اللواء محمود الناطور والدكتور يوسف يونس 29-2-2024: سيناريوهات مستقبل قطاع غزة: رؤية استراتيجية
-الملخص –
- تعتمد إدارة ما بعد الحرب في غزة على نتيجة المعارك العسكرية وما إذا كانت الاطراف المختلفة قادرة على تحقيق اهدافها، ومن المرجح ان يؤثر تطور العمليات العسكرية على حسم مستقبل قطاع غزة. ويعتبر موقف حماس من العوامل المؤثرة في تحديد الاتجاهات المستقبلية لقطاع غزة وقدرتها على الصمود والبقاء في المشهد السياسي والعسكري في مرحلة ما بعد الحرب، فعلى الرغم من المعارك التي تخوضها قوات الاحتلال وهدف المعركة الذي تم تحديده اسرائيليا والمتمثل في القضاء على حركة حماس وامكانياتها العسكرية والسلطوية في قطاع غزة، وعلى الرغم من خسارة الحركة الكثير من قواتها الا انها لازالت تقاتل في العديد من محاور القتال. والتي أجبرت قوات الاحتلال على العودة الى العديد من محاور القتال بوحدات قتالية بتشكيلات “الفرق العسكرية”، بعد الاعلان عن انتقالها الى المرحلة التالية من القتال واتباع تكتيكات “العمليات الموضعية”، ما يشير الى نجاح تكتيكات “حرب العصابات” التي تخوضها حركة حماس. ولازالت الحركة تتمسك بورقة الاسرى كأحد اوراق الضغط على الحكومة الاسرائيلية، للدفع بتحقيق “صورة النصر”، وتحاول الحركة اثبات سيطرتها في العديد من المناطق، على الرغم من تضرر الجهاز الحكومي.
- على الرغم من المواقف المعارضة لمخططات التهجير، الا اننا نشهد تحركات اسرائيلية لتمرير مشروع التهجير، حيث تحرص على إطالة معاناة الفلسطينيين في أماكن اكتظاظهم، وتمنعهم من العودة إلى مساكنهم، وستواصل الحصار، وهو ما يفرض عدم التسرع بالاستنتاج بأن مخطط التهجير تراجع، اذ سيبقى أحد السيناريوهات المفضلة لإسرائيل، خصوصًا إذا طالت الحرب، واستمرار وجود مئات الآلاف خارج بيوتهم بلا خدمات، وفي ظل بنية تحتية مدمرة ومناطق غير صالحة للحياة، سيعزز واقعيًا وتلقائيًا هذا السيناريو.
- الاحتلال الاسرائيل لقطاع غزة سيفرض عليها معالجة الشؤون الحياتية لاكثر من مليوني فلسطيني، وهو الامر الذي لا يوجد لحكومة إسرائيل أي خطة بشأنه، وأي قرار سيتم اتخاذه في هذا الشأن، حتى لو اعتبر “ترتيباً مؤقتاً”، يمكن أن يتحول إلى “ترتيب دائم”. وستحتاج اسرائيل الى تعاون أطراف فلسطينية وعربية ودولية في إدارة شؤون القطاع، تحت سيطرة الاحتلال، وهو الامر الذي سيكون غاية في الصعوبة، خصوصا في ضوء القرار الاسرائيلي بانهاء عمل وكالة الاونروا، وسيتطلب مصدر تمويل، يعفي اسرائيل من العبء الاقتصادي لإدارة القطاع.
- عدم قدرة إسرائيل، على صياغة هدف استراتيجي، وغياب الإجماع الإسرائيلي بشأن “اليوم التالي”، يبدو أن خيار عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع وتوحيد الأراضي الفلسطينية على طريق إقامة الدولة الفلسطينية، هو الخيار الامثل بعد انتهاء الحرب، على الرغم من الموقف الرافض لهذا الخيار من حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف، ويتعارض ايضا مع الواقع الذي تفرضه قوات الاحتلال على الارض سواء من خلال التدمير الواسع لمساحات واسعة من المناطق الفلسطينية، وتهجير الاف المواطنين من منازلهم الى جنوب قطاع غزة، في اشارة الى ان تغيير الجغرافيا والديمغرافيا يعتر واحدا من اهداف الحرب اسرائيلياً.
- هناك تخوفات من استغلال اسرائيل الحرب على غزة لتمرير مخططات التهجير واقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، وإنهاء وضع الضفة الغربية والقدس بتقاسم إقليمي / وظيفي بين إسرائيل والدولة الفلسطينية في قطاع غزة، بحيث تسيطر إسرائيل على الجزء الأكبر من الضفة، وتسيطر الدولة الفلسطينية في قطاع غزة على المعازل في الضفة الغربية، التي سيتم ربطها مع قطاع غزة تحت سيطرة إسرائيلية.
- إسرائيل لا تملك إستراتيجية “اليوم التالي”، ولا توجد لديها تصورات لادارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، والسلطة الفلسطينية ترفض التعاون مع اسرائيل في ادارة شؤون قطاع غزة، وخيار وجود قوات أميركية أو دولية أو عربية، غير ممكن؛ لأن العرب لا يمكن أن يساهموا في تصفية القضية الفلسطينية، والأمم المتحدة لا يمكن أن ترسل قوات لمساعدة الدولة المحتلة دون أن يكون ذلك ضمن قرارات الشرعية الدولية. وهناك تخوفات أن يكون البديل هو “الفوضى”، خصوصا بعد تشريد أكثر من 2 مليون فلسطيني، سيشكلون أرضية خصبة لنمو التيارات المتطرفة.
- في ضوء غياب أية مدخلات فلسطينية أو عربية، نجد السيناريوهات المستقبلية المطروحة معظمها اسرائيلية، تستهدف التخلص من “معضلة غزة” الانسانية، بفرض الظروف الميدانية، التي تؤدي الى هجرة غالبية أهالي قطاع غزة، وضمان السيطرة الامنية الاسرائيلية على قطاع غزة بالاحتلال واقامة المنطقة العازلة، وإنشاء ادارة محلية، تتولى الشؤون المدنية وتساعد على سيطرة اسرائيل على حقول غاز غزة، مع امكانية استدعاء أطراف دولية او عربية للمشاركة في تحمل المسؤولية، ومجمل هذه الأفكار لا يوجد لها رابط مع مسار تفاوضى بشأن التسوية السلمية وحل الدولتين.
- الحكم على نتيجة الصراع يستند إلى وجود تدخلات إقليمية ودولية، مع أهمية البعد الفلسطيني الإسرائيلي، في ضوء التغييرات في التحالفات، وبروز الدور الروسي والايراني، وعلاقة تلك التوترات والصراع في مجال الطاقة، والذي يرتبط بالصراع الاقتصادي العالمي. وقد تشكل الحرب على غزة فرصة لاسرائيل للسيطرة على “غاز غزة” من خلال فرض ادارة مدنية مؤقتة يتم من خلالها السيطرة على حقول الغاز في المنطقة الواقعة ضمن النفوذ البحري الفلسطيني في حقل مارين، وهي الخطوة التي ترتبط ايضا بخط انابيب الهند – الشرق الاوسط الذي تسعى الولايات المتحدة الى تنفيذها لمحاصرة النفوذ الروسي – الايراني.
- دخل المجتمع الإسرائيلى خلال العقدين الأخيرين فى تحول ناحية اليمين القومى والدينى، وتراجع قوى الوسط واليسار، ومن غير المتوقع ان يتغير هذا المسار نتيجة الحرب الراهنة، اذ تشعر اسرائيل بالتهديد الوجودى وستكون أكثر تشددا، ولن يصبح المجتمع الإسرائيلى أكثر استعدادا للسلام، بسبب مشاعر الكراهية والتعصب فى إسرائيل، وعلى الرغم من التوقعات باقتراب نهاية نتنياهو السياسية، الا أن الخريطة السياسية الجديدة لن تكون أقل تشددا، ولكنها قد تكون أكثر تعقلا مع صعود قيادات جديدة لديها قدر أقل من التطرف والفاشية.
- الحرب على غزة، سيكون لها انعكاساتها على مستقبل الوضع الاقليمي والدولي، كما حدث في العديد من حروب المنطقة، التي كان القاسمُ المشتركُ بينها، استخدامها لتغذية خطابَ الجماعاتِ المتطرفة، التي أصبحت أكثرَ قدرة في الوصول لعدد كبير من الناس، ضمنَ شبكات واسعة وعابرة للحدود، اعتمادا على أدواتٍ أكثرَ فعالية، لتسويق الرموز والأفكار، ما سيهدد دول المنطقة، وستحاول إسرائيلُ الاستفادة من انتشار التطرفِ، بـ “شيطنة” الفلسطينيين والعرب والمسلمين أمام الرأي العام الغربي، ولذلك فان انتهاء الحرب على غزة دون تسوية سياسية تؤدي الى اقامة الدولة الفلسطينية، ستكون له انعكاسات خطيرة على الامن والسلم العالمي.
- الدعوة إلى حل الدولتين، التي تدعمها الدول الغربية والولايات المتحدة غير كافٍ ما دامت هذه الدول لم تبلور موقفاً واضحاً لوقف سياسات تهويد الجغرافيا والديمغرافيا التي تقوم بها اسرائيل، والتي تنسف أسس قيام الدولة الفلسطينية. ولذلك فإننا أمام لحظة تاريخية لإنهاء هذا النزاع، وهنالك مسؤولية للقوى الدولية الفاعلة لاتخاذ الموقف المطلوب، يقوم على ما تُعرف بالهندسة المعكوسة (reversed engineering)، والتي تتطلب بداية الاعلان عن الاعتراف بدولة فلسطين في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، ثم إعلان الالتزام بالهدف النهائي للمفاوضات (حل الدولتين)، ومن ثم انطلاق المفاوضات برعاية دولية وأممية مؤثرة على أساس هذا الإعلان والقرارات الدولية ذات الصلة، ضمن جدول زمني محدد.
- تحفظ السلطة الفلسطينية على تولى إدارة قطاع غزة، في ظل وجود الاحتلال، اضافة الى صعوبة إدارة القطاع، والتحفظ أن “المرحلة الانتقالية” قد تصبح “نهائية”، لا يعفي السلطة من مسؤولياتها باتجاه قطاع غزة وضرورة المبادرة لالتقاط اللحظة التاريخية، فغياب دور السلطة الفلسطينية عن الازمة يساعد اسرائيل على استغلال تلك المساحة المفتوحة لتمرير مخططاتها لإغلاق الصراع وانهاء القضية الفلسطينية، ما يفرض الحاجة فلسطينياً لالتقاط اللحظة التاريخية، والتأكيد على أولويات إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، ورفض «المرحلة الانتقالية» لإدارة قطاع غزة، وترتيب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وتفعيل النظام السياسي، وإنهاء الانقسام، وإجراء الانتخابات، واستعادة دور السلطة الفلسطينية في غزة، وربط مستقبل غزة بمستقبل القضية الفلسطينية ومفاوضات حل الدولتين، وانضمام كافة التنظيمات الى منظمة التحرير، والتزام حركة حماس بقبول حل الدولتين.