#أقلام وأراء

اللواء محمود الناطور يكتب – ياسر عرفات .. حكاية ثورة

بقلم اللواء محمود الناطور 11-11-2019م

لقد أنقذ ياسر عرفات الحالة العربية بعد هزيمة 1967م من حالة الانهيار إذ جعل الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد والمقاومة مستمرة معتبراً أن الهزيمة العسكرية يجب ألا تؤدي إلى انهزامية الشعوب وبهذا مكن الشعب الفلسطيني من استئناف الأمل. وشكل ظاهرة وجدت فيها الجماهير العربية رغبة لاحتضان الفدائيين في ظل فشل الأنظمة العربية. وجاء انتصار معركة الكرامة عام 1968م والمناداة بعدها بأبي عمار ناطقاً رسمياً باسم حركة فتح حتى تعرف العالم على قائد الثورة الفلسطينية.

ويذكر هنا التاريخ الكلمات التي أطلقها الزعيم المصري جمال عبد الناصر في تلك الأيام قائلاً: “إن الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى”.. ليضيف عرفات: “إن الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى ولتنتصر”. لتصبح تلك الكلمات نبراساً يضيء الظلام الحالك الذي كان يلف العالم العربي وجماهيره التي كانت قد وصلت إلى أسوأ مراحل اليأس والإحباط بعد هزيمة حزيران 1967م.

استطاع عرفات المحافظة على القضية الفلسطينية، بالرغم من الأمواج والعواصف العاتية، والتطورات التي حدثت في المنطقة والعالم، معتمداً على سياسية اللعب على التناقضات، والانتقال من تحالف إلى آخر، ومن سياسة إلى أخرى ومحتفظاً بالقدرة على اعتراف غالبية القوى بزعامته دون منافس، وأن المنظمة التي يقودها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ولذلك يعتبره الفلسطينيون والعرب وأحرار العالم رمزاً شامخاً للنضال الوطني والثورة العالمية. تماماً كما اعتبر الفرنسيون شارل ديغول رمزاً لكفاحهم، وكما اعتبر مواطنو جنوب إفريقيا نلسون مانديلا رمزاً لتحررهم، وكما اعتبر الهنود المهاتما غاندي رمزاً لمقاومتهم السلمية ثم استقلالهم.

خاض ياسر عرفات نضالاً طوال أكثر من 40 عاماً على مختلف الجبهات، في ظل السياسات والمصالح المتناقضة، وكرس الكيانية الفلسطينية. وعاش ثورة بساط الريح متنقلاً بين العواصم والدول. ومارس الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، والدبلوماسية والإعلامية، وكرس فكر الوسطية والمرحلية والواقعية والرؤية الصائبة.

“هو ياسر عرفات من استطاع أن يروِّض التناقض في المنافي، بمزيج من البراغماتية والدين والغيبيات وتحوَّل بديناميكيته الخارقة وتماهيه الكامل بين الشخصي والعام وعبادة العمل، من قائد إلى رمز شديد اللمعان. لم يزاول مهنة الهندسة لتعبيد الطرق، بل لشقّها في حقول الألغام. قد يحتاج التاريخ إلى وقت طويل لترتيب أوراق هذا الرجل – الظاهرة. لكنه سيمنحه رتبة الشرف في علم القدرة على البقاء منذ الآن، ومنذ الآن سيتوقف طويلاً عند مغامرته – المعجزة: إشعال النار في الجليد: فقد قاد ثورة معاكسة لأي حساب، لأنها ربما جاءت قبل أوانها، أو بعد أوانها ربما. أو ربما لأن موازين القوى الإقليمية لا تأذن لأحد بإشعال عود كبريت قرب حقول النفط… وعلى مقربة من الأمن الإسرائيلي! لم ينتصر في المعارك العسكرية، لا في الوطن ولا في الشتات. لكنه انتصر في معركة الدفاع عن الوجود الوطني، ووضع المسألة الفلسطينية على الخارطة السياسية، الإقليمية والدولية، وفي بلورة الهوية الوطنية للفلسطيني اللاجئ المنسيّ عند أطراف الغياب، وفي تثبيت الحقيقة الفلسطينية في الوعي الإنساني، ونجح في إقناع العالم بأن الحرب تبدأ من فلسطين، وبأن السلم يبدأ من فلسطين.

وفي الذكرى الخامسة عشر لرحيل القائد الرمز ياسر عرفات “أبو عمار” ، أردنا ان يكون احياؤنا لهذه الذكرى ، التي لن تموت ابدا ، بطريقة مميزة ومغايرة ، ولذلك حاولنا ان نقدم الكثير مما لم ينشر من قبل عن القائد الرمز أبو عمار منذ بداياته حتى استشهاده مرورا بمغامراته وتحولاته وبطولاته .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى