#أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

اللواء محمود الناطور “أبو الطيب” يكتب – الاسرى والشهداء خط أحمر

بقلم اللواء محمود الناطور “أبو الطيب”  10-5-2020م

انشغل الرأي العام الفلسطيني ، ومعهم كل احرار العالم ، في الساعات الأخيرة بعدوان إسرائيلي جديد على الشعب الفلسطيني، من العدو الإسرائيلي المغتصب لحقوقنا الوطنية والإنسانية، مستهدفا أقدس القضايا الوطنية في الوعي والوجدان الفلسطيني. فقد أصدرت تعليماتها من خلال قائد قواتها الاحتلالية في الضفة الغربية في الامر العسكري رقم 67 المؤرخ في 9-2-2020م والذي يطالب البنوك باغلاق حسابات الاسرى لديهم.

وفي الشهر الماضي جدد تهديداته بإجراءات جديدة سيحظر بموجبها على البنوك الفلسطينية، التعامل مع رواتب الأسرى، وإلا ستجد نفسها عرضة لسلسلة من التدابير والعقوبات القاسية، قد تصل حد رفع دعاوى ضدها. وبالفعل بدأت بعض البنوك “الفلسطينية” الالتزام بهذا الامر العسكري الاحتلالي ما خلق حالة الارتباك الساحة الفلسطينية. خاصة وأن هذه الإجراءات طالت الأسرى الذين هم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني وكفاحه الطويل من أجل الحرية والاستقلال، وبالتالي هم مناضلون من أجل الحرية وما قاموا به من عمليات ضد قوات الاحتلال إنما يندرج في سياق المقاومة المشروعة، وأن هذه المقاومة أجازتها كافة المواثيق والاعراف الدولية، ورواتبهم هي حق وواجب مفروض على السلطة الفلسطينية.

وبينما لم تشكل هذه الخطوة الاحتلالية مفاجأة للجميع ، فهي تأتي استمرارا لخطوات كثيرة في هذا الاتجاه من جانب سلطات الاحتلال التي سعت ولسنوات طويلة الى استهداف الحالة الرمزية التي يمثلها أولئك الابطال الاسرى والشهداء ، فكل بيت من بيوت شعبنا لا يخلو من صورة ابنهم الشهيد او الأسير والذي يمثل عنوانا لافتخار والاعتزاز بهذا البطل الذي ضحى بأغلى ما يملك من اجل حريتنا ، وليس اقل من واجب ان تكون صورته هي التي تزين حوائط منازلنا دائما وابدا.

ويبدو ان إسرائيل تتناسى ، من واقع شعورها بالقوة المطلقة والضعف العربي والفلسطيني، انها تقوم دائما بتمجيد جنودها الذين قاموا بقتل أبناء الشعب الفلسطيني والعربي وتمنحهم دائما اوسمة البطولة ، حتى ولو كانوا قد قاموا بأعمال إرهابية فعليا وفق تعريفات القانون الدولي ، ولعلنا لا ننسى قيام رئيس دولة إسرائيل موشيه كتساف في مطلع شهر نيسان / ابريل 2005م بتكريم عناصر الشبكة اليهودية الإرهابية التي قامت في عام 1954 بسلسلة عمليات إرهابية في مصر، تمثلت في تفجير صناديق بريد خاصة بالقنصلية وبالسفارة البريطانية في الأسكندرية ثم وضع عبوة ناسفة بالمركز الثقافي الأميركي ووكالة الاستعلامات الأميركية بالأسكندرية. وعاد مجددا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في 24-9-2015 وقام بتكريم عملاء الموساد الذين شاركوا في تلك العملية الإرهابية اللذين لازالوا على قيد الحياة وهم: “مارسيل نينو وروبرت ديسا” وقام باستقبالهم في مكتبه بحضور رئيس الموساد ومنحهم اوسمة على دورهم في تلك العمليات الإرهابية التي عرفت بفضيحة “لافون.

من اليمين ، رئيس الموساد السابق تامير باردو، الإرهابيين مارسيل نينو وروبرت ديسا ويتوسطهما بنيامين نتنياهو

تعتقد إسرائيل ان من حقها ان تكرم ابطالها وان كانوا إرهابيين بالفعل وتسعى جاهدة لمحاربة ابطالنا المقاتلين من اجل الحرية وفق  كافة المواثيق الدولية وتحاربهم حتى وان كانوا تحت التراب شهداء وحتى ان كانوا معتقلين في سجونها فأي قانون هذا الذي تحاول ان تفرضه إسرائيل .. وأي ظلم تتمادى إسرائيل وتلحقه بالشعب الفلسطيني ومناضليه. ويبدو ان الهدف ليس ماديا كما يحاول البعض ان يصور الامر. ومن حقنا ان نتساءل لماذا بادرت حكومة الاحتلال الى هذه الخطوة في هذه المرحلة بالذات التي تشهد صداما متوقعا مع مواصلة إسرائيل مخططاتها لضم الضفة الغربية. ويبدو ان الهدف الرئيسي من كل ذلك هو تجريم نضالات الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة لاسترداد حقوقه المسلوبة، ويبدو ان الاحتلال الإسرائيلي قد بدأ بالفعل في مشروع ضم الضفة الغربية ، ليس فقط بإصدار قرارات تتعلق بمصادرة أراضي او إقامة مستوطنات او شق طرق جديدة في الضفة الغربية وانما انهاء الولاية القانونية للسلطة الوطنية الفلسطينية على السكان، وهنا مكمن الخطوة التي يمثلها هذا القرار الذي يتجاوز الى مرحلة التدخل في كافة الشؤون الفلسطينية لينهي بذلك ما يسمى “السيادة الفلسطينية”.

وبعيدا عن حملة بيانات الشجب والادانة التي سارعت الكثير من التنظيمات الفلسطينية الى اطلاقها في مواجهة هذه الخطوة الخطيرة جدا من قبل سلطات الاحتلال ، والذي يعتقد اننا لسنا سوى ظاهرة صوتية ، فاننا نجد انفسنا مطالبين بالوقوف بصورة جادة وحاسمة وحازمة امام المخططات الإسرائيلية العدوانية ، والتي ستتصاعد في الفترة القريبة القادمة، وفق العديد من المؤشرات والمعطيات المتوفرة.

وعلى الرغم من تقديرنا لبعض الأصوات التي طالبت بالبحث عن مخرج اداري او مالي لموضوع رواتب الاسرى من خلال إيجاد قنوات بديلة بعيدا عن “احراج البنوك” او “توريطها” فاننا نؤكد ان هذا الموضوع يحتاج الى خطوات سياسية جريئة من القيادة الفلسطينية لعل احداها ضرورة التوجه لمحكمة العدل الدولية وإستصدار رأي إستشاري حول المكانة القانونية  للأسرى والالتزامات الواجب إتخاذها من قبل الاحتلال في التعامل معهم. إضافة الى ضرورة تفعيل العمل الجماهيري الميداني المناصر للأسرى في الشارع الفلسطيني في رسالة واضحة للجميع “الاسرى خط احمر” وكلنا مع الاسرى وارى بضرورة التصعيد للمطالبة باطلاق سراح الاسرى في خطوة ان تكون احدى مرتكزات الهجوم الفلسطيني في مواجهة هذه العدوانية الاحتلالية المتواصلة. واقترح هنا إقامة تماثيل ورموز للشهداء والأسرى في كافة مدن فلسطين واطلاق أسماء الاسرى والشهداء على شوارع المدن والقرى والمدارس في كافة المدن الفلسطينية ، وهنا اقتبس الكلمة التاريخية للشاعر التركي ناظم حكمت مع بعض التعديل : “ليست المدن كبيرة بطرقاتها بل بشهداءها واسراها الذين أقيمت تماثيلهم فيها”.

ولكي لا ننسى ان حركة فتح اخذت عهد منذ انطلاقتها ان تكون وفية لأسراها ولذلك وفي العام 1965 وصل الى حركة فتح مبلغ من التبرعات حوالي 10 – 15 الف جنيه إسترليني أمر في حينه الرئيس الراحل ياسر عرفات بتخصيص المبلغ لأسر الشهداء، الذين لم يتجاوز عددهم في ذلك الحين سوى شهيد واسيرين، وتم تأسيس جمعية أسرى ومجاهدي فلسطين. تلك هي الوصية “الواجبة” التنفيذ ، بعيدا عن الشعارات الرنانة التي يطلقها البعض، فالشهداء والأسرى أفضل منا جميعا .. ففلسطين ستظل كبيرة وعصية على الانكسار بفعل تضحيات شهداءها واسراها وجرحاها .. أولئك هم الذين يصنعون المجد، وأولئك هم الذين يصنعون فجر الحرية والاستقلال، وأولئك الذين يقودون مسيرتنا الى الدولة الفلسطينية المستقبلة وعاصمتها القدس الشريف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى