أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب – الخطوات الملحة المطلوبة من القيادة والحكومة لمواجهة مركبة التطبيع

المحامي زياد أبو زياد – 25/10/2020

لا شك بأننا نواجه مشكلة مصيرية هي التحدي الأكبر الذي تواجهه القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948. وهذا التحدي يتمثل في تداعي وانهيار الجدار الاستنادي الذي كان يشكله تضامن الأنظمة العربية مع الشعب الفلسطيني رغم التباين في مواقف دول هذا الجدار سواء من حيث ماهية الدعم والتضامن أو جديته ومدى المواءمة بين ما يعلن وما يقال وراء الأبواب المغلقة.

نحن اليوم أمام الإنهيار الكبير. أمام نزع الأقنعة الزائفة. أمام إباحة ما لم يكن مباحا أو مستباح. فما العمل ؟

تابعت كما تابع غيري ردود الفعل الرسمية الفلسطينية على أول تطبيع علني تم بين الإمارات وإسرائيل وما تلاه من ردود فعل على البحرين ومن ثم السودان. والإنطباع الذي لدي هو أننا نراوح في دائرة واحدة من رد الفعل يمكن القول بأنها ذات نتائج سلبية ولن تؤدي الى أي تغيير إيجابي في مواقف الدول التي تسير في ركب التطبيع والذي هو في الواقع بمثابة مركبة مصفحة تقودها أمريكا وتتحكم في رادارها إسرائيل تلتقط الركاب عن الطريق تحت طائلة العصا والجزرة. وهذه المركبة لن تتوقف بل ووفق كل المؤشرات سيلحق بها ركاب عرب آخرون مما سيؤدي في نهاية المطاف الى غياب تام للعنصر العربي الذي كان يختبيء وراء ورقة توت أسموها مبادرة السلام العربية.

ونحن أمام هذه المركبة الجامحة لم نستخدم سوى الاسلوب الخطابي الهجومي الذي اتسم بالتجريح والقدح الى حد الشتائم ضد الأشقاء. وعلينا أن نسأل أنفسنا بصراحة وجرأة عن جدوى هذا الأسلوب وعن الفوائد التي يمكن أن يحققها. فنحن ومنذ عشية إعلان الرئيس الأمريكي ترمب عما أسميناه وبحق ” صفعة القرن ” أدخلنا الى القاموس الدبلوماسي الدولي قائمة من الشتائم التي لم تكن متبادلة أو متداولة بين دول العالم من قبل وهي شتائم قليلا ما نسمعها حتى في المشاجرات بالشوارع.

نحن اليوم نشتم الأنظمة التي في الإمارات والبحرين والسودان ومن سيلحق بها غدا ً ونتجاهل أن هذه الشتائم تنعكس سلبا ً على الشعوب وأنها لن تقف عند الحكام وأنه سيكون هناك أناس مغرضون مفسدون سيؤولون هذه الشتائم لتأليب الشعوب العربية الأخرى ضدنا وضد أبناء جالياتنا في تلك الأقطار وأننا في المحصلة النهائية قد نجد أنفسنا في جهة والشعوب العربية الأخرى في جهة ثانية وركب التطبيع يسير براحته.

المخيف في موضوع التطبيع وطريقة تعاملنا معه هو أننا نخسر الشعوب العربية وندفعها الى أحضان أنظمتها وأن هذه الحالة من الإنهيار ستشكل الجسر والمعبر الذي ستدخل منه إسرائيل ليس الى ضم أجزاء من الضفة والقدس وإنما الى ابتلاع كل شيء وضم كل شيء والعرب الذين حولناهم الى أعداء يهللون ويكبرون ويزغردون لصديقهم الجديد القديم إسرائيل.

ما أود أن أتوصل إليه هو أن الوقوف في وجه التطبيع لا يتم من خلال التباري في صنع الشتائم والمسبات وإنما أولا ً وقبل كل شيء بالأساليب المألوفة بين الدول وبسؤال أنفسنا لماذا يتم كل هذا.

لقد حاولنا التعافي من النتائج المدمرة لما يسميه البعض ظلما ً بالإنتفاضة الثانية وبدأنا بإعادة بناء مؤسساتنا السياسية لنفاجأ بالإنقسام ثم تلاه الشرخ في الجسم الفتحاوي. وعلينا أن نعترف بأننا فشلنا منذ ذلك الحين قي رأب الصدع بين فتح وحماس من جهة ، وفي إصلاح البيت الفتحاوي من الداخل وانشغل أولي الأمر والنهي في تكريس الإنقسام بين الشمال والجنوب وبين الحركة الأم وأبنائها الذين يوصفون ب “المتجنحين ” وتركنا الأرض نهبا ً للاحتلال والاستيطان ونمنا على صوت اسطوانات قديمة تتحدث عن السلام والشرعية الدولية وقراراتها دون أن نقوم بعمل واحد يجعل من الشرعية الدولية وقراراتها أمرا واجب التنفيذ.

ودون الدخول في ديباجة الحيثيات فإنني أدعو القيادة السياسية الى ما يلي من سبيل المثال لا الحصر :

– أولا وقبل كل شيء ، إعادة الفصل في البنية وفي التوصيف الوظيفي بين المنظمة التي هي القيادة والهوية والعنوان وبين السلطة وهي الذراع الإداري للمنظمة. وحصر الدور السياسي في المنظمة والإداري الداخلي في السلطة ممثلة بالحكومة بعيدا عن الجدل عما إذا نحن دولة أم سلطة.

– الى القيام فورا ً بإصدار مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية وتحديد المدد القانونية لذلك والدخول في الإجراءات العملية لإجراء الإنتخابات مع الأخذ بيعين الاعتبار أن إجراءها قد يكون مدخلا للإشتباك مع إسرائيل إذا ما حاولت منع أو إعاقة الانتخابات ، والإستعداد لكل السيناريوهات المحتملة.

– الى إصدار أوامر صارمة وقاسية ضد كل من تسول له نفسه الإساءة لأي دولة أو شعب عربي تقوم بخطوات لا نقبل بها أو لا نقرها وأن تنحصر قناة الاتصال بالطرق الرسمية بين القيادة الفلسطينية وتلك الدول ومنع أي استعداء لشعوب تلك الدول.

– الاستمرار في الحوار الفصائلي الذي بدأ باللقاء بين أمناء سر الفصائل والتوصل الى ما يُمكّن من إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس واقعية تضمن التمثيل الحقيقي لكل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية باعتبار أن المنظمة هي المظلة الشاملة التي ينضوي تحتها العمل الوطني سواء النضالي أو السياسي وعلى كافة الأصعدة.

– العمل على تشكيل حكومة وطنية مؤهلة للإشراف على إجراء انتخابات نزيهة وبشفافية تضمن أن لا تتعرض لأية طعون أو تشكيك وأن تكون نقطة الإنطلاق نحو المستقبل الأفضل.

– وإلى أن يتم تشكيل مثل تلك الحكومة فإنني أدعو الحكومة الحالية الى القيام فورا بالخطوات التالية:

– العمل على إنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور من خلال القيام باستعادة أموال المقاصة بغض النظر عن التبريرات السابقة ودفع الرواتب المتأخرة للموظفين والتي ستُضخ بالتأكيد في الاقتصاد الوطني وتخرجه من غرفة العناية المكثفة قبل أن يلفظ أنفاسه.

– العمل على تفعيل وتكثيف عمل الشرطة من خلال توفير الكوادر الكافية والمعدات والصلاحيات لضبط الوضع الأمني المدني الداخلي ووضع حد للفلتان وانتشار الأسلحة والجريمة والفساد وتثبيت حكم القانون.

– وقف التدخل في الجهاز القضائي وإعادة الاستقرار إليه من خلال مجلس قضاء أعلى دائم منبثق من داخل الجسم القضائي ولا يتم إدخال أحد إليه بالباراشوت وبالإلتزام بأحكام قانون السلطة القضائية.

– وقف إسهال إصدار قوانين من قبل الحكومة لما في ذلك من إعتداء على صلاحية التشريع ، والتروي لحين انتخاب مجلس تشريعي جديد تناط به مهمة إعادة النظر بمنظومة القوانين وإصلاح ما شابها من خلل كبير خلال السنوات الأربع عشرة الماضية نتيجة تغييب اللمجلس التشريعي وشل عملها وذلك بتطبيق أحكام المادة 43 من القانون الأساسي.

– هذه مطالب ملحة أقولها على سبيل المثال لا الحصر ، لتدارك الأمر قبل فوات الأوان مع قناعتي بأنها ليست إلا نزرا يسيرا مما يجب أن نعمله لاستعادة زمام المبادرة وإعادة بناء الوضع الداخلي ليكون مؤهلا وقادرا على مواجهة مركبة التطبيع ومن علوا على ظهرها وما يمكن أن تسببه من ضرر مصيري للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وبناء مستقبل أفضل.

abuzayyadz@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى