اللواء محمد إبراهيم الدويري: أزمة غزة بين الرؤى الإسرائيلية والأمريكية

اللواء محمد إبراهيم الدويري 12-5-2025: أزمة غزة بين الرؤى الإسرائيلية والأمريكية
فى ضوء الزيارة المزمعة للرئيس الأمريكى «ترامب» إلى كل من السعودية وقطر والإمارات ابتداء من الثالث عشر من مايو الجارى، تتزايد التساؤلات والتوقعات والطموحات عما يمكن أن تسفر عنه هذه الزيارة المهمة من نتائج فى العديد من القضايا الرئيسية فى المنطقة وتحديدا فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومدى إمكانية أن يسبق الزيارة أو خلالها أو حتى فى أعقابها مباشرة إعلان بوقف إطلاق النار وبالتالى إتمام الخطوات المترتبة على ذلك ومن بينها إنجاز صفقة تبادل الأسرى وإدخال المساعدات.
وبعيدا عما يتردد من وجود خلافات بين الرئيس ترامب ونيتانياهو بشأن بعض الملفات ومن بينها أزمة غزة رغم أننى لا أراهن على ذلك مطلقا، فإن هناك تقاربا كبيرا فى العديد من مواقف الدولتين فى هذه الأزمة ولاسيما بشأن أربع نقاط رئيسية أولها ضرورة القضاء على حماس وألا يشكل القطاع أى تهديد لإسرائيل فى المستقبل، وثانيها الإفراج عن كافة الرهائن، وثالثها عدم إسقاط مشروع التهجير رسميا من أجندة الدولتين، أما النقطة الرابعة فهى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة من خلال آلية جديدة تماما ومتفق عليها بشرط ألا تتمكن حماس من الحصول عليها أو حتى توزيعها.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية لاتحبذ توسيع إسرائيل العملية العسكرية فى غزة من أجل منح فرصة أكبر للعملية التفاوضية إلا أنها لم تطالب إسرائيل بإلغاء العملية أو الإنسحاب من المناطق التى احتلتها والتى وصلت نسبتها إلى حوالى نصف مساحة القطاع، كما أن واشنطن لاتتحدث حاليا عن وقف دائم لإطلاق النار، وبالتالى لايمكن الوقوف عند مسألة وجود خلافات جوهرية بين واشنطن وتل أبيب فى ملف غزة وبالتالى البناء على هذه الخلافات وتأثيراتها.
وقد وضح مؤخرا مدى التركيز الأمريكى على مسألة إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع باعتباره أولوية عاجلة، وبالتالى جاء الطرح المتعلق بالاستعانة بشركات أمريكية وأخرى لتوزيع المساعدات داخل القطاع بشكل محكم بعيدا عن حماس، وفى رأيى أنه رغم أهمية موضوع المساعدات إلا أن هناك جانبين سلبيين فى هذا الأمر الأول أن هناك اتفاقاً أمريكيا إسرائيليا على إنهاء دور وكالة الأونروا أى بعبارة أخرى إنهاء قضية اللاجئين، أما النقطة الثانية فهى التعامل مع القضية الفلسطينية من المنظور الإنسانى وليس من المنظور السياسى وهو مايعد خطوة فى طريق تصفية القضية.
ورغم الموقف الراهن الذى يبدو صعبا ومعقدا فإن الجهود المصرية لم تتوقف مطلقا ومازالت مصر تتحرك من أجل إيجاد حلول وسط للتوفيق بين الموقفين الإسرائيلى والفلسطينى وهناك محاولات جادة للتوصل إلى هدنة لمدة مؤقتة يتم خلالها الإفراج عن مجموعة من الأسرى من الجانبين على أن يتم خلال الهدنة بحث القضايا الخلافية الرئيسية ومن أهمها الإنسحاب الإسرائيلى النهائى من غزة والوقف الدائم لإطلاق النار وعملية إعادة الإعمار ومستقبل سلاح فصائل المقاومة وتحديداً سلاح حركة حماس.
ولاشك أن الجهود المصرية التى تتم بالتنسيق مع الشقيقة قطر وبدعم أمريكى تهدف إلى أن يتم خلال أقرب وقت ممكن الإعلان عن الهدنة التى أصبحت ليست فقط ضرورية من الناحية الإنسانية ولكنها أيضاً من الناحية الأمنية لاسيما وأن والسؤال الذى يجب على الجميع أن يعيه هو ماذا ننتظر من أكثر من 2 مليون مواطن لايجدون أمامهم سوى ثلاثية الجوع والمرض والموت، ومن ثم فإن هذه الجموع الغفيرة سوف تسلك أى طريق ينجيها من هذه الثلاثية المميتة.
والقراءة المنطقية للواقع تقودنى إلى التقدير بأن أكثر ما يمكن أن يتحقق خلال الأيام القليلة المقبلة يتمثل فى التوصل إلى الهدنة المؤقتة لمدة أسابيع قليلة من أجل التفاوض على القضايا الرئيسية، وفى رأيى أن هذا التطور إذا حدث فإننى سوف أعتبره إنجازا ملموساً فى ضوء تصاعد حجم الكارثة الإنسانية فى غزة، وهذه هى المسئولية التى تقع على كاهل الرئيس الأمريكى «ترامب» فنحن لا نطالبه الآن بحل القضية الفلسطينية ولكننا نطالبه بالضغط على إسرائيل من أجل الموافقة على هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس وتوفير مناخ هادئ نسبيا لبحث القضايا الأخرى، وأعتقد أن «ترامب» لايزال قادرا على أن يتوصل إلى الهدنة وهو ما نأمل أن نراه قريبا بغض النظر عن زيارته لمنطقة الخليج.
أما ترتيبات اليوم التالى فمن الواضح أنها لم تعد مرتبطة بالأوضاع فى غزة فقط بل أصبحت تتعلق بترتيبات أشمل لمنطقة الشرق الأوسط سواء فى فلسطين أو سوريا أو لبنان أو اليمن أو إيران أو العلاقات المستقبلية بين «ترامب» ودول الخليج، بالإضافة إلى أهم نقطة فى رأيى وهى مستقبل دمج إسرائيل فى المنظومة الإقليمية بجوانبها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية وغيرها من المجالات وهذا ما سوف نراه فى المرحلة القادمة.
الخلاصة أن التحرك المصرى لم ولن يتوقف رغم التشدد الإسرائيلى غير المسبوق والذى يرفض وقف القتال نهائياً فى غزة لأنه يعنى سقوط الائتلاف، وأعتقد أن الجهد المصرى والقطرى يتحرك جديا فى مسار التوصل إلى هدنة قريبة، أما الإدارة الأمريكية فهى تتحرك بهدوء ويكاد يكون تركيزها الرئيسى على تحقيق الهدنة من أجل الإفراج عن المواطن الأمريكى المحتجز وإدخال المساعدات حتى يعلن «ترامب» أنه حقق إنجازا فى هذا الملف، أما دون ذلك فإن واشنطن منحت الحرية لإسرائيل لتنفيذ كل الإجراءات التى تراها مناسبة سواء فى غزة أو الضفة الغربية أو ضد الحوثيين أو تجاه أى جبهة أخرى بإستثناء إيران فقط التى يتطلب التعامل العسكرى معها تنسيقا أمريكيا مسبقاً، وفى النهاية مازلنا ننتظر ماذا فى جعبة «ترامب» عندما تستقر رؤاه النهائية تجاه قضايا المنطقة.