أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد: ليتوقف هذا الجنون ولنبحث عن صيغة جديدة للخروج من دوامة الحرب

المحامي زياد أبو زياد 29-10-2023: ليتوقف هذا الجنون ولنبحث عن صيغة جديدة للخروج من دوامة الحرب

لا تزال الأمور مبهمة في بداية الأسبوع الرابع للحرب على قطاع غزة، والوضع يزداد تعقيدا ً والصمت الدولي المريب الى حد التواطؤ يزيد من معاناة شعبنا في قطاع غزة وخارجه على كل الأصعدة. فمنذ مساء أمس الاول تم قطع كل أشكال الاتصال والتواصل سواء بين أهلنا في القطاع فيما بينهم، وبينهم وبين أقاربهم خارج القطاع مما يزيد الألم والمعاناة الإنسانية الى حد لا يمكن أن يتصوره العقل.

قطاع غزة يعاني من نقص في الماء وانقطاع للكهرباء وافتقاد للغذاء وتزايد مستمر في عدد القتلى والجرحى كل لحظة. وقد أدى قطع الانترنت ووقف الاتصالات الهاتفية سواء بواسطة التلفونات العادية أو النقال/الجوال الى شل عمل طواقم الإسعاف ووضع الناس في حالة من القلق حيث لا يستطيع أحد أن يعرف شيئا ً عن أقربائه أو أهله وهم جميعا ً تحت القصف المجنون مهددون بالموت وتدمير منازلهم فوق رؤوسهم. وهذا القلق لا يقتصر على المواطنين في غزة بل يشمل أيضا أهلهم وأقربائهم في الضفة والخارج الذين أدخلوا في حالة قلق مريع لأنهم لا يعرفون شيئا ً عما يجري لأهلهم في القطاع.

وإسرائيل التي عزلت القطاع عن نفسه وعن الخارج تدعي بأن تشويش أو قطع الاتصال بين جيش الأعداء هو أمر مبرر في القتال وجزء منه، تتجاهل حقيقة أنها بهذا القول تقر وتعترف بأنها تتعامل مع كل انسان في القطاع على أنه مقاتل من مقاتلي حماس بما في ذلك من يولدون تحت القصف أو الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والمسنين الذين هم من أوائل ضحايا هذه الحرب، يعانون من هذه العقوبات الجماعية التي تحرمهم من شربة ماء نقي أو لقمة خبز أو حبة دواء أو نقلهم لتلقي العلاج اذا ما أصيبوا جراء القصف العشوائي الاسرائيلي بل وتحرمهم أيضا حتى من نقلهم ودفنهم في المقابر اذا ما سقطت سقوف بيوتهم فوق رؤوسهم أو مزقت أجسادهم شظايا القنابل التي يمطرها الجيش الإسرائيلي عشوائيا على كل شبر من أرض وسماء غزة.

قلت بأن الصمت الدولي مريب الى حد التواطؤ لأن ما يجري في القطاع ما كان المجتمع الدولي ليسكت عليه لو كان يجري ضد أي شعب آخر غير الشعب الفلسطيني، فالواضح أن حياة الانسان الفلسطيني لا تساوي شيئا في نظر العالم أو أن هناك من يُرهب العالم الجبان ويمنعه من الوقوف بحزم ضد الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في قطاع غزة بذريعة أنها الحرب ضد حماس والكل يعرف ويدرك أن الضحية الحقيقية لهذه الحرب هي الناس البسطاء العزل الذين لا يقومون بأي دور في القتال.

وهذا الصمت الدولي المريب الى حد التواطؤ لا يقتصر على السكوت على أعمال القتل والتدمير بل وأيضا على المخططات التوسعية التي أعرب عنها العديد من القادة الإسرائيليين والتي لخصوها بالقول بأن الهدف هو تهجير سكان القطاع الى خارج حدود غزة في عملية تطهير عرقي لتكريس الهيمنة الإسرائيلية على القطاع وتوسيع رقعتها من الأرض الفلسطينية استمرارا ً لنكبة عام 1948 ولم تتوقف منذ ذلك الحين، والتي وصفتها رئيسة الوزراء الإسرائيلية في أوائل السبعينيات حين سُئلت أين حدود إسرائيل فقالت أن حدود إسرائيل هي حيث يقف آخر جندي إسرائيلي.

والغريب هو أن الإدارة الأمريكية التي اتخذت منذ البداية موقفا ً مؤيدا ً ومنحازا ً لإسرائيل ووصفت عملياتها ضد القطاع بأنها ممارسة لحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس، تُعلن عن قلقها من المساس بالمدنيين الفلسطينيين في القطاع في تناقض فاضح بين ما تقوله لفظا ً وما تؤيد ممارسته فعلا ً. فأبسط الناس متابعة لما يجري من عمليات عسكرية إسرائيلية ضد قطاع غزة يعرف بأن الأمر لا ينحصر في قتال بين الجيش الإسرائيلي وقوات حماس وإنما هو قتال انتقامي ضد شعب بأسره من أطفال ولدوا وقتلوا بعد ساعات من ولادتهم الى أطفال قتلوا وهم يحتضنون العابهم أو يبحثون عن الأمان في حضون أمهاتهم الى نساء ورجال ومسنين ليسوا جزءا من القتال الدائر.

الوضع الإنساني في غزة حرج للغاية ولدرجة أن كل من يصمت عليه يُعتبر شريكا ً في الجريمة التي تُرتكب ضد المدنيين في القطاع. والمطلوب الآن وبشكل فوري هو وقف هذه الجرائم المستمرة ضد المدنيين في قطاع غزة وبالتالي وقف مضاعفاتها على المدنيين الإسرائيليين، وهذه مسؤولية دولية تقع في الدرجة الأولى على عاتق الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لإسرائيل والتي تشل عمل مجلس الأمن الدولي في حفظ السلم والأمن الدولي الذي هو من أهم واجباته وفقا ً لميثاق الأمم المتحدة وتعطل دور الشرعية الدولية في القيام بواجبها.

وإذا ما توقفت هذه الحرب الدموية ضد المدنيين العُزل فإن الخطوة التي يجب أن تلي ذلك فورا ً وبدون انتظار هي اطلاق سراح الرهائن من المدنيين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين من الأطفال والأسيرات الفلسطينيات وكبار السن والمرضى، وبنفس الوقت تكثيف الجهد الدولي والفلسطيني والعربي للتوافق على صيغة جديدة لإدارة القطاع بعد أن فشلت الإدارة الحالية لحماس ، وإعادة اعماره ووضع الأسس لبدء عملية سياسية طويلة الأجل تعيد الأمن والأمان والاستقرار للمنطقة، والذي لن يتحقق إلا بتحقيق العدل والأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وبناء دولته المستقلة على ترابه الوطني. فلتكن هذه آخر الحروب وبداية مسيرة من تحقيق السلام والأمن والاستقرار لصالح شعوب المنطقة

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى