أقلام وأراء

اللواء محمد إبراهيم الدويري: حل الدولتين وخريطة طريق مقترحة

اللواء محمد إبراهيم الدويري 27-5-2025: حل الدولتين وخريطة طريق مقترحة

لاشك فى أن أحد الأمور التى يجب أن ننظر إليها بإيجابية حتى لو كانت نسبية يتمثل فى أن مبدأ حل الدولتين لايزال قائما رغم هذا الكم الهائل من الدمار والإحباط والصراعات التى تعج بها المنطقة، فمازال المجتمع الدولى يرى أن هذا هو الحل الأمثل بل الأوحد للقضية الفلسطينية وبدونه سوف تظل المنطقة تعانى مظاهر عدم الاستقرار، ومن ثم فإن مواصلة التمسك الإقليمى والدولى بهذا المبدأ يعد أحد أهم الأولويات التى يجب التركيز عليها خلال المرحلة المقبلة، مع مراعاة ألا يتم تجاوز هذا المبدأ مهما كان حجم العقبات المثارة أمام إمكانية تنفيذه والتى لن تنتهى فى المدى المنظور. وانطلاقا من أن المفهوم المبسط لحل الدولتين يعنى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعيش فى أمن وسلام بجوار دولة إسرائيل، فمن الضرورى حتى نكون واقعيين أن نطرح تساؤلا مشروعا وضروريا وهو هل هذا الحل لايزال قابلا للتنفيذ على أرض الواقع خاصة فى ضوء التطورات الأخيرة وتحديدا الحرب الإسرائيلية على غزة ونتائجها الكارثية وكذا الإجراءات المتطرفة وغير المسبوقة التى تطبقها إسرائيل فى الضفة الغربية، خاصة بالنسبة للاستيطان والتهجير والتدمير والضم؟.

ومن المؤكد أن أى متابع لطبيعة مايجرى فى غزة والضفة الغربية اللذين يشكلان جناحى الدولة الفلسطينية المرتقبة لابد أن يصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن تنفيذ حل الدولتين يتراوح بين الصعوبة الشديدة والاستحالة لاسيما فى ضوء المشروعات الإسرائيلية والأمريكية بالنسبة لتهجير سكان غزة، وضم بعض مناطق الضفة الغربية خاصة غور الأردن وهو الأمر الذى يقوض تماما فكرة حل الدولتين.

ومع التسليم بأن هناك جهودا إيجابية لإعادة الزخم المفقود لمبدأ حل الدولتين ومن بينها المؤتمر المزمع عقده فى نيويورك يوم 17 يونيو المقبل برعاية سعودية فرنسية، وكذا مانراه حاليا من اجتماعات تمهيدية لهذا المؤتمر، فإن المسئولية تفرض علينا أن نسعى بقدر استطاعتنا للبحث الجاد لأول مرة فى كيفية تنفيذ هذا المبدأ وطرح آليات التنفيذ الممكنة، وفى رأيى أن هذا هو التحدى الحقيقى الذى يجب أن نجتازه بأى نسب معقولة من النجاح.

وبالتالى فبما أننا سوف نكون خلال أسابيع قليلة أمام مؤتمر نيويورك فإن السؤال المطروح هنا هو هل ستقتصر نتائج هذا المؤتمر على مجرد إصدار بيان فى ختام اجتماعاته يؤيد مبدأ حل الدولتين ويقترح مبادئ عامة لاتغير من الواقع الحالى شيئا؟ أم أننا سوف نشهد انتقالا جادا إلى مرحلة أكثر ديناميكية تهدف إلى بلورة آليات تنفيذ عملية تسهم فى تحويل حل الدولتين من مجرد مبدأ نظرى يتبناه المجتمع الدولى إلى واقع على الأرض نلمس نتائجه بأنفسنا.

وحتى أكون منطقيا فلا يمكن لى تحميل مؤتمر نيويورك بمفرده مسئولية حل القضية الفلسطينية مهما اتخذ من قرارات، ولكننى أرى أن المؤتمر يعد فرصة جيدة يجب استثمارها لتكون بمثابة متغير جديد يدفع القضية خطوة إلى الأمام بعد كل ماتعرضت له من تراجع وتدمير ممنهج.

ومن هذا المنطلق أرى أنه ابتداء من هذا المؤتمر علينا بدء مرحلة جديدة تماما جوهرها تكثيف التحركات الإقليمية والدولية والعمل على بلورة خريطة طريق تتخطى مرحلة المبادئ العامة فقط وصولا إلى مرحلة تحديد خطوات عملية واضحة من بينها مايلى:

> إنهاء الحرب فى غزة تماما بما فى ذلك انسحاب إسرائيل من القطاع وتدفق المساعدات الإنسانية الكافية، وبدء عمليات إعادة الإعمار.

> وقف أى مشروعات تتعلق بتهجير سكان غزة من أراضيهم.

> وقف التحركات الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية.

> تشكيل لجنة من الأطراف المعنية تتولى الإعداد لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى وتنظيم النواحى الإجرائية، على أن تنهى أعمالها بما لا يتجاوز نهاية أغسطس المقبل، مع حق كل طرف فى تعيين ممثليه فى المفاوضات.

> تحديد توقيت بدء المفاوضات الفعلية بما لايتجاوز أكتوبر 2025.

> تتم المفاوضات برعاية أمريكية مباشرة.

> تأكيد أن كل قضايا الوضع الدائم ستكون مطروحة للتفاوض (الحدود ـ الأمن ـ اللاجئون ـ القدس ـ المستوطنات ـ الأسرى).

> تشكيل لجنة عليا كمرجعية فى حالة تعثر المفاوضات السياسية.

> قبول الأطراف نتائج المفاوضات مادام تم التوافق عليها.

وإذا كانت الرؤية السابقة تمثل من وجهة نظر البعض رؤية مثالية فى ظل تشدد موقف الائتلاف الإسرائيلى وتجاهل الموقف الأمريكى مبدأ حل الدولتين، إلا أننى على قناعة بأنه لامجال أمامنا سوى أن نركز على هذا المبدأ مع حتمية ربطه بآليات تنفيذ واقعية، وأتمنى أن يكون مؤتمر نيويورك خطوة مهمة تفتح الطريق الطويل أمام حل القضية الفلسطينية.

وفى رأيى أن هناك مسارين رئيسيين أعتبرهما مفتاح النجاح فى جهود حل الدولتين وبدونهما لن نتمكن من تحقيق أى تقدم، المسار الأول وهو العمل على جذب الموقف الأمريكى لدعم فكرة استئناف المفاوضات، باعتبارها الطريق الوحيد لحل القضية الفلسطينية، أما المسار الثانى فيتمثل فى أهمية الضغط الأمريكى والإقليمى والدولى على إسرائيل للقبول بالجلوس على مائدة التفاوض، ثم يمكن فى مرحلة تالية النظر فى إمكانية تنفيذ مايتم الاتفاق عليه خلال المفاوضات التى ستكون صعبة ومعقدة للغاية والتى يجب أن تشهد تقديم الطرفين مرونة متبادلة.

الخلاصة فى رأيى أنه رغم كل المعطيات التى تشير إلى تزايد حجم العقبات التى تقوض مبدأ حل الدولتين وعلينا أن نعترف بذلك، إلا أنه لايوجد أمامنا سوى بديلين فقط،الأول الاستسلام للواقع الراهن الأليم وهو أمر مرفوض تماما، والثانى التحرك فى اتجاه حل الدولتين وهذا هو البديل الذى يجب أن نتبناه من منطلق أن مايمكن إنجازه حاليا لن نستطيع إنجازه خلال المرحلة المقبلة التى تتسارع فيها المشروعات المشبوهة التى تهدف فى مجملها إلى تصفية القضية الفلسطينية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى