شوؤن عربية

المتغير والثابت في موقف الاتحاد الإفريقي من نظام القذافي ضغوط أوروبية وأمريكية لتعديل موقف الدول الإفريقية لصالح خيار الإطاحة بنظام القذافي

ترجمة: مركز الناطور للدراسات والأبحاث 04/05/2011.

 

المصادر العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية يوم الاثنين 02/5/2011.

تشير مصادرنا الاستخباراتية في باريس إلى أنّ الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا إلى جانب بريطانيا وإيطاليا كانت وراء تعطيل جهود اللجنة المشكلة من قبل الاتحاد الإفريقي برئاسة رئيس جنوب إفريقيا (جاكوب زوما) لتحقيق مصالحة بين العقيد القذافي والمتمردين.

هذه الجهود أسفرت عن إقناع العقيد القذافي بوقف إطلاق النار بهدف التوصل إلى حلّ للمشكلة الليبية في إطار إفريقي وبعيدا عن أي تدخل خارجي، وكذلك وقف إطلاق النار من قبل الطرفين ليتسنى خلق مناخ مناسب للتوصل إلى الحل.

وتؤكد مصادرنا الاستخباراتية والدبلوماسية من العاصمة الفرنسية وكذلك البريطانية أنّ حلف الناتو تدخل من أجل إفشال هذه الجهود بشكل مباشر عندما عارض صيغة الحل الذي طرحته اللجنة المكلفة من قبل الاتحاد الأفريقي وتضم رئيس جنوب إفريقيا (جاكوب زوما) والرئيس المالي أمادو توماني توري والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وكذلك (دينيس ساسو نغيسو) من جمهورية الكونغو ووزير خارجية أوغندا (هنري اورييم اوكيل) ورمضان العمامرة رئيس مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي.

أمّا إفشال هذه الجهود بشكل غير مباشر فقد تحقق عبر الضغط على قيادة المتمردين في بنغازي لرفض صيغة الحل الإفريقية ما لم يكن الحل مصحوبا بمغادرة القذافي السلطة وتنحيته.

 

دول الناتو وبدعم من إدارة (أوباما) في الولايات المتحدة مصممة على أنّه لا حل للوضع في ليبيا ما لم يحقق الهدف الذي حدده المجتمع الدولي وحلف الناتو وقيادة المتمردين ألا وهو أن يترك القذافي السلطة وأن يتم تأمين سبيل المغادرة أو ما يعرف بالخروج المشرف.

وبحسب مصادرنا في عواصم الدول المتداخلة في الحرب في ليبيا بما في العاصمة الأمريكية واشنطن فإنّ هذه الدول اتخذت قرارها بالإطاحة بالقذافي والسير حتى نهاية الشوط في تحقيق هذا الهدف.

وتؤكد مصادرنا أنّ الدول الرئيسية المشاركة في الحرب والتي تتمتع بحضور فاعل في إفريقيا مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة اتخذت قرارا دون أن يعلن عنه بعزل القذافي عن ساحة الدعم الوحيدة المتبقية له بعد أن فقد الساحة الدولية والساحة العربية والإسلامية.

عزل العقيد القذافي عن الساحة الإفريقية موقف تمّ تنسيقه في الآونة الأخيرة بين هذه الدول الثلاث (هيلاري كلينتون) وزيرة الخارجية الأمريكية ومع وزير الخارجية البريطاني (ويليام هيج) وحتى وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبي) في اجتماع عقد في العاصمة الفرنسية يوم الخميس 28 أبريل الماضي.

هذه المبادرة تعوّل عليها هذه الدول كثيرا ولا يمكن أن تكون نتيجتها صفرية بالضرورة  Zero Game كما قال وزير الخارجية البريطانية (هيج)

لتكون هذه الخطة خطة عزل القذافي عن البيئة الإفريقية لما تهيئه من إمكانية بداية النهاية لنظامه اتفق وزراء الخارجية الثلاث على أن تنطلق هذه الخطة من ثلاثة محاور وتتحرك نحو ثلاثة اتجاهات:

المحور الأول: تتولاه فرنسا لكونها الدولة الأكثر تأثيرا والأوسع نفوذا في إفريقيا وعلى الأخص مع المجموعة الفرانكفونية، فرنسا ستقود حملة لإقناع المحيط الإقليمي وعلى الأخص دول الجوار الإفريقي تشاد والنيجر ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا والسنغال وحتى موريتانيا من أجل أن تتخلى هذه الدول عن القذافي عسكريا ولوجيستيا وأن تلتزم بقرار مجلس الأمن بفرض عقوبات وحظر على الأسلحة على ليبيا .

وزير الخارجية الفرنسية (آلان جوبي) وحتى الرئيس (ساركوزي) نفسه دشنا هذه الحملة بإجراء اتصالات مباشرة بزعماء بعض الدول بينهم رئيس تشاد إدريس ديبي والرئيس المالي توري ورئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز.

وطبقا لمصادرنا الدبلوماسية والاستخباراتية فإنّ الرئيس الفرنسي حذّر زعماء هذه الدول من مغبة الاصطفاف إلى جانب القذافي خلافا لإرادة المجتمع الدولي، وبيّن لرؤساء هذه الدول أنّ هناك اختلاف جوهري وأساسي بين الأزمة الليبية مع المجتمع الدولي عام 1992 عندما فرضت العقوبات الدولية على ليبيا لرفضها تسليم المشتبه بمسؤوليتهم في حادثة الطائرة التي أسقطت فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية عام 1988 وبين الأزمة الحالية بين المجتمع الدولي والقذافي.

القذافي متهم بالآن بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد المدنيين وقد تمت إحالة ملفه إلى محكمة الجنايات الدولية التي تعكف على وضع لائحة الاتهام ضده.

وبحسب مصادرنا الدبلوماسية والاستخباراتية فإنّ الدبلوماسية الفرنسية ستشهد مزيدا من الجهد الحثيث مع جميع الدول الناطقة بالفرنسية باستثناء بعضها كالجزائر من أجل إحداث التأثير المطلوب لتعديل موقفها والتماهي مع قرارات المجتمع الدولي والتخلي عن القذافي لأنّه يقود معركة خاسرة لن يكون بنجوة منها.

وتشارك في هذا الجهد وزارة الخارجية والدفاع والاستخبارات بالإضافة إلى البعثات الدبلوماسية  الفرنسية في العديد من الدول الإفريقية.

ويتركز الجهد الفرنسي في الوقت الحاضر على تشاد الحليف القوي للقذافي في محاولة لإقناع الرئيس التشادي إدريس ديبي بالتخلي عن القذافي مقابل تقديم ضمانات بعدم التعرض لنظامه والمساعدة على تحقيق مصالحة داخلية في تشاد بينه وبين المعارضة.

المحور الثاني: تقوده بريطانيا وتركز على الدول الناطقة بالإنجليزية (الأنجلوساكسون) والتي كانت مستعمرات بريطانية سابقا مثل نيجيريا وغانا وكينيا وأوغندا وإريتريا وليبريا.

مصادرنا في العاصمة البريطانية تؤكد أنّ مهمة بريطانيا في العمل على عزل نظام القذافي في البيئة الإفريقية بنسقها البريطاني ربما تكون أسهل من مهمة فرنسا لأمرين هامين:

 

الأمر الأول: العدد المقلّص للدول الإفريقية التي كانت تخضع للنفوذ البريطاني وكانت جزء من المستعمرات البريطانية.

 

الأمر الثاني: أنّ هذه الدول لم تكن راضية على سلوك ونهج القذافي والعنف وتدخلاته مثل نيجيريا وغانا وكينيا وأوغندا، هذه الأخيرة عانت من هذا النهج عندما أرسل القذافي قواته لنجدة الديكتاتور الأوغندي عيدي أمين في محاولة لإنقاذ نظامه من الثورة التي اندلعت ضده.

الدولة الإفريقية الوحيدة وهي الدولة الأكبر والاهم وهي جمهورية جنوب إفريقيا لم تدرج ضمن الدول التي تشملها الحملة البريطانية العاملة على تفكيك العلاقة بين الدول الإفريقية ونظام العقيد القذافي، هذا لأن جمهورية جنوب إفريقيا لا تخضع لأي تأثير خارجي.

وبحسب مصادرنا فقد وفقت الجهود البريطانية حتى الآن في تعديل موقف بعض الدول مثل نيجيريا وغانا وكينيا ومازالت هذه الجهود تتواصل.

مصادرنا في واشنطن تؤكد أنّ وزيرة الخارجية الأمريكية تدعم الحملة الأوروبية لعزل القذافي في الساحة الإفريقية وتعتبر هذه الجهود متممة للعمل العسكري بل أنّها لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية.

وكثيرا ما تردد (كلينتون) عند ظهورها فوق منابر أمريكية الكونغرس ومنابر أخرى: “ليس صحيحا أنّ المعارك تحسم في ساحات القتال فقط فوزا أو خسارة، وإنما الفوز في الميادين الأخرى السياسية والاقتصادية دور هام حتى في حسم المعركة العسكرية”

واستشهدت بما حدث في العراق عام 2003 عندما قالت أنّ صدام حسين خسر المعركة قبل خوضها بعد أن أنهكته العقوبات وبعد أن تم عزله عن محيطه العربي والإقليمي والدولي.

رغم أنّ الولايات المتحدة لم تكن لديها مستعمرات في إفريقيا فإنّ نفوذها في هذه القارة أمر مؤكد ولا سبيل لإنكاره، هذا النفوذ ربما يتركز  الآن على مناطق هامة في إفريقيا غرب وشمال إفريقيا ثم في شرق إفريقيا في كينيا وجيبوتي وحتى في أوغندا.

الآليات التي تعول عليها الولايات المتحدة في التأثير على مواقف الدول الإفريقية هي:

1.    المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدّمة إلى أكثر من 25 دولة إفريقية.

2.  المصالح الأمريكية الضخمة النفط والاستثمارات والعلاقات المتشابكة مع العديد من القيادات الإفريقية في نيجيريا وفي إثيوبيا وكينيا وأوغندا وليبريا وسيراليون ومالي.

3.    القيادة العسكرية الأمريكية “أفريكوم” في إفريقيا.

 

مصادرنا تستخلص على ضوء هذه الجهود لعزل القذافي في البيئة الإفريقية أنّه إذا ما تخلت ول لها أهميتها وحساسيتها بالنسبة للقذافي دول الجوار وعلى الأخص تشاد ومالي والسنغال والنيجر وموريتانيا فإنّ تحدي البقاء الذي سيواجهه القذافي سيكون أشدّ خطورة من تحدي المعركة العسكرية.

 

لكن يبقى السؤال: “هل الدول الإفريقية ستبقى على ثبات موقفها من القذافي أم أنّ هذا الموقف سيتغير بشكل راديكالي إذا ما تبيّن لقادة هذه الدول أن القذافي سيخسر المعركة مع حلف الناتو والمجتمع الدولي”؟

الإجابة على السؤال ستتضح خلال الأيام القليلة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى