أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب – الصورة النمطية السلبية للقيادة الفلسطينية هل ساهمنا في صنعها وكيف يمكن تفنيدها

المحامي زياد أبو زياد – 20/9/2020

الأسطوانة الأكثر تداولا ً في الأوساط السياسية هذه الأيام هي القول بأن الفلسطينيين والمقصود (القيادة) لا يمسكون بزمام المبادرة وإنما يكتفون بردود الفعل ، وأن ردود الفعل الفلسطينية باتت مقتصرة على الرفض المطلق لكل شيء يُعرض عليهم ، وأن على الفلسطينيين أن يتخلوا عن هذا النهج الرفضاوي وأن يأخذوا زمام المبادرة ويقترحوا البديل لما يرفضونه.

والذين يلقون المسؤولية على كاهل الفلسطينيين ويتهمونهم بالرفض العبثي لا يتصرفون بنفس الدافع وإنما لكل دوافعه وأسبابه ومن بينهم بعض الدول العربية الرئيسة على الساحة ، أمتنع عن ذكرها بالإسم منعا ً للحرج ومن السهل التكهن بها ، والتي لا توجه الإتهامات للقيادة الفلسطينية علنا ً وإنما تقوله لها مباشرة ولكل من تلتقي به من الرؤساء والممثلين والمبعوثين الدوليين.

ولا بد أولا من القول بأن هذا الإدعاء أو الإتهام للقيادة الفلسطينية جاء في الأصل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وماكينة الدعاية الإسرائيلية ولقي أذنا صاغية في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية. والذين تبنوا هذا الإدعاء سواء من العرب أو غير العرب لم يتبنوه لنفس السبب وإنما لكل منهم أسبابه ودوافعه. فبعض هؤلاء وقع فريسة للدعاية الإسرائيلية وبلع الطعم وأخذ يطالب القيادة الفلسطينية بتغيير نهجها وأخذ زمام المبادرة وطرح بديل لما ترفضه وأن لا تكتفي فقط بالرفض ، وهؤلاء هم في الغالب من الأجانب كالأوروبيين والأمريكان وغيرهم. والبعض الآخر وهم من العرب يشعر بالقصور والعجز عن تقديم الدعم والعون الحقيقي للشعب والقيادة الفلسطينية إما لعجزهم وإما بسبب الضغوط الأمريكية عليهم ، فوجدوا في هذه الدعاية ضد الفلسطينيين فرصة لتبرير قصورهم في دعم القضية الفلسطينية كقضية قومية عربية ، وإلقاء المسؤولية على القيادة الفلسطينية ، وهذا هو ما يسيطر على مواقف غالبية الدول العربية حيث تقف الدبلوماسية الفلسطينية عاجزة عن زحزحة هذه الدول عن مواقفها المتخاذلة وإعادة القضية الفلسطينية الى رأس سلم أولويات الأمن القومي العربي. وبعض هؤلاء لا يتخذون المواقف العلنية المهرولة نحو التطبيع بل يدعمونه من طرف خفي ويحملوننا المسؤولية عن ذلك ، وهناك الدول التي ما زالت تتمسك بمواقفها المبدئية كالأردن رغم الضغوط الهائلة عليها من كل الإتجاهات وهي الأقلية للأسف الشديد.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل نحن مسؤولون عن صنع الصورة النمطية السلبية للأداء السياسي الفلسطيني وإتهامه بالرفضاوي العبثي ؟

قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من القول وإنصافا ً للحقيقة بأنه لم يُعرض علينا ما يمكن أن نندم على رفضه. وأن كل ما يسمونه بالفرص الضائعة لم يكن فرصا ً بل منزلقات للتفريط لم ننزلق إليها ولم نقع في شراكها سواء ما يسمى بصفقة القرن أو ما سبقها أو تلاها من تحركات أمريكية بالمنطقة تندرج جميعها في إطار المخطط الإسرائيلي لتكريس الإحتلال والإستيطان والضم.

ومع ذلك فإن من الممكن القول بأن الأداء والخطاب السياسي الفلسطيني أدى الى تمرير هذه الدعاية ضد القيادة الفلسطينية وقدم خدمة لمن أرادوا ويريدون رسم صورة سلبية نمطية للفلسطينيين الذين قال عنهم أبا إيبن وزير خارجية إسرائيل في السبعينيات قولته المشهورة بأن ” الفلسطينيين لا يضيعون فرصة لتضييع الفرصة “. فالأداء السياسي الفلسطيني يفتقر للديناميكية وللتكيف مع تطور أساليب الدعاية التي أصبحت أحد أهم وسائل تسويق الأفكار والخطط بل والمواقف كأنها سلعة أو تجارة.

ولإلقاء مزيد من التوضيح أقول بأننا في خطابنا السياسي نحو العالم أصبحنا كالإسطوانة المشروخة نردد نفس الكلاشيهات والعبارات التي اعتاد العالم على سماعها منا ولم يعد العالم يطيق سماعها لأنها فقدت الأثر impact الذي يمكن أن تُحدثه على من يسمعها. فنحن نردد في كل مناسبة وكل مكان مقولة ” حل الدولتين والتمسك بقرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ” ونذكر بعض هذه القرارات كقرار الجمعية العمومية رقم 194 بشأن اللاجئين والقرار 242 و338 و1967 وبعض القرارات المتعلقة بالقدس . وأجزم بأن معظم من يرددون ذكر هذه القرارات لم يقرأوها أو يطلعوا عليها بل هي اسطوانة نعزفها ونشعر بالطمأنينة والإرتياح لأنها تروق للأذن الفلسطينية وتبقى معبرة عن الإجماع الفلسطيني المتعارف عليه.

ومع ذلك فإن العالم سئم الاستماع لهذه الإسطوانة ويريد أن يسمع منا شيئا جديدا وهذا السأم أو الملل استغلته الدعاية الإسرائيلية ونجحت في بناء صورتنا النمطية السلبية.

كان يمكن دائما أن نتنبه لهذه الحقيقة وأن نطرح موقفنا الثابت ولكن بأسلوب متجدد ينسجم مع الأذن التي تتوقع منا الجديد.

فعلى سبيل المثال لا الحصر حين أعلن الرئيس الأمريكي ترمب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل بادرنا فورا ً إلى رفض القرار الأمريكي وطالبنا الرئيس الأمريكي بالتراجع عن قراره. فهل يصدق أي شخص يفهم في السياسة أن يقبل رئيس الولايات المتحدة بالتراجع عن قراره لمجرد أننا طلبنا منه ذلك ؟ وهل لدينا القوة والإمكانية ووسائل الضغط لإرغام رئيس أمريكا على التراجع ؟ فنحن لم نقرأ آنذاك ما تركه الرئيس ترمب بين سطور إعلانه من إغراءات لنا لاستقطابنا وجرنا إليه. فلم نلاحظ أن قرار ترمب قال بأن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يحدد حدود المنطقة التي ستكون تحت السيادة الإسرائيلية وأن حدود تلك المنطقة تتقرر من خلال المفاوضات مضيفا بأن اعترافه بالقدس لا يؤثر على نتائج مفاوضات الوضع النهائي حول القدس وأن القنصلية ستظل تعمل بالقدس الشرقية . ولكن رفضناالمطلق للقرار الأمريكي والتباري في كيل المسبات والشتائم ضد ترمب وإدارته أعطى مادة دسمة لنتياهو وماكينته الدعائية لتحريض ترمب واستخدام تلك الشتائم في ضغوطهم لحمل ترمب على اتخاذ خطوات لاحقة . فتراجع عن الثغرات التي تركها في إعلانه الأول وانتهى بالقول بأن القدس لم تعد على الطاولة.

ولا بد من مراجعة مطالبتنا ترمب آنذالك بالتراجع عن قراره وتخيل ماذا كان سيعمل لو أننا لم نعلن الهجوم الكلامي والمسبات الشخصية ضده ، وطالبنا ترمب مقابل اعترافه بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل الإعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وقد اقترحت هذا مقال بصحيفة (القدس 26-01-2020) (http://www.alquds.com/articles/1562478925462638100 )

وقد طرحت اقتراحا ً مماثلا قبيل إعلان الرئيس ترمب لصفقة القرن فدعوت الى مرونة في الكلام دون أي تفريط أو تنازل عن حقوقنا (القدس بتاريخ 7-7-2019)

http://www.alquds.com/articles/1580020547691430600

ولقد اتبعنا نفس الأسلوب التقليدي في تعاملنا مع تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل. فقد كنا نعرف مواقف بعض الدول العربية المتنفذة في جامعة الدول العربية ونعرف أنها تلومنا لعدم تقدمنا بطروحات بديلة للطروحات الأمريكية وكنا نعرف أنها لا يمكن أن تدعم قرارا ً يدين هاتين الإمارات والبحرين حفاظا على علاقاتها معها ولأن مثل ذلك القرار كان سيثير حفيظة أمريكا ضدها كما سيثير حفيظة دولا عربية أخرى تصطف في طابور التطبيع وتنتظر التوقيت المناسب. وكان علينا بدلا ً من فتح أبواق الشتائم والردح أن نمارس اللغة الدبلوماسية الراقية الخالية من الشتائم وأن نقوم في المقابل بمطالبة الدول العربية توظيف كل سياساتها وتصرفاتها لخدمة وتفعيل مبادرة السلام العربية ومحاولة إعطاء قبلة الحياة لتلك المبادرة وإلقاء الوم على من تؤدي تصرفاتهم الى وأدها ، وأن لا ندخل في ماراثون الشتائم مع الأشقاء العرب واستعداء الأنظمة العربية والشعوب ضدنا وإعطاء الفرصة لمن يكن لنا الحقد والعداء أن يعلن ذلك ويرفع القناع عن وجهه.

وفي الخلاصة : نحن مطالبون بإعادة صياغة خطابنا السياسي الموجه للعرب وللعالم ووضع أفكارنا وطلباتنا في ثوب جديد لا يفرط بالجوهر ولكنه ينتزع من الخصوم فرصة الإدعاء بأننا رفضاويون وعبثيون. هذا إذا كنا نريد أن نمارس العمل السياسي. وأما إذا كنا غسلنا أيدينا من العمل السياسي ونريد ممارسة الأساليب الثورية فإن ذلك يجب أن لا يقتصر على الخطب والتصريحات النارية في المهرجانات ووسائل الإعلام وإنما بالسلوك والممارسة وهذا يعني قلب الطاولة والبدء من الصفر. ولا أظن هذا هو الذي تريده أو تقدر عليه القيادة ليس فقط في رام الله بل وفي القطاع أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى