دراسات وتقارير خاصة بالمركزشؤون مكافحة الاٍرهاب

اللواء محمود الناطور يكتب – تنظيم القاعدة: استراتيجية جديدة وقوة متنامية – الحلقة العاشرة

3/12/2009

 

بن لادن وسلاح النفط والغاز 

 كان الشيخ اسامه بن لادن يرقب باهتمام شديد السباق المحموم لكسب ود حركة طالبان بزعامة الملا محمد عمر بعد ان سيطرت على افغانستان وأقامت امارة اسلامية بدعم مباشر من الاستخبارات الباكستانية والاستخبارات السعودية التي كانت تخشى التأثير الايراني في افغانستان وآسيا الوسطى، ففي بداية عام 1995 توجه احمد باديب نائب الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الى مدينة قندهار عل متن طائرة نفاثة من طراز (غولف ستريم -2) وفور هبوطه في مطار قندهار كان في استقباله الملا محمد رباني العضو البارز في مجلس شورى طالبان والقائد المقرب الى الملا محمد عمر، وكان الملا محمد رباني قد درس في مدرسة دينية مولها احمد باديب لتعليم الطلاب الافغان، واقيمت تلك المدرسة على الحدود الباكستانية ، ثم انتقل احمد باديب لمقابلة الملا محمد عمر .

 واثناء احتساء الشاي وتناول الطعام شرح الملا محمد عمر لضيفه احمد باديب ان الاسلحة التي تسلمها خلال الفترة الماضية قد زودته بها وزارة الداخلية الباكستانية، وطلب الارشاد والدعم ليتعلم انصاره وقادته كيفية ادارة حكومة اسلامية، كما طلب ارسال كمية من الكتب التي تستخدمها المدارس السعودية لتدرس في مدارس طالبان، وتقديم الدعم والمساعدة للاجئين الافغان ليتمكنوا من العودة الى ديارهم ، وفي نهاية اللقاء قدم احمد باديب للملا محمد عمر نسخة من القرآن الكريم فتناولها قائلا: انه سيتبع تعاليمه على الدوام، واضاف: سأنفذ كل ما تطلبه مني السعودية.

 اما الاعجاب الباكستاني بحركة طالبان فقد عبرت عنه رئيسة الوزراء الباكستانية آنذاك بنازير بوتو خلال زيارتها للولايات المتحدة الامريكية في ربيع عام 1995، حيث قابلت الرئيس بيل كلينتون وروجت لطالبان كقوة موالية لباكستان قادرة على ارساء الاستقرار في افغانستان، وبناء على اقتراح من روبين رافيل مساعدة وزير الخارجية وافق الرئيس كلينتون على تبني وجهة النظر الباكستانية من اجل فتح طرق تجارية جديدة بين باكستان وآسيا الوسطى بما يخدم المصالح الامريكية في النفط والغاز، واعتبار حركة طالبان تشكل بالنسبة الى شركات النفط الامريكية جزءا من حل افغاني جديد .

 وقد توقفنا في الحلقة الواحدة والعشرون عند قيام شركة يونيكال النفطية بالخطوات العملية الاولى للتفاوض مع حركة طالبان، وشركة يونيكال هي شركة نفطية امريكية تعد واحدة بين اكبر اثنتي عشرة شركة في العالم من حيث انتاج الطاقة، وكانت في اواخر عام 1994 قد خسرت (153 مليون) دولار في مجال تجارة النفط.

 لقد بدأت يونيكال استراتيجيتها في افغانستان من جهورية تركمنستان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي لمنافسة الهيمنة الروسية على حقول الغاز التي تبلغ طاقتها (159 ترليون قدم مكعب) و (32 مليار برميل من النفط) وقد اوفدت الشركة مارتي ميلر الى تركمنستان لمقابلة الرئيس سابار مورات نيازوف خلال شهر (8/1995) لاقناعه بأن شركة يونيكال هي الشركة المناسبة لضخ الغاز من تركمنستان الى باكستان عبر افغانستان، وليشجعه على مقاومة الضغوط والتهديدات الروسية مؤكدا له بأن الرئيس الامريكي بيل كلينتون يعتبر ان تنامي المصالح النفطية الامريكية في دول آسيا الوسطى هو خطوة سليمة في السياسيتين الاقتصادية والخارجية ، وانه مهتم جدا بتعزيز استقلال الدول الغنية بالنفط لوقف احتكار روسيا للتحكم في نقل نفط وغاز المنطقة ، وان البيت الابيض يدعم انشاء عدة خطوط انابيب من آسيا الوسطى لتسلك طريقا لا تستفيد منها روسيا وايران، لا سيما ان عزل ايران عن ثروات المنطقة هو هدف اساسي للسياسة الامريكية، واقترح مارتي ميلر على الرئيس نيازوف انشاء خطين للنفط والغاز ينحدرا من الحقول النفطية في جنوب شرقي تركمنستان ويمرا عبر غربي افغانستان وجنوبها وينتهيا في باكستان ولتعزيز وجهة نظره امام الرئيس نيازوف ابلغه بموافقة السفارة الامريكية في عاصمة بلاده “عشق آباد” على دعم المخطط .

  كان الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية يعتبر افغانستان نقطة ارتكاز ومحور عبور في آسيا الوسطى، لذلك دعم فكرة رئيسة الوزراء الباكستانية بالتعامل مع حركة طالبان، كما دعم فكرة مد خطوط النفط والغاز من آسيا الوسطى عبر افغانستان الى باكستان ، وبهدف تعزيز النفوذ السعودي في اطار الفكرة قام بتقديم رجل النفط الارجنتيني “كارلوس بولغاروني” مالك شركة “بريداس” النفطية ، ومقرها بيونس ايرس الى كبار المسؤولين الباكستانيين لشرح خططه الخاصة لاستخراج النفط والغاز من تركمنستان عبر افغانستان الى باكستان ، لا سيما انه صاحب تجربة هناك وحقق ثروة هائلة في جمهوريات آسيا الوسطى.

 وقد استجاب مدير الاستخبارات الباكستانية آنذاك “جاويد قاضي” لدور الامير تركي الفيصل واقنع رئيسة الوزراء بنازير بوتو بتوقيع مذكرة تفاهم تتعهد فيها باكستان بشراء الغاز من شركة “بريداس” التي يملكها بولغاروني اذا ما نجح في ضخه عبر افغانستان، وبموجب تلك المذكرة اتخذ مارتن ميلر قرارا بتوحيد جهود شركة يونيكال مع شركة “بريداس” الا ان بولغاروني ما طل في الموضوع، فاعتبر انه لا مانع ان تقوم شركتين دولتين في التنافس على صفقة مد خطوط النفط والغاز من تركمنستان الى باكستان عبر افغانستان ، الا ان الرئيس نيازروف قرر ادارة الظهر لشركة “بريداس” والتخلي عن مشروع رئيسها بولغاروني والاتفاق رسميا مع شركة يونيكال لتنفيذ المشروع بقيمة (8 مليار دولار) امريكي ويشمل مد خطين سيعبر كل منهما اكثر من (800 ميل) في الاراضي الواقعة جنوبي افغانستان، وكان قرار نيازروف صفعة لوساطة الامير تركي الفيصل وعبئا ثقيلا على شركة يونيكال التي ستحتاج الى اقناع رئيسة الوزراء بنازير بوتو بالموافقة على المشروع بعد ان وقعت على مذكرة التفاهم مع بولغاروني .

 كان الشيخ اسامه بن لادن يراقب كل تلك التحركات بدقة لذلك قرر ان يكسب ورقة العلاقة مع حركة طالبان كي يلوي ذراع الادارة الامريكية ويوجه ضربة للعلاقة السعودية – الباكستانية والسعي لاسقاط حكومة بنازير بوتو المتحالفة مع الرياض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى