دراسات وتقارير خاصة بالمركزشؤون مكافحة الاٍرهاب

اللواء محمود الناطور يكتب – تنظيم القاعدة: استراتيجية جديدة وقوة متنامية – الحلقة الحادية عشر

بقلم اللواء محمود الناطور 

بنازير بوتو في صراع مع الشيخ اسامه

سعيا لاقناع رئيسة الوزراء الباكستانية بنازير بوتو بالتراجع عن توقيعها لمذكرة التفاهم مع شركة “بريداس” ومالكها كارولوس بلغاروني شنت شركة يونيكال النفطية الامريكية بدعم من المخابرات المركزية الامريكية هجوما على بنازير بوتو فحواه ان زوجها آصف زرداري المتهم بقضايا فساد ورشوه ، كان وراء توقيعها على مذكرة التفاهم مع بولغاروني ، وحصل مقابل ذلك على رشوة كبيرة، وفهمت بنازير بوتو هدف تلك الحملة بأنه اذا ارادت تفادي المشاكل المتعلقة بالفساد فيجب ان تلغي مذكرة التفاهم مع بلغاروني، وتبرم صفقة جديدة مع يونيكال النفطية الامريكية .

 وخلال تلك الفترة كان جون دوتش قد خلف جيمس ولسي في رئاسة المخابرات المركزية الامريكية الذي اقاله الرئيس بيل كلينتون بداية عام 1995 ، وجون دوتش من اصل الماني ذو خبرة في تقنية الاتصالات وسبق ان عمل محللا في وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) وقد رصدت المخابرات المركزية دور الشيخ اسامه في التحالف مع حركة طالبان بهدف عرقلة المشاريع الامريكية لنقل النفط والغاز من تركمنستان الى  باكستان عبر افغانستان، وأوعزت الى ادارة الرئيس بيل كلينتون بخطورة الشيخ اسامه بن لادن الذي بدأ يقود المقاتلين الافغان ويوثق من علاقاته مع زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر وان موجة من الارهاب قد يقودها بن لادن ضد المصالح الامريكية ، لذلك لا بد من التخلص منه، وعليه فانه في منتصف شهر (6/1995) وقع الرئيس بيل كلينتون على القرار الرئاسي السري رقم 039) الذي يحمل عنوان (سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الارهاب) الذي يمنح المخابرات المركزية الامريكية المباشرة في برنامج هجومي لتجميع المعلومات من الخارج ومنع التجسس على الولايات المتحدة، والقاء القبض على “الارهابيين” اذا لزم الامر ونقلهم لمحاكمات داخل الولايات المتحدة.

 وبموجب القرار الرئاسي الامريكي افتتحت المخابرات المركزية الامريكية مكتبا جديدا لمكافحة الارهاب وتتبع تحركات الشيخ اسامه بن لادن لالقاء القبض عليه، وكان ذلك خلال شهر (1/1996) وتم تشكيل فريق خاص لرصد تحركات الشيخ اسامه مكون من اثني عشر عنصرا رصدت لهم موازنة خاصة تتيح لهم العمل في جميع البلدان التي يمكن ان يطأها الشيخ اسامه.

تولى ريتشارد كلارك قيادة الفريق المكلف بمتابعة الشيخ اسامه ، وكان ريتشارد كلارك عام 1995 مديرا لمكافحة الارهاب في مجلس الامن القومي الامريكي حين عينه الرئيس بيل كلينتون بموجب القرار الرئاسي رقم (39) وكان كلارك يرى في الشيخ اسامه احد اهم ممولي الحركات الاسلامية المتطرفة في العالم.

وتحضيرا لاعتقال الشيخ اسامه استمزجت الادارة الامريكية رأي عدد من الدول العربية في امكانية احتجاز بن لادن لديها في حال اعتقاله، لكن جميع تلك الدول رفضت الفكرة تماما ، في حين ان السودان كان يدرك بأن الشيخ اسامه سوف يغادر الخرطوم ويزيل الحرج والضغوط عن الحكومة السودانية، وبعد ان غادر السودان واستقر في منطقة جلال أباد صرح الشيخ اسامه للصحفي البريطاني روبرت فيسك الذي يعمل في صحيفة الاندبندنت يوم 10/7/1996 بأن الامريكان اصبحوا هم الاعداء الاساسيون ، فيما ان النظم العربية هي العدو الثانوي ، ووجد في تحالفه مع حركة طالبان “فرصة ثمينة” لعرقلة المشاريع الامريكية لمد خطوط النفط من تركمنستان عبر افغانستان الى باكستان، واعلن الشيخ اسامه العداء لرئيسة الوزراء الباكستانية بنازير بوتو التي تراجعت عن توقيعها على مذكرة التفاهم مع بولغاروني وأبرمت اتفاقا مع الشركة الامريكية يونيكال، وخلال تلك المرحلة ادعت بنازير بوتو ان الشيخ اسامه مول عدة محاولات لاغتيالها. 

الشيخ اسامه .. والحركات الاسلامية في لندن

منذ بداية التسعينات ، لا سيما بعد انتهاء حرب الخليج بدأت العاصمة البريطانية لندن تستقبل زعماء وقادة العديد من الحركات الاسلامية التي غادرت افغانستان اثر انتهاء “الجهاد في افغانستان” ربيع عام 1992 عندما سقطت كابول في ايدي المجاهدين ، وكذلك قادة الجماعات الاسلامية التي فرت من الجزائر عقب الغاء الانتخابات عام 1992 ، وكان ابرز أولئك الجزائري رشيد رمده التي قدم الى لندن من افغانستان للقيام بنشاط اعلامي باسم “الجماعة الاسلامية المسلحة” التي كان الجهادي قاري سعيد ابرز مؤسسيها عضوا في مجلس شورى تنظيم القاعدة ويحظى باحترام عدد من قادة الجهاد في افغانستان ، ثم دعمه الشيخ اسامه بن لادن لتوحيد المجموعات الجهادية الجزائرية المسلحة في اطار تنظيم “الجماعة الاسلامية المسلحة” ، وممن وصلوا الى لندن من قادة الجهاد المصري المحامي عادل عبد المجيد عبد الباري والدكتور هاني السباعي، وياسر السري وجميعهم اعضاء في “تنظيم الجهاد” وكذلك الشيخ محمد مصطفى المقرئ المحسوب على “الجماعة الاسلامية”، ومن الجهاديين السعوديين وصل خالد الفواز ممثلا لهيئة النصيحة والارشاد التي يدعمها الشيخ اسامه ، ومن الجهاديين الفلسطينيين وصل الى لندن الشيخ “ابو قتادة”.

 وبدأ هؤلاء الجهاديون تحت نظر ورقابة الاستخبارات البريطانية بنشر افكارهم عبر كتيبات ونشرات يوزعونها في المساجد وقاعات الصلاة التي يرتادونها ، ومنها نشرة “الانصار” التي كانت تصدرها الجماعة المسلحة الجزائرية ، ومجلة “الفجر” التي كانت تصدرها الجماعة المقاتلة الليبية ، ونشرة “المجاهدون” التي كانت تصدرها جماعة الجهاد المصرية.

 ومع تزايد أعداد قادة الحركات الاسلامية في لندن بدأت اجهزة الامن البريطانية تهتم بهم وتسعى الى فتح قنوات اتصال معهم لمعرفة اهدافهم وما يريدون تحقيقه ، وقد استثمرت اجهزة الامن البريطانية بعضهم في “حرب سرية” ضد فرنسا وعلى وجه الخصوص الجماعة الاسلامية المسلحة الجزائرية التي كان اميرها جمال زيتوني متشددا وعنيفا ، حيث اشاع موجة عنيفة من الاغتيالات في الجزائر بما في ذلك اهدار دم نساء وابناء رجال الامن الجزائريين، استنادا الى فتوى اطلقها الشيخ “ابو قتادة” الفلسطيني ، ولم يكتف الزيتوني بذلك وانما نقل المعركة الى خارج الجزائر وعلى الساحة الفرنسية ، حيث نفذ عام 1995 سلسلة من التفجيرات التي استهدفت محطات القطارات “المترو” في باريس متجاهلا اعتراض مجلس شورى الجماعة ، وبشهادة الشيخ عمر شيخي القيادي في الجماعة فان الزيتوني كان يقول علينا ان نضرب فرنسا ، ولكن يجب الاتصال بالرئيس الفرنسي شيراك كونه من اهل الكتاب فندعوه الى الاسلام والتوحيد !! وبالفعل تم ارسال رسالة بهذا الشأن للرئيس شيراك ، الا ان أمير الجماعة جمال زيتوني استبد برأيه في مواصلة التفجيرات داخل فرنسا يؤيده في ذلك مسؤول العلاقات الخارجية.

 وبعد موجة التفجيرات استطاعت اجهزة الامن الفرنسية اعتقال عدد من المتورطين الذين اعترفوا بالعلاقة مع رشيد رمده “ابو فارس” القابع في لندن بعد ان جاءها من افغانستان، وبموجب الاعتراف سارع الفرنسيون الى تقديم طلب الى البريطانيين لتسليمهم رشيد رمده، الا ان الحكومة البريطانية بعثت برسالة الى امير الجماعة الاسلامية الجزائرية جمال زيتوني تشرح فيها موقفها من تسليم رشيد رمده كون الطلب من قبل القضاء لكنها تتعهد باستمرار التعاون مع الجماعة، فرد امير الجماعة جمال زيتوني برسالة مباشرة الى جهاز امني بريطاني يعرض فيها عدم المساس بمصالح بريطانيا ان هي لم تمس الجماعة ومناصريها، مما اثار ارتياح اجهزة الامن البريطانية التي كانت حريصة على عدم انتقال حرب الجماعة من باريس الى لندن بسبب تسليم رشيد رمده، كما قامت اجهزة الامن البريطانية بتوسيط الشيخ ابو قتاده الفلسطيني لاستخدام نفوذه لدى الجماعة وضمان عدم قيامهم بأية عمليات على الساحة البريطانية.

 في تلك السنوات كان الشيخ اسامه بن لادن يتلقى تقارير عن الجماعات الاسلامية الجهادية في لندن ، وعلاقاتها مع اجهزة الامن البريطانية وكانت تلك التقارير تنقل اليه عبر هيئة النصيحة والارشاد التي يمولها ، فأقدمت الحكومة البريطانية على اغلاقها وطرد خالد الفواز المحسوب على بن لادن من لندن، وقد استفاد تنظيم القاعدة كثيرا من تلك التقارير التي جعلت الشيخ اسامه يبدأ مرحلة العمل الجهادي في دول شمال افريقيا وخاصة في الجزائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى