيم معها علاقات من دول العالم وقبلها من دول الجوار.

فهل كان ذلك لازما ً وضروريا ً ؟ ألم يكن من الممكن دعوة الرجل الى تناول فنجان قهوة مثلا في مكتب الرئيس أو مكتب رئيس الوزراء وهناك الطلب منه أن يسلم مفاتيح مكتبه بهدوء والانصراف الى بيته والتزام بيته دون هذا الفيلم الاستعراضي الدرامي ؟ لماذا لا نتصرف مع بعضنا البعض بشكل إنساني حضاري ونلتزم بمبدأ أن الأصل هو براءة الذمة وأن المتهم يبقى بريء حتى تثبت إدانته ؟ هل انتفت الرحمة من قلوبنا ؟ ماذا إذا ثبت أن الرجل بريء لا ذنب له ولا غبار عليه من يستطيع أن يرد إليه اعتباره بعد كل الذي حصل !.

نحن بحاجة الى العمل الرزين من أجل العمل وبحاجة لأن نتجنب الأعمال التظاهرية الاستعراضية التي يمكن أن تسيء دون مبرر ، وأن نخافظ على هيبة الحكم ورزانته بنفس القدر الذي نحتاجه لتحقيق العدالة لأنفسنا وللغير.

*وزير سابق ومحررمجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية – القدس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى