#أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

اللواء محمود الناطور “ابو الطيب” يكتب – مخططات الضم وضياع الحلم الفلسطيني

اللواء محمود الناطور “ابو الطيب” ١٥-٧-٢٠٢٠م

بعد يوم طويل مليء بالتعب والارهاق ، وفور الدخول الى المنزل ، توجهت مباشرة الى اقرب اريكة والقيت بجسدي عليها وذهبت في نوم عميق، لم اعهده منذ فترة طويلة، وفجأة .. وبدون أية مقدمات .. ! شاهدت زائرا يقترب من بعيد ، لم اميز ملامحه في البداية ، الا ان ملامحه بدأت تتضح رويدا رويدا مع اقترابه ، انه اخي وصديقي ورفيق دربي الشهيد ابو حسن سلامة، بوجهه المشرق دائما، وخطواته الواثقة.

وبعد كلمات العتاب مني له والاستفسار عن سبب عدم حضوره منذ فترة طويلة ، ليرد سريعا، انه يتابع وكل الشهداء اخبارنا وجاءت هذه الزيارة للاطمئنان علينا ، في ضوء التطورات الاخيرة والمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية ومخططات الضم الاحتلالية، واكد ان الشهداء جميعهم قلقون ويريدون الاطمئنان ان تضحياتهم لم تذهب سدى ، وان شعبنا قادر على مواجهة هذه التحديات والمخاطر ، كما كان دائما ، وفي احلك الظروف واصعبها.

فاضطررت ان اعطيه بعض التطمينات التي لا علاقة لها بالحقيقة ، فبدأت بالحديث اننا بدأنا في مواجهة هذه التحديات موحدين ، واصبحت صفحة الانقسام وراء ظهورنا ، وحددنا جميعا هدفنا الاستراتيجي المشترك وهو التصدي لهذه المخططات وتعزيز وجود الشعب الفلسطيني على أرضهوفوق ترابه، وتوفير سبل مواجهة مخططات الضم الاحتلالية من خلال زيادة الكثافة السكانية الفلسطينية في تلك المناطق المهددة بالسرقة والضم، في الأغوار والضفة الغربية، ما ينسجم مع المقاومة الشاملة في معركته لتحرير كامل التراب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني.

وشرعت القيادة الفلسطينية في إعادة الثقة مع المواطنين الشعب، عبر استنهاض المهام النضالية، وإضافة بندالمقاومة الشعبية على رأس جدول الأعمال الوطني ، وقمنا بتفعيل التحركات الشعبية في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني واطلاق حراك شعبي سلمي فلسطيني ضد قرار الضم لتعزيز الموقف الفلسطيني الرسمي. فمواجهة مخططات الضم لن تتم إلّا بإشعال الأراضي المحتلة، بانتفاضة فلسطينية سلمية، تأخذ طابعاً شعبياً حقيقياً، ستغيّر كل المعطيات الحالية، وستعيد بناء المواقف الرسمية والشعبية العربية والدولية.

وأطلقنا حملة شعبية في كافة المدن والقرى والمخيمات في انحاء الضفة الغربية لتشكيل لجان محلية للبدء في مقاومة الاحتلال ومشاريعه وعرقلة مخططاته وتحركاته على ارض الوطن الفلسطيني ، فالمعركة هي للكل الفلسطيني ، وليست لمنطقة دون اخرى.

وبدأنا في تفعيل المقاومة الشعبية كخيار كفاحي استراتيجي، وقمنا بتسيير حملات من المئات من الجرارات الزراعية الى مناطق الاغوار الفلسطينية لتبدأ المشاركة مع اهالي الاغوار في المساعدة في زراعة اراضيهم ، حيث يعانون من النقص الحاد في المعدات الزراعية بسبب اجراءات الاحتلال، واستجاب أبناء شعبنا لنداء قيادتنا الفلسطينية وتقاطروا من جميع مناطق الضفة الغربية باتجاه منطقة الأغوار الفلسطينية التي تكتسب أهمية سياسية واقتصادية كبيرة للشعب الفلسطيني، كونها تشكل مثلثاً مع مدن القدس وبيت لحم وتربط فلسطين بالأردن، وتشكل مخزوناً جغرافياً من أراضي الدولة الفلسطينية.وكونها منطقة طبيعية دافئة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام، إضافة إلى خصوبة التربة، وتوفر مصادر المياه فيها، فهي تتربع فوق ثاني أكبر حوض مائي في فلسطين. وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة الأغوار 280 ألف دونم؛ أي ما نسبته 38.8% من المساحة الكلية للأغوار؛ يستغل الفلسطينيون منها 50 ألف دونم؛ فيما يستغل سكان مستوطنات الأغوار 27 ألف دونٍم من الأراضي الزراعية فيها.

وقمنا باستدعاء كافة كوادرنا وابناء شعبنا للتوجه الى الاغوار حاملين معهم ادواتهم ومعداتهم الزراعية بكافة اشكالها، مؤكدين لابناء شعبنا في الاغوار انهم ليسوا وحدهم ولن يكونوا وحدهم ، وسنشاركهم معركته في الدفاع عن الاغوار بالافعال وليس بالاقوال.

واصدرت الحكومة الفلسطينية العديد من القرارات والاجراءات لدعم صمود المزارعين والمواطنين في منطقة الأغوار ورصدت موازنة كبيرة لتعزيز تواجدهم. وقامت بإعفاء سكان الاغوار من رسوم تراخيص بناء منازل جديدة لعدم ترك المساحات الفارغة أمام الاحتلال والمستوطنين.واصدرت العديد من التسهيلات لتشجيع للاستثمار في منطقة الأغوار، ودعمت العديد من المشاريع الزراعية في المنطقة، وقامت بتوفير الدعم لتطوير البنية التحتية في المنطقة وبناء مدارس ووحدات صحية وشق طرق جديدة، لتسهيل حياة المواطنين وصمودهم.

واعدنا الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها المرجعية السياسية العليا للشعب الفلسطيني ، بعد ان تراجع دورها في السنوات الاخيرة لحساب السلطة الفلسطينية التي اصبحت صاحبة القرار في تحديد ورسم السياسة الفلسطينية وهو ما ادى الى المازق السياسي الذي تعيشه قضيتنا الوطنية الفلسطينية. فالمنظمة اكتسبت أحقيتها أنها الممثل الشرعي والوحيد، والكيان السياسي الأوسع من الكيان الجغرافي المتعذر وجوده في ظل الاحتلال.

وابدى ابو حسن اعجابه الشديد بهذه الخطوات ، وانفرجت اساريره، واشرق وجه سعيدا جدا ، معتبرا ان هذا هو بالفعل الارث النضالي للثورة الفلسطينية ، التي هي دائما “افعال لا اقوال” ، وهذا هو ما يجعلها دائما قريبة من الجماهير ، تلامس امالهم واحلامهم وطموحاتهم ..

وقبل ان يكمل كلماته معلقا مبتهجا ،

قلت له كفى يا ابا حسن ،

والله لم يحدث من ذلك أي شيء ..!

فلازلنا نراوح مكاننا، ولم نفعل أي شيء، فإجراءات الاحتلال تتواصل وتتسارع لضم وتهويد ما لا يقل عن 62% من الضفة الغربية  وصولا الى محاولة ترحيل الشعب الفلسطيني عن ارضه، من خلال التضييق عليه اقتصاديا، واجتماعيا، وإنسانيا.

وعزز الاحتلال تقطيع أوصال الضفة الغربية، لخنق التواصل بين المناطق الفلسطينية، وعزل الجنوب عن الوسط والشمال، وتهويد القدس واكمال جدار الفصل العنصري، وحسم المعركة ديمغرافيا في القدس والضفة الغربية، وفصل اي كيان فلسطينيي مستقبلي عن العالم الخارجي، وصولا الى الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية.  

واستطاع الاحتلال تقييد التوسع الديمغرافىالفلسطينى فى الضفة الغربية عبر تقسيمة المناطق إلى(A,B,C) بينما سمحت بالتوسع فى A الضيقة والمكتظة؛ وعرقلت اسرائيل هذا التوسع في مناطق (B) فيما منعته بالمطلق في مناطق(C) والتى تمثل ثلثى مساحة الضفة؛ ما ادى الى تواجد أقل للفلسطينيين فى أكبر مساحة جعرافية؛ وأكبر عدد ممكن  من الفلسطينين فى أقل مساحة جغرافية، وهو ما يسهل ضم منطقة الأغوار بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين.

واستطاع الاحتلال إحداث تغييرات جذرية على ارض الواقع، وفق سياسة “الضم الزاحف” التي غيرت بالفعل خريطة الضفة الغربية ، ما ساعدهم على الاستيلاء على الاف الدونمات واقامت مئات الاف الوحدات الاستيطانية ، وفرضت الهجرة القسرية على الاف المواطنين الفلسطينيين، بسبب الاجراءات الاحتلالية القاسية، والتي وصلت الى حد عرقلة حركتهم باتجاه اراضيهم الزراعية ، وقيدت قدرتهم على زراعة اراضيهم، ووصل الامر الى مصادرتها بحجج مختلف وقوانين احتلالية جرى تصميمها لهذا الغرض ، دون أية تحركات فعلية وقوية للمواجهة  ، باعتبار اننا لا نملك اية خيارات للاسف!.

واتسعت رقعت الاستيطان وتقلصت المناطق الفلسطينية وتحولت المستوطنات الى مدن ثم اصبحت كتل استيطانية تنهش الارض الفلسطينية وتغير ملامحها وتخلق واقعا جديدا ينهي الحلم الفلسطيني والذي يبدو انه قد تحول الى كابوس يضج مضاجعنا كلنا احياءا وامواتا. فحتى مقابر امواتنا وشهداءنا لم تسلم من هذه المخططات الاحتلالية .. واخرها مقبرة الاسعاف في مدينة يافا التي يجري تجريفها ، وكانهم يردون على شاعرنا محمود درويش الذي قال لهم في قصيدته عابرون في كلام عابر :

أيها المارُّون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، و انصرفوا

وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة

و خذوا ما شئتم من صورٍ كي تعرفوا

أنَّكم لن تعرفوا

كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماءْ

ليردوا عليه بالفعل ، وبكل قسوة ، غير عابئين للاخلاق والمواثيق والأعراف والاديان لينبشوا قبور اجدادنا، وينثروا رفاتهم ، في هواء فلسطين ، محاولين ان يمحو الذكرى ، ولفك عرى الصلة بين الارض الفلسطينية والانسان الفلسطيني ، بين ارض فلسطين ورفات اجدادنا، وللاسفنقف شاهدين على كل ذلك دون حراك ، فلا تبقى الذكرى ، ولا تبقى الارض .. فالقيادة في أضعف حالاتها ، وانعدام خياراتها. هذه هي حالنا يا ابا حسن ، بلغ الشهداء اننا لم نحفظ الامانة ، بلغهم اننا قد قصرنا ، بلغهم اننا لم نكن على قدر المسؤولية ..!

وهنا تحولت ملامح ابو حسن الى الغضب والصدمة ، قائلا ماذا تقول ؟ الم تفعلوا أي شيء لمواجهة هذه المخاطر ؟ ماذا تفعلون اذا ؟ ومتى تستيقظون من غفلتكم ؟ وماذا تريد مني ان اقول للشهداء ؟ .. وغادر ابو حسن وهو يردد الله لا يسامحكم ..! الله لا يسامحكم ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى