#شؤون فلسطينية
اللواء محمود الناطور والدكتور يوسف يونس: تقدير موقف (17): أخطاء حركة حماس الاستراتيجية وامكانية تداركها قبل فوات الاوان

اللواء محمود الناطور والدكتور يوسف يونس، مركز الناطور للدراسات 17-6-2025: تقدير موقف (17): أخطاء حركة حماس الاستراتيجية وامكانية تداركها قبل فوات الاوان
المفاوضات:
- تجاهلت حركة حماس تطور الأحداث في قطاع غزة، الذي دخل في مرحلة متطورة من الابادة والدمار وتدمير الكيانية الفلسطينية، ما كان يفرض عليها التعامل بحكمة مع مقترح ويتكوف، والمطالبة بتحسينات تتعلق بالحياة اليومية والمساعدات والمواطنين، والتزام اسرائيل بوقف القتال خلال فترة الهدنة المؤقتة التي تستمر 60 يوماً، لتخفيف آثار نكبة أهل قطاع غزة.
- ركزت حركة حماس مطالبها للحصول على ضمانات من الرئيس ترمب، ففي البند الأول طالبت بضمان الرئيس ترامب لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، وفي البند 6 تدعو إلى التفاوض على إعلان وقف إطلاق نار دائم وانسحاب كلي للقوات الإسرائيلية من كامل أراضي القطاع. وفي البند 7 تدعو إلى دعم رئاسي أميركي لوقف إطلاق نار يقود إلى حل دائم للصراع. والبند 12 يدعو ويتكوف لترؤس المفاوضات وإتمام الاتفاق. وفي البند 13 تطالب ترامب بالإعلان عن الاتفاق شخصياً والالتزام بالعمل على ضمان استمرار المفاوضات حتى التوصل إلى اتفاق نهائي، وتتجاهل الحركة التطابق في مواقف إدارة ترامب وحكومة اسرائيل، فقد كان الرئيس ترامب سباقاً في تقديم مشروع تهجير اهالي قطاع غزة، وازال القيود على تزويد اسرائيل بالقنابل الذكية (استقبلت اسرائيل مؤخرا شحنة اسلحة ضمن الجسر الأمريكي الذي قام بنقل أكثر من 90 ألف طن من المعدات العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل عبر 800 رحلة جوية وحوالي 140 سفينة)، وتبني استخدام المساعدات الانسانية كأداة لتهجير الفلسطينيين، ورفعت ادارته العقوبات عن مستوطنين يمارسون التطهير العرقي والاعتداءات في الضفة.
- عندما تضع حركة حماس شرط وقف الحرب، وتتمسك بالتعهد الإسرائيلي والضمانات الأميركية، واعتبرت ان قرار الرئيس ترامب المصادقة على مفاوضات مع الحركة، بمثابة انجاز سياسي، يضمن بقاءها في المشهد السياسي، وتراجعت الحركة عن أهداف “طوفان الأقصى”، ما يثبت قصور إدراكات قيادة حركة حماس، ما طرح تساؤلات حول حقيقة الاهداف التفاوضية للحركة وهل هي بالفعل وقف الحرب ام ان الامر مرتبط بمحاولة الحركة ضمان بقاءها سياسياً في ترتيبات المرحلة المقبلة في قطاع غزة، رافضة أية شروط قد تؤدي إلى انتهاء حكمها، أو فشل مشروعها، المرتبط بأطراف خارجية مؤثرة توفر لها الدعم المعنوي والمالي، ولن تقبل هزيمة حماس التي تعني نهاية مشروع الإخوان المسلمين والمشروع الإيراني في المنطقة، والمشروع القطري.
ميدانيا:
- صعد الجيش الإسرائيلي عمليات القصف الجوي والمدفعي لتهجير المواطنين باتجاه المناطق الامنة التي يجري اقامتها، واستكمال السيطرة على قطاع غزة خلال شهرين، حسب تقديرات الجيش، وتم الدفع بالمزيد من ألوية المشاة والمدرعات النظامية، حيث تواصل 5 فرق عسكرية العمل في قطاع غزة؛ وصادقت الحكومة الإسرائيلية، 26-5-2025، على زيادة تجنيد الاحتياط بـ50 ألف عسكري ليصبح 450 ألفاً، حتى 31 أغسطس/آب 2025، وستسمح الحصة المقترحة باستمرار خدمة جنود الاحتياط الذين هم حالياً في الخدمة الاحتياطية الفعلية، والذين يُطلب منهم مواصلة العمليات القتالية، وسيسمح الأمر أيضاً بدعوة جنود احتياط إضافيين واستدعاء الذين سُرِّحوا، وتجنيد المجندين عند نهاية فترة الخدمة.
- في محور خانيونس تواصل القوات البرية الاسرائيلية العمل وفق تكتيكات “القضم البطيء” على الاطراف، بالتزامن مع الهجمات الجوية لمنطقة مركز مدينة خانيونس، وتواصل قوات الاحتلال ضغطها على المناطق الجنوبية للمدينة، قيزان النجار وحي المنارة، ومنطقة المستشفى الأوروبي، والتي تشهد تقدمٌ بطيءٌ شمال محور موراج، واحتلالٌ للمناطق الزراعية بهدف محاصرة مدينة خانيونس من الجنوب، لدفع سكان المحافظة الى منطقة المواصي غربا، ثم الى المنطقة الامنة التي يجري تجهيزها في رفح بالتعاون مع المدعو ياسر ابو شباب، لتأسيس «مناطق إنسانية» جنوب شرق محور «موراج»، خاضعة للسيطرة الاسرائيلية.
- وشهدت المناطق الشرقية لمحافظة خانيونس، خزاعة وعبسان الكبيرة والصغيرة وبني سهيلا والقرارة، حركات نزوح كبيرة للسكان، حيث تواصل «الفرقة 98»، عملياتها شرقا، وخصوصاً شمال شرق القرارة، وصولاً إلى جنوب شرق دير البلح، لانشاء محور كيسوفيم الذي يمتد من شمال القرارة الى البحر ويفصل بين خانيونس ودير البلح. وتعتبر المنطقة من مفترق المطاحن على شارع صلاح الدين الى معبر كيسوفيم هي المنطقة الاخطر نظر لوجود اراضي زراعية ومناطق سكنية مأهولة، يتم تدميرها من خلال عمليات التفجير الواسعة.
- وفي شمال قطاع غزة يواصل الجيش الإسرائيلي تضييق الخناق على مخيم جباليا وبيت لاهيا، وفق تكتيكات التقدم البطيء، حيث يتم التقدم من شرق جباليا، كما سبق واكدنا في التقرير السابق ان الهدف هو هذه العقدة التي يتواجد فيها كثافة سكانية كبيرة، سيجري التركيز عليها لاستكمال اقامة محور مفلاسيم الذي يفصل بين شمال القطاع ومدينة غزة، وبالتزامن مع هذه العملية جرى التركيز على تدمير مناطق التوام والسلاطين والعطاطرة، غرب جباليا، بالتزامن مع مهاجمة بيت لاهيا من عدة محاور، وتدمير مناطق واسعة، لتهجير سكان المنطقة، وتأمين اقامة محور مفلاسيم غربا باتجاه البحر، ويلاحظ استثناء منطقة بيت حانون حيث يجري الحديث عن تكرار إقامة منطقة امنة خاضعة لاحدى الحالات التي يجري تشكيلها.
- وشهدت مدينة غزة تصعيد عمليات القصف الجوي والمدفعي في منطقة الكرامة، وشارع النفق ومنطقة الساحة وسط المدينة، وحي الزيتون، والشجاعية والتفاح، بالتزامن مع عمليات تدمير واسعة على طول المنطقة العازلة من شرق الزيتون والشجاعية والتفاح. يجري تركيز الغارات على الابنية السكنية، لتأمين القوات العاملة في مناطق قريبة.
- تحاول اسرائيل تضخيم قدرات المقاومة من خلال اظهار انها تشكل تهديدًا وجوديا على اسرائيل، بحجة امتلاكها تكنولوجيا عسكرية متطورة تساعدها على إنتاج الأسلحة والمتفجرات ذاتيًا، اعتمادا على شبكة الأنفاق التي تستخدمها لمواجهة تفوق الجيش الإسرائيلي في الاستخبارات، والهجمات الجوية، وفرق القتال المدرعة.
- الوضع الداخلي اصبح محور صراع بين حركة حماس والمخابرات الاسرائيلية حيث تتركز جهود الطرفين على الوضع الداخلي باعتبار انه سيكون حاسما في تحديد اتجاهات الحرب في الايام القادمة، بعد انتشار الفوضى والفلتان الامني الذي ينذر بانهيار سيطرة حماس على قطاع غزة، مع انهيار الاوضاع الامنية والاقتصادية والاجتماعية.
- عزز فشل الخطة الاسرائيلية لتوزيع المساعدات الاتهامات الموجهة للحكومة الاسرائيلية بالعشوائية في ادارة الازمة وغياب الرؤية الاستراتيجية اللازمة لادارة الحرب وعدم بلورة صياغة مخططات اليوم التالي للحرب، وهو الامر الذي يؤدي الى الاخطاء في ميدان المعركة وانفلات الاوضاع بصورة ستكون كارثية على اسرائيل في المستقبل.
احتمالات مستقبلية:
- استندت مخططات اسرائيل لتوسيع العملية العسكرية في غزة، الى الاعتقاد ان الضغط العسكري المترافق مع الظروف الانسانية القاسية ستجبر حماس على الموافقة على “الاستسلام”، او القبول بخطة ويتكوف الجديدة، على اقل تقدير، وسيؤدي الضغط الانساني الى الصدام بين السكان وحركة حماس، وعلى رغم وقوع مظاهرات محدودة، الا انها لم تتطور الى عصيان مدني شامل، بالاضافة الى ان خطة توزيع المساعدات الانسانية الامريكية الاسرائيلية، لحرمان حماس من مصادر دخل، الا انها اعفت الحركة من تحمل مسؤولية الازمة الانسانية في القطاع. وعزز الفشل الاسرائيلي في هذا الاتجاه الاتهامات للحكومة الاسرائيلية بالعشوائية في ادارة الازمة وغياب الرؤية الاستراتيجية اللازمة لادارة الحرب وعدم بلورة صياغة مخططات اليوم التالي للحرب، وهو الامر الذي يؤدي الى الاخطاء في ميدان المعركة وانفلات الاوضاع بصورة ستكون كارثية على اسرائيل في المستقبل.
- إصرار حركة حماس على التفرد بإدارة المفاوضات، ساعد الإسرائيلي على إطالة الحرب، ومنح اليمين الإسرائيلي الفرصة لتحقيق أهداف الحرب وتدمير غزة وتهجير سكانها، في المقابل اصبح الهدف الرئيس لحركة حماس هو إنقاذ الحركة واكتساب شرعية البقاء في المشهد السياسي في قطاع غزة بعد الحرب، ما عزز المأزق الاستراتيجي الذي تواجهه الحركة، بسبب غموض موقفها التفاوضي، الذي استند الى رهانات محفوفة بالمخاطر، وضعفاً في قراءة المشهدين الدولي والإقليمي: فالرهان على فتح قنوات اتصال مع الادارة الامريكية، للضغط على اسرائيل لوقف الحرب، باعتبار ان نتنياهو فقد تأثيره على الإدارة الأمريكية في قضايا الشرق الأوسط مثل المفاوضات مع ايران، الاتفاق مع الحوثيين، النظام الجديد في سوريا، والاتفاقات مع دول الخليج لتطوير قدراتها الدفاعية والبرنامج النووي السلمي والاستثمار في التكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي، واعتبار ان التحولات على المستوى الأوروبي وتغيير الموقف من إسرائيل، والتحركات السياسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي تقودها السعودية، ما يجعل عزلة إسرائيل تتعمق، الا ان تطورات الاوضاع كشفت عدم دقة تلك التقديرات التي تغافلت عن الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات الامريكية الاسرائيلية.
- كان واضحا عدم صحة قراءة الحركة للتحولات التي تشهدها الساحة السياسية الإسرائيلية، والاعتقاد أن نتنياهو يحاول استغلال استمرار الحرب للهروب من محاكمته التي ستعني نهاية حياته السياسية، واتضح ان هذا الافتراض يتجاوز واقع التطرف في اسرائيل، والذي كشفت عنه نتائج الانتخابات الاسرائيلية في السنوات الاخيرة، والتي جاءت “يمينية” باكتساح، ووصل اليمين القومي الديني المتطرف إلى ذروة قوته، معتبرا أن الحرب الحالية “فرصة”، يجب استغلالها لتنفيذ مخططاتهم، وان وقف الحرب قبل تحقيق أهدافهم سيؤدي الى انهيار اليمين الاسرائيلي وحدوث تصدعات داخلية، ستؤدي لإعادة تشكل الخريطة السياسية في اسرائيل، بما يتعارض مع مصالحهم.
- اعتبرت حركة حماس ان “ورقة الرهائن” تمثل عامل ضغط قوي على نتنياهو في المفاوضات، الا ان الحركة تجاهلت ان اسرائيل وبعد ان فقدت ابرز اسس وجودها في هجمات “طوفان الاقصى”، وهما الامن والردع، بات واضحاً أنها ستخوض “حربا وجودية”، ما يعني تراجع اهمية كل الاوراق التي كانت تعتبرها حماس اوراق قوة وضغط، مثل الأسرى، الحروب الطويلة، اقتصاد اسرائيل، تجنيد الاحتياط، وعلى رغم كل الحملات الاعلامية التي استهدفت الداخل الاسرائيلي وعائلات الرهائن، الا انها لم تستطع ان تخلق جبهة ضاغطة على نتنياهو والشارع الاسرائيلي لتغيير موقفهم الرافض لوقف الحرب.
- تغافلت حركة حماس ان مقترح ويتكوف جاء انعكاسا للوضع الميداني وموازين القوى على الأرض، التي تميل لصالح اسرائيل، التي قامت بتصعيد هجماتها العسكرية وتستخدم سلاح التجويع للضغط وتقليص الهوامش التفاوضية امام حركة حماس، ما يمهد الطريق إلى سيناريو “الفوضى الشاملة”، وصولا الى تنفيذ مخططات التهجير. وسيحاول نتنياهو مقايضة الحركة ما بين استمرار الحرب او استسلام الحركة، ما يضع الحركة امام خيارات صعبة، تتطلب توافقا بين قادتها، الامر الذي سيظل مرتبطا بعلامات استفهام حول قدرة قيادة الحركة على حسم هذا الامر دون انقسامات، وتجاوز امكانية استمرار الازمة والمخاطرة بمستقبل الحركة ومستقبل قطاع غزة.
- تشير التطورات الحالية ان الحلّ الوسط ما زال متعذّراً، الا ان تقديرات مغايرة تشير الى ان حركة حماس لن يطول رفضها للورقة الاخيرة المقترحة، خاصة ان التعديلات التي تحاول الحركة إدخالها ليست جوهرية، وهناك فرصة لإحراز تقدم في محادثات التوصل إلى اتفاق، بعد ان قدم القطريون مقترح لا يتضمن بشكل قاطع إنهاء الحرب، ولكنه قد يكون مقبولا من حركة حماس، حيث اعطت واشنطن مزيداً من الضمانات في شكل خطوات من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء الحرب، بالاضافة الى ضغوط القطريين لدفع الحركة لتخفيف موقفها، تلك المستجدات قد تقود قريبا لإبرام صفقة مع حاجة إسرائيل وحماس لوقف الحرب في ظل أزمات متراكمة، وضغوط متزايدة، وان كان من غير المتوقع تحقيق تقدم هذا الأسبوع، في ضوء الوضع الداخلي في اسرائيل وازمة الائتلاف الحكومي على خلفية قانون تجنيد الحريديم واحتمالات حل الكنيست، وتحفظات من «الشاباك» بسبب توقيت الهدنة وتنفيذ الاتفاق، ما يرجح ان نتنياهو سيتأخر في الرد على المقترحات الجديدة.
- الرئيس عباس مطالب بالبدء في اجراءات عملية لقطع الطريق امام المخططات الاسرائيلية الساعية لسيناريو الفوضى والتهجير، من خلال دعوة الاطر والشخصيات والضباط التابعين للسلطة الفلسطينية للتحرك لخلق حالة من الامن والسيطرة على مناطق في قطاع غزة، استنادا الى ما يمثلونه من مرجعية شرعية وعلاقات قوية مع جماهير شعبنا التي ستدعم تلك المحاولات وبكل قوة نظرا لحاجتها الماسة للخروج من الازمة الوجودية والانسانية والاقتصادية الطاحنة التي يواجهونها.