#أقلام وأراء

اللواء محمود الناطور يكتب في الذكرى الخمسين لاستشهاد القائد ابو علي اياد عاشت الذكرى ودامت الفكرة

بقلم اللواء محمود الناطور “ابو الطيب” 27-7-2021

في مثل هذا اليوم قبل خمسين عاما ، في 27 يوليو / تموز عام 1971، فقدت فلسطين، واحداً من أبرز قادتها الابطال ، الذين عشقوا ترابها ، وحلموا بالحرية ، إنه الفدائي ، الثائر ، القائد الرمز وليد احمد نمر نصر الحسن “ابو علي اياد”، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، من أبرز قيادات قوات العاصفة، التي وضعت قضية فلسطين على خارطة العالم.

نذر حياته مناضلا ، عانق بندقية فلسطين ، فوق جبال فلسطين ، صانعا جيلا من الفدائيين المقاتلين الذين كسروا حاجز الموت، كان متحمساً دائما لفكرة الثورة، حمل فكرا وطنيا ثوريا مكنه من أن يكون مرجعية للمتطلعين الى درب التحرير والاستقلال الوطني.

كان رمز الصمت، والقرار الشجاع، والصلابة ، قليلاً ما يبتسم، وكثيراً ما يملأ الأرض ضجيجاً بعصاه متنقلاً في قواعد الثورة بين سوريا ولبنان وصولاً الى الأردن .. تجده يحضّر دوماً لدوريات الاستطلاع و دوريات العمق ، ويشرف بنفسه على التفاصيل والأهداف، شارحاً وموجهاً ، بكلام واحد ، ان فلسطين عروس ، ومهرها الدماء ، ومن أختار هذا الدرب يجب أن يستشهد من أجله.

عرف بقدراته القيادية، الشجاعة، الاصرار، العطاء والتمرد ، كان رفيق المقاتلين في كل الظروف ، مؤمنا بعدالة القضية التي يناضل من أجلها، ومنع التحدث بسواها ، ونذر حياته للوطن، وتميز بخشونته المنسجمة مع طبيعته العسكرية، إلى جانب الإيمان بالتضحية من أجل تحرير فلسطين، كان موسوعة علمية في الجانب الروحي، وبعث الهمم وإحياء القيم والقدرة على الإقناع، وكان لا تأخذه في الحق لومة لائم، فاستحق لقبي: عمروش فلسطين (نسبة إلى القائد الجزائري) وبطل الجبل.

ظل مدركا أن مهمته الاساسية في التدريب والتحضير والاعداد، فقد كان مؤمنا بالاجيال الصاعدة، التي ستكون قادرة تحرير فلسطين، واستنسخ الجيل الثاني للثورة الفلسطينية جيل “اشبال الثورة”، قادة المستقبل ، في مراحل التمدد الثوري. وأنشأ أول مدرسة كوادر للتثقيف السياسي في سوريا.

كان معتقدا دائما أن الرصيد الاساسي للثورة يجب أن يكون في القواعد الارتكازية الامامية ، ولذلك بادر الى تأسيسها ، وكان يردد دائما أن العمليات الفدائية هي التي ستعبد الطريق نحو فلسطين، ولم يتأخر عن قيادة الكثير من العمليات البطولية. وكان دائم الحركة ليطمئن أن الدوريات تسير بانتظام للأهداف المحددة لها وصولاً الى فلسطين جغرافياً وتاريخياً.

وليد احمد نمر نصر الحسن شريم “أبو علي إياد” ابن بلدة قلقيلية الفلسطينية التي رسم على سجل ذاكرة تاريخها بصمات الكبرياء منذ عتق الحضارة، شهدت تباشير ولادته يوم 18/1/1935م على ثراها، عاش طالبا في مدارسها حتى حصل على شهادة المترك عام 1953م ، أضاءت أمامه طريق الحياة موظف في سلك التعليم في قريتي مدارة وعزون فترة قصيرة.

لكن طموحاته عززت فيه روح الارتحال والالتحاق إلى دار معلمين بعقوبة في العراق أكمل فيها دراسته وتخرج بشهادة دبلوم عام 1954م فتحت أبواب مستقبل جديد له فتعاقد مع وزارة المعارف السعودية معلما في مدارس القوات المسلحة السعودية في الطائف، فاعتصر ثقافته وفكره عبقت في نفوس طلابه الجنود بمعاني الوفاء والانتماء لتربوية أجيال المستقبل استمرت من عام 1954 – 1962م.

وبناءً على تفاهمات أجراها ممثل فتح بالجزائر الاخ القائد خليل الوزير (أبو جهاد) مع حكومة جبهة التحرير الجزائري جرى التحاق الجيل الأول لحركة فتح – قوات العاصفة – إلى مدرسة سكيكدة الحربية الجزائرية لينالوا تدريبات عسكرية ومهارات وفنون القتال واستخدام الأسلحة بأنواعها والمواد الناسفة واللياقة البدنية في صيف عام 1964م وكانت تضم (97 متدربا) من شباب تنظيم فتح في الجزائر ومن بينهم عدد من مؤسسي حركة فتح مثل ممدوح صيدم “أبو صبري” وأبو علي إياد ومنهل شديد ووديع عبد اللطيف ومحمود الهمشري. وعقدت تدريبات تلك الدورة في معسكر “بوغار” استمرت لمدة (50 يوما).

وبعدها انتقل ابو علي اياد الى سورية ، وبدأت مرحلة ثورية جديدة في حياته النضالية ، وبدأ يتنقل ميدانيا بين قواعد حركة فتح في الأردن والضفة الغربية، بعدما أوكلت إليه مهام الإعداد العسكري والتنظيمي في الأرض المحتلة، وإعداد قواعد ارتكازية لتخزين الأسلحة والذخائر فيها بالتعاون مع القادة ياسر عرفات “أبو عمار” وممدوح صيدم “أبو صبري”.

والى جانب عمله العسكري فقد شارك أبو علي إياد في نشاطات سياسية فكان ضمن الوفود الفلسطينية التي زارت الأقطار العربية والدول الاشتراكية، وكانت آخر زياراته مع وفد الثورة الفلسطينية إلى الصين.

شكل أبو علي إياد عام 1968م وحدة خاصة لقوات الداخل كانت مهمتها نقل أسلحة وذخائر إلى مجموعات تنظيم فتح في جنين ونابلس وطولكرم. وخلال تلك الفترة قاد أبو علي إياد عمليات عسكرية عديدة، وأشرف على تخطيط عمليات ضد مواقع العدو ابرزها : عملية هونين وجلعادي (الجليل الأعلى جنوب مستعمرة المطلة شمال فلسطين)، عملية المنارة في (الجليل الأعلى شمال فلسطين) ، وعملية بيت يوسف (زبعة) (تقع جنوب شرق كوكب الهوى مقابل وقاص/الأغوار الشمالية) يوم 25/4/1966م.

اصابة ابو علي اياد في معسكر الهامة :

وفي معسكر الهامة تولى أبو علي إياد الإشراف على تدريب الفدائيين الملتحقين بـ”قوات العاصفة” وفي 28/2/1967وقع حادث اثناء التدريب ادى الى استشهاد المدربين منهل شديد واحمد الأطرش والفدائيان المتدربان من خلية صيدا حسن احمد الحاج وعبد القادر اسعد، واصيب ابو علي اياد اصابة شديدة لازمته اثارها لعدة سنوات حتى استشهاده.

وخلال انعقاد المؤتمر الثاني لحركة فتح في دمشق في شهر 6/1967 كان أبو علي إياد يتواجد في المستشفى للعلاج وتم انتخابه عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو القيادة العامة لقوات العاصفة.

أبو علي إياد يمزق اتفاقية سايكس بيكو:

لعب هذا القائد دورا متميزا في العلاقة مع قوات الجيش العراقي المتواجدة على الجبهة الشرقية، وكانت مهمته التدريب والتحضير والإمداد فكان يشكل الرصيد الاستراتيجي لكل العمل في القواعد الارتكازية شرق النهر وللعمليات البطولية داخل الأرض المحتلة. وأصبحت ورقة إجازة المقاتل الممهورة بتوقيع أبو علي إياد بمثابة جواز سفر للفدائي يجتاز بها كل الحدود العربية ففي مبادرة ابتكارية لهذا القائد الذي أراد إرسال رسالة إلى إخوته في سوريا لطلب المدد بعد معركة الكرامة فكتب على ورقة من مفكرته. (إلى من يهمه الأمر.. يرجى السماح للمناضل/ محمد حسن بالذهاب إلى سوريا والعودة في السيارة رقم/352680) القيادة العامة لقوات العاصفة – أبو علي إياد، وهكذا ذهبت السيارة إلى سوريا وعادت وأصبحت هذه المبادرة تقليداً وحقاً مكتسباً وغدت إجازة فتح، السيف الذي مزق اتفاقية (سايكس بيكو) وأصبح أعضاء حركة فتح يتنقلون إلى جانب الهوية العسكرية من الأردن إلى سوريا.. إلى لبنان.. إلى العراق وحتى الكويت.

عملية أسر الجندي الإسرائيلي صاموئيل فايزر :

بعد استلام أبو علي إياد الإشراف على ساحة لبنان عسكريا قام بمضاعفة دوريات فدائيين وعمليات استطلاع انطلاقا من الجنوب اللبناني إلى عمق فلسطين المحتلة، وفي احدى زيارات أبو علي إياد لقواعد حركة فتح في جنوب لبنان في نهاية 1969م، وبناء على عمليات رصد واستطلاع قامت بها مجموعة فدائيين من قاعدة الشهيد صلاح حول مركز قيادة العدو في مستعمرة المطلة، تحركت مجموعة من الفدائيين بناء على خطة عسكرية رسمها أبو علي إياد، وتوجهت الى مشارف مركز القيادة الإسرائيلية الواقع شمال مستوطنة المطلة في الجليل الأعلى، وتم اختطاف الجندي الاسرائيلي صموئيل فايزر ، والذي كان الاسير الاول لدى الثورة الفلسطينية والذي نجحت بواسطته الثورة في تنفيذ اول عملية تبادل اسرى مع الاحتلال عن طريق الصليب الاحمر الدولي، حيث تم اطلاق سراح الاسير البطل محمود حجازي في 1-3-1971م.

خمسون عاما مرت على استشهاد القائد وليد احمد نمر نصر الحسن “ابو علي اياد” الا انه لازال في اذهان شعبنا ، بمقولته الخالدة التي حفرها في ذاكرة التاريخ “نموت واقفين ولن نركع”. وها هو شعبنا بكافة أطيافه يتمسك بهذا المبدأ الخالد ، وبعد كل هذه السنوات ، يتعرض للقتل والدمار ، ويبقى واقفا مجسدا هذه المقولة التاريخية الخالدة.

حين تمر ذكرى شهيد وقائد وبطل فإننا نحني رؤوسنا اجلالا واحتراما لهؤلاء الابطال الذين غادرونا وهم يدافعون عن شعبنا وحقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة. وفي الذكرى الخمسين لاستشهاده 27-7-1971 نوجه التحية للذين لازالوا على عهد حركة فتح وعهد الشهداء والجرحى والاسرى والمناضلين في الكثير من المواقع والاماكن المتباعدة والذين تجمعهم فتح الفكرة والانتماء والثورة وفلسطين.

وفي هذه المناسبة نعيد نشر الفصل الثالث من كتابنا بعنوان حركة فتح والانجازات الثورية في العام 1969م ، والذي تم تخصيصه بالكامل للشهيد القائد البطل ابو علي اياد. في الرابط التالي :

الفصل الثالث: كتاب حركة فتح والإنجازات الثورية عام 1969م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى